قبل شهرين من الآن، وتحديدًا في مارس اتخذت حركة” حماس” مجموعة من الخطوات على الصعيد الإقليمي لتطوير علاقتها مع إيران، بعد موجة التغيرات غير المسبوقة في الخارطة السياسية لبعض الدول العربية، خاصة مصر وسوريا، باعتبارهما كانا عونًا سياسيًّا وماليًّا للحركة منذ سنوات عدة.
تطوّر العلاقات جاءت على لسان عضو المكتب السياسي في الحركة محمود الزهار، والذي قال: “إن الحركة بدأت تتخذ خطوات لإحداث تطور في العلاقة مع إيران قريبًا، وذلك بعد تصريحات رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني التي أكد فيها أن علاقة إيران مع حركة حماس عادت كالسابق”.
فحماس التي كانت مصر سندًا سياسيًّا لها على معظم الأصعدة بعد فوز الرئيس المصري المعزول محمد مرسي في انتخابات يونيو 2012، والتي شهدت انفتاحًا في الأفق على الصعيدين الداخلي والخارجي، والنظام السوري الذي ناصر الحركة ومقاومتها في أشد المواقف، لكن قواعد “اللعبة السياسية” تغيرت في الوقت الراهن، ونظر الكثير إلى أن حماس قد خسرت قوتين إستراتيجيتين في المنطقة.
سقوط المعزول مرسي في الثالث من يوليو العام الماضي، وموقف الحركة من الثورة السورية، ومعارضتها لسياسة النظام السوري مع شعبه، هو ما دفعها إلى البحث عن بدائل للخروج من المأزق الذي عاشته خلال الفترة الماضية ولا زالت آثاره حاضرة حتى اللحظة، خاصة وأنها تعاني من أزمة مالية خانقة انعكست سلبًا على قطاعات الحياة في غزة، فضلاً عن العزلة الإقليمية.
لتجاوز الخلافات
” إيران” كانت ولا زالت “المناورة السياسية” التي لا يمكن لحماس أن تتخلى عنها، كونها تساهم مساهمة كبيرة في دعم الحركة ماليًّا وعسكريًّا وحتى سياسيًّا، فبعد بضع سنوات من الجفاء في العلاقة بينهما، عادت “الحميمية” من جديد بعد لقاء مطول جمع رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل بمساعد وزير الخارجية الإيراني في قطر، لتجاوز خلافات سابقة ساهمت فيها تطورات الأحداث في المنطقة خصوصًا الأزمة السورية.
بدبلوماسية عالية، أشاد مشعل بالدعم الذي تقدمه إيران وكل الدول العربية والإسلامية للقضية الفلسطينية، وأعرب عن امتنان الشعب الفلسطيني لكل من يقدم له يد المساعدة لأجل قضية توحدت حولها الأمة، إلى جانب بحث العديد من الملفات الساخنة على الساحة العربية والدولية، مع ضرورة تجنب الاستقطابات العرقية والطائفية.
وأكد المتحدثان على أهمية معالجة أزمات الأمة الداخلية في سورية والعراق وغيرها بحلول وجهود سياسية منصفة يرتضيها الجميع تُحقق آمال الشعوب وتطلعاتها واستقرار الأمة وتماسك جبهتها الداخلية.
كما كان اللقاء فرصة للتأكيد على أهمية التعاون الإقليمي بين إيران وتركيا والسعودية وكل الدول التي لها مساهمة في تحقيق حل سياسي للقضية السورية.
وأكدت مصادر من الدوحة – تحدثت إليها صحيفة “القدس العربي” – أن مشعل كان واضحًا في كلامه مع المسؤول الإيراني بالتأكيد على ترحيب الشعب الفلسطيني بدعم الجميع لنضاله دون أن يكون ذلك مطية لتقديم تنازلات واضحة فيما يتعلق بمواقف راسخة للحركة أكدها مسؤولها مؤخرًا وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وسعيْ حماس إلى وحدة الصف العربي.
مصالحة مشروطة
وفي الموضوع نفسه، ولتأكيد عودة العلاقات الحميمة بين حماس وإيران، فإن موقع “ديبكا” الإسرائيلي ذكر أنه تم الاتفاق بشكل نهائي بين حماس وإيران يوم الخميس الماضي في قطر؛ حيث التقى كل من مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل.
وأوضح الموقع أن الاتفاق جاء عقب مفاوضات سرية بين الطرفين استمرت لمدة شهر، لافتًا إلى أن الهدف منها إعادة حماس إلى الحضن الإيراني بعد تصحيح مسارها.
وتضمّن الاتفاق، تعزيز الحرس الثوري الإيراني بـ200 مليون دولار سنويًّا لحماس، مقابل تعزيز بنيتها العسكرية وتكثيف تدريباتها، والإعلان عن دعم نظام بشار الأسد في سوريا بشكل تدريجي.
وأضاف: “إن أكثر ما شجّع حماس على تراجعها عن موقفها تجاه المسألة السورية، هو انتصارات جيش النظام المتتالية على الأرض مقابل تراجع المعارضة السورية المسلحة والجماعات الأصولية”.
ونقل الموقع على صعيد آخر، ما أدلى به مصدر حكومي سوري لوكالة أنباء إيطالية، أنه شدد على أن النظام السوري يتخذ موقفًا متشددًا من حركة حماس ويعتبرها ضمن أعداء سوريا، معربًا في الوقت نفسه عن اعتقاده أن النظام السوري لن يقبل بعودة العلاقات مع حماس إلى طبيعتها على الرغم من محاولات حماس إعادة العلاقات عبر إيران.
ضبابية المشهد
ولا يخفى على أحد أن حماس وإيران تعيشان في إقليم مضطرب ومتقلب سياسيًّا؛ حيث تخشى الأخيرة أن تخسر حليفها الإستراتيجي في دمشق، وما يعنيه ذلك من تراجع خطير في مركزها الجيو سياسي، إضافة إلى معاناة “حزب الله”، الحليف الإستراتيجي لإيران في لبنان، من وطأة وانعكاسات تدخله لوجستيًّا وعسكريًّا إلى جانب النظام السوري، وما يجره ذلك من استنزاف قوته القتالية ومن خسائر مادية وشعبية، ومن أزمات في الساحة اللبنانية.
فيما شكل الانقلاب العسكري في مصر صدمة لآمال حماس، باعتبار أن الحكم الديمقراطي الجديد آنذاك كان سيشكل سندًا إقليميًّا لها، بيد أن النظام المصري فاقم من معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، بالإغلاق المتكرر لمعبر رفح البري.
لذلك، فإن الفضاء الإقليمي لم يعد متسعًا أمام حماس، سوى ما تلاقيه من دعم من قبل تركيا وقطر، وهو دعم حيوي، غير أنه لا يصل إلى مستوى طموحاتها ودورها؛ بالنظر إلى الضوابط والظروف التي تحكم السياسات في كلا البلدين.
كما أن تعطُّل المصالحة الفلسطينية واستمرار حالة الانقسام، كانا سببًا في توسع الأزمة، إلا أن خيار الوفاق بين الفرقاء الفلسطينيين بات “قاب قوسين أو أدني”، خاصة وأنهما اتفقا على طي الانقسام في الثالث والعشرين من الشهر الماضي، وتشكيل حكومة الوفاق الوطني المزمعة أواخر الأسبوع الجاري، باعتبارها ورقة جديدة للخروج من ثقل الأزمات الواقعة على الطرفين “فتح وحماس”.