يبدو رمضان في أوروبا، حيث الأكثرية السكانية غير المسلمة، مختلفًا عنه في الدول العربية والدول ذات الأغلبية المسلمة، وقد تواصل «ساسة بوست» مع عدد من المسلمين بالخارج ليحكوا لنا أجواء رمضان، وكيف تختلف عن موطنهم الأصلي، وبالأخص مع زيادة عدد ساعات الصيام، والأسئلة المتكررة التي توجه لهم دائمًا هناك حول الحكمة منه، وتأثير العمليات الإرهابية على حرية المسلمين في ممارسة شعائرهم.
صيام 21 ساعة في روسيا
قبل سنتين، وصل الشاب المصري محمد (23 سنة) إلى روسيا ليدرس الهندسة المدنية في جامعة سان بطرسبرج الروسية، ويحكي محمد لـ«ساسة بوست» أنه لا يوجد في المدينة سوى ثلاثة مساجد فقط، أقربهم يبتعد عنه نحو نصف ساعة، لافتًا إلى وجود إفطارات خاصة بالمسلمين بالمساجد «يذهب إليها المسلمون الجنوبيون الأكثر فقرًا، لكن العرب المقيمين أو الطلاب يأكلون في بيوتهم»، بحسبه.
وبسؤاله عن تأثير تفجير محطة مترو سان بطرسبرج الذي وقع في أبريل (نيسان) الماضي، على حرية المسلمين في ممارسة شعائرهم بالأماكن العامة، نفى محمد وجود أي مشاكل بين المسلمين والشعب الروسي، لافتًا: «بالعكس الجامعة وأصدقائي يرسلون لنا التهاني بقدوم رمضان، والأمور طبيعية جدًّا».
ويقول محمد بأن المشكلة تكمن في العدد الكبير لساعات الصوم مع الدراسة والمحاضرات، مشيرًا أنها تتراوح من 20 إلى 21 ساعة صوم، ويروي أنه يواجه من أقرانه غير المسلمين أسئلة متكررة حول الحكمة من الصوم، والامتناع عن الطعام والشراب، قائلًا: «الرد يكون سهل لأن في دينهم (المسيحي) يوجد صيام بطريقة مختلفة، فلذلك يتقبلون أمر صيام المسلمين» ونفى محمد افتقاده لأي شيء في مصر، مضيفًا: «ده أنا بتعكنن (لفظة عامية بمعنى تسوء حالته المزاجية) لما بتيجي سيرتها».
«رمضان في ألمانيا أحلى من مصر»
بدورها، تعاني سمر أيضًا (وهو اسم مستعار) التي تعيش مع أسرتها في ألمانيا منذ 15 عامًا، من عدد ساعات الصيام في ألمانيا التي تبلغ 18 ساعة، وتقول لـ«ساسة بوست» إنها تصومها دون الأخذ بفتوى دار الإفتاء المصرية التي تسمح بتقليص ساعات الصيام، وتسمح بالإفطار مع موعد السعودية، دون أن يؤذن المغرب في ألمانيا، لافتةً أن تلك الفتوى رُفضت من لجنة الفتوى في ألمانيا والمجلس الأوروبي للإفتاء، ولكن البعض يعمل بها.
وتقول سمر إنه من الصعب جدًّا إقامة «عزومات» لأن المغرب يؤذن بعد التاسعة مساءً، منوهةً إلى تجمع المسلمين والمغتربين في إفطار جماعي بالمساجد على مدار الشهر، دون تضييقات حكومية، ويبدو أن الشعائر الرمضانية حاضرة في ألمانيا، إذ تقام، بحسب سمر، صلاة التراويح في مساجد بعد العشاء، وأخرى بعد الجمع بين المغرب والعشاء استنادًا لفتوى تسمح بالجمع بين الصلاتين.
وبالرغم من الطبيعة الخاصة بقضاء رمضان في مصر، إلا أن سمر تفضله في ألمانيا، وتقول: «رمضان هنا أحلى، وفي قدرة أكبر على التفرغ للعبادة أكتر من مصر»، موضحةً: «العزومات الكثيرة جدًّا والمفروضة عليك أن تقيمها أو أن تذهب إليها، والغيبة والنميمة المصاحبة لتجمعات الأهل والأصدقاء كلها أشياء تلهي عن العبادة في مصر».
ويتكرر على سمر مثل محمد سؤال دائم من غير المسلمين، يستفسر عن أسباب الصوم عن الطعام والشراب وبالأخص عن الشراب، وتقول إنه عندما توضح أنه أحد الفروض في الإسلام «ليس بالضرورة أن يقتنعوا بالإجابة، ولكن يحترمون رغبتك وأنه جزء من دينك» مشيرةً أن «المشكلة الأكبر» تتمثل في المسلمين الذين لا يلتزمون بتلك العبادات.
وأوضحت سمر أن رؤية الأجانب لغير المتلزمين بالعبادات يجعلهم ينظرون للملتزمين بتلك العبادات على أنهم «متعصبون أو متشددون»، مما يُخِل – بحسب سمر- بتصوراتهم عن الإسلام واحترامهم للملتزمين بالشعائر الإسلامية أثناء ممارستها.
«الحجاب لا ينتمي لألمانيا»
ولدى سمر ثلاثة أطفال أعمارهم: ست أعوام، و11 عامًا، و14 عامًا، الأكبر والأوسط يصومان أغلب رمضان، أحدهما يظهر صيامه، والآخر لا يفضل إعلان ذلك «لأنه مش بيحب يشعر إنه مختلف أو أصحابه يشعرون أنه مختلف عنهم، فالأسهل له ألا يظهر صيامه أو صلاته أمام زملائه»، بحسب سمر التي لفتت إلى أن الإعلان عن الصيام يؤدي إلى أسئلة متكررة من الأطفال تبدأ بالصيام وتتطرق لأشياء أخرى في الدين الإسلامي، وأشارت إلى صعوبة الصيام على الأطفال بشكل عام مع الجو الحار، وحصص الرياضة الإلزامية بالمدارس، ورؤية زملائهم يأكلون ويشربون بشكل طبيعي.
وحول تأثير العمليات الإرهابية، مثل عملية الدهس في برلين التي نفذها «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على حرية المسلمين في ممارسة شعائرهم، لفتت سمر إلى أنها لاحظت تزايدًا سنويًّا في الجهات المُهنئة للمسلمين بحلول شهر رمضان، والتقارير الإعلامية التي تتحدث عنه، وقالت إنها لم تشعر بازدياد في جرائم الكراهية والعنصرية بعد تلك العمليات، «ولكن هناك مسلمين آخرين يرون أنها زادت» موضحةً أن الأمر يرتبط بشكل كبير بالمدينة التي تعيش فيها.
وقالت سمر إن الحوادث العنصرية موجودة باستمرار في ألمانيا، وذكرت أنها تعرضت سلفًا لحادثة قالت فيها إحدى الألمانيات لها إن «الحجاب لا ينتمي إلى ألمانيا»، وذكرت أيضًا أن إحدى صديقاتها تعرضت للضرب في الأوتوبيس من أحد الألمان لأنها محجبة، عقب هجوم برلين.
«نصوم 20 ساعة في السويد ولا نمتثل لفتوى تقليل الساعات»
مثل سمر، تقول منال (29 سنة) التي جاءت إلى السويد قبل نحو عام، إنها لا تطبق فتوى دار الافتاء المصرية بشأن تقليص ساعات الصيام، وتمتثل لفتوى المجلس الإسلامي بستوكهولم التي تفيد بالصيام بشكل طبيعي حتى غروب الشمس في السويد، لافتةً «أصعب شيء هو طول فترة الصيام».
وتقول منال إن الوقت ضيق جدًّا بعد الإفطار بما يحول دون صلاة التراويح بالمركز الإسلامي الذي يبعد عنها نحو عشرة كيلومترات، ويختلف رمضان في السويد عن مصر، بحسب منال التي توضح «لا نسمع صوت المساجد ولا نجتمع مع العائلة ولا نصلي التراويح في المسجد»، لافتًةً أنها تحاول استشعار أجواء رمضان بعيدًا عن الأهل «نفطر في مطعم سوري قريب منا بيفتح مخصوص حتى موعد الإفطار».
ويثير الصيام تساؤلات غير المسلمين، بحسب منال التي تقول: «يتعجبون من عدم الطعام والشراب تمامًا أثناء الصيام»، مشيرةً أنه عندما تُوضح أسباب الصيام لهم يظلون مستغربين منها، وبالأخص مع طول الصيام «يستغربون ولكنهم لا يضايقوننا»، نافيةً تعرضها لأية مواقف عنصرية في السويد.
«نضطر لتناول طعام غير مذبوح على الطريقة الإسلامية في أوكرانيا»
مثل سمر ومنال، يصوم محمود (21 سنة) في أوكرانيا 19 ساعة دون الأخذ بفتوى تقليص ساعات الصيام، ويلفت محمود الذي يدرس الصيدلة في أوكرانيا، بأنه يعيش منذ نحو ستة أشهر في مدينة حدودية بأوكرانيا مع عدد مسلمين قليل جدًّا، مما يحول دون وجود «روابط للمسلمين أو تجمعات لهم»، وأشار إلى عدم وجود أي تضييقات حكومية ضد المسلمين، أو تعرضه لأي موقف عنصري منذ قدومه قبل نصف عام، أو توجيه أية أسئلة له بشأن الصيام «كل شخص مشغول بحاله حرفيًّا».
ويقضي محمود أغلب اليوم في المنزل لأن الأجواء لا تساعد على الحفاظ على الصيام بحسبه، «بسبب درجة الحرارة والناس بتبقى على راحتها على الآخر» في الإشارة إلى عدم ارتداء الملابس المحتشمة في شوارع أوكرانيا، ويفتقد محمود «جو الأسرة والأصدقاء وصلاة التراويح وسماع الأذان»، نافيًا وجود أي مساجد في المدينة التي يعيش فيها.
وأكد محمود افتقاده أيضًا للطعام في مصر، موضحًا «نوعية الطعام هنا (في أوكرانيا) غريبة و لا تمت لنا بأي صلة، وأغلب الطعام بيكون مُكهرب ولا يُذبح بالطريقة الإسلامية»، وأشار أنه يضطر إلى تناول الطعام غير المذبوح بطريقة إسلامية، مضيفًا: «في فتاوي سمحت بتناول طعام أهل الكتاب»، لفت أيضًا إلى معاناته من غلاء المعيشة والإرهاق الشديد الناتج من طول ساعات الصيام.