بسبب إغلاق النظام السوري طُرُق الإمداد توفيت قبل أيام الرضيعة هُدى رسلان ذات الشهور الأربعة من العمر على أرض مخيم الركبان السوري الواقع في المنطقة الحدودية الشرقية الفاصلة بين الأردن وسوريا. هُدى رسلان كانت واحدة من عدّة حالات لسُكّان مخيّم الركبان الذين منعتهم قوّات النظام السوري من الوصول إلى أطراف المخيم، حيث نقطة «اليونيسيف» الطبية الوحيدة الواقعة في الجانب الأردني. وبالإضافة إلى هُدى فقد توفي 14 شخصًا آخرون في المخيم خلال الأسبوعين الماضيين فقط، نتيجة النقص الحاد في الرعاية الصحية والأدوية وسوء التغذية وتفشي الأمراض.
ومن بين هذه الحالات أيضًا الطفل محمد الأعتر (13 عامًا) الذي توفي دون أن يشخّص مرضه بسبب حرمانه من إجراء التحاليل والصور المقطعية، و يقول عضو في فريق الكادر الطبي بالمخيم: «القدرات الطبية في مخيم الركبان، تقتصر على بعض الممرضين والممرضات، دون وجود أي طبيب في النقطة الطبية الوحيدة التي لا تملك أي مقومات عالية لاستقبال الحالات المرضية الحرجة وإجراء العمليات».
وسط تجاهل دوليّ.. الركبان نحو كارثة إنسانية
بعد 10 أيام لا ندري ما الذي يمكن أن يحصل، سيبدأ النازحون بأكل لحم الحمير. *محمود الهميلي، رئيس المكتب الإعلامي في الإدارة المدنية لمخيم الركبان
يعود تفاقم الوضع الإنساني في الركبان إلى تشديد قوات النظام منذ أسبوعين حصارها على المخيم، فقد منعت إدخال الخضار والمواد الغذائية الأساسية، كما صادرت كلّ علبة دواء عبر الحواجز، ومع قرب حلول فصل الشتاء، ستزيد معاناة أكثر 45 ألف لاجئ في المخيم غالبيتهم من الأطفال والنساء، إذ سيضيف انخفاض درجة الحرارة في تلك المنطقة الصحراوية المزيد من المعاناة مع نقص الأدوية والطعام وغياب وسائل التدفئة.
ويقف وراء مأساة المخيم عدة جهات، أكثرها إحكامًا للحصار كما أسلفنا هي قوات النظام السوري التي تمنع دخول المساعدات عبر حاجز عسكري لها يقع في منطقة المثلث التي تبعد نحو 70 كيلومترًا عن المخيم، وتأتي تحركات النظام في سياق الضغط على اللاجئين للقبول بالتسوية والعودة لمناطق النظام، وهو ذات الدافع وراء خرق النظام لاتفاق يقضي بإدخال المساعدات وإخراج الحالات الطبية من المخيم وقع في 30 من سبتمبر (أيلول) الماضي مع وجهاء مخيم الركبان في منطقة التنف الحدودية، فلم يكتفِ النظام بخرق الاتفاق، بل زاد من حصاره للمخيم بمنع دخول أي مواد طبية أو غذائية.
الجهة الثانية، هي الأردن الذي بدأ تشديده ضد المخيم في يونيو (حزيران) 2016، حين أغلقت عمان منفذ المخيم مع الأردن إثر هجوم تبناه «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» على موقع عسكري أردني أوقع سبعة قتلى و13 جريحًا، فالأردن التي أعلنت المنطقة مغلقة عسكريًا رأت أن المخيم يشكل عليها خطرًا، فسعت للتضييق عليه، وقال العاهل الأردني عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة: «إن نسبة ليست بالبسيطة من سكان المخيم أشخاص مشبوهون أمنيًا، ويتبعون لتنظيم الدولة الإسلامية، وعلى المجتمع الدولي استقبال سكان المخيم والتعامل معهم بعيدًا عن فكرة إدخالهم إلى المملكة».
كما أن الجهات الدولية التي انصاعت لتعامل النظام مع المخيم كورقة ضغط يمرر عبرها أجندته السياسية، تتحمل مسئولية حصار المخيم في نظر بعض المراقبين، فهي لم تسمح باستخدام معبر التنف الذي لا يبعد سوى مسافة 20 كيلو مترًا عن المخيم طريقًا بديلًا عن طرق النظام والأردن، ويخضع هذا المعبر لسيطرة جيش «مغاوير الثورة» المرتبط سياسيًا وعسكريًا بالقاعدة العسكرية التابعة للتحالف الدولي في المنطقة، ووصل الأمر أن يضرب عناصر تابعين لـ«جيش أحرار العشائر»، مكلفين بحماية نقطة منظمة «اليونيسيف» الطيبة، وقبل أيام أيام احتج مجموعة من الناشطين على منع العلاج في النقطة وعلى حصار المخيم، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنًا.