تتشابك أطراف الصراع الداخلي والخارجي في ليبيا، وهو صراع تكشفت فصوله خلال أحداث ثورة السابع عشر من فبراير/شباط عام 2011 وما بعدها، وما أفرزته من انقسامات داخلية، انتهت إلى وجود حكومتين وصراعات قبلية في معظم أرجاء البلاد.

أبرز معالم الصراع الليبي حديثًا كانت بين قبائل” التبو” و”الطوارق” المتنازعتين على مناطق متفرقة من ليبيا منذ عام، إلى أن وقع ممثلون عنها قبل أيام اتفاقًا لوقف إطلاق النار برعاية قطرية.

قبل الحديث عن أبرز معالم الاتفاق، وأسباب الصراع الجاري بين القبائل، ودور قطر في هذه الأزمة، لا بد من توضيح طبيعة هذه القبائل والمناطق التي تسكن بها.

قبائل التبو


هي مجموعة من القبائل البدوية تسكن جنوبي ليبيا، وشمالي النيجر، وشمالي تشاد، والسودان حيث عاش أبناؤها مهمّشين ومضطهدين في ظل النظام السابق، وشاركوا في تحرير الجنوب الليبي وتأمين حدوده.

ويقيم” التبو” في بيوت مبنية معظمها من أوراق النخيل والصفيح، وجميعهم من ذوي البشرة السمراء، حيث يقدر عددهم بحوالي مليوني نسمة تقريبًا، حيث تم استغلالهم خلال نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في عدة حروب في أفريقيا كوقود حرب في تشاد ضد الرئيس التشادىيحسين حبري وفي حرب أوغندا وفي حرب لبنان وغيرها.

وأبرز ما يميز أفراد هذه القبائل الذين يتحدثون اللغة الأمازيغة أنهم يتطبعون بلحمتهم القوية في ما بينهم، مقابل العزلة وصعوبة الاندماج مع الغريب، ولهذا يصفهم من لا يعرفهم بالدهاء وبعدم الأمان، مع أن حقيقة الأمر ليست من هذا في شيء، إذ يرى البعض أنهم بدو بسطاء طيبون كرماء الطبع وشديدو المراس، قد يتغاضون عن الظلم حينًا.

ويعيش أفراد هذه القبائل أوضاعًا إنسانية واقتصادية صعبة للغاية بفعل النزاعات بين قبائل الطوارق منذ عقود عدة، إلى أن زاد توترها خلال العام الماضي بسبب عمليات التطهير العرقي التي تعرضوا إليها، قبل أن يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار مؤخرًا برعاية قطرية.

قبائل الطوارق


هم قبائل من الرحّل والمستقرين يعيشون في صحراء الجزائر، ومالي، والنيجر وليبيا وبوركينا فاسو، وهم مسلمون سنة، ولا توجد أرقام رسمية حول تعدادهم في ليبيا، بيد أن البعض يقدر عددهم ما بين 28 و30 ألفًا، من أصل تعداد ليبيا البالغ حوالي 6.5 مليون نسمة.

ولا تختلف لغتهم عن “التبو” فهي الأمازيغية، وينتمون إلى مجال لغوي يمتد من المغرب إلى مصر، ومن تونس والجزائر شمالًا إلى النيجر وتشاد وبوركينا فاسو، ويتوزعون على مناطق شاسعة بين دول المغرب العربي وإفريقيا.

فضلا عن أنهم يدينون بالإسلام، ويتبعون المذهب السني المالكي، وبالتالي يقترب أسلوب عيشهم من البدو العرب من حيث تقاليدهم وعاداتهم.

ويخوض أفراد هذه القبائل اشتباكات مسلحة أوقعت المئات من القتلى والجرحى بين” التبو” منذ عقود عدة، إلا أن فصولها تكشفت بعد ثورة شباط عام 2011، والنزاع حول ثروات عديدة داخل المدن الليبية والحدود المجاورة لها.

أسباب النزاع بين «التبو» و«الطوارق»


وتعود جذور المشكلة بين القبيلتين، إلى مشاجرة بين أفراد أمن من قبائل “الطوارق”، ومواطنين من قبائل “التبو”، ازدادت حدتها لتصل إلى اشتباكات مسلّحة، بعد قيام مسلحين ينتمون لـ”التبو”، بالهجوم على مركز الأمن الوطني (تسيطر عليه جماعة مسلحة تابعة لـ”الطوارق”).

بالإضافة إلى الصراع على منافذ التجارة والتهريب على المناطق الحدودية التي تربط ليبيا بدول تشاد والنيجر والجزائر، خاصة تهريب الوقود والسلع الأساسية والسلاح والهجرة غير الشرعية، وفرض بعض القبائل نفسها بالقوة على البلاد.

وأسفرت هذه المعارك عن إجبار معظم السكان على النزوح، حيث وصل عدد النازحين من المنطقة إلى ألفي عائلة، موزعين بين مدن غات، ومرزق، وسبها، والشاطئ، وسط ظروف إنسانية واجتماعية قاسية.

ووفقًا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في تقرير لها أصدرته مطلع الشهر الجاري أن لجان الأزمات المحلية في الجنوب الغربي لليبيا، أكدت فرار نحو 11,280 شخصًا من الاقتتال في أوباري، أغلبهم من النساء، والأطفال، وكبار السن.

وبالتالي، ينقسم المشهد العسكري والاجتماعي في “أوباري”، بين قبائل “التبو” المؤيدة لمجلس النواب المنحل في طبرق، وبين قبائل “الطوارق” المؤيدة للمؤتمر الوطني العام في طرابلس.

وتكمن أيضًا مشكلة الصراع بين القبائل في السيطرة على الحدود والمنافذ والممرات الحدودية باعتبارها منطقة تقع على الأطراف مع دول إفريقية، والتي تعتبر مصدرًا لإدخال ملايين الدولارات.

تفاصيل الاتفاق


في الأشهر القليلة الماضية زادت الدعوات الأممية وبعض العربية إلى ضرورة رأب الصدع بين القبائل المتنازعة في ليبيا، وتغليب لغة الحوار والتفاهم على ما يجري من اشتباكات دامية أودت بحياة الكثير وتشرد الآلاف من سكناهم.

فشلت العديد من هذه المبادرات، إلى أن نجحت في العاصمة القطرية” الدوحة” حينما التقى ممثلون عن “التبو” و”الطوارق” بعد مفاوضات استمرت بضع أيام بهدف التوصل إلى آلية لوقف إطلاق النار، وهو ما تم برعاية قطرية منتصف الأسبوع الجاري.

ومن بين نصوص الاتفاق أيضًا عودة النازحين إلى مدنهم وبلداتهم وفتح الطريق إلى بلدة” أوباري” بمدينة سبها جنوبي ليبيا، وانهاء المظاهر المسلحة كافة في معظم أنحاء البلاد.

وكانت اشتباكات متقطعة دارت بين قبائل “التبو”، “والطوارق”، منذ شهر سبتمبر/أيلول 2014، سقط خلالها أكثر من 300 شخص، و2000 مصاب، من الطرفين.

وفيما يتعلق بتنفيذ بنود الاتفاق وآليته، فإنه تم تكليف قوة لتأمين مناطق الجنوب، من قبل رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي التابعة للمؤتمر الوطني العام، للإشراف على سحب التشكيلات المسلحة من المدينة وإنهاء كافة مظاهر انتشار المليشيات فيها، وفتح الطرق العامة وعودة اللاجئين والنازحين إلى بيوتهم مرة أخرى، إلى جانب وجود لجنة من الحكماء الليبيين مكونة من أعيان القبيلتين المتصالحتين لمراقبة تنفيذ الاتفاق والرجوع إليهم في حال وجود أي مخالفة لبنوده.

لكن لا بد من الإشارة إلى أنه تتصارع على السلطة في ليبيا حكومتان هما؛ المؤقتة، ومقرها مدينة البيضاء وتحظى باعتراف من المجتمع الدولي، وحكومة الإنقاذ الوطني، المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام، ومقرها طرابلس، وكل منهما تحكم في المدن المعترِفة بها، وهو ما خلق انقسامًا تنفيذيًا إداريًا في الدولة، وعدم إحكام السيطرة إلى الأطراف المتنازعة.

لذلك انقسمت الأطراف الليبية في التعامل مع اتفاق الدوحة، فمنها من اعتبره تدخلًا في شؤون البلاد الداخلية، وعدم درايتهم بتفاصيل الاتفاق، وآخرين رأوا أنه يمهد الطريق لاستقرار البلاد من النزاعات المتتالية.

وبالتالي، المؤتمر الوطني العام والذي تدعمه قطر رحب باتفاق الدوحة وأعرب عن أمله في أن يكون خطوة في طريق المصالحة الشاملة في الجنوب الليبي وكافة أنحاء البلاد، بيد أن رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني اعتبره تدخلا في الشأن الداخلي الليبي.


الجدير ذكره أنه يختلف توجه قطر في التعاطي مع الوضع الليبي جارتها الإمارات، فهي تدعم الجماعات الإسلامية المناهضة لقوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، الأمر الذي أثر في علاقاتها مع مصر وبعض دول الخليج، بعد دعوتهم إياها الكف عن دعم الميليشيات “المتشددة” في ليبيا.

وثمة من يرى أن هذا الاتفاق جاء لإنقاذ الجماعات الإسلامية في ليبيا، والبحث عن أفق المصالحة، إلا أن أطرافا أخرى ترى أنه يساهم في تغذية الصراع عبر تدخل أطراف خارجية مثل قطر لتسوية الخلاف. حيث تنظر بعض الأطراف الليبية إلى أن قطر والإمارات متورطتان فيما وصلت إليه البلاد من خلال تأجيج وإذكاء الصراع بين الليبيين عبر الجماعات التي تدعمها كل منهما، حيث تدعم قطر المؤتمر الوطني العام والحكومة المنبثقة عنه في طرابلس، إضافة إلى قوات “فجر ليبيا”، في حين تدعم الإمارات حكومة برلمان طبرق المنحل “المعترف بها دوليا” والقوات الموالية للجنرال خليفة حفتر

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد