صباح اليوم 24 فبراير أسقطت تركيا طائرة حربية روسية على الحدود التركية السورية بجمل التركمان، وهي خطوة، وصفها المحللون بأنها خطيرة، تعمق الخلاف- الموجود أصلا- بين تركيا وروسيا وبالأخص بعد التدخل الجوي الروسي بسوريا، وفي هذا التقرير نجيب على أهم الأسئلة المرتبطة بتلك الحادثة، مسلطين الضوء على تفاصيل الحادثة، ووجهتي النظر التركية والروسية تجاهها.

(1) ما الذي حدث تحديدًا؟

“بموجب قواعد الاشتباك جرى إسقاط طائرة روسية طراز سوخوي24 عقب تجاهلها للتحذيرات وانتهاكها مجال تركيا”

هكذا أكدت السلطات التركية بحسب ما نقلت وكالة الأناضول الرسمية، وبحسب بيان أصدرته رئاسة الأركان التركية فقد “قامت طائرتان تركيتان من طراز “F 16″ كانتا تقومان بدورية في المنطقة، بإسقاطها في تمام الساعة 09:24 صباحًا بالتوقيت المحلي، بعد توجيه10 تحذيرات للطائرة الحربية التي اخترقت الأجواء التركية خلال 5 دقائق، إلا أنها واصلت انتهاكها” ولفتت رئاسة الأركان التركية:” أبلغنا الطرف الروسي الشهر الماضي أننا سنطبق قواعد الاشتباك حال تكرر الانتهاك”.

ونشرت وكالة الأناضول صورًا لتتبع الطائرة الروسية واختراقها المجال الجوي نقلاً عن مصادر عسكرية

اللون اللبني يشير إلى الحدود التركية واللون الأحمر يشير إلى مسار الطائرة الروسية


وجاءت الرواية الروسية مختلفة؛ إذ نفت وزارة الدفاع الروسية انتهاك طائرتها للمجال الجوي التركي مؤكدة: “أن الطائرة كانت في المجال الجوي السوري طوال فترة تحليقها “وهو ما أكد عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما نفت أن تكون الطائرة تم إسقاطها “جوًا” من قبل طائرة تركيا عندما أفادت: “أن الطائرة تعرضت لإطلاق نار من الأرض، مضيفة أنها كانت تحلق فوق أراضي سوريا على ارتفاع 6 آلاف متر” ولكن بوتين أكد أن المقاتلات التركية استخدمت صواريخ جو-جو وهو ما يتسق مع الرواية التركية في هذا الصدد.


“مقطع فيديو بثته قناة روسيا اليوم للحظة سقوط الطائرة”

وفي سياق متصل لفتت الخارجية الروسية إلى أن مصير الطيارين لم يتحدد بعد، في الوقت الذي أكدت فيه وسائل إعلام تركية أن أحد طياري الطائرة وقع في قبضة قوات تركمانية معارضة باللاذقية شمال سوريا، بعد مقتله، وأعلنت المعارضة السورية:” أن الطيار الروسي القتيل برتبة رائد واسمه سيرغي روميانتسيف”.

فيديو سقوط الطيارين من الطائرة الروسية:


فيديو”جثة” أحد الطيارين الروسيين بين القوات السورية:


(2) كيف تعاملت تركيا مع الحادثة؟

 

وعلى وقع سقوط المقاتلة الروسية، استدعت أنقرة سفراء واشنطن وموسكو وباريس ولندن وبيكين لاطلاعهم على الموقف، وعقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اجتماعًا أمنيًا موسعًا لبحث تداعيات الحادثة، وعلق رئيس الوزراء التركي علي أحمد داوود أوجلو على الحادثة: “لتركيا حق الدفاع عن أمن أراضيها، وإنّ الرد التركي على انتهاك أجوائها وأراضيها رغم التحذيرات المتكررة، حق قومي ودولي” مؤكدًا: “ليست لدينا أطماع بأراضي أي دولة أخرى، وعلى الجميع أن يدرك أنّ لتركيا حق الدفاع عن أمن أراضيها، لا سيما أننا نوّهنا بذلك مرارًا”.


ووجه أوجلو حديثه للعالم: “على العالم أن يكون مدركـًا وواثقـًا من أننا سنقوم بما يلزم من أجل إحلال السلام في تركيا ومحيطها وضمان أمن بلادنا داخل حلقة النار هذه” مضيفـًا: “يجب على العالم بأسره أن يعلم بأننا سنقدم كافة التضحيات ونتخذ جميع التدابير عندما يتعلق الأمر بأمن حدودنا، وحياة وكرامة مواطنينا”.

(3) كيف تعاملت روسيا مع الحادثة؟

 

من جانبهاـ استدعت وزارة الدفاع الروسية الملحق العسكري التركي لدى موسكو لتسليمه مذكرة احتجاج رسمية، وأعلنت روسيا إلغاء زيارة وزير خارجيتها سيرجي لافرورف إلى أنقرة- كانت مقررة غدًا الأربعاء- احتجاجًا على الحادث، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن دراستها لمجموعة من الإجراءات للتعامل مع تلك الحادثة والحوادث المشابهة.

ووصف الكرملين الروسي الحادثة بـ”الأمر الخطير جدًا” وردًا على سؤال حول عواقب محتملة للحادث على العلاقات الروسية التركية، قال دميتري بيسكوف المتحدث الإعلامي باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “إنه من غير الصائب أن نقدم حاليًا أية تقييمات أو تخمينات أو نستخلص أية استنتاجات حتى وضوح الصورة بالكامل” لافتًا إلى احتمالية صدور تقييم عن الرئيس “بوتين” في وقت لاحق من اليوم.

وجاء تقييم بوتين سريعًا إذ أكد أن: “الحادث المأساوي الذي وقع ستكون له عواقب وخيمة على العلاقات مع تركيا” وقال:” لقد كنا نتعامل مع تركيا كجارتنا القريبة بل كدولة صديقة لنا، تلقينا ضربة في الظهر وجهها أعوان الإرهابيين، لن نتحمل أبدًا أن تحدث جرائم بحقنا مثلما حدث اليوم “لافتًا إلى أن تنظيم الدولة يجني أموالاً من بيع النفط إلى تركيا”، وأكد أن:” المقاتلة الروسية كانت على بعد 4 كيلومترات من الأجواء التركية حين أُسقطت، ولم تشكل تهديدًا لتركيا وكانت تقوم بعملية ضد تنظيم الدولة”، وعول بوتين “كثيرًا على الموقف الدولي إزاء الحادث”

(4) كيف استقبل المجتمع الدولي الحادثة؟

أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من احتمال أن يؤدي حادث الطائرة الحربية الروسية إلى تعقيد الوضع في المنطقة، من جانبه قال ممثل المفوضية الأوروبية ألكسندر فينترشتاين للصحفيين: “نراقب الوضع عن كثب ونحاول فهم ما الذي حصل بالضبط، ولهذا لا نستطيع إعطاء تعليقات إضافية”.

وأعلن حلف شمال الأطلسي عقد اجتماع طارئ مساء اليوم بناء على طلب تركي بعدما طلب رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوجلو من وزير خارجيته التشاور مع الأطراف المعنية لبحث التطورات الأخيرة.

وفي سياق متصل وصفت الخارجية البريطانية الحادثة بـ”الأمر الخطير جدًا” لافتة إلى أن: “لندن تدقق بكافة التفاصيل المحيطة بها بشكل عاجل”، ونفت واشنطن تدخلها في الواقعة”، وأكد البنتاجون استمرار عمليات التحالف، ودعت ألمانيا كلاً من أنقرة وموسكو للتهدئة.

(5) هل كانت تلك الحادثة الأولى من نوعها؟

 

لم يسبق لدولة عضو التحالف الأطلسي أن أسقطت طائرة روسية أو سوفيتية منذ الخمسينات، وهذا يجعل من تلك الحادثة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من نصف قرن، ولكن بعد إعلان روسيا تدخلها الجوي بسوريا في نهاية سبتمبر بأيام قليلة اخترقت طائرة روسية المجال الجوي التركي بالقرب من الحدود التركية السورية، مما دفع دفاع الجو التركي بإرسال طائرتين إف 16 لإخراجها، واستدعاء السفير الروسي بتركيا للاحتجاج، وهو ما يشير لبوادر توتر العلاقات بين البلدين.

“إن روسيا ستكون مسئولة عن أية واقعة غير مرغوب فيها قد تحدث إذا تكرر الاستفزاز”.

هكذا أكدت السلطات التركية آنذاك، وحذر وقتها “أوجلو :””بأنه سيفعل قوانين قواعد الاشتباك التركية في حال انتهاك المجال الجوي بصرف النظر عمن ينتهك مجال تركيا الجوي.”

وامتد الغضب لحلف الناتو، الذي وصف أمينه العام ينس ستولتنبرج ما حدث على أنه “انتهاكات غير مقبولة للمجال الجوي التركي”، ومن جانبه أكد روسيا أن ما حدث “كان خطأ لن يتكرر”.

وإن مرت تلك الحادثة دون تغير في العلاقات التركية الروسية، فيبدو أن حادثة الإسقاط الأخيرة لن تمر مرور الكرام وسط توقعات برد عسكري روسي وإمكانية انزلاق البلدين لحرب عسكرية، وهذه التوقعات سنتركها للأيام التي تحمل الجواب الشافي لها.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد