يشيع إصابة الكثير من النساء بعد الولادة، ببعض الاضطرابات النفسية أو حتى مشكلات الصحة العقلية، وفي بعض الحالات تكون هذه الأزمات مؤقتة وتمر بعد فترة قصيرة من الوقت، بينما تستغرق في حالات أخرى وقتًا أطول، وقد تحتاج إلى اللجوء لمتخصص للتعامل مع الحالة. من هذه الأزمات النفسية الشائعة: اكتئاب ما بعد الولادة، والذي من المؤكد أنك قد سمعت عنه أو حتى تعرضت لمصابة به في موقف أو أكثر.

لكن، اكتئاب ما بعد الولادة ليس أخطر ما تتعرض له النساء من اضطرابات عقلية بعد الولادة، فهناك ذهان ما بعد الولادة، الذي يتسبب في إصابة المرأة بأعراض قد تكون مخيفة؛ فقد تسمع أصواتًا، وترى أشياء ليست حقيقية. في السطور التالية نتعرف أكثر إلى تعريف هذا الاضطراب وأعراضه وطرق التعامل الفعَّال معه.

ما هو ذهان ما بعد الولادة؟

ذهان ما بعد الولادة هو مرض عقلي خطير يجب التعامل معه بوصفه حالة طبية طارئة، يؤثر في النساء بعد الولادة بفترة قصيرة، وهو ليس شائعًا بدرجة شيوع اكتئاب ما بعد الولادة نفسه، فوفقًا لبعض التقديرات يُصيب هذا الاضطراب واحدة تقريبًا من كل 500 أم بعد الولادة.

تبدأ أعراض ذهان ما بعد الولادة في الظهور فجأة، خلال الأسبوعين التاليين للوضع، وأحيانًا تبدأ الأعراض في الظهور خلال ساعات فقط من وضع الأم مولودها. في حالات أخرى، وإن كان هذا نادر الحدوث، يمكن أن تظهر الأعراض بعد عدَّة أسابيع من يوم الولادة.

هناك بعض الأعراض التي تُميز ذهان ما بعد الولادة عن غيره من الاضطرابات النفسية التي قد تحدث خلال هذه المرحلة، من هذه الأعراض:

الهلوسة: وتشتمل الهلوسة على سماع أو رؤية أو شم أو الشعور بأشياء غير موجودة واقعيًّا.

الأوهام: من أعراض الذهان أيضًا الأوهام، وهي أفكار أو معتقدات خاطئة تمامًا ولا تمتُّ للواقع بصلة.

الهوس: وهو التحدث والتفكير كثيرًا أو بسرعة كبيرة جدًّا، أو الشعور بفرط النشاط والانتشاء غير المُبرر، بالإضافة إلى جنون العظمة والريبة في المحيطين وبشأن الأحداث المُحيطة حتى العادي منها.

قد تصل مُضاعفات الإصابة بذهان ما بعد الولادة إلى انتحار الأم المُصابة به، ورُبما يصل الأمر أيضًا إلى إيذاء الأطفال، ويحدث هذا لأن المرأة التي تُعاني من الذهان تمر بمرحلة انفصال عن الواقع. خلال هذه الحالة، تبدو الأوهام والمعتقدات منطقية وحقيقية للغاية بالنسبة لها؛ قد تتخذ الأوهام أشكالًا عديدة، وليست كلها مؤذية.

جدير بالذكر أن غالبية النساء اللواتي يُعانين من ذهان ما بعد الولادة لا يؤذين أنفسهن أو أي شخص آخر بالضرورة، ومع ذلك، هناك دائمًا نسبة مُحتملة من الخطر؛ لأن الذهان ينطوي على التفكير الوهمي والحكم غير العقلاني، لذلك، يصبح العلاج الفوري للمرأة التي تعاني من الذهان أمرًا ضروريًّا.

من ناحية أخرى، يشترك ذهان ما بعد الولادة مع بعض الاضطرابات النفسية الأخرى، والتي منها اكتئاب ما بعد الولادة في بعض الأعراض، مثل: البكاء غير المُبرر، ونقص الطاقة، وفقدان الشهية، والقلق، والانفعالات الحادة غير المُبررة، بالإضافة إلى مواجهة بعض المشكلات أو الاضطرابات في النوم. كذلك، قد يشترك الذهان مع الاضطرابات النفسية الأخرى في كون الأم المُصابة به تشعر وكأنها تتصرف بطريقة خارجة عن شخصيتها التي اعتادت عليها.

لكن.. هل هناك أسباب تؤدي إلى حدوث ذهان ما بعد الولادة؟

أي أم تتعرض لهذه الحالة العقلية، عليها أن تعرف أن الإصابة بذهان ما بعد الولادة ليس خطأها، فهو لا ينتج من أي شيء فكرت فيه أو فعلته على الإطلاق، هذا الاضطراب لا ينتج من مشكلات العلاقة الزوجية، أو التوتر، أو أي هواجس أو مخاوف تدور في رأس المرأة حول الحمل.

على النقيض مما سبق، قد تكون الأسباب التي تقف وراء حدوث ذهان ما بعد الولادة، هي أسباب خارجة عن سيطرتكِ أو نطاق تحكمكِ في الأمور، فمثلًا يمكن أن يكون التاريخ المرضي لعائلتكِ والعوامل الوراثية من العوامل المهمة لحدوث ذهان ما بعد الولادة، فتزداد احتمالية إصابتكِ بذهان ما بعد الولادة إذا كان أحد أقربائك مصابًا به.

أيضًا يمكن أن تزداد احتمالية إصابتكِ بذهان ما بعد الولادة إذا كُنتِ تُعانين سابقًا من اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول أو اضطراب فصامي، أو حالة ذهان حدثت بعد ولادة طفل سابق، أو تاريخ من ذهان ما بعد الولادة لدى أحد الأقارب.

وهكذا تتجنبين الإصابة به

إذا كُنتِ تجدين أن عوامل الخطر السابقة مُتوفرة في حالتكِ، وتحتاجين إلى أخذ احتياطاتكِ للوقاية من حدوث ذهان ما بعد الولادة، فأفضل ما تفعلينه هو إخبار طبيبكِ النفسي وطبيبكِ العام بأنك تريدين الحمل قبل البدء في محاولة الإنجاب. يُمكنك مناقشة أي أدوية سيُمكنكِ تناولها معهم، كما سيمكنهم تقديم النصح لكِ حول ما يجب عليكِ فعله قبل فترة الحمل وخلالها.

أما إذا كنتِ حاملًا بالفعل، فمن المهم إخبار الأطباء بحملكِ وبأي مرض عقلي قد عانيتِ منه سابقًا، فيجب أن يكونوا على علم بأن لديكِ مخاطر عالية للإصابة بذهان ما بعد الولادة حتى يتمكنوا من التعامل مع الأمر.

حاولي الحصول على أكبر قدر ممكن من النوم والراحة في أواخر الحمل وبعد الولادة. قد يكون هذا صعبًا مع وجود مولود جديد، لذا اطلبي من شريككِ أو عائلتكِ تقديم المساعدة ودعمكِ.

علاج دوائي ودعم نفسي.. هكذا يجري التعامل مع هذا المرض المخيف

«فقدت التواصل مع الواقع تمامًا، وكنت مقتنعة بأن هاتفي يرن ليلًا وأرى اسم والدي الذي توفي منذ ثلاث سنوات. كنت مدفوعة للقيام بأشياء غريبة على من حولي، مثل إعادة ترتيب خزانة المطبخ يوميًّا من الساعة 3 إلى 4 صباحًا، كما كنت أسجل قوائم إرشادات لمن معي بالمنزل كل يوم، وأقوم بحركات بيدي لا أفعلها عادة وليس منها هدف، ثم بعد ذلك أصبحت ذهانية».  *ليزا أبرامسون، أصيبت بالذهان بعد ولادة طفلها الأول

قد يكون هذا الاضطراب خطيرًا، والجانب الأخطر فيه أنه يتطور سريعًا إذا لم يتم التعامل الفعَّال معه، لكن الجانب الممتلئ من الكوب هنا، أن معظم المصابات بذهان ما بعد الولادة يتعافين تمامًا طالما يتلقين العلاج المناسب.

بالإضافة إلى العلاج الدوائي الذي يُحدده الطبيب، هناك أيضًا جانب العلاج النفسي، والذي يندرج تحته العلاج السلوكي المعرفي، هذا النوع من العلاج يمكن وصفه بأنه علاج بالكلام يُساعدكِ في إدارة مشكلاتكِ عن طريق تغيير طريقة تفكيركِ في المشكلات التي تواجهينها وطريقة تصرفكِ تجاهها.

من المهم للغاية أيضًا الحصول على الدعم الاجتماعي، فهو أكثر ما يساعدنا في التغلب على مشكلاتنا العقلية واضطراباتنا النفسية، فقد يكون التحدث إلى الأقران وغيرهم ممن لديهم خبرة سابقة مع المرض مفيدًا، كذلك، فالحصول على دعم الزوج والعائلة والأصدقاء هو أمر بالغ الأهمية خلال هذه الأوقات.

اكتئاب مع بعد التعافي.. هكذا يجب معاملة مريضة الذهان

تستمر أعراض ذهان ما بعد الولادة الأكثر شدة من أسبوعين إلى 12 أسبوعًا، ويمكن أن تستغرق الحالة قبل التعافي التام ما يتراوح بين 6 إلى 12 شهرًا أو أكثر. يحدث التعافي التام إذا حصلت المُصابات بذهان ما بعد الولادة على العلاج والدعم المناسب.

من المهم هنا معرفة أن نوبة ذهان ما بعد الولادة يتبعها أحيانًا فترة من الاكتئاب والقلق وانخفاض الثقة، فقد تواجه بعض الأمهات صعوبة في الارتباط بأطفالهن بعد نوبة ذهان ما بعد الولادة، أو يشعرن ببعض الحزن لفقدان الوقت السابق دون أن يستطعن أن يكنَّ مع أطفالهن خلال اللحظات والساعات الأولى من وجودهم في الحياة.

صحة

منذ 4 سنوات
«حلمٌ جميل بتبعاتٍ مخيفة».. لماذا ينتحر آباء وأمهات بعد الولادة؟

رغم أن المرحلة التالية للإصابة بذهان ما بعد الولادة قد تكون صعبة أيضًا، فإنه يمكن تجاوزها والتغلب على المشاعر التي تحملها بدعم من الزوج والعائلة والأصدقاء، بالإضافة إلى الحصول على الدعم من متخصص الصحة العقلية والتحدث إلى الآخرين من ذوي الخبرة.

مما يُمكن للمُحيطين فعله لمُساعدة الأم المُصابة بذهان ما بعد الولادة على تجاوز هذه الحال: توفير البيئة الهادئة والداعمة، وعدم وجود الكثير من الزوار، الاستماع إلى الأم إذا أرادت التحدث دون توجيه اللوم أو الانتقادات أو الأحكام، تقديم المساعدة في الأعمال المنزلية، المساعدة في رعاية الأطفال السابقين والطفل الجديد، ترك الأم تحصل على أكبر قدر ممكن من النوم.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد