صار تحطيم الأرقام القياسية أمرًا مألوفًا في السنوات الأخيرة، فهل تطورنا إلى جنس أفضل؟
في عام 2016، تحديدًا في سباق ماراثون الرجال في دورة الألعاب الأولمبية؛ فاز العداء الكيني اليود كيبشوج بالميدالية الذهبية بعد أنهى السباق في زمن ساعتين وثماني دقائق، بينما لو عدنا بالزمن إلى الوراء إلى السباق نفسه في أولمبياد عام 1904؛ سوف نجد أن صاحب المركز الأول – توماس هيك – أنهاه بعد ثلاثة ساعات و40 دقيقة، أي أن الفرق تقريبًا حوالي ساعة ونصف!
في أولمبياد بكين عام 2008 فاز السباح البرازيلي سيزار سيلو بسباق الـ50 متر في 21 ثانية فقط؛ ولكن بمقارنة ذلك مع الرقم الذي حققه السباح الأمريكي جوني ويسمولر في السباق نفسه عام 1942؛ سوف نجد أن الفارق كان 40 ثانية، أي أن سيزار سليو كان الممكن أن يخوض السباق مرتين وسوف ينهي السباق قبل جوني ويسمولر بفارق 10 ثوان كاملة!
وهناك الكثير من الأمثلة في كل الألعاب الفردية والجماعية التي تثبت أن الرياضيين في الوقت الحالي أصبحوا يسجلون أرقام قياسية أفضل ويحققون إنجازات أكثر عن الرياضيين في الماضي؛ ما يجعلنا نطرح سؤالًا هاما: «لماذا يحطم الرياضيون الأرقام القياسية اليوم مقارنة بالماضي؟ هل تطور الإنسان إلى جنس أفضل له قدرات جسدية وعقلية أقوى تمكنه من تحقيق إنجازات أكثر؟».
في الواقع الإجابة على هذا السؤال هي (لا)، حتى أن التطور الحالي ليس سببه الرياضيين أنفسهم؛ بل عوامل خارجية آخرى تم توظيفها بشكل في فعال في مجال الرياضة، وسوف نستفيض بالحديث عنها في السطور القادمة.
تحطيم الأرقام القياسية.. ابحث عن التكنولوجيا
عقب انتقال محمد صلاح إلى فريق روما الإيطالي قادمًا من موسم ليس مع فريق تشيلسي الإنجليزي؛ اعتقد الكثيرون أن فرصة محمد صلاح في العودة للدوري الأقوى في العالم باتت صعبة، ولكن إدارة ليفربول، وتحديدًا فريق تحليل البيانات بالفريق الذي أصدر بحثًا يطرح فكرة أن صانع الألعاب البرازيلي روبيرتو فيرمينو يحتاج إلى جناح سريع يمتاز بالذكاء والتوقع والقدرة على تسجيل وصناعة الأهداف ويجيد اللعب بالقدم اليسرى.
كل هذه المواصفات انطبقت على صلاح، وفي الموسم الأول حدثت طفرة في إحصائيات فيرمينو وصلاح، فقد تمكن كل منهما من المساهمة معًا في 25 هدفًا لكل منهما، وأصبح صلاح هداف الدوري الإنجليزي بحوالي 32 هدف مسجلًا رقمًا قياسيًا لعدد الأهداف التي سجلها لاعب في موسم واحد.
صلاح وفيرمينو- مصدر الصورة ليفربول إيكو
ليس صلاح فقط، بل مدرب الفريق الألماني نفسه يورجن كلوب، الذي كان يدرب نادي بروسيا دورتموند الألماني، يعاني من النتائج السلبية في أخر موسم له، لكن الإحصائيات قالت إن النتائج السيئة ليست بسبب يورجن كلوب، لكن بسبب رعونة اللاعبين أحيانًا في تسجيل الأهداف، وسوء الحظ في أحيانٍ أخرى.
ظهير الفريق الأيسر أندي روبرتسون الذي كان يلعب في خط دفاع فريق هال سيتي الإنجليزي حتى موسم 2016/2017 وهو الموسم الذي هبط فيه هال سيتي إلى دوري الدرجة الثانية متميزًا بإحصائية أسوأ خط دفاع في الدوري؛ ولكن الإحصائيات تقول إن أندي روبرستون يمتلك قدرة عالية على استخلاص الكرة، وهو أفضل مدافع في الدوري الإنجليزي يمكنه تحويل الكرات من الدفاع إلى الهجوم، ومنذ قدومه إلى ليفربول ساهم روبرتسون بـ40 تمرير حاسمة لتسجيل الأهداف، ونجح في تدمير هجمات الفريق المنافس بنسبة 67%.. وفي السنوات الأخيرة الماضية مكنت تقنيات تحليل البيانات من وضع ليفربول على عرش الدوري الأنجليزي لأول مرة منذ 30 سنة؛ فضلًا عن فوزه بدوري أبطال أوروبا بعد 14 سنة.
مع تطور التكنولوجيا عبر التاريخ؛ كان لها دور مهم في تطوير وتحسين البيئة التي يتنافس فيها الرياضيين، بالإضافة إلى الأدوات التي يستخدمها الرياضيين. في بداية هذا التقرير تحدثنا عن اليود كيبشوج العداء الذي أنهى ماراثون الأولمبياد في عام 2016 بفارق ساعة ونصف عن توماس هيك الفائز بنفس السباق في عام 1904؛ لكن لم نذكر أن في عام 1904 كان يتسابق على مسار سباق مصنوع من رماد الخشب!
وهو مختلف تمامًا عن البساط الذي تم تصنيعه طبقًا لـ«مبادئ الديناميكا الهوائية الفيزيائية» الذي يستخدم في السنين الأخيرة، وخصائص الديناميكا الهوائية تقلل من مقاومة البساط للعداء أثناء الجري مما يقلل من المجهود الذي يبذله ويساعده على الحفاظ على أقصى سرعة ممكنة.
كل هذا فضلًا عن الحذاء الرياضي الحديث الذي يمتاز هو الآخر بخصائص الديناميكية؛ على عكس أحذية العهود السابقة التي كان لها بروز سفلية حتى يتمكن الرياضي من الإتزان أثناء الجري لأن المسار الترابي لم يكن متزن، لكن كل هذا يؤثر بنتيجة عكسية ويزيد من مقاومة السطح للاعب؛ فيزيد الجهد المبذول وبالتالي تقل إمكانية اللاعب في الحفاظ على سرعته.
في السباحة كان هناك ثلاثة تطورات منحت السباحين قدرات مختلفة عن من سبقهم؛ في عام 1956 قدم الإتحاد السباحة تقنية حركية جديدة وهي طريقة «القلب» وهي التي تمنح السباحين فرصة القلب في الماء عند الوصول لنهاية حوض السباحة في المسابقات التي تطلب السباحة في طول حمام السباحة أكثر من مرة، وكان في الماضي يقف السباح ثم يدور بجسده لكي يعتدل في الاتجاه الأخر.
لكن طريقة القلب وفرت على السباح الكثير من الوقت. في عام 1970 أثبت الأبحاث أن حركة السباحين في أحواض السباحة تعوقها كميات الماء الزائد؛ وهناك جاء إقتراح تزويد حوض السباحة بالـ«المزراب» الذي يسحب الماء الزائد في الحوض؛ كي تنعدم المقاومة المائية التي كانت تقلل من سرعة السباحين في الماضي.
رسم بياني يوضح تغير ارقام السباحين بعد إحداث التطورات الثلاقة- مصدر الصورة Tedx
في عام 2008 قدمت وكالة علوم الفضاء الأمريكية (ناسا) بذة سباحة جديدة للسباحين مصنوعة من مادة «البولي يوريثين» الخفيفة التي تمكن السباح من التحرك بانسيابية دون أي نوع من أنواع المقاومة؛ واستخدم السباحون هذه البذة لأول مرة في أولمبياد بكين العام نفسه؛ وكانت النتيجة أن السباحين المشاركين حطموا 25 رقمًا قياسيًا سجل السباح الأمريكي الشهير مايكل فيلبس، رقمًا قياسيًا عندما حصد ثماني ميداليات ذهبية في سباقات سباحة مختلفة.
البيولوجيا عنصر آخر في غاية الأهمية
التكنولوجيا وحدها لم تطور الرياضيين وأرقامهم القياسية؛ بل على مر السنوات بحث العلماء عن المعايير البيولوجية التي تتوفر لدى الرياضي لكي تمكنه من القيام بأداء رياضي أفضل. ففي لعبة كرة السلة على سبيل المثال تحول المعدل المتوسط لطول اللاعبين في آخر 30 عامًا من 160 سم إلى 230 سم لأن الطول يمكن اللاعب من التحرك بشكل أفضل ويسهل عليه تسجيل الأهداف.
على الناحية الأخرى في لعبة الجمباز فقد لاحظ القائمين على اللعبة أن اللاعب الطويل لا يمكنه جسمه من تنفيذ الحركات بانسيابية؛ لذلك اتجهوا إلى اختيار لاعبين طولهم أقصر، وتحول المعدل المتوسط للاعب الجمباز من 160 سم إلى 140 سم.
ومن المعروف أن جسم الإنسان يتكون من نصفين، النصف العلوي ويسمى (الجذع)، والنصف السفلي وهو الأرجل، وقد أثبتت الأبحاث آن السباح الذي يمتلك جذعًا أطول وأكبر، هو الأسرع والأفضل، وهذا ما يميز السباح الأمريكي الشهير مايكل فيلبس الذي حصد أكبر عدد من الميداليات الذهبية في تاريخ الأولمبياد.
اليود كيبشوج يفوز بمارثون أولمبياد ريو دي جنيرو 2016
وعلى العكس تمامًا في عالم الجري؛ فإن العداء الذي يكون نصفه السفلي أطول وأكبر من نصفه العلوي يتمكن من الجري بسرعة أفضل، وخير مثال على ذلك هو العداء الكيني الذي ذكرناه في بداية المقال اليود كيبشوج الذي ينتمي إلى قبيلة كلينجن الكينية التي يمتاز أبناؤها ببنيان يطابق للمواصفات البنيانية للعداء المثالي، ولذلك استحوذ عدائو القبيلة على 43 ميدالية ذهبية بنسبة 73% من مجمل الميداليات الأولمبية التي حصدتها كينيا في تاريخ الأولمبياد!
وبالطبع لا يمكن أن نغفل تطور الرعاية الصحية التي مكنت الرياضيين من المحافظة على نفسهم من الإصابات، وحتى التعافي السريع من الإصابات القوية على عكس ما كان يعاني منه الرياضيين في الماضي. فضلًا عن أساليب الحياة والتغذية الصارمة التي تفرض على الرياضيين؛ فكل رياضي الآن يمتلك قائمة محددة بالأطعمة والمشروبات التي يتناولها والتي لا يتناولها حتى يحافظ على قوته البدنية، وهذا لم يكن موجودًا في الماضي.
هل تتذكر عزيزي القارئ العداء الذي قطع سباق الماراثون في عام 1903 في أكثر من ثلاث ساعات؟ حسنًا يجب أن تعلم أنه سقط قبل خط النهاية بأمتار لأنه قبل السباق تناول سم فئران ومشروب كحولي فاسد؛ ظنًا منه أن هذا سوف يضاعف قوته البدنية، ولكنه لم يتمكن من الوصول إلى خط النهاية بمفرده؛ بل بمساعدة مدربيه!