تشهد العلاقات بين الدوحة وأنقرة تناميًا ملحوظًا وصل إلى حدِّ تشكيل تحالف قطري تركي تجاه قضايا الشرق الأوسطـ، هذا التحالف الذي وسع  العلاقة الإستراتيجيّة بين الدوحة وأنقرة نجم عنه قبل أيام توقيع اتفاق نوعي لتعاون عسكري.

ويظهر التوافق التركي القطري حول قضايا المنطقة من خلال الموقف المشترك من الأزمة السورية القاضي بضرورة دعم المعارضة للتخلص من نظام الأسد، والقاضي أيضًا بالتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، فثمة حراك يدور على مستوى العلاقات التركية السعودية القطرية من أجل دعم المعارضة السورية، يأتي بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن واشنطن سترسل أكثر من 400 عسكري لتدريب المعارضين في معسكرات بالسعودية وتركيا وقطر، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها في طور اختيار مقاتلين من المعارضة السورية للانضمام إلى برنامج “التدريب والتسليح” الذي يفترض أن يبدأ مطلع الربيع القادم في تركيا وقطر والسعودية، ويفترض بهذا البرنامج تدريب 5000 مقاتل من المعارضة السورية المعتدلة لقتال داعش بعد عام واحد من المباشرة فيه.

ماذا عن اتفاقية التعاون العسكري بين تركيا وقطر؟

في خطوة تعكس حجم التطور الكبير في العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية المتنامية بين البلدين، وقعت كلٌّ من تركيا وقطر اتفاقَ تعاونٍ عسكري يسمح بنشر قوات مشتركة بين البلدين. حيث اتفق الطرفان على هامش زيارة أمير قطر للعاصمة التركية أنقرة، أن تتولى اللجنة التعاون في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والتعليم والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة والزراعة والاتصالات.
ويؤكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، برات جونقار؛ أن اللجنة صادقت على عدد من مشاريع القوانين، من بينها اتفاق تعاونٍ عسكري بين تركيا وقطر، وقال أن تلك الاتفاقية لا علاقة لها بالتفاهم المبرم بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية حول تدريب وتجهيز المعارضة السورية، أو بنشاطات القيادة العسكرية المركزية الأمريكية والتي مقرها قطر.

وأشار جونقار، إلى أن الاتفاق يسمح بنشر قوات مسلحة تركية في دولة قطر، كما يسمح لدولة قطر بالشيء نفسه على الأراضي التركية، مؤكّداً أن “مضمون ونطاق هذا الاتفاق قد ترك مفتوحًا، وهو لا يخدم أي غرض آخر غير ما هو معلن ضمن بنوده”.

ويأتي الإعلان عن الاتفاق القطري التركي، بالتزامن مع الحديث عن سعي المملكة العربية السعودية لدعم البرنامج النووي لباكستان من أجل تشكيل حالة من التوازن العسكري الإقليمي في حال تمكن إيران من صنع قنبلة نووية.

ما هي دلالات  التعاون العسكري بين قطر وتركيا؟

اعتبر هذا الاتفاق بمثابة نقلة نوعية في العلاقات الثنائية بين قطر وتركيا، كما أنه رسالة واضحة من الدولتين بأنهما يعملان على تنويع خياراتهما الإستراتيجية. ويرى مراقبون أن اتفاقية التعاون العسكري الجديدة، ستعمل على تعزيز المواقف بين الدوحة وأنقرة حول العديد من القضايا المصيرية في المنطقة وعلى رأسها التعامل مع التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» لكلا البلدين، بالإضافة إلى التعاون بين البلدين في مجال التصنيع العسكري والتدريب وغيرها.
وذكرت صحيفة “جمهورييت” التركية أن التنسيق العسكري بين أنقرة والدوحة يأتي في إطار التعاون البيني في قضايا المنطقة، مثل التصدي ضد تهديدات تنظيم داعش والجماعات المسلحة في المنطقة، وإيجاد آلية مشتركة لتدرب عناصر المعارضة السورية المعتدلة تحت قيادة الولايات المتحدة.

ما مدى أهمية صناعة محور قطري تركي سعودي؟

يشكل وجود تقارب سعودي وقطري وتركي أهمية كبيرة في تحديد مستقبل التحالفات في المنطقة ومستقبل الأدوار الإقليمية، وهذا من شأنه أن يحدث انقلابًا في موازين القوى قد يسمح بمرور مرحلة جديدة بما يساعد في خروج المنطقة من أزمتها أو الدخول في نفق مظلم من الحروب وعدم الاستقرار.

وبما أن أهم عقبة أمام هذا المحور هو نظام الأسد وإيران، فإن القلق الذي يربط الدول الثلاث خاصة السعودية هو خطر داعش التي تتوسع على الحدود، وخطر الحوثيين؛ لذا سيكون تنسيق السعودية مع قطر وتركيا في هذه المرحلة ضرورة إستراتيجية، قد تؤدي إلى عودة تقارب تدريجي مع الإسلام السياسي بالذات مع الإخوان المسلمين.

يقول السفير القطري السابق لدى واشنطن ناصر آل خليفة إن من لا يفرح بالتقارب بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا فهو إما غبي أو عميل لإيران، ويضيف خليفة في تغريدة على موقع “تويتر”: “‏تفاهم خليجي تقوده العربية السعودية مع تركيا سيحجم لعبة إيران ويخلق توازنًا نحتاجه ضحت به الحكومات الأمريكية منذ غزو العراق وتسليمه إيران”.

وفي مقاله “التقارب السعودي القطري التركي” هل بدأ فعلا؟ يؤكد المحلل والكاتب خيام الزعبي أن السعودية وتركيا تمثلان كتلة سنية قادرة على وقف الزحف الشيعي الذي أخذت إيران على عاتقها مسؤولية تكوينه، خصوصا في العراق ولبنان، كما أن التهديد الإيراني الإستراتيجي لتركيا، يظهر من خلال بروز إيران كلاعب إقليمي مؤثر في المنطقة، وبالتالي فإن التقارب السعودي التركي يأتي للتصدي لتزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، وخاصة في سورية.

ماذا عن الإمارات؟

تبدو الإمارات تدور في فلك مغاير إلى الآن؛ حيث تحولت الإمارات من دولة تدعم المعارضة السورية بشكل انتقائي – لاستبعاد الإخوان المسلمين السوريين – إلى دولة تريد بقاء النظام السوري بشار الأسد، بل بدأت بالتوجه القوي نحو إنقاذ «نظام الأسد» في خطوة وضعتها في مواجهة مع السعودية وتركيا، ما يرجح إمكانية وجود تنسيق سري بين الإمارات وإيران كما يقول الخبراء.

كان هذا التحول في العام الماضي 2014، وبدأ في الوقت الذي كانت الأنباء تتضارب فيه حول صحة الملك «عبدالله»، وقد تمثل موقف أبوظبي الجديد بالضغط على الإدارة الأمريكية من أجل إقناعها بضرورة بقاء نظام «الأسد» والعمل مع بعض شرائح المعارضة السورية الشكلية التي تؤيد بقاء «الأسد» وتطالب بإصلاحات رمزية.

ويسجل المراقبون عدة نقاط تثبت تورط الإمارات في دعم نظام بشار الأسد، منها أنها الآن ملجأ لشخصيات النظام السوري من بينهم والدة بشار الأسد أنيسة مخلوف كما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، ويقيم في الإمارات عدد كبير من رجال الأعمال الداعمين لنظام بشار الأسد، في الوقت الذي تقوم به أبو ظبي بترحيل أي شخص له نشاط في دعم الثورات العربية.

وفي الجانب الاستخباراتي وبحسب مصادر في الجيش السوري الحر، قامت الإمارات بتزويد عناصر في الجيش السوري الحر بأجهزة اتصالات، ثم زودت الإمارات نظام بشار الأسد بشيفرتها مما أدى إلى استشهاد عدد كبير من مقاتلي وقيادات الجيش الحر ممن استعمل هذه الأجهزة، وزودت الإمارات النظام السوري بوقود للطائرات الحربية، وقال بيان صدر عن وزارة الخزانة الأمريكية؛ إن شركة “بانجيتس” – ومقرها إمارة “الشارقة” بدولة الإمارات العربية المتحدة – قامت بتوريد منتجات نفطية لسوريا منها وقود طيران منذ عام 2012 وحتى أبريل من العام الجاري، مشيرًا إلى أنه من المرجح أن تلك المنتجات استخدمت في أغراض عسكرية.

المصادر

تحميل المزيد