لم تفلح كل محاولات الغرب عمومًا، والولايات المتحدة خصوصًا، في الإبقاء على سعر النفط مستقرًا منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، بل استمر في الارتفاع حتى وصل إلى سعر 130 دولارًا للبرميل الواحد في السابع من مارس (آذار) 2022 وهو أعلى سعر منذ عام 2008، قبل أن يعود للهبوط إلى حول 120 دولارًا للبرميل الواحد في التاسع من مارس 2022.
واشتملت هذه المحاولات على الإفراج عن احتياطيات النفط الإستراتيجية لزيادة المعروض، على أمل أن يؤدي ذلك إلى انخفاض سعر النفط، أو طمأنة الأسواق بعدم فرض عقوبات على التعاملات المالية المتعلقة بالطاقة على روسيا.
لكن الأسواق المالية لا تستطيع اعتماد أقوال الحكومات باعتبارها مسلمات للمستقبل؛ لذا فعلى الرغم من عدم وجود عقوبات على نفط «الأورال» الروسي، إلا أنّ المستوردين لا يشترونه، وكذلك شركات الشحن لا تبدي استعدادًا لنقله، ولا ترغب شركات مصافي البترول في أخذه وتحويله، بحسب Bloomberg.
كل هذا يعني أن الطلب على النفط الروسي في حالة انخفاض؛ وهو ما أدى إلى جعل سعره أقل من مثيله في الدول المنتجة للنفط بـ 18 دولارًا للبرميل، ولكن الطلب على النفط عمومًا لم ينخفض، بل انتقل كثيرون إلى شراء خامات أخرى غير «الأورال» الروسي، وأدى ارتفاع الطلب على هذه الخامات إلى ارتفاع في أسعار النفط بشكل عام.
النفط.. كيف ندرك اتجاه الأسعار؟
قبل الخوض في الآثار السياسية المحتملة لارتفاع أسعار النفط، يمكن التطرق لأحد السيناريوهات الجنونية، المطروحة من طرف المستثمرين في سوق النفط، والمتعلقة بتوقع سعره خلال الفترة القصيرة القادمة، ولنحاول سرد بعض التعريفات الأساسية قبل الخوض في مسألة تقنية نوعًا ما، ولكنها مهمة جدًّا لمعرفة التوقعات المستقبلية لسعر النفط:
أولًا: مدة التوقعات
تتعلق التوقعات بمدتين: واحدة بالغة القصر تتعلق بالأيام القليلة المقبلة، وتحديدًا حتى نهاية الشهر الحالي مارس 2022، أما المرحلة الأخرى فهي على مدى الشهور القادمة، وتحديدًا حتى نهاية عام 2022.
ثانيًا: نوعية التوقعات
هناك طرق عديدة لرصد توقعات المؤسسات والمستثمرين للأسعار المستقبلية؛ أولها أن تصرح مؤسسة ما بهذا التوقع، مثل بنك «JPMorgan» الذي كان يتوقع سعر برميل نفط للعام الجاري حول سعر 125 دولارًا للبرميل، على أن يرتفع إلى 150 دولارًا في عام 2023، إلا أن البنك عدّل توقعاته مؤخرًا، وأوصلها في 2022 إلى 184 دولارًا للبرميل، متخطيًا الرقم القياسي الأعلى في التاريخ، وهو 147 دولارًا للبرميل الواحد، والذي حققه النفط في عام 2008، عام الأزمة المالية العالمية.
أما بالنسبة للنوع الثاني؛ فهو متعلق بإحدى طرق الاستثمار في النفط، وهي لا تقتصر على شراء العقود الآجلة فقط، بل تتضمن أنواعًا أخرى، مشتركة أيضًا مع أسواق الأسهم وغيرها من الأسواق، وهي ما يعرف بـ«خيارات الشراء Call Option».
وتمكن «خيارات الشراء» المستثمرين من الاستفادة من توقعاتهم حول اتجاهات الأسعار المستقبلية؛ دون شراء الأسهم أو عقود النفط نفسها، بل عن طريق آلية استثمارية مستحدثة وذات خسائر محدودة، ما يجعلها مغرية لكثير من المستثمرين.
ففي حال قررت الاستثمار في «خيارات الشراء» فإنك ستنظر إلى السعر الحالي، ولنقل أن السعر الحالي للنفط 120 دولارًا للبرميل، وستراهن -أو تتوقع بناء على تحليلك- أن برميل النفط سيرتفع في الفترة القادمة إلى 140 دولارًا، إلا أنك لا تريد أن تخاطر بأن يفقد النفط سعره، وتخسر معه أموالك.
ويتكون «خيار الشراء» من عدة أمور؛ أولها المدة المحددة مسبقًا، كأن نقول إن «خيار الشراء» سيجري تطبيقه يوم 28 مارس القادم، وعندها سيكون لك الخيار لتطبيق «خيار الشراء» إذا كان ذلك مربحًا لك، أو تركه مع خسارة ما دفعت مقابله.
ثانيها هو الرسم الذي تدفعه مقابل أن تمتلك «خيار الشراء»، وهو بالعادة أقل بكثير من سعر الأصل نفسه، بمعنى أنك قد تشتري «خيار شراء» للنفط بدولارين ونصف، بينما سعر برميل النفط الحالي 120 دولارًا، وهكذا.
ثالثها سعر تنفيذ «خيار الشراء»، فمثلًا إذا كان السعر الحالي 120 دولارًا للبرميل، فإن ذلك يعني أنك ستجد عزيزي القارئ في السوق خيارات شراء مربحة عند 130،140،150،160 دولارًا للبرميل على سبيل المثال.
ولفهم آلية عمل «خيار الشراء» فلنأخذ الحالة الآنية للنفط لتوضيح المثال، سعر النفط الحالي بلغ 125 دولارًا، وهناك «خيارات شراء» عديدة، أعلاها، مثلًا، «خيار الشراء» عند سعر تنفيذ 200 دولار، وسعره اليوم الأربعاء 9 مارس 2022 حول 2.4 دولار للبرميل، وموعد تنفيذ الخيار في يوم 28 مارس المقبل.
في حال أن موعد تنفيذ الخيار جاء، وكان سعر برميل النفط حينها 220 دولارًا للبرميل؛ فذلك يعني أن المستثمر سيكون ربحه وفقًا للمعادلة التالية (الربح= سعر البرميل عند 28 مارس -سعر تنفيذ الخيار- سعر الخيار) وفي حالتنا سيكون الربح=220-200-2.4= 17.6 دولارًا لكل برميل نفط.
يمكن استخدام هذه الآلية لتحقيق ربح كبير مقابل الخسائر المنخفضة نسبيًّا، ففي حال تحقق الحالة المذكورة آنفا؛ فإن المستثمر سيكون قادرا على تحقيق ربح يتجاوز 17 دولارًا للبرميل، مقابل ألا تكون خسارته المحتملة أكثر من ثلاثة دولارات.
لذا فبالإضافة إلى كونها آلية تحقيق الربح فإنه يمكننا أن نستخدمها أيضًا لمعرفة توقعات المستثمرين عن أسعار النفط في المستقبل، وحاليًّا هناك توجه لدى بعض المستثمرين، يتضمن توقعًا جنونيًّا لارتفاع أسعار النفط لأكثر من 200 دولار، بحسب «Bloomberg»، ويضارب عدد أكبر من المستثمرين على هذا السعر لتنفيذ الخيار، والذي يحين موعد استحقاقه بتاريخ 28 مارس 2022، وهو ما يعني أنهم يتوقعون ارتفاعًا يتجاوز 40% من السعر الحالي، قبل نهاية الشهر.
الغرب يضطر لتعديل سياساته الخارجية تجاه «المغضوب عليهم»
يبقى السؤال مطروحًا: كيف ستكون الآثار السياسية المترتبة على مثل هذا الارتفاع لأسعار النفط؛ عدا عن إمكانية ارتفاع أسعار الغاز أيضًا، وتحديدًا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية وبقية دول أوروبا؟
يجد الغرب نفسه اليوم مضطرًا لتعديل كثير من خياراته في السياسة الخارجية، وتحديدًا تجاه دول اعتبرت «مارقة»، وربما حتى داعمة للإرهاب ومعادية لمصالح الغرب بشكل جذري، نظرًا لأهميتها من ناحية كونها دولًا مصدرة للنفط، أو على الأقل تحظى باحتياطيات نفطية كبيرة جدًا.
«مصائب قوم عند قوم فوائد».. الحظ الجيد لإيران وفنزويلا
إذا كان العالم على موعد مع انقطاع إمدادات النفط الروسي؛ فإن ذلك يعني ضرورة استبدالها بإمدادات أخرى، خصوصًا وأن أسعار النفط كانت تشهد حالة ارتفاع قبل الحرب في أوكرانيا، وقبل المخاوف من انقطاع النفط الروسي.
فروسيا قادرة على الوصول إلى إنتاج للنفط يتجاوز 11 مليون برميل في اليوم، وهو ثالث أكبر إنتاج في العالم، وتحتاج الأسواق الغربية إلى دخول الكثير من المنتجين إلى السوق أو رفع إنتاج المنتجين الحاليين؛ من أجل التخلي عن الإنتاج الروسي من النفط، وهي مهمة صعبة التنفيذ، وقد لا تكون ممكنة أصلًا دون الخروج عن قواعد السياسة الخارجية المعتادة للغرب.
وحتى الآن؛ أبدى الغرب استعدادًا لتعديل سياسته الخارجية تجاه بلدين حليفين لروسيا، ويمكنهما أن يستبدلا ولو جزءًا من الإنتاج الروسي المحتمل فقدانه في سوق النفط العالمية؛ وهما فنزويلا وإيران.
أولًا: فنزويلا
تحتوي فنزويلا على أكبر احتياطي للنفط في العالم، وهو يقارب الخُمس من مجمل الاحتياطات العالمية، مع ذلك فهي ليست بين أكبر 10 منتجين للنفط في العالم، والسبب الأساسي يعود إلى العقوبات الغربية على صادرات النفط الفنزويلي، والتي نجحت في تخفيض إنتاج النفط الفنزويلي بشكل ملحوظ جدًّا، إلى أقل من 15% مما كانت تنتجه في عقد التسعينيات.
لكن الولايات المتحدة تعلم جيدًا مخاطر تخفيض العرض العالمي من النفط على اقتصاد العالم؛ وبالتالي على سياستها وسياسة حلفائها الداخلية والخارجية، ولذلك بدأت بمحاولة التقارب مع فنزويلا لتخفيف العقوبات والسماح لها برفع إنتاجها وصادراتها من النفط، لتخفيض مخاوف انقطاع النفط الروسي.
لذا فقد توّجه وفد رسمي رفيع من الولايات المتحدة إلى فنزويلا، هو الأول من نوعه منذ سنوات، بهدف بحث تخفيف العقوبات، مقابل رفع الإنتاج النفطي الفنزويلي، وبالتالي زيادة المعروض من النفط العالمي، لمحاولة تقليل أسعار النفط عالميًّا.
لكن فنزويلا سابقًا توجهت نحو روسيا وحليفتها الصين لمساعدتها اقتصاديًا لمواجهة آثار العقوبات، وتعد كاركاس خصمًا قديمًا للولايات المتحدة، وحليفًا وثيقًا للروس والصينيين، ما يعني أن مثل هذه التغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية قد تلاقي حاجزًا متمثلًا في هذه العلاقات المتينة، وبمعرفة فنزويلا التاريخية بإمكانية التعويل على تحالفها مع روسيا، خصوصًا في ظل المطالبات الغربية بألا تنسى الولايات المتحدة «تركيزها على الديمقراطية ونشرها» في العالم، بما في ذلك في فنزويلا، والتي حاولت أمريكا التأثير في مسار أحداثها السياسية الداخلية في السابق.
في المقابل فإن تخفيف العقوبات يمثل مصلحة كبرى لفنزويلا، والتي ستعني رفع أرباحها من النفط بشكل كبير، لا بسبب ارتفاع الصادرات فقط، بل أيضًا نتيجة للسعر المرتفع عالميًّا للنفط، والذي كان يُتوقع تجاوزه لحاجز 120 دولارًا قبل الهجوم على أوكرانيا حتى.
وتلوم فنزويلا الغرب على التسبب في إشعال الأزمة الأوكرانية؛ كما هو متوقع من أحد أقرب حلفاء موسكو، فلا يتوقع أن يكون لهذه الزيارات رفيعة المستوى أثر كبير في تغير تحالفات كاراكاس، ولهذا فإن مثل هذا التغير هو أحد الآثار السلبية الضرورية الناتجة عن موقف الغرب المتشدد عمومًا من روسيا.
ثانيًا: إيران
بالإضافة إلى فنزويلا؛ هناك حليف آخر لروسيا قد يستفيد من استمرار الحرب في أوكرانيا، وهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي تفاوض حتى هذه اللحظة لإحياء اتفاق عام 2015 النووي، وتملك إيران رابع أكبر احتياطي للنفط في العالم، وتصل قدرتها على الإنتاج نحو 4 ملايين برميل يوميًّا، وهو سابع أكبر إنتاج في العالم.
وعلى مدى الشهور الماضية؛ جرت محادثات بين إيران والولايات المتحدة بشكل غير مباشر، على أمل إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي جرى التوصل إليه في عهد باراك أوباما الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية في 2015، والذي يمنعها من تطوير أسلحة نووية.
Embed from Getty Images
المحادثات حول الاتفاق النووي
وبعد أن ظهر أن المحادثات أصبحت في أيامها الأخيرة، ومتجهة نحو إعلان اتفاق نووي بين إيران والقوى العظمى، بسبب آمال الغرب بإرجاع تدفق النفط الإيراني في السوق العالمية، والذي سيخفف من حدة انقطاع الإمدادات الروسية، قررت روسيا إلقاء قنبلة دبلوماسية بتصريحات وزير خارجيتها سيرجي لافروف في اللحظات الأخيرة.
إذ طلب لافروف أن يحصل على ضمانة خطية من الولايات المتحدة، تتضمن ألا تمس العقوبات الحالية المفروضة على روسيا بعلاقاتها التجارية والعسكرية مع إيران، وهو ما انتقدته الولايات المتحدة بشدة، مؤكدة ألا علاقة بين العقوبات على روسيا والاتفاق النووي مع إيران.
في المقابل؛ طلبت إيران توضيحات من موسكو على تصريحات وزير خارجيتها، وأكدت أنها ستتخذ قراراتها بناء على مصالح الأمة الإيرانية فقط، علمًا بأن الغرب وعقوباته لن تؤثر في العلاقات التي ترى فيها مصلحة قومية، بما في ذلك علاقتها مع موسكو، والتي تراها إيران حليفًا يُمكن الوثوق بها، على عكس واشنطن التي جربتها سابقًا، عندما أعلنت الخروج من الاتفاق النووي.
وفي حال تفاهم الغرب مع إيران وفنزويلا فقد يوفر البلدان 70% من الإنتاج الروسي للنفط، وبالتالي من المحتمل أن يخفف ذلك من أزمة ارتفاع أسعار النفط العالمية، ولكن الاتفاق لم يتم بعد، وبين تساهل الغرب الحالي بسبب تلهفه لضخ النفط الإيراني، وقدرة روسيا على التأثير في الوصول إلى اتفاق مع طهران، نظرًا لعلاقتها المتينة بإيران، تبقى جميع الاحتمالات قائمة، وينطبق المثل على حالة فنزويلا، لذا فقد يحتاج الغرب أيضًا للتحرك في ملفات متعلقة بدول أخرى، مثل ليبيا التي قد يساهم حل مشكلات تصديرها للنفط في خفض أسعاره في العالم.
نافذة محمد بن سلمان للخروج من العزلة
تعديلات السياسة الخارجية الغربية قد لا تقف على سلوكها مع خصومها، فالغرب كان يتخذ موقفًا متشددًا من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بعد اتهامات وُجهت إليه بأنه أمر باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ولكن هل تساهم الأزمة الحالية في محو هذه النقطة من مسيرته وعودة العلاقة الطيبة معه؟
محمد بن سلمان ولي العهد السعودي
طوال شهور أصرت السعودية على إبقاء إنتاجها من النفط عند 10 مليون برميل، رغم قدرتها على إنتاج 12 مليون برميل في اليوم، رافضة بذلك طلبات أمريكية لزيادة الإنتاج، والذي يُتوقع أن يسهم في تخفيض أسعار النفط في العالم.
والمتوقع أن هذا الخلاف يرجع إلى رغبة بايدن بالتشدد إزاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بسبب قضية اغتيال خاشقجي، ويبدو أن السعودية تستغل الحاجة الأمريكية إليها للضغط على واشنطن، لإجبار إدارة بايدن على تحسين العلاقات معها، ونسيان ملفات حقوق الإنسان، ويبدو أن إدارة بايدن قد تخضع للضغوط السعودية، وبحسب بعض التقارير فإن بايدن يخطط لزيارة السعودية لمناقشة عرض النفط العالمي، نتيجة لارتفاعه الهائل بسبب الأزمة الأوكرانية الحالية.
فهل يتسبب تركيز الغرب على معاقبة روسيا على هجومها على أوكرانيا، في نسيان ملفات حقوق الإنسان في العالم؟ وهل يفتح مجالًا لدول الشرق الأوسط للتحرك بشكل مريح في قمع معارضيها، نتيجة لهذا الانشغال؟ وبالأخص الدول المصدرة للطاقة، والتي تمتلك أوراق ضغط على السياسة الخارجية للغرب الذي يحتاجها اليوم أكثر من أي يوم مضى؟ هذا ما سنعرفه في الشهور القادمة.
وبالطبع فإن كل الدول المصدرة للغاز والنفط ستكون قادرة على تعظيم رصيدها السياسي، بسبب الحاجة إلى الطاقة في العالم، ورصيدها الاقتصادي أيضًا بسبب ارتفاع أسعارها الكبير، والذي سيدعم ميزانياتها وتجارتها مع الخارج بشكل كبير.
مأزق التضخم.. ارتدادت «عقوبات روسيا» في وجه الحزب الديمقراطي الأمريكي
ينتظر الأمريكيون موعد انتخابات مهمة؛ هي الانتخابات النصفية للكونجرس، والتي قد تنهي الأكثرية الديمقراطية لصالح الجمهوريين، في الانتخابات المقررة نهاية عام 2022، وقد تكون مؤشرًا لصورة الانتخابات الرئاسية بعدها بعامين، وعاملًا أساسيًّا في هامش الحركة لإدارة بايدن الحالية.
ويعد التضخم أحد أهم عوامل تحديد المواطنين الأمريكيين لاتجاه تصويتهم؛ وقد بلغ قبل بدء الحرب على أوكرانيا، نحو 7.5%، ويتوقع أن يرتفع أكثر مع ارتفاع أسعار النفط والغاز، والتي تؤثر في باقي أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد.
يعمل التضخم على تقليل كمية المنتجات التي يمكن شراؤها بنفس الكمية من النقود، وهو تهديد حقيقي على القدرة الشرائية للمواطنين، وبطبيعة الحال يشكل تخوفًا كبيرًا من الناخبين؛ الذين ينتظرون من إدارات بلدانهم دائمًا حلولًا للمشكلة.
وفي ظل الوضع الحالي؛ لا يبدو أن الغرب يمتلك حلًّا لهذه المشكلة، بل إن الإدارات الغربية قد تكون أطلقت النار على قدمها، في نفس الوقت الذي تحاول التصويب فيه على قلب الاقتصاد الروسي، حين فرضت عليه عقوبات تدميرية.
في أي انتخابات قادمة في الولايات المتحدة أو في أوروبا؛ سيكون التضخم أحد العوامل المهمة في تحديد اتجاه التصويت، ولا يعني ذلك كونه العامل الوحيد، ولكن بالتأكيد سيكون أحد العوامل المهمة، خصوصًا إذا امتدت الأزمة لشهور طويلة، وبدأ شعور التضامن مع أوكرانيا بالانخفاض لصالح الشعور بعبء التضخم على الدخول.
بالطبع؛ لم يفوّت الجمهوريون في الولايات المتحدة فرصتهم للانقضاض على الإدارة الحالية، وعلى الأكثرية الديمقراطية، ناشرين دعاية عن سوء إدارة بايدن للأزمة الحالية، ولتعامل الإدارة مع قطاع النفط الأمريكي.
تقول هذه الدعاية إن بإمكان الولايات المتحدة أن تسمح برفع الإنتاج الأمريكي من النفط والغاز، بما يسمح بتعويض انقطاع النفط والغاز الروسي، وربما البدء بتصديرهما إلى الخارج أيضًا، للاستفادة من عائداته، وبغض النظر عن صحة هذه الدعاية من عدمها؛ قد يكون لها أثر كبير في التأثير على اتجاهات التصويت في الانتخابات القادمة إذا ما استمرت الأزمة واستمر التضخم، وقد يمتد الأثر إلى الانتخابات الرئاسية في عام 2024.
العقوبات على موسكو.. فرصة ذهبية لجبهة روسيا-الصين
يخشى الغرب من جبهة تتشكّل لمواجهته؛ قلبها الصين وروسيا، ولكنها تضم دول أخرى حليفة تشمل إيران وفرنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وغيرها من الدول، بالإضافة إلى منظمات مثل حزب الله اللبناني وحركة أنصار الله (الحوثيون) اليمنية.
على المدى البعيد؛ قد تتشكل هذه الجبهة بالفعل، وقد ينتج عنها انقسام العالم إلى مجالين اقتصاديين، مجال غربي يقوم على الولايات المتحدة وأوروبا وحلفائهما الذين يشكلون النسبة الأكبر من الاقتصاد العالمي، وحلف آخر تشكله الصين وروسيا وحلفاؤهما، وكل الدول المعاقبة من طرف دول المجال الأول بطبيعة الحال.
مثل هذا الانقسام يعني فرصة كبيرة للدول المعاقبة لتنفيذ سياساتها دون الخوف من العقوبات، لكونها ستستطيع استكمال تجارتها مع مجال اقتصادي كامل مشتمل على اقتصاد بحجم الصين، وقد تنضم إليها اقتصادات أخرى كبيرة الحجم أيضًا، بالإضافة إلى روسيا التي تمثل الاقتصاد رقم 11 على العالم (ضيف مصدر) من ناحية الحجم.
سيشتمل هذا المجال الاقتصادي -في حالة تشكله- على بعض أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، مثل روسيا، إيران وفنزويلا، يمكنها التكامل اقتصاديًّا مع دول أخرى مستوردة، مثل الصين؛ التي تعتبر أحد أكبر مستوردي النفط في العالم، إن لم تكن أكبر مستورديه على الإطلاق، ما يعني إمكانية تكامل اقتصادي بين هذه الدول في هذا المجال.
لكن على المدى القصير على الأقل؛ قد يمثل النفط مصدر خلاف بين هذه الدول، فبينما يمكن أن تساعد الصين في تخفيف العقوبات على روسيا، وخصوصًا في مجال التجارة؛ فإن الصين لن تكون سعيدة بارتفاع أسعار النفط والغاز في السوق؛ وقد تفاوض روسيا لشرائه على سعر مخفض.
ولكن هذا أقل المشاكل المحتملة لروسيا؛ فالأخيرة مستفيدة مما يسببه ارتفاع أسعار الطاقة عالميًّا من أثر سياسي، واستمرار هذا الارتفاع يعني أن العقوبات لا تؤثر فيها فقط، بل تؤثر في الغرب نفسه، وعلى الإدارات التي دفعت نحو التأزيم مع روسيا، على الأقل من وجهة النظر الروسية.
روسيا حذرت أن العقوبات على النفط الروسي قد تؤدي إلى ارتفاع جنوني في أسعاره، قد تصل إلى 300 دولار للبرميل الواحد، لكن المساعي الأمريكية الحالية لتخفيض سعر النفط تتوجه نحو حلفاء روسيا الحاليين، وأعضاء في جبهة الصين-روسيا أيضًا.
فقد اشترطت أمريكا على فنزويلا أن تصدّر جزءًا من نفطها إليها، في حال الموافقة على تخفيف العقوبات على كاراكاس، لتأمين مستوردات نفط إضافية في السوق الأمريكية، كما أن الاتفاق النووي مع إيران وما سيتبعه من رفع للعقوبات سيكون مفيدًا للغرب لتخفيف الضغط على أسعار الطاقة أيضًا، وتصريحات لافروف الأخيرة التي تهدد إمكانية الموافقة على توقيع الاتفاقية قد تكون محاولة روسية لمنع ضخ النفط الإيراني في السوق العالمية.
في المقابل؛ طلب إيران من روسيا توضيح تصريحات لافروف قد ينبئ عن انزعاج إيراني من موقف موسكو، إلا أنه لا إشارات تذكر على حدوث شرخ حقيقي بين روسيا وإيران، بل إن التوصل لاتفاق مع الغرب لن يعني انسحاب إيران من الصراع في المنطقة، والذي يبقيها في مواجهة مع السياسات الغربية، وحليفًا في نفس الوقت لموسكو، مع علاقات جيدة مع الصين.
علامات
الاقتصاد, التضخم, الحرب على أوكرانيا, العقوبات, العقوبات الاقتصادية, الغرب, النفط, حرب أوكرانيا, روسيا