صدام حسين، من منا لا يعرفه، ويعرف ما آلت إليه أحوال العراق خلال حكمه وبعده، رجل اتصف بالصلابة والعناد في آنٍ معًا، وإن أدى عناده في نظر العديد من المحللين إلى ما أدى إليه من حصار، وغزو، ودمار حل بالعراق.

كثير من العراقيين في هذه الأيام، شبهوا عناد رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني بصدام حسين في عناده عام 1991، ورفضه الانسحاب من الكويت، والتي ما لبث أن خرج منها مرغمًا، وفي هذا التقرير نحاول تسليط الضوء على عناد صدام حسين، ومسعود برزاني، وكيف أدى عناد الرجلين إلى ما لم يكن في حسبانهما.

دروس التاريخ المنسية.. صدام يرفض الانسحاب من الكويت

غزت القوات العراقية الكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990، وتعددت الأسباب التي اتخذها صدام حسين في حينها ذريعةً للغزو ما بين سرقة الكويت للنفط العراقي، وزيادة الكويت الإنتاج النفطي الذي أدى إلى هبوطٍ حادٍ في الأسعار.

لم يكن دخول القوات العراقية الكويت ليمر مرور الكرام عالميًّا، فخلال أقل من ستة أشهر صدرت عدة قرارات أممية عن مجلس الأمن الدولي، توجب على العراق الانسحاب تحت ميثاق الفصل السابع، الذي يسمح باستخدام القوة العسكرية لإخراج صدام من الكويت، ومن هذه القرارات عام 1990، قرار 660 الذي طالب العراق بالانسحاب، وقرار 661 الذي أدى إلى إقرار فرض عقوبات اقتصادية على العراق، وقرار 665 الذي أذن للقوات البحرية باتخاذ التدابير اللازمة، وصولًا إلى قرار 678 الذي خوّل باستخدام القوة العسكرية ضد العراق.

رغم كل الوساطات التي بذلها أكثر من مسؤول عربي لإقناع صدام حسين بضرورة الانسحاب من الكويت، وتراجع القوات العراقية داخل الحدود العراقية، إلا أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أصر على البقاء في الكويت؛ بل وأعلنها المحافظة الـ 19 للعراق، ويقول الكاتب العراقي رائد السوداني إنه عندما احتل صدام حسين الكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990، وتجاهل بعد ذلك كل التهديدات الجادة، والنصائح والتوسلات والوساطات بأن ينسحب ويسحب قواته من هذا البلد الصغير، أدى ذلك إلى أن يدفع العراق الثمن غاليًا جدًا من أرواح أبنائه، وثرواته، وعلمائه، ومصانعه التي دمرتها فرق التفتيش الدولية، ثم أدى العناد الصبياني إلى احتلال العراق، وإعدام صدام حسين نفسه بعد ذلك.

يقول الكاتب سالم إيليا واصفًا عناد صدام حسين إنه وبعد خروج العراق شبه منتصر في حربه مع إيران، وبمساعدة معظم الدول الكبرى من خلال إمداده بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية بما لم يعد خافيًا على أحد، ونكران الرئيس الأسبق صدام حسين لهذا الدور في أكثر من تصريح ومناسبة، بدأ يغرّد خارج السرب، واتخذ قرارات مهمة تمثلت في دخوله الكويت، كان من شأنها أن تغير من واقع ما هو مرسوم للمنطقة بتوقيتات وموازنات محسوبة بدقة، فقررت الدول الغربية إعطاءه درسًا عام 1991، لكنه لم يعتبر بعدها في 2003 ويخرج من العراق، وكان عناده أحد أسباب ما وصل إليه حال العراق الآن.

Embed from Getty Images
إسقاط تمثال صدام حسين في بغداد 2003.

لم يقف عناد صدام حسين عند حرب الكويت ورفضه الانسحاب منها، بل امتد إلى عام 2003، حينما رفض الخروج من العراق إلى دولة مضيفة له ولعائلته؛ ليجنب العراق الغزو الأنجلو- أمريكي، يقول أستاذ العلوم السياسية رياض العلي لـ«ساسة بوست» إن صدام حسين لم يكن ذا اطلاع كبير على السياسة الدولية، وكان حكمه للعراق أشبه ما يكون بحكم شيخ العشيرة، ويضيف العلي أن مستشاري صدام حسين السياسيين لم يكونوا من ذوي الخبرة باستثناء المخضرم «طارق عزيز»، فضلًا عن أنه لم يكن يأخذ بأي رأي مخالف لرأيه.

وعن حرب عام 2003 وغزو العراق، يقول العلي إن صدام كان مقتنعًا بأن القوات الأمريكية لن تسقط نظامه وأنها، أي القوات الأمريكية، ستنسحب قبل وصولها بغداد نتيجة لظرف معين كان يأمل حصوله، كما حصل عام 1991 عندما وصلت جحافل القوات الأمريكية إلى الناصرية، ثم انسحبت، ونتيجة لذلك كان مصرًا على خوض المعركة في 2003 حتى النهاية، رافضًا الخروج من العراق رغم تحذير بعض الزعماء العرب حينها بأن هذه المرة ليست كالسابقة، بحسب العلي.

ويختم العلي حديثه بالقول إن الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها استغلت عناد صدام حسين في كلا الحربين، وخاصةً في عام 1991، لتحقيق ما تصبو إليه، وكان لها ذلك بتدمير قدرات العراق الاقتصادية، والعسكرية بعد أن خرج العراق من حرب إيران وهو في أوج قوته العسكرية.

 

مسعود البرزاني يرفض تأجيل الاستفتاء والدعوات الدولية

دروس الماضي تتكرر مع آخرين، حيث رفضت الحكومة العراقية والدول الإقليمية إجراء إقليم كردستان استفتاء الانفصال الذي أجري في الـ 25 من سبتمبر (أيلول)، وقد رفضت الحكومة العراقية مرارًا، وحذرت الإقليم من تبعات إجراء الاستفتاء، ولعل أبرز ما خرج عن الحكومة العراقية كان على لسان المتحدث باسم رئيس الوزراء، سعد الحديثي، الذي نقل رفض الحكومة العراقية استقلال الإقليم، وقال في حينها إن: «أي موقف أو خطوة تتخذ من أي طرف في العراق يجب أن تكون مستندة إلى الدستور، وأي قرار يخص مستقبل العراق المُعرَّف دستوريًّا بأنه بلد ديمقراطي اتحادي واحد ذو سيادة وطنية كاملة، يجب أن يراعي النصوص الدستورية ذات الصلة».

 

Embed from Getty Images
رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني.

أما الموقف الإيراني حينها فجاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية «بهرام قاسمي» الذي أكد أن إقليم كردستان جزءٌ لا يتجزأ من العراق، وأن الإجراءات أحادية الجانب والخارجة عن المعايير والإطار القانوني الوطني وكذلك الدستور العراقي، خاصةً في الظروف المعقدة التي يمر بها العراق، تؤدي إلى تنفيذ مشاريع الطامعين في عدم الاستقرار، وخلق مشاكل جديدة في هذا البلد، بحسب قوله.

كذلك تركيا، وصفت في حينها خطوة أكراد العراق إجراء استفتاء على الاستقلال في سبتمبر (أيلول) الماضي بأنه «خطأ فادح»، وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها إن «إعلان إقليم كردستان العراق تنظيم استفتاء حول استقلال الإقليم سيشكل خطأ فادحًا».

حتى على المستوى الدولي، كان هناك أكثر من تصريح يوحي بعدم الرضا عما ستؤول إليه خطوة الأكراد، وهذا ما يُفهم من بيان مكتب المساعدة الانتخابية التابع لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق «يونامي»، الذي أكد عقب اجتماع مع المفوضية العليا للانتخابات في إقليم كردستان العراق قبيل الانتخابات، أن المكتب لا يعتزم الانخراط بأي شكل من الأشكال فيما يتعلق بالاستفتاء على الاستقلال.

نشرت مجلة الـForeign Policy الأمريكية تقريرًا، يوم الاثنين 19 يونيو (حزيران) الماضي، حمل عنوان «لا يوجد دعم دولي للاستفتاء الكردستاني»، جاء فيه: «انضم الاتحاد الأوروبى إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة وتركيا والعراق لثني الأكراد العراقيين عن إجراء استفتاء حول الاستقلال في 25 سبتمبر»، وأضاف التقرير أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي حذروا من «الخطوات أحادية الجانب»، في الوقت الذي قالت فيه واشنطن إن محاولة الاستقلال سوف تصرفها عن أولويات أكثر إلحاحًا، وخاصةً في حربها ضد «تنظيم الدولة».

عناد البرزاني بعد الاستفتاء

جرى الاستفتاء رغم التحذيرات، لكن مساعي عدم التصعيد لم تتوقف، فبعد أن بادرت الحكومة العراقية ودول الجوار المتمثلة في إيران وتركيا باتخاذ إجراءات مضادة للاستفتاء، كان الحظر الجوي أول رد للحكومة المركزية، وقد تمثل في تعليق كافة الرحلات الجوية من وإلى مطاري أربيل والسليمانية، فضلًا عن تهديد إيران وتركيا بإغلاق المعابر البرية مع الإقليم، ما شكل ضغطًا باتجاه حل الأزمة، التي لم تؤتِ ثمارها.

آخر المبادرات قبيل التصعيد العسكري كانت من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، والتي جاءت قبل ساعات قليلة من بدء تحرك القوات العراقية، تمثلت مبادرة الرئيس معصوم في مدينة السليمانية التي شهدت اجتماعًا ضم كلًّا من الرئيس العراقي الكردي فؤاد معصوم، ومسؤولين من كلا الحزبين الرئيسين في الإقليم، وكان الاجتماع صبيحة يوم الأحد 15 أكتوبر (تشرين الأول).

تضمنت المبادرة تنازل الأكراد عن سيطرتهم على آبار النفط في كركوك لصالح الحكومة الاتحادية، إضافة إلى تمكين القوات الاتحادية من دخول كركوك المدينة، وفرض إدارة مشتركة داخلها، إضافة إلى مطالب أخرى، لكن هذه المبادرة رفضت من قبل مسعود البرزاني ، لتبدأ بعدها بساعات عملية عسكرية أطلقت عليها الحكومة الاتحادية «عملية فرض الأمن في كركوك»، ليفقد الأكراد بعدها مكتسبات كانوا قد حققوها على مدى 14 عامًا.

Embed from Getty Images
يقول الكاتب العراقي رائد السوداني: في العراق اليوم شخص يسير بنفس الاتجاه المتسلط، المعاند، المشابه لصدام حسين، مسعود البرزاني تمسك بالسلطة على الرغم من انتهاء مدته القانونية، ومدة التمديد أيضًا، وأضاف السوداني أن مسعود البرزاني أصر على إجراء استفتاء الاستقلال وسط رفض الأطراف الدولية كافة، القريبة من العراق والبعيدة، موضحًا أن هذا العناد سيقود الإقليم إلى أزمات لا تنتهي، وإلى نيران لا تنطفئ، بحسبه.

وكانت وكالة «أين نيوز» الإخبارية قد نشرت على موقعها في 14 أكتوبر (تشرين الأول) نص رسالة وجهها وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إلى رئيس الإقليم مسعود البرزاني حثه فيها على ضرورة التفاهم مع بغداد على صيغة مشتركة لإدارة المناطق المتنازع عليها، وألا ينجر الطرفان إلى مواجهة عسكرية، كما جاء في الرسالة حث تيلرسون الأكراد على المشاركة في انتخابات عام 2018 المقبلة.

يقول أستاذ العلوم السياسية رياض العلي لـ«ساسة بوست» واصفًا عناد مسعود البرزاني: إن الإدارة الكردية لم تستفد من الدرسين اللذين كانا ماثلين أمامها في صدام حسين عام 1991 و2003، وأن العناد مع الدول الكبرى لا يمكن أن يحقق أي هدف، وأضاف العلي أن الغرب ليس له صديق دائم ولا عدو دائم، وأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة مبنية بالأساس على المصالح العليا لأمريكا، وبالتالي فقد كان رهان البرزاني خاسرًا منذ البداية. وعن السبب الذي جعل البرزاني يعتقد أنه مدعوم أمريكيًّا، رد العلي ذلك إلى الالتباس في تصريحات المسؤولين الأمريكيين موضحًا أن الولايات المتحدة ما كانت لتضحي بعلاقاتها الاستراتيجية مع تركيا في الوقت الراهن في سبيل دعم انفصال الأكراد، فالظروف الإقليمية لم تساعد في ذلك، وأوضح العلي أن خطوة البرزاني كانت انتحارًا سياسيًّا، وأن الولايات المتحدة لم تعد ترغب في استمراره بمنصبه.

وكانت الولايات المتحدة قد رحبت، الاثنين 30 أكتوبر (تشرين الأول)، بقرار رئيس كردستان العراق مسعود برزاني التنحي عن منصبه، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها: «ندعو الحكومة العراقية، وحكومة إقليم كردستان بإدارته الجديدة إلى العمل بشكل عاجل على تسوية القضايا العالقة في إطار الدستور العراقي»، وفي خطاب له، اعتبر مسعود البرزاني أن الولايات المتحدة وقفت متفرجة فقط خلال الأحداث بعد الاستفتاء، منتقدًا الولايات المتحدة لسماحها باستخدام الحشد الشعبي دبابات أبرامز، التي أمدت بها القوات العراقية.

 

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد