وفقا لمراقبين، لا تختلف ظروف التدخل الروسي العسكري في سوريا اليوم كثيرًا، عما كانت عليه عام 1979م حينما سجل الاتحاد السوفييتي بداية تدخله العسكري في أفغانستان، تحت جملة من الأسباب والمبررات، كانت أبرزها” منع تسلل الإرهابيين إلى الأراضي الروسية”.

مقارنة بسيطة تسلط “ساسة بوست” الضوء عليها، بين التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان قبل نحو ثلاثة عقود، والسوري اليوم، من حيث الأسباب، والموقف الدولي، وغيرها.

أولا: أسباب التدخل العسكري

عند الدخول إلى أفغانستان تم الإدلاء صراحة بالأسباب الكامنة وراء التواجد السوفييتي منها، دعم الحكومة الأفغانية الصديقة للاتحاد السوفيتي، والتي كانت تعاني من هجمات الثوار المعارضين للسوفييت، والذين حصلوا على دعم من مجموعة من الدول المناوئة للاتحاد، و من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية، السعودية، الباكستان والصين.

لكن، كعادة أي تدخل خارجي لدولة ما، لا يتم الإعلان عن الأسباب المباشرة وراء التدخل، ليتضح من خلال التواجد السوفييتي آنذاك في أفغانستان أن استغلال الموارد الطبيعية في أفغانستان، والوصول للمياه الدافئة ومنابع النفط قبل الأمريكيين، واحتواء الصين والإطاحة بها من جانب الغرب، من أهم دوافع التدخل.

إلى جانب وأد أي حركات للتحرير يمكن أن تنشأ في منطقة آسيا الوسطى التابعة للاتحاد، وتهديد مناطق النفوذ الأمريكي التقليدية في باكستان، وحاجة الاتحاد لاستعادة هيبته العسكرية بعد أن تزعزعت في بولندا، وتحريك جيشه الضخم لامتصاص مشاعر التذمر التي بدأت تظهر على أفراده.

عند الحديث عن التدخل الروسي في سوريا، لا بد من الإشارة إلى أن روسيا تقف بشدة مع نظام بشار الأسد، ولطالما دعت إلى ضرورة وجود رادع لما أسمته” الجماعات الإرهابية”، وتحديدا تنظيم الدولة الإسلامية” داعش”، وتشكيل تحالف” سوري، عراقي، إيراني، روسي” لتنفيذ ذلك.

خمس سنوات من الصراع الجاري في سوريا، توج مؤخرًا بمنح روسيا نشر قواتها العسكرية داخل الأراضي السورية بعد تفويض الكرملين” فلاديمير بوتين” لذلك، وطلب” بشار الأسد” مساعدة عاجلة من موسكو.

أعلنت روسيا صراحة أن تدخلها في سوريا لحماية نظام “الأسد” وبقائه، والقضاء على “الجماعات الإرهابية”، ومنع تسللها إلى الأراضي السورية، بما في ذلك “داعش”، لكن ثمة أسباب أخرى كامنة وراء ذلك يخفيها صناع القرار الروسي.

وفقا لصحيفة” القدس” فإن التدخل يسعى إلى اعتماد خطط جارية لبناء قاعدة بحرية جديدة وعن تجهيز موسكو لمطار “حميميم” العسكري قرب اللاذقية بمبان جاهزة تتسع للمئات وعن طائرات شحن تحمل عتادًا عسكريًّا وسفن إنزال دبابات وحشود بشرية من قوات مشاة البحرية.

ولذلك فإن هذا التدخل يمكن قراءته بطرق متعاكسة، فهو في الظاهر، يبدو دعمًا للنظام السوري وتعزيزًا للتحالف مع إيران التي أرسلت بحسب مصادر إسرائيلية مئات الجنود خلال الأيام القليلة الماضية، غير أنه أيضًا يحمل مخاطر تسليم الأسد رأسه لموسكو للتفاوض عليه، كما أنه سحب لجزء كبير من أوراق اللعبة السورية من أيدي إيران.

ثانيًا: الموقف الدولي

كما هي الآن أمريكا في صدارة النقد للتدخل الروسي في سوريا كونه يحافظ على بقاء” الأسد”، ما أعاد الأذهان إلى حديث الرئيس الأمريكي الأسبق” جيمي كارتر” أن التوغل السوفييتي كان أكثر التهديدات جدية للسلام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية.

وأدى التوتر المتزايد إلى الانزعاج في الغرب من وجود أعداد كبيرة من القوات السوفييتية قريبة من مناطق غنية بالنفط في الخليج وصل وبسرعة لاتخاذ موقف العداء، وبالتالي كان رد الفعل الدولي قويًّا، تبعه تحذيرات بمقاطعة الألعاب الأوليمبية لصيف 1980 في موسكو.

لم تتمتع حكومة “باربك كارمال” الروسية حينها بالدعم الدولي في البداية، حيث استهجن وزراء خارجية دول منظمة دول المؤتمر الإسلامي الاحتلال السوفييتي وطالبوا السوفييت بالانسحاب في اجتماع في إسلام أباد في يناير 1980.

وصوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بواقع 104 أصوات مقابل 18 وامتناع 18 عن التصويت لصالح قرار “يستهجن وبشدة التدخل المسلح الأخير” في أفغانستان، ودعت إلى “الانسحاب الكامل للقوات الدخيلة” من البلاد.

يدرك الموقف الدولي، والذي تسيطر عليه أمريكا بأن لروسيا مصالحها وللولايات المتحدة مصالحها في سوريا، وإن الخلاف بين الطرفين يدور حول مصير الأسد، والطريقة التي يمكن من خلالها إنهاء الأزمة السورية.

ترحب أمريكا المعارضة للتدخل الروسي بجهود روسيا لضرب تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، لكنها تحذر من الخلط بينها وبين دعم الرئيس السوري بشار الأسد، بيد أن روسيا أعلنتها صراحة بأنها تدعم بقاء النظام، وهذا ما يجعل الموقف الدولي في حالة عدم اتزان.

ومن وجهة نظر أمريكا فإن استمرار الدعم لحكومة الأسد سيعمل فقط على إطالة أمد الصراع، بحسب المسؤول الأمريكي، فضلا عن اتهامها موسكو بتعزيز وجودها العسكري في سوريا.

ويشار إلى أن روسيا هي حليف رئيسي للأسد منذ اندلاع الصراع قبل ما يقارب الخمس سنوات، لكنها زادت من وجودها في البلاد في الوقت الذي بدأت فيه قوات الحكومة تفقد أراضٍ لصالح جماعات المعارضة المسلحة.

حتى أن أمريكا تطالب روسيا بين الفينة والأخرى التعاون مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مؤخرًا، والذي يشن غارات جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في كل من سوريا والعراق، لكن روسيا رفضت الانضمام إليه.

تصر أمريكا على موقفها أنه لديها مؤشرات على أن روسيا نقلت أفراد ومعدات إلى محيط منطقة اللاذقية الساحلية والقاعدة الجوية الموجودة بها، ما يرجح نيتها لبناء قاعدة دعم للعمليات التكتيكية هناك، فيما ينفي الكرملين وجود أي نية لبدء إنشاءات عسكرية روسية في سوريا.

ليس الموقف الأمريكي وحده الذي يعارض الدعم الروسي للأسد، وتدخله العسكري، وإنما أوساط عديدة دولية وإقليمية ومحلية تحذر من أن سوريا لن تكون أوكرانيا أو جورجيا، وأن السيناريو الأفغاني قد ينتظر الروس في المستنقع السوري.

ثالثًا: نظرة الروس والمتابعين

يرى المتابعون الروس أنه قد يختلف التدخل العسكري الروسي في سوريا في بعض النواحي عن تورط الاتحاد السوفيتي في أفغانستان لكن بالنسبة لبعض الروس، هناك بعض من أوجه الشبه اللافتة للنظر.

فروسيا تواجه أزمة اقتصادية عميقة، ونفقاتها العسكرية الحالية غير قابلة للاستمرار، كما تواجه البلاد انخفاضًا ديموغرافيًا حادًا، ولا يمكن لروسيا أن تخوض حربًا في كل من أوكرانيا وسوريا، في الوقت الذي تحتفظ فيه أيضًا بقوات في أماكن عديدة من أراضي الاتحاد السوفييتي سابقًا كما هو الحال حاليًا.

خاصة وأن الاقتصاد الروسي قد انكمش في الربع الأول من عام 2015 بسبب هبوط أسعار النفط وضعف الإنفاق والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، وتراجع بنسبة 1.9 في المئة في الفترة بين يناير/ كانون الثاني ومارس/ آذار مقارنة بالعام الماضي، حسبما ذكرت وكالة الإحصاء الروسية.

عند الدخول العسكري لأفغانستان في بداية الأمر بدا للجنرالات الروس وكأن المهمة ستكون سريعة وسهلة التنفيذ، لكنها سرعان ما تحولت إلى حرب مديدة ومنهكة، ففي البداية دخل الجنود السوفييت في قتال مع حفنة من المتعصبين، ولكنهم ما إن حل عام 1989، حتى وجدوا أنفسهم يقاتلون جيشًا من المتمردين جيّد الإعداد والعتاد، يقف وراءه الغرب وبلدان عربية وحتى الصين.

وبالتالي، يرى المراقبون أن قيادة البلاد العليا لم تقرر بشكل صحيح، الوضعَ الذي وصلت إليه الأمور في أفغانستان، فقد فكروا أن مجرد وجود قوات مظليين، وإدخال بعض الوحدات، سيكون كافيًا ليحل الهدوء في كل مكان هناك.

إلا أنهم حصلوا على ردود فعل أخرى تعود إلى طبيعة الشعب الأفغاني المحبّ للحرية، من جهة، وإلى تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، التي قدمت مساعدات لا تقدر بثمن للمجاهدين. فقد راحوا يسلّحون الجميع، في كل مكان من أفغانستان.

وبهذا يكون الاتحاد السوفييتي تورط وغامر بتدخله العسكري في أفغانستان وإطالة مدة الحرب إلى عشر سنوات، أنهكت خلالها الميزانية السوفييتية، من عتاد وجيوش، وضحايا تم تقديرهم بـ15000 ألف جندي سوفييتي راحوا ضحية التدخل والاشتباك المباشر داخل الأراضي الأفغانية، فضلًا عن انهيار الاتحاد، وتكبده خسائر فادحة.

وفي الوقت الحالي يعتقد بعض المؤيدين لسياسة الكرملين الموالية للأسد بأنه لا ينبغي على روسيا التدخل عسكريًا في سوريا، وأنه ليس لدى روسيا الحق في الدخول في مغامرة سيكون من المستحيل الخروج منها، إذا لا يحتاج الروس إلى أفغانستان ثانية، وخاصة على خلفية الأزمة الأوكرانية التي تمتص الحياة من البلاد بالفعل.

طرف آخر من المختصين العسكريين الروس، يرى أنه من المستبعد أن تتدخّل روسيا على نطاق واسع في الحرب السوريّة، وبالتالي يبقى “شبح” تحوّل سوريا الى مستنقع أفغانيّ آخر “صعب الظهور” طالما أنّ الانغماس الروسي لن يتحقّق، أو أقلّه سيكون مضبوطًا.

وبما أنّ أكثر المتفائلين يرون أنّ عدد الجنود الروس الموجودين في سوريا سيصل إلى 3000 بحسب صحيفة “التايمز” البريطانيّة نقلا عن” النهار” “500 بحسب المتداول”، فإنّ العدد الأوّل على رغم أهميّته إن صحّت التقديرات لن يكون محوّلًا في الحرب السوريّة، بل سيشكّل فقط دعمًا لمنطقة الساحل، مركز القاعدة الشعبيّة للرئيس الأسد.

رابعًا: آلية الدخول لسوريا

بدأ دخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان في ديسمبر/كانون الأول 1979، حين قامت قوة خاصة تابعة للجنة أمن الدولة مدعومة بوحدات من الجيش، بالإطاحة بالرئيس الشيوعي حفيظ الله أمين، الذي انتهج، بما يخالف إرادة موسكو، سياسة تسريع بناء الشيوعية في بلد أقرب إلى القرون الوسطى، في نزوع دكتاتوري واضح، مغامرًا بفقدان السيطرة على الوضع في البلاد.

لكن، ظروف الدخول إلى سوريا تختلف في التفاصيل، حيث كانت عبر شن غارات جوية في ريف حمص موقعة العشرات من القتلى في صفوف السوريين، إذ لم تكن الغارات الأولية على مواقع تابعة لتنظيم “داعش” بل أتت على مواقع تابعة للجيش الحر، على خلاف ما قاله بوتين بأن روسيا أتت لتحارب الإرهاب في سوريا بدءًا من تنظيم “داعش”.

المصادر

تحميل المزيد