هل نهاية العالم قد اقتربت؟ هناك أفلام مثل ماتريكس وترميناتور قد رسخت صورة صعبة للمستقبل، حيث تتطور أجهزة الكمبيوتر، وتصبح أذكى من البشر، وتقوم بتدمير الجنس البشري.

هناك من المفكرين من يعتقدون أن هذا النوع من السيناريوهات خطر حقيقي على البشر، ومنهم فيلسوف أكسفورد نيك بوسترم، لكن هؤلاء المفكرين يبالغون في احتمال كون هذه الأجهزة سوف تكون بنفس ذكاء البشر، ويبالغون أيضًا في تقدير الخطر الذي سوف تلحقه هذه الروبوتات بالجنس البشري.

ففي الواقع تطوير ذكاء هذه الأجهزة يسير ببطء شديد، وحتى لو وجدت هذه الأجهزة التي تفوق الذكاء البشري فإنها ستظل في حاجة الإنسان، كما أنه سيظل في حاجتها.

1- الذكاء الطبيعي يتطلب الكثير من الممارسة

هناك الكثير من النظريات مثل نظرية BOSTROM وkurzweil، وغيرهما من النظريات التي تثق ثقة لا نهائية في قدرة الكمبيوتر على حل أغلب المشاكل.

تخيل أننا أحضرنا شخصًا يتقن الإنجليزية، لكنه لا يعرف أي كلمة عن الصينية، ثم وضعناه في حجرة مليئة بكتب عن اللغه الصينية، وطلبنا منه تعلمها كلها، فإنه مهما كان ذكاء ذلك الشخص أو كمية الكتب التي سيدرسها أو الوقت الذي سيسغرقه، فهو لن يصل إلى درجة الإتقان التي يمتلكها المواطن الصيني.

وذلك لأن تعلم أي لغة بمهارة يتتطلب التفاعل مع أصحاب هذه اللغة، فالتحدث مع المواطنين هو الطريقة الوحيدة لتعلم اللغة العامية والمعاني المختفية وراء الكلمات والعادات والمحادثات الشعبية. ونظريًّا كل هذه الأشياء يمكن تدوينها في كتب، لكن الممارسة تختلف كثيرًا.

وبالفعل تستطيع الآلات الذكية التعامل مع الكثير من المشكلات، كحفر بئر بترول لمساعدة الإنسان، ولكن الكثير من المعلومات التي نحتاجها لحل المشاكل الصعبة تكون غير مدونة؛ وبالتالي لكي نحصل على الإجابات الصحيحة نلجأ للتجربة.

وعلى ذلك فإن السيناريوهات التي تدعي أن الكمبيوتر سوف يفوق في معرفته وذكائه البشر ليس لها أي معنى.

2- اعتماد الآلات على البشر

في سلسله أفلام terminator كانت هناك آلة تدعى سكاينيت، أصبح لديها إدراك بحيث إنها استعانت بقوة جيش من الآلات على مهاجمة البشر.

هذا النوع من السيناريوهات يقلل بشكل كبير من اعتماد الآلات على الإنسان؛ لكي تنجز عملها، فالاقتصاد الحديث يتكون من ملايين الآلات التي تقوم بمختلف الأعمال، وبالرغم من تزايد هذا العدد من الآلات إلا أنها لا تستطيع العمل من دون الإنسان الذي يمدها بالطاقة وقطع الغيار، ويصلح ما انكسر منها ويطور أجزاءها.

قد يتصور البعض بأن خلق المزيد من الروبوتات سوف يجعلها قادرة على القيام بمهام الصيانة، ولكننا لم نقترب قيد أنملة من امتلاك هذا النوع من الروبوتات.

3- صعوبة محاكاة الدماغ البشري

يقول بوسترم بأن العلماء قادرون عن طريق المحاكاة على صناعة ما لا يقل عن الذكاء البشري، وبرغم أن هذه المقولة قد انتشرت حديثًا، لكنها لا تبدو بنفس سهولة ترويجها.

فالحواسيب الرقمية تستطيع أن تحاكي بعضها البعض لأنها تعمل بنفس الطريقة المحددة، فإذا أردت أن تحاكي كمبيوتر فما عليك إلا أن تتبع سلسلة من التعليمات.

لكن الدماغ البشرية ليست كذلك على الإطلاق، فالخلايا أنظمة تناظرية معقدة لا يمكن أن تكون على غرار الدوائر الرقمية.

وأكبر دليل على عدم القدرة على محاكاة الدماغ البشري هو محاكاة الطقس، فقد تمكن الفيزيائيون من فهم السلوك الفردي لجزيئات الهواء، واعتقدوا أنهم يمكنهم التنبؤ بحالة الطقس في المستقبل، وعلى الرغم من الزيادة الهائلة في القدرات الحاسوبية خلال العقدين الماضيين إلا أنهم لم يستطيعوا إلا إحراز تقدم ضئيل في التنبؤ بأنماط الطقس المستقبلية.

ثم أضف لذلك كون محاكاة الدماغ البشري بشكل دقيق أصعب بكثير من محاكاة الطقس، لذلك ليس هناك أي سبب يجعلنا نعتقد أن العلماء سيتمكنون من القيام بذلك في المستقبل القريب.

4- الحصول على القوة والعلاقات أهم كثيرًا من الذكاء

يعتقد بوسترم بأن الأجهزة الحديثة سوف يكون لديها القدرة على تشكيل المستقبل وفقًا لخياراتها، ولكن إذا نظرنا لكيفية عمل المجتمعات البشرية فسنرى أن الذكاء في حد ذاته لا يعني القوة.

فلو كانت المجتمعات تدار بواسطة العلماء والفلاسفة وعباقرة الشطرنج، فأمريكا على سبيل المثال قد أدارها رجال مثل بيل كلينتون وجورج بوش اللذين أصبحا قويين ليس لأنهما يملكان العقول البراقة، ولكن لاتساع دائرة معارفهما وشخصيتهما المؤثرة وقدرتهما على الجمع بين الشدة واللين لتسيير الأعمال.

صحيح أن العلماء الأذكياء بأنفسهم صنعوا تقنيات مدمرة جديدة مثل القنبلة الذرية والحواسيب فائقة الذكاء التي لديها القدرة على الاختراق، لكن بناء التكنولوجيا الجديدة ووضعها موضع التنفيذ يحتاج لتمويل مادي كبير، وقوى عاملة، ولا يستطيع ذلك إلا المؤسسات الكبيرة مثل الحكومات والشركات الكبرى. فالعلماء الذين اكتشفوا القنبلة الذرية احتاجوا لفرانكلين روزفلت لتمويل ذلك.

أى خطة في العالم تحتاج لتنفيذها آلاف من البشر، لذلك ليس هناك داعٍ للاعتقاد بأن الكمبيوتر سيكون أكثر فاعلية من أجل مؤامرة شريرة على عالم البشر. ففي الواقع الإقناع يعتمد على الصداقات طويلة الأمد والولاء والكاريزما، وهي نقاط تفتقر لها أجهزة الكبيوتر.

يعتقد كورزويل أن أجهزة الحاسب ستصل لدرجة من الذكاء بحيث يكون الإنسان عاجزًا عن فهمها. وهنا نقول أن الأفكار القوية ليست التي لديها عبقري قادر على فهمها، لكنها تلك التي تحدث تغيرًا في المجتمع على نطاق واسع. لذلك ستكون نظرية كورزويل صحيحة إذا تمكنت الحواسيب من إيجاد أفكار قادرة على تغيير العالم، وقام البشر بالاعتماد عليها.

5- الذكاء الزائد في العالم سيصبح أقل قيمة

يتوقع البعض أن تستخدم أجهزة الكمبيوتر ذكاءها لتصبح فاحشة الثراء ثم تستخدم هذه الثروة في رشوة البشر للقيام بالأعمال، ولكن هذا يتنافى مع مبدأ اقتصادي هام، وهو كلما ازداد وفرة المورد كلما قلت قيمته.

فقبل ستين عامًا كان شراء كمبيوتر واحد يكلف ملايين الدولارات، على الرغم من أن قدرتها كانت أقل من الهاتف الذكي حاليًا. والآن الأجهزة قادرة على القيام بالأعمال التي عجزت الأجيال القديمة منها على القيام بها، وعلى الرغم من ذلك فقد انخفضت القيمة الحاسوبية أسرع حتى من تحسن قدرات الكمبيوتر.

إن أول كمبيوتر فائق للذكاء من الممكن أن يجني كثيرًا من الأموال، ولكن ذلك سيكون حدثًا عابرًا لأن الإنسان سيستمر في بناء رقائق وأجهزة كمبيوتر أخرى أرخص وأكثر قوة. فمهما كانت القدرات الفريدة التي يمتلكها الكمبيوتر فسوف تتحول إلى مجرد سلعة.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد