دائمًا ما ترتبط في أذهان الكثيرين السمنة بالثراء، والنحافة بالفقر؛ فدائمًا ما يربط المصريون زائدي الوزن بفكاهتهم المعهودة بأن «كرشهم» يعد رمزًا للعز، لكن ما صحة هذا الأمر؟ هل ترتبط البدانة بالفقر أم الثراء؟ هل توجد علاقة بين الفقر والبدانة؟ وهل تنتشر البدانة في الأحياء الفقيرة أكثر أم الأحياء الغنية؟ وهل يمكن أن تدل ارتفاع نسب البدانة على ارتفاع نسب الفقر؟
هل توجد علاقة بين الفقر والبدانة؟
في السابق كان الفقر يعني عدم وجود سعرات حرارية كافية، أما الآن أصبح الفقر مرتبطًا بالسعرات الحرارية الرديئة والزائدة.
هكذا علق الدكتور ديفيد بان، الباحث في كلية لندن الجامعية على الدراسة التي أجرتها جامعة كوليدج بلندن، إذ أظهرت الدراسة أن الأطفال الفقراء في المملكة المتحدة الآن أصبحوا، أكثر بدانة من أقرانهم الأثرياء.
ووجدت الدراسة انعكاسًا كليًا في وزن الطبقتين الاجتماعيتين على مدى السنوات السبعين الماضية، فقد كان متوسط وزن الأطفال الفقراء الذين لم يبلغوا 11 عامًا أقل بـ 2 كجم من الذين ينتمون إلى الطبقات العليا في عام 1957، بسبب تأثير نقص الطعام وأنماط الحياة الشاقة على حياتهم. ولكن في عام 2015، كان الأطفال الفقراء أكثر وزنًا بمقدار 2.1 كجم تقريبًا من الأطفال الأغنياء.
وفي السياق ذاته، كشفت دراسة علمية فرنسية عن علاقة البدانة بالوضع الاجتماعي للفرنسيين، ارتباط البدانة في المجتمع الفرنسي بالطبقة الفقيرة والمتوسطة، إذ أظهرت النتائج أن معدل البدانة يرتبط سلبًا بالوضع الاجتماعي والاقتصادي. فقد تبين أن 30% بين النساء ذوات دخل شهري أقل من 450 يورو يعانين من السمنة المفرطة، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 7% بالنسبة للواتي يتقاضين 4200 يورو شهريًّا. وأظهرت الدراسة أيضًا ارتباط السمنة عند الرجال بنقص الموارد المالية.
أما في الولايات المتحدة، تجد أن ولاية أركنساس أكثر الولايات بمعدلات السمنة، هي رابع أفقر ولاية، في حين أن الولاية الأفقر (ميسيسيبي) هي ثالث أعلى ولاية بمعدلات السمنة مما يبرهن على ارتباط الفقر بالسمنة.
وفي ولاية نيومكسيكو ارتبطت البدانة ارتباطًا عرقيًا اجتماعيًا؛ إذ يبلغ معدل السمنة لدى البالغين السود 34.4% (الفئة العرقية الأكثر فقرًا)، و31.3% بين البالغين اللاتينيين، و23.9% بين البالغين البيض (الفئة العرقية الأغنى)، مما يعكس مرة أخرى تأثير توزيع الثروة على انتشار السمنة.
هل توجد علاقة بين السمنة والفقر في مصر؟
أعلنت مؤخرًا وزيرة الصحة المصرية هالة زايد، في مؤتمر حضره الرئيس عبد الفتاح السيسي، وصول نسبة السمنة المشخصة والسمنة المفرطة لـ39% بالإضافة إلى 36% وزنهم فوق الطبيعي، وتمتع 25% فقط بوزن طبيعي، من بين 17 مليون مصريًا خضعوا للمسح الطبي.
وهي كلمات أثارت حفيظة الرئيس السيسي الذي علّق قائلًا: «اللي عندهم وزن طبيعي وما دون 25% والباقى فوق الوزن أو سمنة مفرطة.. دا كلام؟ …اللي يشوف هو وصل لفين يبص على بطنه.. كلنا لازم نفتش كويس أوي.. أنا أول ما أدخل أي مكان ببص على حاجات ما تخطرش على بالكم.. أقول إيه ده؟!.. الناس مش واخده بالها من نفسها ليه؟»
وانتقد السيسي الوزن الزائد بين الشباب قائلًا: «بقى أنا ابني أو بنتي لمّا يتخرّج من الجامعة، يبقى ضهره قابل للانزلاق الغضروفي نتيجة وزنه.. كده أنا مسلّمتش ابني للحياة مظبوط.. إنتم محتاجين برنامج يمكن يكون من ضمنه جزء من الشهادة، علشان الآباء ينزلوا ياخدوا ولادهم يلعبوا رياضة بيهم، مدام حجم الوزن الزيادة في بلدنا وصل للشكل ده».
ومع تشديد السيسي انتقاداته للسمنة المفرطة والوزن الزائد، إلا أنه لم يتطرق هو أو أي من أعضاء حكومته إلى نسبة الفقر الحالي في مصر، فتعود آخر نسبة فقر مُعلنة من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى عام 2015، ومنذ ذلك الإعلان لم تعلن أي جهة حكومية عن نسبة الفقر في مصر، التي كانت مُرشحة للزيادة بالأخص بعد تعويم الجنيه في نوفمبر (تشرين الأول) 2016، وخفض قيمته أمام الدولار، وما أعقبه من زيادة مستمرة في أسعار الخدمات الأساسية، تطبيق لبرنامج صندوق النقد الدولي.
ووفقًا لآخر إعلان رسمي في عام 2015، فإن نسبة الفقر في مصر 27.8% والتي قد ترتبط زيادتها بزيادة السمنة، ويرى عدة خبراء تعمد الحكومة عدم الإعلان عن نسب جديدة عن الفقر بمصر بسبب ارتفاع نسب الفقر لمعدلات غير مسبوقة.
وفي عام 2016 أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بيانات تفيد بأن الانفاق الشهري لـ 85% من الأسر المصرية يقل عن 4.160 جنيه مصري (232 دولارًا)، لذلك من الطبيعي ألا تجد ملايين الأسر المصرية إلا الأطعمة الرخيصة عالية السعرات قليلة القيمة الغذائية مثل: الكشري المصري، والإكثار من المقليات (الطعمية والبطاطس والباذنجان… إلخ) والنشويات (كالخبز، والأرز والمكرونة الرخيصة).
سد الجوع أم القيمة الغذائية؟
هدأ من سرعة السيارة بشكل مفاجئ وقرب السيارة منه وقال: «لو كنت شقيان في شغلك ماكنتش جريت «الجرية» دي!».
هكذا علق سائق سيارة ميكروباص بإحدى المدن المصرية عندما رأى أحد الأجانب وهو يركض على جانب الطريق، مما يوضح تعبيره عن عدم امتلاك هذا السائق وغيره من الناس رفاهية بذل الجهد والوقت في شيء غير العمل والسعي نحو إشباع الحاجات الإنسانية الأساسية.

طبق الكشري المصري
هل يمكن للفقراء لعب الرياضة واكتساب العادات الصحية والمعرفة الغذائية مثل الأغنياء؟ قد نجد الإجابة عن هذا السؤال في نظرية هرم ماسلو «maslow pyramid»، والتي تفسر الحاجات والدوافع التي تحدد سلوك الإنسان، وتقسمها إلى خمس مراحل أساسية للدوافع الإنسانية، والتي تبدأ بالحاجات الفسيولوجية الأساسية للإنسان، ثم الحاجة إلى الأمن، ثم تليها الحاجات الاجتماعية، ثم الحاجة للتقدير، ثم المطالبة بتحقيق الذات، وينتقل البشر حين تحقيق مرحلة تلقائيًا إلى مرحلة أخرى، وصولًا إلى أعلى قمة الهرم.
وتقوم النظرية على افتراض أن الحاجات، أو الدوافع الإنسانية تنتظم في تدرج ونظام متصاعد من حيث الأولوية أو شدة التأثير؛ لذلك من الطبيعي أن نجد من يشقى من أجل تحقيق الحاجات الأساسية بالمرحلة الأولى ألا يولي اهتمامًا كبيرًا للمراحل الأعلى بهرم ماسلو، فكيف يفكر من يلهث لسد جوع أطفاله بأكبر كم رخيص من الطعام، في الاشتراك بنادي رياضي أو بصالة ألعاب رياضية أو المتابعة مع أخصائي تغذية سيرشده غالبًا إلى تزويد حصة البروتينات (الغالية الثمن نسبيًا) والخضروات والفواكه وتقليل حصة النشويات المقليات (الرخيصة) التي تسد جوعه هو وعائلته.

هرم ماسلو للحاجات والدوافع التي تحدد سلوك الإنسان