أين تذهب لشراء حاجاتك الأسبوعية أو الشهرية من الطعام، وأدوات المنزل، والمنتجات الترفيهية والصحية؟ تغيَّرت أنماط الاستهلاك عبر العقود الماضية في المجتمعات التي صنعت الرأسمالية، أو تحوَّلت إليها، لتفتح الأبواب أمام فرص هائلة للرفاهية والاستثمار، والاستغلال أيضًا. نتحدث هنا عن تأثير متاجر التجزئة الكبرى التي تقدم لك إمكانية الاختيار من بين آلاف من المنتجات، والكثير من العروض والإغراءات.

السيطرة على أماكن الشراء التي تذهب إليها

نوع المتاجر الذي نتحدث عنه يكاد يكون مُرادفًا لشركة «وول مارت» الأمريكية التي تأسست في عام 1962. تُدير الشركة الآن 11 ألف متجر، تحت 55 اسمًا مختلفًا في أمريكا واليابان والمكسيك والهند وبريطانيا، لتصل القائمة إلى 27 دولة في العالم.

الفكرة باختصار كانت تعتمد على متجر ضخم، يضم كل أنواع المنتجات تقريبًا، بأسعار تقل عن المتاجر الأخرى، والكثير من العروض والتخفيضات. من وجهة نظر المستهلك الذي يسعى إلى إنجاز عملية الشراء في أقصر وقت ممكن، وبأقل تكلفة ممكنة؛ فالصفقة تبدو رابحة؛ وكان هذا سبب نجاحها السريع.

لكن النجاح لم يكُن بلا كُلفة؛ فقد ظهر تأثير «وول مارت» السلبي، ومتاجر التجزئة الكبرى التي حذت حذوه في العالم، على المشروعات الصغيرة، والمتاجر المحلية التي كانت تتميز بعلاقة شخصية بين البائع والمشتري، وتخصصٍ في مجال واحد: كاللحوم، أو منتجات الألبان، أو المخبوزات… إلخ. كانت هذه المتاجر – التي تُعد مصدر الدخل الأساسي لملايين الأسر- مُجبرةً على إغلاق أبوابها؛ فهي لا تتحمل المنافسة مع المتاجر الضخمة في أسعار المنتجات، ولا في تنوَّعها، وخططها التسويقية والإعلانية.

انتبهت العديد من المجتمعات المحلية لهذا الأمر؛ فنشأت حركات رفض إنشاء «وول مارت» خلال العقود الماضية، لكنها لم تفلح في كثير من الأحيان لوقف زحف المتاجر الضخمة إليها.

رفاهية أم استهلاكية؟

فكِّر في أقرب متجر ضخم إليك. يبدو الأمر غريبًا ومزعجًا حين تدخل فلا تجد ما تريد شراءه، أي شيء تريد شراءه. منذ 50 عامًا، لم يكُن أغنياء العالم يستطيعون جمع كل هذه المنتجات والخدمات في مكانٍ واحد يبعُد عنهم أمتارًا قليلة: المنتجات الغذائية، الألعاب والترفيه، الأدوات المنزلية، المسلسلات والأفلام، احتياجات الأطفال، الأدوية ومستحضرات التجميل، والقائمة تطول.

أن تدخل فلا تتوقع أبدًا أن يقول لك البائع: «هذا المنتج ليس متوافرًا لدينا». أو «نفد هذا المنتج من متجرنا». هو أمرٌ يوفِّر لنا الوقت والمجهود بكل تأكيد، لكنه خلق داخلنا أيضًا ما نُطلق عليه «حمى الشراء»؛ فلا نستطيع مقاومة سحر المنتجات الأنيقة والتخفيضات، ونزعة استهلاكية يرى الكثير من الخبراء النفسيين إنها تمثل خطرًا كبيرًا على الأطفال والبالغين.

تريد استراحة قصيرة؟

شاهد ماذا يحدث عند فتح المتاجر في يوم «الجمعة الأسود» الذي تفتح فيه السلاسل الأمريكية الكبرى أبوابها في ساعات مُبكرة لتستقبل الزبائن بعروض وتخفيضات مُغرية.


شاهد أيضًا يوم السادس والعشرين من ديسمبر في بريطانيا وكندا وأستراليا.


انخفاض الأجور وحقوق العمال

يتابع الاقتصادي الأمريكي روبرت رايش في كتابه «الرأسمالية الطاغية» تطوَّر علاقة الرأسمالية بحقوق العمال، وتنظيماتهم، ومتوسط الأجور التي يحصلون عليها في صناعات تعتمد على خفض الأسعار إلى أقصى درجة ممكنة مثل المتاجر الكبرى.

ويلاحظ رايش وجود دورة من الاستغلال، وانتهاك حقوق العُمَّال وقدرتهم على تأمين احتياجات أُسرهم؛ للوصول بالمُنتج إلى رفوف العرض وعليه بطاقة تحمل أقل سعر ممكن؛ تبدأ من الزراعة والصناعات الأولية، التي يُجبر فيها الفلَّاحون وأصحاب الصناعات الأولية، وشركات الشحن والتوريد، والمُنتجون والمصانع على تقليل أرباحهم، وأجور عمالهم لبيع المحاصيل والمنتجات لهذه المتاجر.

اقرأ المزيد عن الكتاب من هنا.

يوَّظف «وول مارت» وحده أكثر من 2 مليون و200 ألف شخص؛ ما يجعله رقم 3 في ترتيب الهيئات ذات أعلى عدد من الموظفين بعد الجيش الصيني، ووزارة الدفاع الأمريكية، لكنه يساهم في ارتفاع نسبة البطالة في قطاعات معينة، ويواجه العاملون فيه أزمة كبيرة في الأجور والتأمينات.

تحويل العمالة إلى بلدان فقيرة

تستقطع أجور العُمَّال جزءًا كبيرًا من ميزانيات المتاجر؛ فماذا لو كان بإمكاننا تقليصها إلى أدنى حد ممكن؟ تتجه الشركات الأمريكية والأوروبية إلى تحويل مصانعها إلى بلدان فقيرة في آسيا وأمريكا الجنوبية، وسلاسل متاجر التجزئة ليست استثناءً.

اقرأ أيضًا: صُنع في آسيا.. العلامات التجارية الكبرى تغزو القارة الصفراء

تعتمد «وول مارت» على حوالي 6 آلاف مورِّد؛ 80% منهم من الصين. وتُدير الشركة مصانع وخطوط إنتاج في بلاد معروفة بعمالة منخفضة الأجر، وظروف تنتهك حقوق العُمَّال، مثل الهند وكمبوديا وبنجلاديش.

رفع معدلات السمنة!

ربما تبدو العلاقة غريبةً بين إنشاء متاجر التجزئة الكبرى وبين معدلات السمنة لدى المقيمين حولها. لكن دراسة أمريكية نُشرت في عام 2011 أثبتت ارتفاع معدلات السمنة بنسبة 2.3% لكل متجر «وول مارت» جديد يُفتتح في محيطٍ يسكنه 100 ألف شخص؛ مما أدى إلى مساهمة «وول مارت» في أكثر من 10% من ارتفاع معدلات السمنة في مدة البحث (من عام 1980 حتى عام 2005).

يمكنك مطالعة الدراسة من هنا.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد