تعد أوزبكستان، الدولة الأكبر ديموجرافيًا في آسيا الوسطى؛ من أكثر الدول انغلاقًا وانعزالًا في العالم، وذلك بسبب القبضة الحديدية لحاكمها، إسلام كريموف، والتي استمرت ربع قرن، فهو الرئيس الوحيد الذي تولى رئاستها منذ استقلالها عام 1991.

قبل أيام، توفي الرجل عن عمر ناهز 78 عامًا، متأثرًا بنزيف دماغي، ودفن في مسقط رأسه سمرقند، لكن يبدو أن أوزبكستان لم تمر عليها وفاة كريموف بشكل اعتيادي، بخاصة أن وفاة الرجل، وهو حليف روسيا القوي، شكلت مطامع لنفوذ روسي أكبر في المنطقة، وفرصة أيضًا لعودة المعارضة المسلحة التي استطاع كريموف إقصاءها تمامًا.

من هو إسلام كريموف؟

ولد الرئيس الأوزبكستاني الراحل، إسلام كريموف، لأم طاجيكية، وأب أوزبكي في مدينة سمرقند التاريخية، كان ذلك في 30 يناير (كانون الثاني) من عام 1938، وكونه درس الاقتصاد والهندسة الميكانيكية، كان من المناسب تعيينه في العام 1983 وزيرًا للاقتصاد في جمهورية أوزبكستان السوفييتية الاشتراكية؛ ليشغل عام 1986 منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ورئاسة دائرة التخطيط في الجمهورية الأوزبكية.

حكم كريموف أوزبكستان، بوصفه زعيمًا شيوعيًا لمدة عامين، ثم أصبح رئيسًا لها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كان ذلك في العام 1991، أحكم الرجل قبضته على بلد يدين أكثر من 88% منهم بالإسلام، فقمع كل مظاهر التدين الإسلامي ومعارضيه.

أقام الرجل علاقات قوية مع روسيا التي اعتبرت أوزبكستان دولة ذات أهمية إستراتيجية يحدها كل من أفغانستان وطاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزستان وكازاخستان، ولم يكتفِ الرجل بوضعه السياسي إذ بنى إمبراطورية تجارية واسعة النطاق، تضم أكبر شركة للهاتف المحمول في البلاد وسلسلة من النوادي الليلية ومصانع الإسمنت.

تزوج كريموف من الخبيرة الاقتصادية تاتيانا كاريموفا، والتي أنجب منها ابنتين، الكبرى هي جلنار كريموفا، وتعمل مستشارًا للسفير الأوزبكي في روسيا. أما ابنته الصغرى فقد انشغلت في تعزيز الرياضة والتعليم، وأسست منظمات خيرية.

كيف قضى كريموف على المعارضة في أوزبكستان؟

عندما شبهت الابنة الكبرى لكريموف، جلنار، والدها بستالين، لم يتردد في وضعها تحت الإقامة الجبرية وعقابها، ففي أوزبكستان لم يسلم من قمع الرجل أحد، بخاصة الإسلاميين، الذي اعتاد على التخويف منهم في عدم استقرار منطقة آسيا الوسطى، وذلك لتبرير إجراءاته الصارمة ضد المعارضة السياسية.

وعلى مدار أكثر من ربع قرن، أصبحت أوزبكستان تحت قبضته الحديدية دولة بوليسية، بلا مُعارضة، وقد كان البرلمان خاليًا من أي وجوه للمعارضة، فضلًا عن أنه لم يسمح بالتعددية الحزبية، حتى إنه انشغل بذلك عن إصلاح الاقتصاد الأوزبكي الضعيف.

ولم يسلم من عمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب على أيدي قوات الأمن، الصحفيون المستقلون ومنتقدو الحكومة والمدافعون عن حقوق الإنسان، فعلى سبيل المثال اعتُقِلت رئيسة «ائتلاف المدافعين عن حقوق الإنسان في أوزبكستان»  إلينا أورلاييفا، وعذبت وتعرضت للعنف الجنسي، لإجبارها على تسليمهم بطاقة الذاكرة التي كانت تحوي أدلة بالصور تثبت استخدام عمل السخرة في حقول القطن.

وحسب تقرير منظمة العفو الدولية «قام رجال الشرطة بضربها وبوصفها بالخائنة وبتعريتها. وأمسك بها رجال شرطة ومساعد طبي من ذراعيها وساقيها، بينما قام طبيب بفحوصات تطفلية للأماكن الحساسة في جسدها بحثًا عن بطاقة الذاكرة».

ووصل الهوس من المعارضة في أوزبكستان إلى شك كريموف في العمال المهاجرين العائدين من الخارج وبالأخص من روسيا، على احتمال أنهم قد يكونون اطلعوا على معلومات عن الإسلام تخضع للرقابة أو الحظر في أوزبكستان، أو احتمال تجنيدهم من قبل «الحركة الإسلامية لأوزبكستان» أو جماعات أخرى، وبالفعل اعتُقِل العديد من هؤلاء وحوكموا بتهمة «الإرهاب».

وفي رفض معتاد للدعوات الغربية لاحترام حقوق الإنسان قال كريموف مؤخرًا: «لا تتدخلوا في شؤوننا بحجة دعم الحرية والديمقراطية. لا تقولوا لنا ماذا نفعل ومن نصادق وكيف نوجه أنفسنا.«

وتشير عدة مصادر إلى أنّه بعد وفاة كريموف، قد تعيش أوزبكستان حالة تعاطف مع  الجهاديين الذين قمعهم بشدة، وقد يبرز هذا التعاطف خصوصًا وسط الأغلبية المسلمة هناك، بحسب ما جاء في تقرير صحيفة تايمز البريطانية، مُضيفةً أنّه «يخشى أن تنشط في أوزبكستان – التي يبلغ تعداد سكانها ثلاثين مليونًا، وتجاور أفغانستان حيث تنشط حركة طالبان وتنظيم الدولة – حركة الجهاديين المسلحين، باختفاء القبضة الحديدية لكريموف الذي كان يقتل خصومه بغليهم في السوائل».

لذلك لا تستبعد الصحيفة أن تتدخل القوى الإسلامية الأوزبكية المعارضة مجددًا على خط الصراع على السلطة في أوزبكستان؛ وعلى رأس هذه القوى حزب التحرير الإسلامي وحركة أوزبكستان الإسلامية التي انضوت أخيرًا تحت لواء تنظيم الدولة الإسلامية.

من سيخلف كريموف في رئاسة أوزبكستان؟

يقضي الدستور في أوزبكستان بأن يتولى رئيس مجلس الشيوخ رئاسة البلاد بالوكالة، ورغم وضوح هذا الأمر إلا أنه لا  يستبعد أن تؤدي وفاة كريموف إلى صراع على السلطة بين النخب السياسية في بلاد لم تختبر الحياة بدون كريموف من قبل.

هذا الصراع الذي خرجت منه ابنة كريموف الكبرى «غولنارا» لأنها شبّهت والدها بستالين، وعوقبت من والدها على ذلك، يحصر الآن بين رئيس المخابرات الحالي «رستم إينوياتوف»، الذي وصف بأنه الأوفر حظًا، كونه يعمل في الجيش ومرتبطًا بشكل وثيق بالأجهزة الأمنية والمخابرات، وهو منضم إلى صفوف «كي جي بي»، وتعد أهم الأوراق في يد  «إينوياتوف» المتخصص في الدراسات الإيرانية هو وجود «جيش خاص» لديه، «يضم هذا الجيش أفضل الوحدات القتالية في القوات المسلحة ومن بينها لواء التدخل السريع الذي يضم خمسة آلاف مقاتل وكذلك قوات حرس الحدود والأسطول الحربي النهري وفرقة القوات الخاصة».

أما المرشح الثاني فهو رئيس الوزراء «شوكت ميرزيايف»، الذي عمل في منصب حاكم مقاطعة سمرقند وهو من خريجي معهد الري (اختصاص مهندس ميكانيكا) وبقي فترة طويلة يشرف على حصاد القطن، ويحظى الرجل بدعم من روسيا ومن جهاز أمن الدولة الأوزبكي؛ المؤسسة الأمنية الأقوى في أوزبكستان.

بينما المرشح الثالث هو وزير المالية «رستم عظيموف» الذي بدأ حياته المهنية بالعمل في مصنع «فوتون» ومن ثم عمل في الكومسومول ومارس العمل الحزبي. ويعتبر عظيموف من أنصار التيار الليبرالي، ولكنه حسب الخبراء لا يختلف عن بقية السياسيين الذين صعدوا إلى هرم السلطة خلال عهد كريموف.

الولايات المتحدة.. مصالح متبادلة مع أوزبكستان

في عام 2005 وقعت انتفاضة شعبية في بلدة «أنديزهان» الشرقية، وواجهت حكومة «أوزبكستان» الأمر بوحشية كالعادة، تسبب ذلك في مقتل مئات المدنيين، وعلى أثر هذه المجزرة جُمدت العلاقات بين أوزبكستان والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأغلق كريموف قاعدة عسكرية جوية أمريكية على أرضه بضغط من روسيا، بينما فرض الغرب مجموعة من العقوبات على أوزبكستان منها رفض منح كبار المسؤولين الأوزبكيين تأشيرات دخول.

لم يبق الأمر على ما هو عليه، فسرعان ما خفف الغرب العقوبات ووفر كريموف طريق عبور حيويًّا لإمدادات الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان، فالأهمية الإستراتيجية لأوزبكستان جعلت الغرب على استعداد لغض الطرف عن انتهاك كريموف لحقوق الإنسان عقب هجمات 11 سبتمبر، إذ تقربت واشنطن من كريموف بهدف التعاون معه لقرب حدوده من أفغانستان.

هل رسخت روسيا ديكتاتورية كريموف؟

في مايو (أيار) الماضي، اختُطِف المنتج السينمائي ورجل الأعمال الأوزبكستاني «ميرسوبير حميد كارييف» من إحدى المناطق الروسية. من خطفه هو جهاز الأمن الاتحادي الروسي الذي اعتاد على خطف الأوزبكستانيين طالبي اللجوء السياسي، ومن ثم تم تسليمه إلى عناصر الأمن الأوزبكستاني وإعادته قسرًا إلى بلاده كما حدث مع المئات غيره.

لم يكن تسليم كارييف إلا سياسة ممنهجة اعتادت روسيا على تقديمها لحكومة كريموف، فمئات طالبي اللجوء واللاجئين والعمال المهاجرين تم ترحيلهم أو اختطافهم، في عمليات إعادة قسرية من روسيا إلى أوزبكستان، حيث تعرضوا للتعذيب. يقول مدير برنامج أوروبا ووسط آسيا بمنظمة العفو الدولية، جون دولهويسن؛ إن «السلطات الروسية لا تغض النظر عن التعذيب والظلم في أوزبكستان فحسب، بل تقدم يد العون للسلطات الأوزبكستانية.»

هذه العلاقة التي تنم على مدى التعاون بين روسيا وأوزبكستان، جعلت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول من نعى كريموف، إذ قال عقب الإعلان عن وفاته إنه «من الصعب حصر ما قام به كريموف من تقوية للعلاقات الإستراتيجية بين البلدين. تحت قيادته، اتبعت أوزبكستان سياسة خارجية سلمية، ساهم من خلالها كريموف في تقوية الأمن والاستقرار بآسيا الوسطى وفي تطوير التعاون بالمنطقة».

وكان كريموف أقوى حلفاء روسيا ضمن الجمهوريات السوفييتية السابقة، رغم وجود بعض الخلافات بين البلدين، خاصة تلك التي أعقبت تعليق طشقند عضويتها في حلف عسكري تقوده روسيا. إلا أن «أوزبكستان» ترتبط بروسيا ارتباطًا كبيرًا، ففي روسيا قرابة المليوني عامل من أوزبكستان، يشكلون أحد الروافد القوية للاقتصاد الأوزبكي، وهناك تجارة ثنائية وعلاقات اقتصادية، خاصة في القطاع الزراعي وفي مجال التمويل والخدمات المصرفية والشحن، وتأتي روسيا في المرتبة الأولى بين الشركاء الاقتصاديين لأوزبكستان، هذه العلاقات دفعت روسيا في العام 2014 لشطب أكثر من 860 مليون دولار من ديونها المستحقة على طشقند من أصل ديون إجمالية تبلغ 890 مليون دولار.

وفي ملف «الإرهاب»، تتبنى كلتا الدولتين سياسات وإستراتيجيات مشتركة، خاصة أن «أوزبكستان» قريبة من «أفغانستان» التي يُعنى بها كثيرًا في مجال مكافحة الإرهاب.

ومع هذا يرى المحللون أن وفاة كريموف قد تشكل فرصة لروسيا لتحقيق نفوذ أكبر في المنطقة، خاصة أن رجالها من الأوزبكستانيين حاضرون بين الأقوى ترشيحًا، من أمثال رئيس الوزراء شوكت ميرزيويف، فحسب ما جاء في صحيفة نيويورك تايمز، فهو «أقرب الشخصيات الأوزبكية من الكريملين».

 

 

 

تحميل المزيد