استلقاء الإنسان في غرفة العمليات فاقدًا للوعي، بين يدي جراح غالبًا ما يكون غريبًا عنه ولم يقابله من قبل، قد تكون فكرة مخيفة لدى الكثيرين، لكنها مع ذلك ضرورية في الحالات الخطيرة التي لا يكون للمريض فيها رفاهية الاختيار أو الرفض، وقد يكون عدم إجرائه للجراحة أكثر خطورة عليه من تجنبها، ففي هذه الحالة يضع المريض كل ثقته في الجراح ويجري العملية، وإذا كنت عزيزي القارئ قد أجريت عملية جراحية من قبل ستفهم بدقة ما يعنيه هذا الأمر.

ولكن ماذا إن لم يكن كائن بشري هو من سيجري تلك العملية الجراحية؟ والأدوات التي تقطع الجروح أو تستأصل الورم أثناء العملية ستكون أطرافًا صناعية لـ«روبوت» صُنع خصيصًا لمساعدة الأطباء في إجراء العمليات الجراحية عن بعد؟ سيكون الأمر أكثر غرابة وصعوبة في تقبله على الأرجح.

لكن هذه ليست فكرة خيالية أو قصة فيلم غريبة؛ بل هي تقنية حديثة موجودة بالفعل في معظم أنحاء العالم ويطلق على تلك التقنية اسم «الجراحة الروبوتية»؛ فما هي تلك الجراحة التي وصفها بعض المتخصصين بأنها «أغلى جراحة في العالم» وما الذي نعرفه عن عيوبها ومميزاتها؟ هذا ما نخبركم به في هذا التقرير.

الروبوت الجراح.. ذارع البشر اليمين

ربما حين تسمع كلمة الجراحة الروبوتية أو الروبوت الجراح قد تظن أن تلك مهمة يقوم بها الروبوت بنفسه، ولكن الأمر يختلف كليًا عن ذلك، فالجراحة الروبوتية هي قيام الطبيب الجراح البشري بعملية جراحية بمساعدة تقنية آلية وحاسوبية على شكل روبوت ذي أطراف متعددة، بينما يحرك الطبيب تلك الأطراف عن بُعد من خلال جهاز تحكم متصل بالروبوت، وكان الهدف من ابتكار تلك التقنية تعزيز دقة قدرات الجراحين في عمليات الجراحة المفتوحة.

في عام 2004 نشرت ورقة بحثية بعنوان «Robotic Surgery/الجراحة الروبوتية»، ووصفت الورقة بدقة تلك التقنية في الجراحة بأنها «وسيلة جراحية جديدة واعدة وتحمل الكثير من الأمال لمستقبل الجراحة»، ولكن بحلول العام 2020 ومع انتشار وباء كورونا في أنحاء العالم؛ استطاعت الجراحة الروبوتية إثبات أهميتها وجدارتها، إذ كان الأطباء في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية يلجأون إليها من أجل إجراء عمليات جراحية أكثر أمانًا فيما يخص انتشار الفيروسات، لأن تلك التقنية تساعد الجراح على إجراء عمليته الجراحية على جسم المريض دون أن يلمسه بيده أو حتى دون أن يتواجد معه في نفس الغرفة في بعض الأحيان، ما جعل تلك التقنية مهمة في تجنب انتشار وباء كورونا.

ما مميزات الجراحة الروبوتية؟

قبل انتشار وباء كورونا كانت معدات الجراحة الروبوتية باهظة الثمن في أجزاء كثيرة من العالم، كما أنها تتطلب تدريبًا متخصصًا للجراح حتى يمارسها، ولكن بعد انتشار وباء كورونا الذي كشف عن خطورة اعتماد خدمات الرعاية الصحية على الاتصال الجسدي البشري؛ ألغيت الكثير من العمليات الجراحية المهمة بغرض تجنب تفشي الوباء، ما تسبب في خسائر كبيرة للمرضى وللمستشفيات معًا.

تقرير قصير مصور من داخل عيادة «كليفلاند» في أبو ظبي عن الجراحة الروبوتية

نتيجة لذلك؛ قامت العديد من المستشفيات في أمريكا وأوروبا وبعض الدول العربية، مثل مصر التي أجرت أول عملية جراحية روبوتية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2021 لاستئصال مرارة مريض في مستشفى جامعة عين شمس.

وعن هذا الأمر صرح الطبيب محمود المتيني رئيس جامعة عين شمس لموقع «روسيا اليوم» بأن دخول الجراحة الروبوتية إلى مستشفيات مصر أمر مهم ويعزّز من الدقة والمرونة والتحكم في إجراء العمليات الجراحية، وهذا لأنها تسمح للجراح برؤية موقع إجراء العملية بشكل أفضل مقارنة بالتقنيات الجراحية التقليدية، كما أنها تفتح الباب لإجراء بعض العلميات التي كانت صعبة ومستحيلة ومعقدة باستخدام الطرق التقليدية الأخرى.

علوم

منذ سنتين
الذكاء الاصطناعي يحاصرنا.. هل تطيح الروبوتات بالأطباء النفسيين قريبًا؟

في دراسة نُشرت في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2021 تحت عنوان «Robotic Surgery for Rectal Cancer Provides Advantageous Outcomes Over Laparoscopic Approach» أو «تُقدم الجراحة الروبوتية لسرطان المستقيم نتائج مفيدة أكثر من جراحة المنظار»، وكان الهدف من هذه الدراسة التي استمرت ما يزيد عن أربعة سنوات هو الكشف عن النتائج قصيرة المدى للمرضى الذين يخضعون لجراحة سرطان المستقيم بالمنظار مقارنة بالجراحة الروبوتية.

ومن خلال دراسة 600 مريض مقسمين لمجموعتين: مجموعة أجروا العملية بالمنظار، والمجموعة الثانية بالجراحة الروبوتية، وقد راعى الأطباء أن تكون المجموعتان متشابهتين من حيث العمر والجنس ومؤشر كتلة الجسم، وأثبتت نتائج الدراسة أن المرضى الذين الذي أجروا جراحة سرطان المستقيم بالجراحة الروبوتية قد تعرضوا لمضاعفات أقل بشكل عام بالنسبة لمن أجروها بالمنظار.

وكشفت النتائج أيضًا أن الجراحة الروبوتية وفرت عوامل أكثر وقائية منعت حدوث أي عدوى لدى المرضى، كما أكدت أن تأثيرات الجراحة الروبوتية لدى مريض سرطان المستقيم على المدى القصير أقل وأفضل من جراحة سرطان المستقيم بالمنظار.

ومن مميزات الجراحة الروبوتية أيضًا هي قدرة الروبوت على الوصول لأماكن في جسم الإنسان لا تستطيع يد الجراح مهما كان ماهرًا أن يصل إليها، كما توفر الشاشة التي ينظر فيها الجراح أثناء التحكم في الروبوت رؤية أفضل من خلال خاصية تكبير الصورة، بالإضافة إلى أن تلك الجراحة أقل اجهادًا للجراح، وتوفر وقت إقامة وتعافٍ أقصر للمريض، إذ تعود الوظائف الطبيعية للمكان الذي أجريت فيه الجراحة بشكل أسرع، مثلما يحدث مع استئصال البروستاتا بالجراحة الروبوتية، إذ يكون المريض قادرًا على التبول بشكل طبيعي في فترة أقل من الجراحة العادية، وكذلك الأمر مع عودة القدرة الجنسية إلى شكلها الطبيعي بعد الجراحة.

ما مخاطر الجراحة الروبوتية؟

على الرغم من الوعود الجيدة التي تقدمها الجراحة الروبوتية في تقدم مجال الجراحة في أنحاء العالم، فإن لها مخاطرها مثل أي تقنية حديثة أو نهج طبي، ومن أهم تلك المخاطر احتمالية حدوث خطأ بشري في تشغيل التقنية.

ويزداد هذا الخطر كلما قلت خبرة الجراح الذي يحرك الروبوت، فكل عملية جراحية لها مجموعة من الأوامر التي يجب أن يعطيها الجراح لجهاز التحكم في الروبوت، وبعض العمليات لا تتعدى الإجراءات والخطوات فيها الـعشرين إجراءً مثل عملية ربط قناة فالوب لدى النساء، ولكن بعض العمليات الأخرى تكون أكثر تعقيدًا مثل استئصال البروستاتا والتي قد تصل إجراءتها إلى ما يزيد عن 250 إجراء، وهو ما يتطلب جراحًا مُتقِنًا إتقانًا شديدًا لاستخدام الروبوت، فالخطأ في إجراء واحد فقط كافٍ لتعريض حياة المريض للخطر.

ومن المخاطر التي قد يتعرض لها المريض الخاضع للجراحة الروبوتية أيضًا مشكلات الكهرباء، ففي حالة إجراء العملية الجراحية على يد جراح بشري وانقطع التيار الكهربائي، لن يكون هناك ضرر على المريض في لحظة قطع الكهرباء أو رجوعها، ولكن إذا انقطع التيار الكهربائي أثناء تواجد أذرعة الروبوت المساعد داخل جسم المريض فإنه عند عودته قد يتعرض جهاز الكي في الروبوت لمشكلات تقنية تتسبب في حروق غير مقصودة بالأنسجة الداخلية للمريض.

وبالإضافة إلى ذلك، فهناك إمكانية تلف أعصاب المريض أثناء الجراحة الروبوتية، رغم أنها من المخاطر التي يؤكد الأطباء أنها نادرة الحدوث في الجراحة الروبوتية، لكنها قد تحدث بسبب ضغط أذرعة الروبوت بالخطأ على أعصاب المريض.

الجراحة الروبوتية.. ليست للجميع

لا تعد الجراحة الروبوتية اختيارًا متاحًا لجميع البشر، فعلى سبيل المثال لا ينصح الجراحون بها لمن يعانون من السمنة، وهذا لأن الانسجة الدهنية في جسم المريض تعيق رؤية الجراح في الشاشة الملحقة بالروبوت.

وكذلك إذا كان المريض أو المريضة يودون إجراء عملية تجميلية أو ترميمة بالروبوت، فلا يكون هذا متاحًا أيضًا، فحتى الآن لم تصنّع الروبوتات الجراحية التي من شأنها أن تقوم بهذه المهمة، و«الـمراضة المشتركة/ Comorbidity» من الحالات التي لا ينصح لها أيضًا بإجراء عمليات جراحية، وهي تعني أن يكون لدى المريض أكثر من حالة مرضية معقدة في وقت واحد.

«الروبوت الجراح امتداد لأعين وأيدي الجراحين لتسمح لهم بإجراء عمليات جراحية متطورة عبر شقوق لا تتجاوز حجم الأصبع»؛ هكذا وصف الجراح راكيش سوري الجراحة الروبوتية والتي تستطيع استئصال سرطان الكلى وسرطان البروستاتا، وسرطان الغدة الكظرية.

وتعتبر الإمارات من أكثر البلدان العربية التي مارس جراحوها تلك النوعية من الجراحات، على مدار ما يقرب من 20 سنة، وتهدف مصر أيضًا لتوسيع نطاق استخدام الجراحات الروبوتية بحلول العام 2030؛ وتلك التقنية مثلها مثل أي تقنية طبية حديثة جديدة؛ تعتبر من أغلى الجراحات العالم، وعلى الرغم من بعض المخاطر التي تحوم حولها، فإن الكثير من الأطباء يرون أنها ستوفر مستقبلًا مبشرًا في المجال الطبي.

المصادر

تحميل المزيد