تعج الحياة الإسرائيلية بالكثير من رجال الدين والمواطنين العاديين الذين يمارسون التحريض على العنصرية والكراهية ضد العرب والفلسطينيين، لكن لم يحدث أن اعتُقل أحدهم من قبل إسرائيل «الدولة الديمقراطية» بتهمة التحريض.

في مقابل ذلك، تتبع إسرائيل بدأب كلمات رئيس الحركة الإسلامية السابق الشيخ «رائد صلاح»؛ تراجع خطبه ودروسه ومشاركاته في الحياة الاجتماعية حتى التي مضى عليها سنوات، لتقف على جملة أو كلمة أو آية قرآنية يمكن إدراجها في تهمة «التحريض» التي كانت وراء عدة اعتقالات تعرض لها «صلاح» خلال مسيرته العملية ودوره في خدمة قضية المسجد الأقصى.

رائد صلاح: «أعيش في السجن داخل الحمام»

«أنا أعيش في السجن داخل الحمام، وأصلي في الحمام وبالمرحاض، بل أنام بالمرحاض»، كلمات مقتضبة حاول من خلال الشيخ «رائد صلاح» إجمال أوضاعه السيئة التي يعيشها داخل السجن الإسرائيلي.

الشيخ «رائد صلاح» (موقع عرب 48)

بعد ما يقارب 7 شهور على آخر اعتقال له أعيد «صلاح» إلى سجنه مجددًا، في 15 أغسطس (آب) الحالي، ووجهت له تهمة مكررة هي «التحريض»، إذ اعتبرت إسرائيل نعي الشيخ لمنفذي عملية الأقصى من مدينته في أم الفحم بـ«الشهداء» واعتبرت الآية القرآنية التي تلاها: «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا» تحريضًا، والمفارقة أنه اعتُقل «صلاح» بعد شهرين على هذه المشاركة، إذ يعتقل الآن في ظروف قاسية غير مسبوقة حيث  نصبت له كاميرتان لمراقبته، وهو ما جعل «صلاح» يعاني في استخدام الحمام أو حتى تغيير الملابس، وممارسة الشعائر الدينية، كما ذكرت تقارير أن إدارة السجن أطلقت على الشيخ سجناء جنائيين إسرائيليين قاموا بالهجوم عليه بالضرب والشتم في سجن «ريمونيم».

الشيخ «رائد صلاح»

تحدث «ساسة بوست» إلى محامي الشيخ «صلاح» خالد زبارقة فقال: «يفسر اعتقال الشيخ رائد صلاح في إطار التراجع الواضح في حقوق الإنسان، وخاصة بكل ما يتعلق بحق التعبير عن الرأي وحق العبادة، حيث استعمال الإجراءات القانونية لخدمة أجندات سياسية».

ويتابع لـ«ساسة بوست»: «الشيخ يحمل صفة اعتبارية وهو يلقب بشيخ الأقصى، وهذه المرحلة التي نعيشها الآن هي مرحلة استهداف الأقصى حسب الحكومة الإسرائيلية، ويأتي اعتقال الشيخ في سياق سياسة مدبرة ومبيتة لتمرير أجندة تهويدية على المسجد الأقصى بالأساس»، ويوضح «زبارقة» أن تهمة التحريض هي تهمة واسعة ومطاطة يلائمها الاحتلال الإسرائيلي حسب ما يخدم سياساته، عدا أنه يمارس نظريته في يهودية الدولة بمعنى أن هناك قانون للعرب، وهناك قانون لليهود في الدولة، والجهاز القضائي مجند لخدمة أجندة الحكومة الإسرائيلية.

القاضي الإسرائيلي: رائد صلاح لم يخالف القانون

قانونيًا، لم يقتنع رئيس محكمة الصلح في مدينة «ريشون ليتسيون» «مناحيم مرزاحي»، بأن تصريحات «صلاح» تنطوي على تحريض، حسب صحيفة «هآرتس» العبرية.

لكن على الرغم من إقرار المؤسسات القضائية بأن «صلاح» لم يتجاوز «القانون الإسرائيلي» يستمر اعتقاله، الأمر الذي يطرح تساؤل لماذا يُستهدف الرجل؟ ولماذا تتجاهل الحكومة الإسرائيلية آراء الجهاز القضائي الذي ينفي قيام صلاح بالتحريض؟ تجيب على هذا التساؤل صحيفة «هآرتس» العبرية بالقول: «الهدف الرئيس هو تغييب صلاح عن الشأن العام وإبعاده كثيرًا عن المسجد الأقصى»، مضيفة: «إسرائيل تريد إبعاد الشيخ صلاح عن القضايا المشتعلة وترغب في الإبقاء عليه في السجن أكبر فترة ممكنة؛ لأنها تعتقد أنه المحرك الأول لأية أحداث تجري في المسجد الأقصى والقدس»، إضافة إلى أن بعض الوزراء الإسرائيليين يحاولون تسجيل نقاط سياسية أمام جمهور اليمين من خلال استهداف صلاح، حسب الصحيفة.

يقول الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي «صالح النعامي»: «إن الصهاينة يرون في صلاح ماكينة الدفاع الرئيس التي تحول دون نجاح مخططاتهم إزاء المسجد الأقصى. إن ما يدلل على خطورة دلالات استهداف صلاح على هذا النحو حتى بدون توافر غطاء قانوني يتمثل في أن القيادة الصهيونية قد عبرت عن توجهات خطيرة إزاء المسجد الأقصى»، موضحًا في مقال له نشرته صحيفة «الرسالة» بغزة: «خلال الاحتفالات بما يعرف بـالتاسع من أغسطس (آب) توعد نائب وزير الحرب الحاخام إيلي بن دهان بأن تقوم (إسرائيل) قريبًا ببناء الهيكل الثالث. ولا حاجة للتذكير بأن تدشين الهيكل المزعوم يعني بالضرورة تدمير الحرم القدسي الشريف»، بحسبه.

التحريض «مباح» للإسرائيليين و«تهمة» لـ«صلاح»

دعا إلى قتل الفلسطينيين من الأطفال والرجال والنساء في كتب ومقالات عدة، وبالرغم من تمكن شخصيات يسارية إسرائيلية من ملاحقته قانونيًا، إلا أن النيابة الإسرائيلية منذ العام 2009 تماطل في تقديم لائحة الاتهام ضد الحاخام «يوسف التيسور».

الحاخام «يتسحاق يوسف» (موقع عرب 48)

وفي العام 2015 صدرت توصيات من المستشار القضائي الإسرائيلي بملاحقة الحاخام، استنادًا على فحوى كتاب «شريعة الملك» الذي ألفه مع الحاخام «يتسحاق شابيرا» ودعا فيه لقتل الفلسطينيين، إلا أنه رفض حتى الرد على رسائل جلسات الاستماع، ولم تتحرك الجهات الرسمية الإسرائيلية لاتخاذ الإجراءات القانونية ضده.

تظهر تلك القضية مدى إتباع سياسة الكيل بمكيالين لدي إسرائيل في نظر المعارضين لسياسات الدولة، إذ لم يكن «التيسور» هو المحرض الأول ولا الأخير الذي يحرض على القتل المباشر للفلسطينيين، فإسرائيل التي تحاكم الشيخ «صلاح» بتهمة التحريض، لا تتوقف فيها النطق بفتاوى تحريضية وعنصرية، في مرة سابقة قال حاخام الأكبر  «يتسحاق يوسف»: «كل إرهابي يأتي لقتلنا يجب قتله، يجب قتلهم جميعًا، يجب ألا يعود أي إرهابي للحياة لأننا نعرف أنه سيعود لإيذاء الشعب اليهودي وقتلهم»، أما في مارس (آذار) 2016، فقال إنه: «بحسب الشريعة اليهودية، لا ينبغي أن يعيش غير اليهود في أرض إسرائيل، وأنه إذا لم يوافق غير اليهودي على الالتزام بالشرائع النوحية، علينا إرسالهم إلى السعودية»، أما والده الحاخام اليهودي «عوفيديا يوسف»، فقال: «ممنوع الإشفاق عليهم، يجب قصفهم بالصواريخ بكثافة وإبادتهم، إنهم لشريرون»، وفي أحد دروسه الدينية قال: «إن العرب صراصير، يجب قتلهم وإبادتهم جميعًا».

مستوطنون إسرائيليون

وفي قراءة لمستوى التحريض في المجتمع الإسرائيلي، تظهر دراسة أصدرها مركز حملة- المركز العربيّ لتطوير الإعلام الاجتماعيّ: «أنّ 60 ألف متصفح إسرائيلي كتبوا على الإنترنت منشورًا عنيفًا واحدًا على الأقل ضد العرب، حيث وجد 675000 منشور عنصري أو تحريضي كتب ضد العرب على الشبكات الاجتماعية في عام 2016، بمعدل منشور كل 46 ثانية، غالبيّتها على فيسبوك».

أما ما ينال من شخص صلاح على وجه التحديد، فقد زاد التحريض ضده في أعقاب عملية الأقصى التي وقعت في يوليو (تموز) الماضي، فقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان: «يجب اعتقال الشيخ رائد صلاح على الفور، وأعمل جاهدًا من أجل توفير الإمكانيات لاعتقاله إداريًا كونه يحرض بأن الأقصى في خطر».

يقول المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» «أليكس فيشمان»: «كان من المفروض ألا تتخذ إسرائيل خطوات أمنية في المسجد الأقصى، إنما ضد الإسلاميين المتطرفين في الداخل».

إسرائيل تحلم بتراجع شعبية «صلاح»

«أصبحت شعبية رائد صلاح منخفضة أكثر من أي وقت مضى»، يظهر هذا التصريح الذي جاء مؤخرًا على لسان مسؤول في الشرطة الإسرائيلية في لواء الشمال مدى الرغبة الإسرائيلية بالقضاء على تأثير «صلاح» والذي وصل حتى قول المسؤول السابق حسب الموقع الإخباري الإسرائيلي ‏NRG بأن : «المتظاهرين ليسوا مستعدين بعد لدعم رائد صلاح، إذ لم يتظاهر سوى عدد قليل من مناصري رائد صلاح في أعقاب اعتقاله».

الشيخ صلاح مع والدته

بحسب المراقبين، يحظى «شيخ الأقصى» بإجماع كبير علىه في الشارع الفلسطيني، فخلال الساعات القليلة الماضية أطلق نشطاء من الداخل الفلسطيني والقدس المحتلة، حملة تضامنية على مواقع التواصل الاجتماعي مع الشيخ الذي يعمل دون أي إطار تنظيمي، وتدعو الحملة التي تصدرها هاشتاغ #الردع الجماهيري إلى إطلاق سراح الشيخ منددة بظروف اعتقاله التي تحدث عنها خلال جلسة محاكمته الاثنين الأخير.

ويعتبر«صلاح» أحد أهم قادة فلسطينيي أراضي 48 وأكثرهم شعبية، من مؤسسي «الحركة الإسلامية» في سبعينيات القرن الماضي قبل أن تنقسم أواخر التسعينيات إلى جناحين، جنوبي وشمالي، وترأس الشيخ الجناح الشمالي الأكثر تشددًا ما جعل السلطات الإسرائيلية تعتبره: «أخطر قادة عرب الداخل، وامتدادًا لحركة الإخوان المسلمين».

وتظهر مسيرة الاعتداءات الإسرائيلية التي نالت من الشيخ «صلاح» البالغ الثامنة والخمسين من العمر مدى الامتعاض الإسرائيلي من دوره خاصة في التصدى لإجراءات إسرائيل بحق المسجد الأقصى، ففي العام 1981 وبعد تخرجه في كلية الشريعة اعتقل بتهمة الارتباط بمنظمة محظورة، ثم بعد الإفراج عنه فرضت عليه الإقامة الجبرية، وفي عام 2000 خلال «هبة القدس»، تعرض لمحاولة اغتيال وأصيب بعيار أطلقته القوات الإسرائيلية، وفي عام 2003 اعتقل وأفرج عنه بعد سنتي سجن عام 2005، في الملف المعروف بـ«رهائن الأقصى».

وفي عام 2010 أصدرت المحكمة الإسرائيلية حكما بالسجن تسعة أشهر، وفي عام 2011 وبينما كان الشيخ عائد مع زوجته من الديار الحجازية منع الشرطة الإسرائيلية من تفتيش زوجته، فاتُهم بعرقلة عمل الشرطة، وسُجن ثمانية أشهر.

وفي الثامن من مايو (أيار) 2016، دخل «صلاح» السجن لقضاء الحكم عليه بالسجن لمدة تسعة أشهر، بتهمة التحريض على العنف، في قضية عرفت بـ«خطبة وادي الجوز»، وعند الإفراج عن «صلاح»، دفع القلق من الحشود التي خرجت لاستقبال الشيخ إسرائيل لإطلاق سراحه قبل ساعات من موعده، في مكان مجهول إلا أن أهالي أم الفحم خرجوا لاستقباله في احتفال حاشد فيما بعد.

المصادر

تحميل المزيد