يخبرنا رامين جافدي، المولود في مدينة «دويسبورغ» بألمانيا عام 1974عن أول ذكرى موسيقى تصويرية له فيقول: «أول فيلم حركتني فيه الموسيقى كان «the magnificent seven»، وموسيقاه الأليفة الجميلة جعلتني أدندن بها لوقت طويل بعد مشاهدة الفيلم، ربما عندها فكرت بماذا أريد أن أكون عندما أكبر»، لندرك في وقت لاحق أننا أمام نابغة موسيقي غير اعتيادي خلق بعدًا جديدًا في عالم الموسيقى التصويرية.

(الموسيقى التصويرية لفيلم the magnificent seven أول فيلم فكر بعده جافدي برغبته في أن يحترف الموسيقى التصويرية)

مؤلف موسيقى صراع العروش تربى على الموسيقى الإيرانية

ولد جافدي لأب إيراني يعمل طبيبًا وأم ألمانيّة، بدأ بالعزف على الأورغ من عمر الأربع سنوات، حين لاحظ والداه أمرًا غريبًا لا ينطبق على الأطفال في عمره، كان يجلس أمام الأورغ ويبدأ بعزف نغمات من ذاكرته يعزفها عن ظهر غيب فقررا إعطاءه دروسًا في الموسيقى، بالرغم من موهبة جافدي العظيمة، واهتمام والديه بتنميتها، إلا أنه لم يأخذ الأمر بجدية حتى عمر الثالثة عشرة، حين بدأ بالتدرب على الموسيقى بشكل دوري، عن تلك الفترة قال: «لقد ملكت أول غيتار لي في عمر الثالثة عشرة، ومنذ ذلك الوقت بدأت آخذ تدريباتي الموسيقية بجدية وأقضي وقتًا أطول في التدرب والعزف».

لكن رامين كان دائمًا مشدودًا للموسيقى، في بداية اهتمامه بها كان يحب الموسيقى الشرقية، الإيرانية بالخصوص، بحكم أصوله الإيرانية كان يأخذ الأشرطة الموسيقية من سيارة أبيه ويستمع لها، ثم يعيدها، دون أن يعرف. بعد ذلك انتقل إلى سماع المقطوعات الكلاسيكية، مثل مقطوعات بيتهوفن وموزارت، ثم عاد للاهتمام بموسيقى الجاز والروك والميتال في فترته الجامعية ليخلق هذا المزيج الثلاثي من الأنواع الموسيقية المختلفة حتى التنافر ذوقًا موسيقيًا فريدًا لا يطغى فيه أثر واحد منهن بقدر ما نرى أثره لخلق موسيقى جديدة ممزوجة بذوق موسيقي رفيع.

«إذا كنت ستفعلها فافعلها بشكل مثالي»

بعد انتهائه من الثانوية فكر جافدي في مصارحة أبيه برغبته في أن يستكمل تعليمه في مجال الموسيقى، ولكون أبيه كان طبيبًا، وبالطبع يرغب في أن يصبح ابنه طبيبًا مثله، كان يخشى من رفض أبيه للفكرة، لكن أباه قال له «المهم أن تقوم بالأمر بكل جهدك، إذا كنت ستفعلها فافعلها بشكل مثالي».

في ألمانيا كان لجافدي معرفة بشخص يشتري معداته الموسيقية منه، هذا الشخص كان له صلة بهانز زيمر Hans Zimmer – عازف الموسيقى التصويرية الألماني الأصل الشهير- فأوصاه بالذهاب إلى الولايات المتحدة لمتابعة حلمه في التخصص بالموسيقى وأوصى هانز زيمر بالاعتناء به.

اقرأ أيضًا : من أعظم 100 عبقري يعيشون في عالمنا الآن.. رحلة في عقل هانز زيمر

انتقل جافدي إلى الولايات المتحدة، حيث درس فيها الموسيقى في كلية «بيركلي» للموسيقى ببوسطن، وتخصص في دراسة الجاز والروك، وكان يعزف موسيقى الميتال على الغيتار الكهربائي ضمن فرقة اسمها  My Favorite Relatives، لكنه تركها ما إن أنهى دراسته، وبدأ بعمله الأول في عالم الموسيقى التصويرية.

( رامين وهو يعزف ضمن فرقته أيام الجامعة،مصدر الصورة:cbs.com)

انتقل جافدي بعد تخرجه إلى كاليفورنيا وعمل بها قليلًا، قبل أن ينضم إلى الموسيقي الشهير هانز زيمر Hans Zimmer في شركة (ميديا فينتشرز Media Ventures) لوقت قصير، أفاده فيه زيمر بخبرة أولية في عالم الموسيقى التصويرية، انتقل بعدها للعمل في لوس أنجلوس كمساعد تنفيذي في إنتاج الموسيقى التصويرية مع  كلاوس باديلت – عازف موسيقى تصويرية – بتوصية من زيمر، ومن هنا بدأت سيرة جافدي الموسيقية بالتكون، فشارك في التأليف الموسيقي لعدة أفلام مثل Pirates of the Caribbean: The Curse of the Black Pearl ،Something’s Gotta Give

أحب جافدي الموسيقى التصويرية، وأغرم بعمله، فكان يعمل بالساعات، ويندهش بالشكل الذي يخرج فيه المشهد بعد دمجه مع الموسيقى، «مزاج موسيقي معين تضفيه على المشهد، يمكن أن يخبرك بقصة المشهد قبل أن يحدث، وهذا أمر مذهل»، لكنه بنفس الوقت لم يكن يحب العمل تحت ظل عملاقي الموسيقى التصويرية زيمر وبادليت، لقد أراد أمرًا أكبر، أراد موسيقى تخرج بصيغتها النهائية باسمه، ولا يظهر فيها سوى أثره.

«الموسيقى التصويرية الجيدة بالنسبة لي هي القطعة الموسيقية التي تستمع إليها بشكل منفصل عن المشهد، وتبقى قطعة موسيقية جيدة»

الخروج من عباءة هانز زيمر

عام 2004 قرر جافدي أن يستقل بعمله ويقوم به دون أن يكون في ظل منتج موسيقى تصويرية آخر، بدأ فيها بأول عمل منفرد له، وهو موسيقى تصويرية لفيلم رعب Blade: Trinity، وتعاون أيضًا مع مغني الراب الأمريكي رزا RZA  لإنتاج أغنية Fatal ، بدأ بعدها يظهر اسم جافدي في الوسط الفني، وتعاقد مع العديد من الأفلام والمسلسلات لإنتاج موسيقاها التصويرية، مثل Iron Man, Pacific Rim  ومسلسل  Prison Break. وعمل أيضًا في مجال تأليف الموسيقى التصويرية للألعاب الإلكترونية؛ فأنتج موسيقى لعدة ألعاب، أشهرها موسيقى اللعبة الملحمية Medal of Honor ، حتى حصل عام 2006 على جائزة  (أفضل موسيقى شارة بداية أصلية Outstanding Original Main Title Theme Music) وكانت هذه أول جائزة يحصل عليها.

وبملاحظة السمة المشتركة بين أعماله الأولى نرى تأثره بموسيقى الروك والجاز بشكل يطغى قليلًا على خلفيته الموسيقية الواسعة المتنوعة ليخلق قطعًا موسيقية حية، تلائم مواضيع الأفلام التي اختارها، والتي غلب عليها طابع الرعب والحركة والإثارة، لنلاحظ لاحقًا مع امتداد خبرته الموسيقية قدرته على تحكمه بشكل أكبر بهذا الجانب المحبب له؛ ليخلق موسيقى ذات نكهة جديدة أقرب منها إلى الكلاسيكية.

(الموسيقى التصويرية لفيلم the unborn: batman begins، حصل جافدي على أول جائزة له من خلالها)

رؤية ألوان النوتة الموسيقية كانت أمرًا طبيعيًا عند جافدي!

يتمتع جافدي، المتزوج من  Jennifer Hawks – مؤلفة موسيقى تصويرية أيضًا – بحالة عصبية مميزة نادرة تسمى (سينيستيسيا synesthesia) وهي حالة يتفاعل فيها الشخص تجاه المحفزات بطريقة مختلفة، يخلط فيها الحواس؛ فيرى الأصوات ويسمع الألوان، وفي حالة جافدي كان قادرًا على ربط الألوان بالنوتات الموسيقية، فكل نوتة أو نغمة معينة ترتبط في دماغه بلون معين، وكأنه يرسم لوحة موسيقية في دماغه.

فيديو يصور حالة السينيستيسيا synesthesia

وعن هذه الحالة يقول جافدي: «لم أكن أعرف هذا الأمر عن نفسي، واكتشفته زوجتي بالصدفة، حين كانت تسألني عن عملية تأليف الموسيقى، وكيف أكتب مقطوعاتي؟ وعندما وصفت الأمر لها بأنني أرى الألوان وأنا أكتب، وكل نوتة مرتبطة بلون في دماغي، أخبرتني باسم هذه الحالة،  لم أكن أعرف المصطلح والحالة من قبل».

(رامين وزوجته جينيفر،مصدر الصورة : .zimbio.com)

فربما تكون هذه الميزة التي تجعل من الموسيقى لوحات فنية في ذهن جافدي هي الهبة التي جعلته نجمًا لامعًا سطع في أوج صوره في المسلسل الشهير: صراع العروش

صراع العروش.. أول الألق: ممنوع استعمال الناي!

«عام 2010 طلب مني منتجي البرنامج David Benioff وDan Weiss بالنظر إلى الحلقات واتخاذ القرار بشأن العمل معهما، بعد الانتهاء منها كنت مندهشًا، لكني كنت مشغولًا جدًا بالعديد من الأعمال وقتها، عرفت في داخلي أن هذا العمل سيشتهر على نطاق واسع، فقلت في عقلي: حسنًا لن أنام الأشهر الثلاثة المقبلة، الآن وأنا أتذكر الماضي أظن أنها افضل تجربة مررت بها في حياتي»، هكذا تحدث جافدي عن بدء عمله في موسيقى صراع العروش، وآتى سهر الثلاثة أشهر ثماره؛ فأخرج لنا هذا المسلسل أفضل ما أنتجه جافدي من موسيقى.

في اتفاقه مع ديفيد ودان كان لهم شرط واحد فقط: ممنوع استعمال الناي! لماذا؟ كانوا يرون أنه في هذا النوع من الدراما – الدراما الفنتازية -يتم استخدامه بشكل مبالغ فيه، وهم يريدون شيئًا مختلفًا.

عن طريقة عمله على المسلسل قال: «في بداية الموسم أجلس مع المنتجين والمؤلفين ويخبرونني عن الخطوط العريضة للموسم كاملًا، في أول مرة أروني مواقع التصوير والتأثيرات المستخدمة، وأحيانًا كنت أتواجد عند تصوير الحلقات، وأقابل الممثلين وأحادثهم، وكل هذا ألهمني لتأليف الموسيقى التصويرية». 

أغنية الشارة لصراع العروش مثلًا بدأ فيها بدندنة النغمة وهو في السيارة أثناء عودته من الأستوديو بعد مشاهدة مكان التصوير ومناقشة السيناريو، وما أن عاد إلى المنزل حتى سجل النغمة وبدأ العمل عليها.

(موسيقى الشارة للمسلسل صراع العروش)

التشيلو بديلًا عن الناي

بسبب شرط منع استخدام الناي، بحث جافدي عن آلة بديلة تكون الرئيسة، وتناسب مادة المسلسل في نفس الوقت، فوجد أن التشيلو هو أنسب؛ أداة التشيلو – بحسبه –  كانت الأداة الرئيسة؛ لأنها من الممكن أن تعزف على مستويات متفاوتة في العلو والانخفاض، فكثرة طبقات العزف في هذه الأداة جعلته يختارها.

(جافدي يشرح طبقات التشيلو ومناسبتها لموضوع صراع العروش)

لاقت موسيقى الشارة إعجابًا كبيرًا بين جمهور صراع العروش، وما أن عُرضت الحلقة الأولى حتى بدأت الفيديوهات التي تقوم بتقليد عزفها بكافة الأشكال والأدوات الموسيقة تتوالى، مرة بالكمان وبالعود والبيانو وبطرق غريبة أيضًا كالعزف بالأقراص المضغوطة وبصوت القطة.

هوس تكرار المشاهد واستخدام آلات موسيقية جديدة يلاحق جافدي كل موسم

جافدي – الذي يكره مشاهدة المسلسل بشكل مسبق؛ لأن المشاهد لا تكون كاملة وتفسد عليه متعة التفاجؤ لاحقًا – يخبرنا عن الطريقة التي عمل فيها على موسيقى الخلفية للمشاهد في صراع العروش، وهي طريقة متعبة وبديعة. يقول عنها: «وأنا أؤلف الموسيقى التصويرية دائمًا ما تكون المشاهد في الخلفية عندي، وأضطر للعودة للمشهد  كثيرًا جدًا؛ لأعيد ترتيب المقطوعة على حسب الأحداث، وأرسم في رأسي نوع الأداة الملائمة وأقوم بكتابة المقطوعة».

بعد ذلك يبدأ جافدي بتأدية المقطوعة على كل أداة موسيقية بشكل منفرد، كالبيانو مثلًا، ثم الكمان، وهكذا، وما أن يجد الأداة الرئيسة المناسبة للمشهد حتى يبدأ بإدخال الأدوات الموسيقية الأخرى بطبقات من النغمات المتناسقة؛ لتخرج القطعة الموسيقية بشكل متكامل.

يقول جافدي عن هذه المرحلة: «الممتع أننا نجلس كل موسم ونفكر في الأدوات التي لم نستعملها بعد، ونحاول إدخال أدوات موسيقية جديدة، استخدمنا الكثير من الأدوات الموسيقية  الغريبة عن الموسيقى التصويرية كالبوق الفرنسي والترامبونو  والديدجيريدو  والدادوك الأرمني ومطرقة دولسيمر والطبلات المختلفة وغيرها»، ودائمًا ما يرتبط استخدام آلة موسيقية جديدة بحدث مميز في الحلقة يجعل المشاهد يتنبه بشكل خفي لأن أمرًا ما سيحدث.

«كل مرة أبدأ فيها بالعمل على موسم صراع العروش الجديد، أفكر في أنني يجب أن أقوم بأمر لم أقم به من قبل، المسلسل دائمًا ما ينجح في إحداث تطور في كل موسم، حتى عندما أفكر أنه من المستحيل القيام بذلك، لذلك أشعر أنه علي أن أقوم بذلك من خلال موسيقاي أيضًا».

أول استخدام للبيانو كان لمشهد حافل  

في مشهد محاكمة سيرسي مثلًا، كانت هذه أول مرة يستخدم فيها البيانو بشكل منفرد  في صراع العروش في مقطوعة light of the seven، فبمجرد بدء عزفها قاد جافدي المشاهد لملاحظة أن أمرًا ما سيحدث، تبدأ ببطء شديد، ثم تتسارع، وتبني طبقات أخرى، ثم يأتي بعدها صوت بشري يهمهم لطفلين معه، مشهد طفل مع سكين لقتل باسيل، وعندما يبدأ بطعن باسيل. تتحول الموسيقى لاستخدام الأورج، ويرافقها صوت الكورال كاملًا عندما يقوم الجميع بطعنه، ثم يكمل جافدي المقطوعة بإدخال الكمان بكثافة حتى ينهي المشهد.

مشهد استخدام مقطوعة light of the seven

مقطوعة موسيقية لكل شخصية في المسلسل

ما يميز صراع العروش أن المنازل المختلفة وأغلب الشخصيات الرئيسة لها مقطوعة خاصة؛ تحدث جافدي عن طريقة إدخالها للمشاهد قائلًا: «عرفنا أن الموسيقى بحاجة للتنوع لكثرة الشخصيات والحبكات والمنازل، لكن بنفس الوقت لم يكن من اللائق طرح كل هذه الموسيقى دفعة واحد، لأنه لو عقدنا الأمور مرة واحدة لأصبحت المشاهد مشوشة، لذلك اخترنا بعض النغمات لبعض الشخصيات، وأجلنا بعضها الآخر حسب تطور الشخصيات وقيامها بأمور فارقة على مدى المسلسل فثيون حصل على مقطوعة the greyjoy في الموسم الثاني وآريا لم  تحصل على مقطوعة إلا عندما غادرت وحدها».

من الأفضل ألا يضيف أية موسيقى إلى الحوار أحيانًا

طالما الحلقات في التحرير لا يسجل جافدي أية مقطوعة موسيقية، ويبقى كل شيء على الورق، حتى يتم تحريرها وإغلاقها، فيثبت زمن المشهد؛ ليقوم وقتها بالتسجيل بشكل حي مع الموسيقيين والكورال، وهنا يظهر إبداعه: «المرحلة الرائعة التي تصيبني بالقشعريرة كل مرة»، كما قال عنها جافدي.

مصدر الصورة : twitter.com/djawadi_ramin

يواجه جافدي تحديًا، وهو ألا تطغى الموسيقى التصويرية على الحوار والشخصيات، وأحيانًا يجد أنه من الأفضل ألا يضيف أي موسيقى إلى الحوار، وغالبًا يزيد تكثيفها مع اقتراب الحلقة من النهاية مع ازدياد كثافة الأحداث.

في مقطوعة dragonstone مثلًا أعاد جافدي ترتيب المقطوعة الموسيقية لتناسب مشهد دينيريس – شخصية جافدي المفضلة – حتى لا تطغى المقطوعة على المشهد، فحاول فيه إظهار دينيريس بشكل منفرد، وأراد التعبير عن مشاعرها الداخلية لحظة وصولها لـ(dragonstone) بجعل الموسيقى تظهر حالة الحنين وحالة الترقب التي هي عليها؛ كونها ولدت هناك، والآن تعود إلى الوطن، وعند وصولها وتمزيقها لراية ستانس قام بدمج خفي لمقطوعة ستانس يمكن للمنتبه للموسيقى أن يلحظها، هذه تفاصيل خطط لها بحذر وجهد.

مشهد وصول دينيريس إلى  dragonstone   

بين خاتمة الموسم السادس وموسيقى الموسم السابع.. ذهول وتنبؤات  

وصلت شهرة جافدي ذروتها في مقطوعة المشهد الأخير للموسم السادس من لصراع العروش The Winds
Of Winter عبر فيها  الجميع عبر مختلف وسائل الإعلام عن ذهولهم بها ووصفوها بالأسطورية التي تفغر لها الأفواه، جعلها ترتفع بنسبة 5,8 % عن أغنية الشارة للمسلسل؛ مما رفعها لأكثر مقطوعة مسموعة من المسلسل على مدى المواسم جميعها.

المشهد الأخير من الموسم السادس فيه مقطوعة  The Winds
Of Winter

وعند اقتراب الحلقة الأخيرة من الموسم السابع، تم نشر الموسيقى التصويرية للحلقة الأخيرة بشكل مسبق، نُشر على إثر ذلك العديد من المقالات التي تتنبأ بالنهاية من خلال الموسيقى التصويرية، فبعضها توقع انفصالًا عظيمًا وبعضها توقع  موت شخصية رئيسة.

«في صراع العروش كانت الموسيقى قادرة على قيادة المشاهد نحو الأحداث القادمة بشكل مسبق قليلًا، فيقوم – حسب الموسيقى – أحيانًا بتنبؤ قد يكون صحيحًا أو خاطئًا، هذا التلاعب بالمشاهد أعطى الموسيقى بعدًا ممتعًا هنا»

Westworld.. كلما أرادوا استخدام أغنية يخرج جافدي بمقطوعة أفضل!

التقى جافدي بجوناثان نولان – المخرج والمنتج والمؤلف المشهور-  في بداياته وهو يعمل على فيلم باتمان، ومنذ ذلك الوقت عرف عنه نولان أنه موهوب بشكل خيالي، فاختاره للعمل معه أيضًا في Person of Interest، وفي أثناء عمله عليه أخبر جافدي أنه يرغب في العمل على مسلسل خيال علمي جديد اسمه Westworld مستوحىً من فيلم يحمل نفس الاسم تم إنتاجه عام 1973، فوافق جافدي على العمل الذي نتج عنه ترشح لجائزة إيمي عن موسيقى لشارة.

في مرات عدة من مسلسل Westworld أراد نولان استخدام أغنية مع مشهد معين، لكن جافدي يقفز ليسمعهم واحدة من مقطوعاته؛ فيجدونها مناسبة أكثر، فيستخدمونها بدلًا عن الأغاني، فاستخدموا مقطوعات للعديد من الأغاني، قام هو بعزفها مثل no surprises radiohead وblack old sun وpainted black وغيرها.

من الشارة إلى المشاهد.. البيانو كان شخصية رئيسة في Westworld

عن موسيقى الشارة قال جافدي: «في ويست وورلد بدأت من الصفر، والفيلم الذي بنيت عليه المسلسل هو قريب ومحبب بالنسبة لي، ركزت أكثر شيء على البيانو لمناسبتها لموضوع المسلسل، ففيه جزء من السوداوية، ولكن في نفس الوقت فيه نوع من الغواية، والبيانو كانت مناسبة جدًا لذلك، قاموا بتصوير أصابعي وأنا أعزف البيانو، ثم تم تركيب مشهد يدي على الروبوت في مقطع البداية».

مشهد الشارة لمسلسل Westworld الذي ترشحت موسيقاه لجائزة إيمي

البيانو كانت هي الأداة الموسيقية الرئيسة في Westworld حيث إنها بذاتها كان لها دور يجعلها شخصية رئيسة في المسلسل، فنشاهد مشهد البيانو وهي تعزف وحدها في الحانة في هذا المشهد، لتحفز ذاكرة صاحبة الحانة لذكريات لحياة أخرى جعلتها تشكك في حقيقية وجودها.

البيانو كشخصية في مسلسل Westworld

حفلة الثلج والنار

 رامين هو أول مؤلف موسيقى تصويرية في العالم يقرر أن يقوم بعرضها بشكل حي في جولة موسيقية، قال رامين عن فكرة إقامة الحفلة: «كنت جالسًا أسمع بعض مقطوعات الحلقة مع ديفيد ودان، فقال أحدهم: سأحب أن أسمعها في حفلة موسيقية، فكانت مجرد فكرة مزحنا بشأنها، ثم بعد فترة فكرنا بجدية عن إمكانية إقامتها، وتوسعنا بالتفكير في الأمر، فقررنا إقامة حفلة موسيقية مبنية على مسلسل صراع العروش من حيث الموسيقى والديكور».

المسرح تعرض فيه لقطات من صراع العروش، والتصميم للمسرح وأزياء العازفين والكورال مستوحى من المسلسل، يتحرك فيها العازفون المنفردون، وتتوافر شاشات lcd تعرض المسلسل من الجهتين، وشاشات أخرى دائرية تحيط بالأوكسترا، وتظهرهم بشكل شفاف مع عرض تأثيرات بالنار والثلج ليعيشوا المشهد بشكل حي قدر المستطاع.

مقطع من الحفلة الموسيقية

تبعت هذه الحفلة الموسيقية فكرة بإقامة جولة موسيقية تشمل 22 ولاية في الولايات المتحدة بدأت من فبراير (شباط) 2017، وستستمر حتى نهاية العام.

«الجمال في عملي أن المشروع القادم دائما يخبئ مفاجأة، قد يكون فيلم رعب أو رومانسي أو إثارة، أحب هذا التنوع في عملي؛ لأنه يجعلني أكتشف نفسي أكثر، وأعمل على مناسبة قدراتي وتحسينها بشكل موسع مع كل فيلم ونوع موسيقى جديد» 

إبداع كثير وحظ قليل

تحرز مقطوعات جافدي التي تجاوز عددها المئة ما يقارب الـ 1,8 مليون استماع شهريًا على spotify ، ولكن هذا لم يضمن لجافدي أن يحصل على جائزة إيمي التي ترشح لها خمس مرات بين الأعوام 2009 – 2017 ، الأمر الذي أثار استنكار العديد من النقاد في الوسط الفني، وجعلهم يصفون الحكام بالتحيز ضده، لكن جافدي لم يعلق لليوم على أمر عدم فوزه هذا؛ لانشغاله بنجاحه الذي ليس بحاجة لجائزة، فيخبرنا: « كلما خطرت لي فكرة ونوته معينة، فورًا أكتبها، وأحيانا أسجل على هاتفي الجوال النوتة دندنة أو تصفيًرًا، تأتي الفكرة في منتصف الليل، وفي الصباح الباكر، فأحمل هاتفي إلى الحمام لتسجيلها؛ حتى لا أوقظ زوجتي» ونشعر من كلامه هذا الطريقة التي تستحوذ بها الموسيقى على جافدي وتصبح شاغله الجميل.

يقول موزارت «مهمة الموسيقى، حتى في أكثر المواقف رعبًا، أن تغازل الأذن وتسحرها، وبهذه الطريقة فقط تكون موسيقى» ورامين جافدي الذي بدأ سيرته في العمل على فيلم رعب، أدى مهمة الموسيقى وغازل آذاننا وسحرها بسحر النوتات.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد