يعتقد الباحثون في مرحلة الطفولة المبكرة – الفترة من سنتين إلى خمس سنوات – أن هناك سُلمًا يتسلقه الأطفال الصغار في النمو، يتضمن الانتقال من مرحلة لعب إلى أخرى. ويشار إلى المرحلة الأولى باسم مرحلة «اللعب الوظيفي» والتي تعرف أيضًا بمرحلة «اللعب الأولى»، أما المرحلة الثانية فتعرف باسم «اللعب التخيلي».

اللعب الوظيفي vs اللعب التخيلي

تبدأ «مرحلة اللعب الوظيفي» في سن الرضاعة وتستمر عادةً حتى سن الثانية عندما يجد الأطفال متعة بسيطة في تحريك الأشياء بشكل متكرر واستكشاف الألعاب والأشياء الأخرى من خلال حواسهم للتعرف على كل لعبة وخصائصها. قد ينجذب الطفل إلى الألوان الزاهية لجسم ما، أو الصوت الذي يصدر عندما يضرب بملعقة، أو الروائح الجديدة وغير العادية التي تنبعث من حوله.

تمهد مرحلة اللعب الوظيفي للمرحلة الثانية من اللعب والتي تعرف بـ«اللعب التخيلي»، فما هو؟

اللعب التخيلي مصطلح يشير إلى الألعاب التخيلية اليومية التي يستمتع بها الأطفال بشكل طبيعي، يتخيل فيها الطفل سيناريوهات لأبطال خارقين ومعارك وهمية، أو كأن يقوم بطهي طعام وهمي لأشخاص متخيلين. من اللطيف رؤية الأطفال وتسليتهم بهذا النوع من اللعب، ولكنه مهم ويجب ملاحظته لأن اللعب التخيلي علامة على نمو الطفل وتطوّر مهاراته التنموية.

ماذا تعرف عن المهارات التنموية لطفلك ولماذا هي مهمة؟

مع نموّ الطفل يمر بسلسلة من التغيرات الجسدية واللغوية والفكرية والعاطفية التي تحدث للطفل منذ الولادة وحتى بداية البلوغ، وخلال هذه العملية يشمل نمو الطفل التطور الكامل للمهارات التي سيستعملها الطفل في بقية حياته، فيتطوّر عنده الإدراك والتفاعل الاجتماعي، والتنظيم العاطفي، والكلام وفهم واستخدام اللغة في القراءة والتواصل، والمهارات الحركية الدقيقة مثل حركة الأصابع، والمهارات الحركية للجسم كله، بالإضافة إلى الوعي الحسي.

Embed from Getty Images

من المهم متابعة تقدم الطفل في مستويات النمو المختلفة، مع التأكد من توافق تقدمه مع مرحلته العمرية، وهذا يساعد في الكشف المبكر عن أي عوائق في عملية النمو والتطور.

غياب اللعب التخيلي قد يكون إشارةً لمشاكل في النمو

  • تأخر اللغة: اللعب التخيلي مهمٌ لتنمية اللغة، فعندما يبدأ الطفل في التخيل فهذا يعني أنه قادر على تكوين وتصوّر رموز، وهذا من جوهر وظائف اللغة: القدرة على خلق رموز تعبر عن الأشياء والأشخاص والأحداث وحتى المفاهيم المجردة مثل المشاعر: الغضب، والإحباط، والسعادة، أو الحالات الجسدية، مثل الجوع والمرض. عندما لا يستطيع الطفل توظيف الأشياء المحيطة به للتعبير عن خياله، فهذا يعني أن لديه مشكلة في اللغة التي يعبر بها عن أفكاره والتي تعرف باسم «اللغة التعبيرية».

ليس بالضرورة أن تكون هذه اللغة على شكل كلمات منطوقة، فمن الممكن أن تكون الطريقة التي يُحاكي بها الطفل الأشياء داخل محيطه – كأن يصنع ألعاب متخيلة من أدوات الطعام – تشير إلى أن هناك تطورًا يحدث في المخزون المعرفي للطفل.

  • تأخر في المهارات الإدراكية: تشير المهارات الإدراكية إلى العمليات العقلية التي تساعد الطفل على اكتساب المعلومات وتحليلها ودمجها مع معارفه الأخرى، فالتقليد وإعادة تمثيل المشاهد الحياتية المختلفة يساعدان الطفل على ممارسة وتطوير مهارات الإدراك لديه. فعندما يقلد الطفل أمه وهي تُعد الطعام مثلًا، فهذا يعني أن الطفل يمارس مهارات الإدراك المختلفة من انتباه وتفكير وتذكر، وعدم القدرة على إعادة تخيل وتقليد هذه المواقف قد تكون مؤشرًا على وجود تأخر في العمليات الإدراكية.
  • علامة على التوحد: يطوِّر الطفل مهارات اللعب في عمر من عامين إلى ثلاثة أعوام، وخلال هذه الفترة ينتقل الطفل من مرحلة اللعب الوظيفي إلى مرحلة اللعب التخيلي، ولكن هذا لا يحصل مع الأطفال المصابين باضطراب التوحد.

إذ يتوقف تطور طفل التوحد عند مرحلة اللعب الوظيفي، أو اللعب الأول فيميل الى تكرار الحركات والأصوات بدون هدف، ويعجز أطفال التوحد عن ابتكار ألعاب إبداعية من خياله كأن يحول صندوقًا إلى حصان مثلًا، وحتى عندما يمارس اللعب التخيلي بمساعدة أحد الوالدين يكرر نفس السيناريوهات باستخدام نفس الكلمات وحتى نبرة الصوت.

اللعب التخيلي يضع طفلك في المسار الصحيح للنمو والتطور

1. يعبر عن مشاعره ويواجه مخاوفه

راقب طفلك وهو يلعب بالدُمى وكيف تتبدّل أدوارها وعلاقتها بالطفل، فمثلًا يتظاهر الطفل بأنه طبيب ويقوم بفحص الدُمى، وغالبًا ما تعكس كلمات التشجيع وجمل الإطراء التي يتحدث بها الطفل مع الدمى الطريقة التي يرغب أن يعامله بها الطبيب، ويجعله هذا المشهد المُتخيَّل أقل خوفًا عندما يمرُّ بالموقف نفسه في الواقع.

تساعد هذه الطريقة الطفل ليعبّر عن الأفكار والمشاعر التي يختبرها للمرة الأولى، ويستكشف التجارب المخيفة والمُربكة بتوتر وخوف أقل. فيصبح أكثر استعدادًا لأحداث الحياة بطريقة آمنة.

Embed from Getty Images

2. يطور مهارات التفكير لدي طفلك

حددت عالمة النفس ساندرا روس عددًا من العمليات الإدراكية والعاطفية المختلفة التي يطوّرها الأطفال باللعب التخيلي، مثل التفاوض واكتساب الخبرات وتبادل الأدوار المختلفة، وسبب ذلك أن اللعب التخيلي يُسهم في تطوير الفص الأمامي من المخ، المسؤول عن مهارات التفكير المختلفة مثل التعلم وحل المشكلات.

3. الذكاء الاجتماعي سر نجاح طفلك

يطور الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة مهارات التواصل الاجتماعي المختلفة، من مشاركة وتواصل ورصد ردود أفعال الآخرين. وخلال اللعب التخيلي، يمارس الطفل تلك المهارات بشكل عملي وتلقائي، خاصةً عندما يلعب مع أطفال آخرين. فينتقل الطفل من مرحلة التفكير في نفسه والاهتمام بإشباع احتياجاته وتحقيق رغباته، إلى مرحلة فهم وتقدير مشاعر الآخرين ورغباتهم، ويتعلم كيفية تبادل الأدوار ومشاركة المسؤوليات والتعاون وتقبل الآخر.

4. اكتساب المهارات المعرفية بشكل ممتع

يجمع اللعب التخيلي بين المعرفة واكتساب المهارات، فالطفل يتعلم وينمو في آن واحد، ويحتاج الأطفال تشبيك مهاراتهم ومعارفهم معًا، ويمكن لللعب التخيلي أن يكون وسيلةً مثالية لذلك، فعندما يتظاهر الأطفال بأنهم يلعبون في المتجر يفرزون المنتجات بحسب تشابهها، ويطبّقون مهارات الرياضيات لتحديد الأسعار وحساب الفواتير، وسيجرّبون الأشكال والأوزان أثناء تنظيم المتجر ويتعلمون العمل تعاوني ويقسّمون الأدوار ويلعبون معًا.

هذا ما يمكنك فعله لتحفيز خيال طفلك

اللعب التخيلي جزء طبيعي من سلوك الأطفال ويمارسونه بشكل عفوي، ولكن في عصر التكنولوجيا وسيطرة الألعاب الإلكترونية، ومع تخطيطنا للأنشطة مثل ممارسة الرياضة وتعلم الموسيقى والفنون المختلفة، قد لا يتوفر للأطفال وقت لممارسة الخيال، وتاليًا نصائح لمساعدة طفلك على تحفيز خياله:

  • امنح طفلك الوقت والمساحة ليلعب ألعابه التخيلية الخاصة به. يمكن مثلًا تخصيص وقت محدد لمشاهدة التلفزيون ثم إغلاقه، وكذلك وقت للألعاب الإلكترونية، ليخرج الطفل من عالم التقنية ويجرّب الدخول في عالم الخيال.
  • رتّب وقت طفلك للتفاعل مع الأطفال الآخرين، فعلى الرغم من أن التفاعل الاجتماعي ليس ضروريًا في اللعب التخيلي، إلا أنه يساعد طفلك على بناء المهارات اللغوية والاجتماعية.
  • لا تتوقف عن قص الحكايات له، وشجع طفلك على استكمال الحكاية وفقًا لخياله الخاص، وطرح أسئلة مثل: «ماذا تعتقد أن يحدث بعد ذلك؟»، و«لماذا لم يتصرف البطل بطريقة أخرى؟».
  • أحضر لطفلك الدمى والألعاب وساعده على صناعتها بأدوات منزلية بسيطة مثل الملابس والأدوات القديمة والأوراق.
  • كن على استعداد لمشاركة طفلك في بعض مسرحياته الخيالية، وعندما يبدأ في تخيل حكايته الخاصة عن الطيران مثلًا، احجز مقعدًا على طائرته الخاصة وحلق معه بعيدًا.

تربية

منذ سنتين
اضطراب المعالجة الحسية.. دليلك الشامل للتعامل مع سلوكيات طفلك غير المبررة

المصادر

تحميل المزيد