نشر موقع «جاده إيران» تقريرًا باسم «الثلاثاء الرمادي وَفخ التفاوض غير المباشر بين إيران وأمريكا»، للكاتب أحمد فاروق يتحدث فيه عن وضع المفاوضات على الملف النووي بين إيران والولايات المتحدة في الوقت الحالي، ويستعرض وجهات نظر إيرانية لجهات سياسية وإعلامية مختلفة تتحدث عن المسارات المحتملة للمفاوضات وعقباتها، والخلافات الأساسية بين إيران وخصمها الأمريكي، ويختتم التقرير بثلاثة سيناريوهات تنبؤية بمستقبل المفاوضات.
وتاليًا نص التقرير
انعقد الاجتماع الافتراضي للجنة المشتركة للاتفاق النووي على مستوى مساعدي ومدراء وزارات الخارجية للدول الأعضاء في الاتفاق النووي في 2 أبريل (نيسان) 2021، واتفقوا على الاجتماع حضوريًا بمشاركة أمريكا – دون أن تجلس بحضور إيران – الثلاثاء 6 أبريل 2021، في فيينا للتباحث حول آخر أوضاع الاتفاق النووي وطريقة إحيائه.
بعد مرور أكثر من شهرين على وصول جو بايدن إلى الحكم في أمريكا وعلى أعتاب نهاية حكم حسن روحاني في إيراني، يعقد الآن المؤيدون للاتفاق النووي الآمال عن أن يخرج الاتفاق النووي من الغيبوبة بعودة كل من واشنطن وطهران مرة أخرى إلى التزاماتهما في هذا الاتفاق. وهو الأمل الذي لم يزل يعتريه الكثير من العوائق والتعقيدات. مع ذلك فإن هذه المشاركة والقبول من كلا الطرفين بالتواجد في ذات المبنى وإن لم يجلسوا إلى طاولة مشتركة، فإن هذا يعد في حد ذاته تقدمًا، إذ أفادت مصادر خاصة لـ«جاده إيران» أن «الوفد الأمريكي سيتواجد في غرفة قريبة من مكان انعقاد اجتماعات الدول المشاركة في الاتفاق النووي». كما يبدو أن جميع الأطراف ينظرون إلى هذا الاجتماع بنظرة واقعية متجنبين انتظار تقدَّم استثنائي. وترى إيران تواجدها في فيينا فرصة لاختبار إرادة وجدية الجانب الأمريكي لإحياء الاتفاق النووي.
مندوب إيران في هذه المفاوضات ومساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية عباس عراقتشي، أكَّد بعد اجتماع الجمعة أن «بلاده ليست على عجلة من أمرها، ولن تجري أي مفاوضات، سواء مباشرة أو غير مباشرة مع أمريكا». متابعًا بالقول: «من وجهة نظرنا، لا وجود لخطة، (الخطوة مقابل خطوة)، ونحن لا نحتاج إلى خارطة طريق. نحن لدينا فقط خطوة نهائية، يتعين على أمريكا قطعها، إذ يتوجب عليها رفع العقوبات التي فرضت خلال السنوات الماضية، سواء التي أعيد فرضها، أو تلك التي استحدثت في عهد ترامب، إلى جانب العقوبات التي تبدّلت عناوينها، وبعد ذلك سنجري نحن إجراءات التحقق، ثم تعود إيران إلى الالتزام بتعهداتها».
على المقلب الآخر، شهد الموقف الأمريكي تغيَّرًا ملموسًا برز بعد أن تقرر عقد هذا الاجتماع، فالمبعوث الأمريكي الخاص بشؤون إيران روبرت مالي، شدد في مقابلة مع قناة «PBS»، على أنه «كان يدرك جيدًا أن الولايات المتحدة يجب أن ترفع العقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي عن إيران من أجل أن تعود هذه الأخيرة إلى الاتفاق». وأوضح ردًا «عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لرفع 1500 من العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران»: «علينا القيام بالعمل الشاق المتمثل في مراجعة هذه العقوبات لنرى ما يمكننا القيام به لضمان استفادة إيران من الفوائد التي كان من المفترض أن تتمتع بها في الاتفاق النووي».
صورة تجمع وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري (يسار) ونظيره الإيراني جواد ظريف (يمين) أثناء المفاوضات على البرنامج النووي الإيراني في فيينا بالنمسا
فيينا واحدة وخطتان مختلفتان
لأول مرَّة بعد خروج دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، سيجتمع ممثلون عن إيران وأمريكا في مكان واحد – في فينا – بدون أن يلتقيا وجهًا لوجه. وفي جعبة كلٍ منهما خطة مختلفة عن الآخر؛ أمريكا تشارك في المباحثات بخطة «خطوة مقابل خطوة» أي عودة إيران إلى بعض الالتزامات النووية أولًا، يليها تعليق واشنطن لعدد من العقوبات، ومن ثم الانتقال لخطوات أخرى في حال نجاح المرحلة الأولى. أمَّا إيران، فتذهب إلى فينا بخطة «خطوة نهائية». وفق تأكيد مساعد وزير الخارجية عباس عراقتشي. وعليه فإن الإصرار العلني للجانبين على مطالب متفاوتة لا يؤشر لتغير في نظرة عدم الثقة التي يتبادلها الطرفين، كما أنه لا يشي بزوال العوائق السياسية من الطريق، بحسب ما صرح بذلك رئيس هيئة الطاقة الذرية علي اكبر صالحي غداة انتهاء اللقاء الافتراضي يوم الجمعة 2 أبريل 2021.
في تناوله لأسباب القلق الإيراني والأمريكي إزاء بعضهما البعض، يرى الباحث الإيراني في العلوم السياسية هادي خسرو شاهين أن «إيران تخشى بقبولها «خطوة مقابل خطوة» وضع أمريكا مطالب أكثر (تعديل الاتفاق النووي، الدور الإقليمي، الملف الصاروخي) أثناء التفاوض، في أوضاع تكون إيران فقدت فيها أدوات ضغط مثل أجهزة الطرد المركزي والتخصيب بنسبة 20%».
الجدير ذكره، أن تصريحات مالي خلال حواره مع قناة «PBS»، التي لم يتطرق إلى الدور الإقليمي أو الملف الصاروخي خلال حديثه عن إيران والمفاوضات معها، تدلل إلى ثمة تحول في النهج الأمريكي لصالح التركيز على الملف النووي وفصله عن الملفات الأخرى كالملف الصاروخي والدور الإقليمي لطهران. لكن في الآن نفسه تخشى واشنطن بحسب مراقبين أن تفقد قدرتها على المناورة في حال عدم تنفيذ آلية «خطوة مقابل خطوة».
فخ المفاوضات
البيان الختامي لجلسة التفاوض الجمعة الماضية لم يخل من انتقادات إيرانية وتفكيكه وبيان نقاط الضعف فيه، وإيراد الرواية الكامنة في ثناياه. وعلى وقع الانقسام تجاه الاتفاق النووي في إيران، ما بين تيار يوافق على الاتفاق وتفعيله، وآخر يعارضه ويطلب الفكاك منه، وسيطرة التيار المعارض للاتفاق على البرلمان، أصدر مركز الأبحاث التابع للبرلمان تقرير خبراء تحت عنوان «فخ التفاوض غير المباشر بين إيران وأمريكا في إطار الاتفاق النووي»، أعرب خلاله عن شكوكه حيال عملية التفاوض المرتقبة في فينا، ورأى أن البيان المذكور يتعارض مع سياسات إيران العامة لعدة أسباب أوردها بنوع من التفصيل.
- السبب الأول وفق المركز، أن «الإجراءات التي ستتخذها واشنطن لرفع جزء فقط من العقوبات، لن يحقق فحسب المصالح الاقتصادية لإيران، وإنما ستسعى واشنطن إلى إيجاد أدوات ضغط على إيران في الملفات الصاروخية والإقليمية مع احتفاظها ببنية العقوبات».
- كما اعتبر تقرير مركز أبحاث البرلمان «تعبير «خطة الإجراءات المتبادلة» الواردة في البيان الختامي هي نفسها نموذج العودة «خطوة مقابل خطوة»؛ ما سيحول عملية تحقق إيران من تنفيذ أمريكا لالتزاماتها إلى خطوة صورية».
- وذكر البرلمان ممثلًا في مركز الأبحاث أن «التعجيل والإسراع في عملية إجراءات الطرف الآخر لرفع العقوبات لا يتطابق مع مبادئ السياسة الإيرانية فيما يتعلق بإجبار أمريكا على العودة إلى الاتفاق النووي»، لافتًا إلى أن «المعيار الأساسي لإحياء الاتفاق النووي يجب أن يكون مصالح إيران، ولا يتعين أن تؤدي الانتخابات في تأخير أو تعجيل عملية إحياء الاتفاق». مخاوف مركز أبحاث البرلمان الذي يسيطر عليه التيار الأصولي في هذه النقطة تأتي من انتفاء أي إمكانية لاستبعاد متغير الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) 2021، من التأثير على مسار عملية التفاوض على إحياء الاتفاق النووي، فاستمرار بايدن في سياسة الحد الأقصى من الضغوط والتصعيد مع إيران يضعف التيار المعتدل والإصلاحي المؤيد للتفاوض مع أمريكا، وحل الخلافات معها بداية من الاتفاق النووي، فيما يقوَّي ويعزز من حظوظ التيار الأصولي ومرشحين في الانتخابات الرئاسية.
البرلمان الإيراني
- إلى ذلك لم يستبعد مركز الأبحاث أن «يكون استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي في ضيافة أوروبا وبحضور أمريكي على مقربة من غرف الحوار، فخًا ومسارًا تدريجيًا للاعتراف رسميًا بحضور واشنطن بين العواصم ذات العضوية في الاتفاق النووي، بما يتعارض مع مصالح طهران القومية». كذلك رأى التقرير أن «إصرار الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا على إيجاد بدائل للتفاوض المباشر بين واشنطن وطهران، يحقق أهداف أمريكا قبل أن يكون لصالح إيران»، مفندًا ذلك بالقول إن «الولايات المتحدة تنظر إلى المفاوضات كأداة للمساومة، بغية تقليص تطلع الجمهورية الإسلامية للرفع الكامل للعقوبات، فضلًا عن أنها ترنو إلى فرض قيود أكثر، سواءً في الشق النووي أو غيره».
- الملاحظة الأخيرة لمركز الأبحاث ركزت على إغفال أي دور للبرلمان، رغم أنه وفقًا للمادتين السادسة والسابعة من قانون «الإجراء الإستراتيجي لإلغاء العقوبات»، يناط إليه أمر التحقق من تنفيذ الأطراف الأخرى لتعهداتها، وهو الذي يصرَّح من جهته للحكومة بإيقاف خطوات تقليص الالتزامات النووية.
السيناريوهات المحتملة
صحيفة «دنياي اقتصاد» المتخصصة، وفي مقالتها الافتتاحية الأثنين 5 أبريل 2021، تكهنت بثلاث سيناريوهات لمستقبل المفاوضات بين إيران وأمريكا:
- السيناريو الأوَّل: اتفاق الطرفين بنهاية أبريل، والإحياء الكامل للاتفاق النووي حتى أواسط مايو (أيار)، الأمر الذي سيؤثر مباشرة على اصطفاف القوى السياسية على أعتاب انتخابات رئاسة الجمهورية الإيرانية.
- السيناريو الثاني: استمرار المفاوضات، ووصولها إلى نتيجة في أواسط مايو، وستستمر بذلك الخطوات النهائية لإحياء الاتفاق حتى أواخر يونيو وأوائل يوليو (تموز)، بما سيترك تأثيرًا نسبيًا على الانتخابات.
- السيناريو الثالث: عدم وصول المفاوضات إلى نتيجة حتى أواسط مايو، وبدء المنافسات الانتخابية لرئاسة الجمهورية؛ ما سيؤدي إلى متابعة المفاوضات في سبتمبر وفي الحكومة القادمة.