في مقولة شهيرة للملك «فاروق الأول» آخر ملوك مصر والذي انتهى حكمه بالعزل والنفي على يد تنظيم الضباط الأحرار قال: «بنهاية القرن لن يكون هناك في العالم سوى خمسة ملوك، ملك الدايموند وملك الكلوب وملك الإسبيد وملك الهارت – رموز الملوك في أوراق اللعب – وملك إنجلترا» كناية عن بداية النهاية لأنظمة الحكم الملكي في العالم، ورغم أن نبوءته لم تتحقق بشكل كامل إلا أن أنظمة الحكم الملكي في العالم اليوم لا تتعدى 25 دولة في العالم من بين 195 دولة هم عدد دول العالم الحاليين.

وفي مقال نشره موقع «هيستوري إكسترا» التابع لـ«بي بي سي» البريطانية ترى الكاتبة «إيلي كوثورن» أن أحد أهم أسباب بقاء العائلة المالكة في الصورة لدى الشعب البريطاني بعد تغير نظام الحكم إلى دستوري ديمقراطي هو تمسكها بالقواعد والعادات والآداب الملكية التي تذكر الجميع دائمًا بالماضي العريق للمملكة وتاريخها، رغم أن الأمور تتغير والملكة الآن تدفع الضرائب وتغرد على موقع «تويتر» وتشارك حفيدها مقلبًا طريفًا ضد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

حتى مع تلك التغيرات العديدة في ثقافة الشعب البريطاني إلا أن بعض قواعد التعاملات والآداب غير المكتوبة داخل محيط العائلة الملكية والتي تُعد غير مألوفة، أو غريبة بالنسبة لثقافات أخرى في العالم اليوم؛ لا تزال سارية ومن الواجب عليهم اتباعها بصرامة، حتى وإن نفى موقع الملكة الرسمي وجوب أية «قواعد» فيما عدا اتباع أبسط التصرفات التي تنم عن الاحترام والذوق مثل اللقب الذي تنادَى به الملكة «جلالتكِ»، أو أفراد العائلة «سموّك الملكي» أو طرق التحية والانحناء.

لا تلمس المُعيّن من قبل الرب

في عدة مواقف واجه الكثير من المشاهير والحكام – والأمريكيين تحديدًا – اللوم والتقريع من قبل الصحافة البريطانية وخبراء الإتيكيت على مواقف بعينها حدثت مع الملكة إليزابيث الثانية أو إحدى أميرات العائلة الملكية، مثلما حدث مع «ميشيل أوباما» زوجة الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» عام 2009 عندما احتضنت الملكة خلافًا لقاعدة تحية الملكة في البروتوكول الملكي التي تقتضي عدم لمس الملكة نهائيًا مهما كان الأمر بل يجب أن يقتصر الأمر على الانحناء بالرقبة للرجال والركبتين للنساء.

مقطع لميشيل أوباما تحتضن فيه الملكة إليزابيث عام 2009.

لاعب كرة السلة المحترف الأمريكي «ليبرون جيمس» واجه أيضًا انتقادات حادة من قبل بعض الصحف البريطانية عندما أحاط بذراعه كتف «كيت ميدلتون» أميرة كمبريدج المشهورة أثناء التقاط الصور بصحبتها عقب إحدى المباريات التي فاز فيها فريقه، واتهم بخرق «بروتوكول» التعامل الملكي.

صورة للاعب السلة الأمريكي ليبرون جيمس يحيط الأميرة كيت بذراعه.

صورة للاعب السلة الأمريكي ليبرون جيمس يحيط الأميرة كيت بذراعه.

وعلق على الواقعة خبير الإتيكيت البريطاني «ويليام هنسون» أن الأمريكيين عادة يتواصلون عبر اللمس بعكس البريطانيين المتحفظين، وخاصة مع أفراد العائلة الملكية، ويرى أنه كان يجب على الأمريكيين أن يكونوا قد تعلموا الآن تلك الأمور، وبحسب رأي المؤرخة البريطانية «كيت ويليامز» فإنه جرت العادة في العصور الوسطى أن يُعتبر الملوك والملكات مقدسين بما أنهم معينون من قبل الرب ليحكموا البلاد، لذا لا يجب لمسهم بواسطة العامة وكذلك انطبقت القاعدة على أفراد عائلاتهم.

لا توقيعات.. ولا «سيلفي» أيضًا

قبل أن تنتشر الكاميرات الملحقة بالهواتف بشكل كبير مثلما في وقتنا الحالي كان أول ما يطرأ في ذهن شخص قابل أحدًا من المشاهير أو الشخصيات العامة هو أخذ توقيعهم، ولكن الأمر يختلف تمامًا مع أفراد العائلة الملكية، في كثير من المناسبات رفض «تشارلز» أمير ويلز توقيع اسمه للمعجبين، أو لأفراد ترغب في الاحتفاظ بتذكار ملكي، ويجيب دائمًا بأدب: «هم لا يسمحون لي بفعل ذلك».

Embed from Getty Images

الأمير تشارلز يوقع سجل الزوار في الهند.

في مقال نشرته جريدة «ذا صن» البريطانية ذكرت أنه من المعتقد أن السبب في التوجيهات الصارمة لأفراد العائلة الملكية بعدم إعطاء توقيعاتهم هو الخوف من تقليد خط يدهم، أو تزييف توقيعاتهم واستغلالها في أي نشاط إجرامي.

Embed from Getty Images

صبي أيرلندي يلتقط سيلفي مع الملكة إليزابيث في زيارة لأيرلندا الشمالية وتبدو غير مرحبة بالصورة.

أما عن أخذ الصور «السيلفي» فهي فيما بدا للكثير غير محبذة ومذمومة تمامًا، وبحسب أقوال السفير الأمريكي في إنجلترا «ماثيو برازون» أن الملكة لا تحب التقاط صور السيلفي وأنها أرادت أن تقول له إنها تفضل «التواصل بالعينين»؛ وفي إحدى زيارات الأمير«ويليام» والأميرة «كيت» إلى كندا نشرت الحكومة في برنامجها للقاء الزوجين الملكيين دليلًا للبروتوكولات والآداب وكان من أهمها أن «لا تعطي ظهرك لفرد عائلة ملكية أبدًا» لأن ذلك ينم عن إهانة، وأضافت وزيرة السياحة الكندية: إعطاء ظهرك للأمير والأميرة والتقاط السيلفي معهم مذموم وغير مرغوب فيه تمامًا».

ميراث الإتيكيت.. كي يبقى الملوك ملوكًا

أغلب القواعد التي تفرض داخل العائلة الملكية هي من ميراث العادات والتقاليد والآداب الملكية القديمة، فمثلًا نجد ارتداء الفراء «الفرو» ممنوعًا منذ أن فعل ذلك الملك «إدوارد» الثالث الذي وجد أن صناع الملابس الفخمة صاروا جشعين وصنعوا الملابس الفخمة المزدانة بالفرو لكثير من العامة وكل من لديه دخل متوسط مما يساوي بين العامة والملكيين لذلك منع ارتداءه من قبل العائلة الملكية.

Embed from Getty Images

الملك إدوارد الثالث ملك إنجلترا.

بينما القواعد الأخرى التي تتمثل في احتشام النساء، وعدم كشف نهودهن أو سيقانهن تعود كذلك للقواعد الملكية القديمة المتحفظة التي حصرت الاحتشام في الملبس للنساء الراقيات، بينما التعري، أو الملابس الكاشفة كانت غالبًا للنساء سيئات السمعة، وكانت الأميرة الراحلة «ديانا» عادة ما تتفادى الكشف عن جسدها، أو صدرها حتى أثناء ارتداء ثوب السهرة فكانت تضع حقيبة يدها على صدرها أثناء نزولها من السيارة أو انحنائها.

Embed from Getty Images

الأميرة الراحلة ديانا في حفل عيد ميلادها السادس والثلاثين.

كذلك القواعد التي تنص على ارتداء القبعات للنساء نهارًا، واستبدال التيجان بها مساءًا مثلما جرت عادة الإتيكيت الملكي منذ قرون بين أفراد العائلة الملكية، والتزام الجميع بآداب المائدة – والتي تحتوى على الأقل على 20 قاعدة – والتزام النساء بوضع جسدي لائق وتفادي عقد ساق فوق ساق وإبقاء ذقونهنّ دائمًا في وضع وسطي غير منخفض أو مرتفع.

لا سياسة ولا محار ولا مونوبولي

إحدى أهم القواعد الصارمة التي يقرر الجميع من أفراد الأسرة الملكية الالتزام بها هي عدم الخوض في السياسة نهائيًا، وأن التصويت والترشح في الانتخابات أمور ممنوعة عليهم بل ويُعدّ غير سارٍ دستوريًا، قد يبدو الأمر حياديًا بشكل كبير إلا أن القاعدة في رأي آخر مفروضة لإبعاد النخبة عن السياسة باعتبارها «للعامة والفقراء» كما ترى الكاتبة الأمريكية «أرمادي تونبو».

المحار أيضًا هو صنف الطعام الوحيد الممنوع على أفراد العائلة الملكية تناوله، ولكن الأمر هنا بمثابة نصيحة طبية بحتة، حيث يعتبر واحدًا من أكثر الأطعمة المحتمل أن تسبب أكثر من نوع من التسمم لمن يتناولها، وهذا ما لا يجب أن يعّرض أفراد العائلة الملكية أنفسهم له.

Embed from Getty Images

الملكة إليزابيث أثناء زيارتها لمشفى مانشستر الملكي.

لعبة المونوبولي الشهيرة عربيًا بـ«بنك السعادة» أيضًا غير مسموح بممارستها من قبل الأطفال في العائلة، بحسب مقال نشرته جريدة «تليجراف» البريطانية عام 2008 في إحدى المقابلات مع الأمير «أندرو» دوق يورك قال: «غير مسموح لنا أن نلعب المونوبولي، فهي وحشية».

هل تنكسر القواعد.. وماذا لو انكسرت؟

ورغم كل تلك القواعد الصارمة وغيرها؛ إلا أن هناك الكثير من المرات التي خالفها فيها أفراد العائلة الملكية، وخاصة عندما يرتبط شخص من أفراد العائلة الملكية بشخص ليس له أصول ملكية، ومثلًا عندما قام الأمير «ويليام» بكسر بروتوكول عدم لمس غير الملكيين أثناء زيارته لتعزية أهل ضحايا حريق برج «جرينفيل» في لندن وقام باحتضان سيدة فقدت زوجها في الحريق.

 

صورة للأمير ويليام يواسي زوجة أحد ضحايا برج جرينفيل من موقع refinery29

ومثلما فعل الأمير «تشارلز» عام 2010 عندما خالف قاعدة عدم إعطاء توقيعه وقام بتوقيع أوتوجراف لأحد الأشخاص أثناء زيارته حفلًا أقيم لصالح ضحايا أحد الفيضانات، أو مثلما ارتدت الملكة قبعة من الفراء في أحد الاحتفالات عام 2011 كما فعل مثلها الكثير من نساء العائلة الملكية تباعًا، بالإضافة إلى العديد من المواقف الأخرى التي تم رصدها لأفراد العائلة الملكية.

الأمير تشارلز يوقع أوتوجرافًا شخصيًا من موقع Pinterest

ويبدو أن القواعد التي يراها الجميع صارمة وغريبة، أو حتى تعاليًا طبقيًا ما هي إلا تمسك من قبل العائلة المالكة، والملكة نفسها بالأرستقراطية الملكية وبروتوكولاتها التي بدأت منذ مئات السنين بمثابة رمز للملكية البريطانية وقوتها وكادت اليوم تُمحى تمامًا إلا من عدة أخبار اجتماعية عن العائلة المالكة وأفرادها باعتبارهم «مشاهير» أكثر منهم حُكامًا.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد