مؤخرًا كتب كينيث روغوف، أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد، وكبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي سابقًا، مقالًا تحدث فيه عن فوائد ضريبة الاستهلاك التصاعدية، نشره موقع «بروجيكت سنديكيت» والمنتدى الاقتصادي العالمي، إذ تساءل روغوف: هل حان الوقت للتفكير مرة أخرى؟ إذ كان العديد من الاقتصاديين يفضلون نظامًا ضريبيًا قائمًا على الاستهلاك، لكن هذا النظام لم يحظ بتأييد سياسي قط.
وتحدث أستاذ الاقتصاد عن أن الانتقال إلى هذا النظام يواجه بعض التحديات، أبرزها أن التحويل لهذا النوع يحتاج فترة انتقالية ربما تكون معقدة لتجنب معاقبة أصحاب الثروة الحاليين، الذين ستفرض عليهم الضريبة عندما يحاولون الإنفاق من مدخراتهم المتراكمة التي دفعوا عليها بالفعل ضرائب الدخل، لكن بعيدًا عن العوائق ماذا تعني ضريبة الاستهلاك التصاعدية؟
ما هي أنواع الضرائب والفرق بينها؟
قد لا يُفهم معنى ضريبة الاستهلاك التصاعدية دون توضيح معنى الضرائب وأنواعها عمومًا، وذلك لأن هذا النوع من الضرائب غير مشهور، إذ يقصد بالضريبة أنها المبلغ النقدي الذي تفرضه الدولة على الأفراد والشركات، لأسباب متعددة مثل تمويل النفقات، فهي أول مصادر الدخل بمعظم الدول، وهذه الأسباب قد تتلخص في ثلاث وظائف أساسية، وهي: وظيفة مالية، ووظيفة اقتصادية، ووظيفة اجتماعية.
والأولى هي تأمين إيرادات الموازنة لتغطية النفقات كما ذكرنا، بينما الوظيفة الثانية تشير إلى استخدام الضرائب كأداة من أدوات السياسة المالية للدولة، سواء لتحفيز النمو الاقتصادي أو الحد من معدلات التضخم، حيث تلجأ الحكومات إلى رفع الضرائب لامتصاص السيولة الزائدة، وبالعكس خلال الانكماش تخفض الضرائب لزيادة السيولة وتحفيز الإنفاق.
وفيما يخص الوظيفة الاجتماعية فللضرائب دور اجتماع جوهري يسهم تحقيق الاستقرار الاجتماعي، من خلال طرق إنفاق الضرائب المحصلة وإعادة توزيع الدخل بين الطبقات، وبالانتقال لتصنيف الضرائب وذلك فيما يخص طريقة تطبيق الضريبة، فهناك ضريبة غير مرتبطة بالدخل، وهي التي تحصل من جميع الفئات دون الأخذ بالاعتبار قيمة الدخل، بينما هناك ضريبة تصاعدية، بحيث ترتفع نسبة الضريبة كلما ارتفع الدخل، وهناك الضريبة التراجعية وهي عكس التصاعدية، وتتراجع كلما زاد الدخل أو المبلغ الخاضع للضريبة.
وتنقسم الضرائب إلى نوعين هما: الضرائب المباشرة وغير المباشرة، والنوع الأول هو الذي تحصله الحكومة بشكل مباشر، فيفرض على دخل الأفراد وعلى الأرباح التجارية والصناعية للشركات، وعلى الأصول العقارية والممتلكات وغيرها، إذ تفرض مباشرة على الفرد أو العائلة أو الشركة، أما الضرائب غير المباشرة، يتم تحصيلها لصالح الحكومة من خلال وسيط، كمحلات البيع بالتجزئة، مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة المبيعات.
السؤال الآن أين هي ضريبة الاستهلاك التصاعدية من هذه الأنواع والأصناف؟ وفي الواقع ضريبة الاستهلاك تشبه كثيرًا ضريبة القيمة المضافة المستخدمة في دول عديدة، إذ يتم وضع ضريبة على كل مرحلة من مراحل الإنتاج، بعكس ضريبة المبيعات التي تحصل مرة واحدة.
ويقول، روغوف، إن ضريبة الاستهلاك ليست ضريبة مبيعات، لكنها تستخدم معلومات مماثلة، بينما تحتوي على استثناء ضخم؛ إذ لا تدفع الأسر ذات الدخل المنخفض أي ضريبة على الإطلاق، بينما تتميز بفاعليتها، وتسمح للحكومة بجمع الأموال بسهولة شديدة، ومن خلال هذا النوع من الضرائب يمكن علاج عدة مشاكل اقتصادية أساسية وهي:
1- علاج فجوة تفاوت الثروة
تعتبر الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء في كل بلدان العالم ضمن أكبر المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الدول، ففي نهاية 2017 خلص تقرير، أعده أكثر من 100 باحث من 70 دولة إلى أن التفاوت في توزيع الثروات على المستوى العالمي تزايد بشكل كبير منذ ثمانينات القرن الماضي، محذرين من احتمال تفاقم هذه الظاهرة بحلول العام 2050.
التقرير أوضح أن الظاهرة تطورت «بوتيرة مختلفة» بحسب المناطق، بينما ربط هذا الأمر بالضرائب، إذ كشف عن أن سياسيات الضرائب الخاطئة راح ضحيتها «الطبقة الوسطى في العالم»، مستندًا إلى 175 مليون بيان ضريبي وإحصائي، بينما نظام ضريبة الاستهلاك التصاعدية قد تعالج هذا الأمر، إذ إنه بين 1980 و2016 كان الـ1% الأكثر ثراء يستحوذون على 27% من النمو العالمي، أما الـ50% الأكثر فقرًا فكانت حصتهم 12% فقط من الثروات المنتجة.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي حذرت منظمة «أوكسفام إنترناشيونال» البريطانية الخيرية غير الحكومية من أن التفاوت في الثروات حول العالم قد بدأ يخرج عن السيطرة، متهمه في ذلك النظم الضريبية التي تثقل كاهل الفقراء؛ مما يوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وذكر التقرير أنه كل يومين على مدى العام الماضي شهد ظهور ملياردير جديد، بينما تناقصت ثروات الأكثر فقرًا بنسبة 11%.
وتقول «أوكسفام» أن 26 شخصًا فقط يملكون ما يملكه 3.8 مليار نسمة، هم النصف الأكثر فقرًا في العالم، بعدما كان عددهم 42 عام 2017، وهو ما يوضح استمرار توسع هذه الفجوة والتي لا تساهم نظم الضرائب الحالية في السيطرة عليها، فوفق مجلة «فوربس» الأمريكية فإن ثروات أغنى ألفي شخص في العالم زادت بمقدار 900 مليار دولار في 2018.
إلا أن أهم ما ذكره التقرير هو أن «الأثرياء لا ينعمون بثروة متزايدة فحسب، بل كذلك بنسب ضرائب هي الأدنى منذ عقود»، إذ فشلت الحكومات في محاسبة الأثرياء ضريبيًا، بينما تنقل العبء الضريبي للفقراء، لكن من الممكن أن تعالج ضريبة الاستهلاك التصاعدية هذا الخلل.
2- علاج تراجع معدلات التهرب الضريبي
على الجانب الآخر لا شك أن التهرب الضريبي أحد أكثر المشاكل التي تواجه الحكومات عند جمع الضرائب، بالإضافة إلى أن حوادث التهرب قد تزايدت في الآونة الأخيرة، وهو ما ظهر جليًا في «وثائق بنما»، وبحسب سري مولياني إندراواتي، رئيس خبراء العمليات والمدير المنتدب بالبنك الدولي، فإن ضعف النظام الضريبي قد أدى إلى تآكل ثقة الجمهور وإلى تفشي رأسمالية المحاباة والمحسوبية.
وبحسب تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD»، فإن حجم التهرب الضريبي الدولي عالميًا يتراوح بين 100 إلى 240 مليار دولار سنويًا، وهو ما يشير إلى حجم المشكلة، كما أن معظم الحكومات حول العالم لا تحقق المستهدف الضريبي بسبب التهرب، لكن لا يوجد مجال للتهرب الضريبي بالنسبة لضريبة الاستهلاك التصاعدية، وهو سيقلل من نسب التهرب.
ومن ناحية أخرى، يرى روغوف، أن أحد مواطن القوة في نظام ضريبة الاستهلاك في أنه لا يفرض ضريبة على الادخار، كما يمنح الشركات حافزًا أكبر للاستثمار، إذ إن الادخار يعد ضرورة قومية لتوفير الاستثمارات اللازمة للمشروعات التنموية، كما أن الادخار ينعش قطاع البنوك ويعزز الاستثمارات المالية.