عانى الشاعر والفيلسوف الإنجليزي صامويل تايلور كوليريدج، من نوبات حزن وقلق عديدة، قادته لصياغة عبارته الشهيرة «الأكثر حزنًا أكثر حكمة»، وهي العبارة التي استفزت عددًا من علماء النفس لاختبار مدى صحتها، وهل حقًّا الشخص الحزين هو شخص حكيم؟

تمثل تجربة «الحزن الشديد» نقطة فارقة في حياة صاحبها، إما أن يستطيع تخطيها تاركة وراءها حزنًا عاديًّا يمكن التعامل معه، وإما أن يعلق داخلها للدرجة التي قد تعوق حياته بالكامل. في السطور التالية، نشرح الفارق بين الحزن العادي والحزن «الشديد».

ما هو الحزن؟

«الحزن قوة جاذبة تشد لأسفل، تسحب الرأس والكتفين إلى تحت، كأن الجسم في حزنه يُمسي واهنًا خفيفًا فتستقوي الجاذبية عليه وتستشرس» *رضوى عاشور، رواية فرج

«مررت بتجربة خذلان من شخص كان يعني لي الكثير، كنت أقدم له من قلبي بلا مقابل وبدون تفكير، لكنني لم أجد تقديرًا لما قدمت، خلق هذا بداخلي شعورًا بالحزن، مقسومًا إلى نصفين، حزن من الموقف، كيف فعل ذلك معي؟ وحزن من نفسي، استمر فترة طويلة جدًّا، أعاني حتى الآن من آثاره وتبعاته، أقول لنفسي يجب أن ننسى ونمر ونشفى، لكن الحزن في الداخل باق بشكل أو بآخر، أستطيع تصوير الشعور كأن القلب يبكي، كأن هناك صراخًا وبكاءً مرًّا، لماذا؟ يتكرر السؤال، دموع داخلية لا تلبث أن تخرج، ثمة الكثير من الذكريات، كلما ظننت أنني نسيت، تعود لتظهر. صرت أحزن على نفسي، لأنني حزين، لقد اختفى هذا الشخص من حياتي، أتى عوض الله وتغيرت الظروف وبدأ التعافي تدريجيًّا لكن ذلك الشعور من وقت لآخر ما زال هناك». هكذا يتحدث حسين محمد، من سوريا، لـ«ساسة بوست» واصفًا تجربته مع الحزن الشديد.

replica rolex day date rolex calibre 2836 2813 mens m128348rbr 0035 12mm china for sale in usa while in the putting your equipment together also mixing practice,any link is best.best swiss replicafendiwatch.com with discount.

في مقال له يعرف الطبيب النفسي ليونارد هولمز الحزن بأنه: «حالة عاطفية يمر خلالها المرء بمشاعر تعاسة وحالة مزاجية سيئة، إلا أنه في النهاية أمر طبيعي، بوصفه واحدًا من المشاعر الإنسانية، التي تحدث استجابة للمواقف اليومية العادية التي يكون بعضها مزعجًا، أو مؤلمًا نفسيًّا، أو مخيبًا للآمال، وتتراوح شدتها بين معتدلة وحادة».

«حين توفيت أمي شعرت بحزن شديد، لكنه لم يكن حزنًا قابلًا للتخطي، شعرت وكأن الكون بالكامل قد تكتل وصار حملًا فوق قلبي. صرت عاجزة عن الضحك منذ تلك اللحظة»، هكذا تصف هدير ممدوح لـ«ساسة بوست»، كيف يبدو شعور الحزن، صحيح أنه مجرد شعور، لكن المميز بشأنه أن يكون «عابرًا» على عكس الاكتئاب، الذي يستمر لفترة أطول، يقول هولمز: «في الواقع يجب على المرء أن يجيد التفريق بين الاثنين، فالحزن الطبيعي يتحول في بعض الحالات إلى اكتئاب، ويمكن الكشف عن هذا التحول عبر ملاحظة مجموعة من الأعراض مثل:

  • استمرار المزاج الحزين أو القلق أو الشعور بالخواء.
  • الشعور باليأس والتشاؤم.
  • الشعور بالذنب وانعدام القيمة أو العجز.
  • فقدان الاهتمام أو الاستمتاع بالهوايات والأنشطة التي كان يجري الاستمتاع بها في السابق، بما في ذلك ممارسة الجنس.
  • قلة الطاقة والشعور بالتعب والبطء
  • فقدان الشهية أو زيادتها، والفقدان أو الزيادة المضطردة في الوزن.
  • محاولات الانتحار.
  • الشعور بالقلق أو التهيج.
  • أعراض جسدية لا تستجيب للعلاج، مثل الصداع، واضطرابات الجهاز الهضمي، والألم المزمن.

«بؤس قصر النظر»: لهذا تفقد أموالك بسهولة!

«أحلى ما في الفرحة بتنسي الكبير سنه، وأحلى ما في الحزن كل الحكمة تيجي منه» *عبد الرحمن الأبنودي

«حين أشعر بالحزن أدخل في دائرة جهنمية في محاولة لإرضاء نفسي، أشتري ملابس لم أكن قد خططت لشرائها، أتسوق إلكترونيًّا، وأحاول الحصول على مزيد من الهدايا لنفسي، حتى لو كلفني ذلك آخر جنيه في حافظة نقودي» هكذا الأمر بالنسبة لنسمة محمد، الشابة التي «لا تطيق الحزن» بحسبها، فقد كلفها من قبل مبالغ طائلة حين تحول إلى اكتئاب حاد، لذا تحرص طوال الوقت على علاج الأمر سريعًا، بمجرد أن يراودها شعور بالحزن، تبدأ رحلة جهنمية لإرضاء النفس، وفق ما حكت لـ«ساسة بوست».

بالعودة إلى مقولة صامويل كولريدج التي في بداية التقرير، أُجريت دراسة من أربعة تجارب على 144 طالبًا جامعيًّا مكتئبًا و144 طالبًا غير مكتئب، لرؤية مدى استجابتهم للضغط على زر معين تحت الضغط، فأظهرت النتائج أن الحزن مرتبط بالحذر، فلا يصير المكتئب متحيزًا فكريًّا ولا يعود لديه آراء مفرطة.

استفزت الدراسة المذكورة ثلاثة من الباحثين الذين راحوا يتقصون حول التكلفة المالية للحزن وهل يصير الشخص الحزين أقل أو أكثر إنفاقًا؟ وخلصت الدراسة المنشورة عام 2012 إلى ظاهرة أطلقت عليها: «بؤس قصر النظر».

وفق تلك الفرضية فإن الحزن يزيد من نفاد الصبر ويخلق تركيزًا قصير النظر للحصول على الشيء فورًا وليس لاحقًا، ما ينتج منه تكاليف مالية كبيرة، إذ أجريت التجربة على مجموعة من المشاركين الذين يشعرون بالحزن لاختبار سمة الانتظار لديهم، وهل ينتظرون ثلاثة أشهر كي يحصلون على خصم معين أم يدفعون مقابل أكبر ويحصلون على الشيء فورًا، فتبين أن الحزانى قصيرو النظر، يرغبون في الأمور الآن وفورًا، ويتحذون قرارات مالية ربما تكون مؤذية على المدى الطويل تعود بالأساس إلى قصر النفس ونفاد الصبر.

النتيجة ذاتها أكدتها دراسة أخرى حول العلاقة بين الحزن والاستهلاك، إذ خلصت الدراسة إلى تأثير الحزن في الأفراد والذي يدفعهم إلى الحصول على المزيد من السلع الجديدة وتناول الطعام غير الصحي، وغير ذلك الكثير من الآثار غير المرغوب فيها، والتي تحدث نتيجة للحزن، وأيضًا دون وعي، إذ يرفع الحزن من شعور المرء بالعجز، وعليه يبدأ الاستهلاك للشعور بالسيطرة من أجل تخفيف الشعور بالحزن.

وهذا ما يحدث لعقلك

«إن الحزن المتكرر هو شيخوخة مبكرة» *محمد المنسي قنديل، «تفاصيل الشجن في وقائع الزمن» 

لم تكن ولاء عبد الله، تتخيل أن ذلك قد يحدث لها، فهي – وفق ما ترى نفسها – قوية جدًّا، لذا مثَّل لها ذلك الموقف الذي وقع قبل أشهر حادثًا فريدًا من نوعه، فتحكي لـ«ساسة بوست»: «لم أختبر حزنًا كهذا من قبل، كانت البداية بحالة فراغ داخلي عظيمة، جديًّا جربت وصف مقولة الطير المذبوح يرقص ليس طربًا، أوقات كثيرة كنت أفكر أنه ربما يكون حلمًا طويلًا وسوف أستيقظ منه، فات شهر، اثنان، ثلاثة وصار الوضع أصعب، أشعر بأن قلبي مكسور وظهري كسرته أكبر، لدرجة أنني صرت لا إراديًّا أمشي وقد فردت ظهري بصورة زائدة، وحين أجلس لا أسند ظهري إلى المقعد، كأنني أقول لنفسي أننا ما زلت قادرة على أن أسند نفسي بنفسي».

تكمل ولاء حديثها: «أصبحت طول الوقت أتأمل كل حياتي، وصرت أتقلب بين حالات مختلفة حتى جاء اليوم حين عثرت على صور قديمة سعيدة، قلت لنفسي يجب أن أغادر الحزن وأنظر إلى الغد، لكنني أجدني مهزومة ومتشبثة بحزني جدًّا، مع ألم جسدي، حرفيًّا صار كل جزء في جسدي يؤلمني، لجأت للعلاج النفسي والعلاج بالرسم، أصعب ما في المسألة أن دموعي لا تتوقف، حتى إذا قال لي أحدهم: كيف حالك؟ صرت أعيش في الحزن بكل حواسي».

يمكن للحزن الشديد أن يتحول إلى اكتئاب وقتها يبدأ العقل في التغير «فعليًّا». فحين يذهب الأمر إلى ما هو أبعد من الإحباط تتغير طريقة التفكير والشعور والتصرفات أيضًا، بسبب تقلص أجزاء عديدة من الدماغ لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب، ويفقد المخ مقدارًا أكبر من المادة الرمادية، كذلك تنخفض كفاءة أجزاء عديدة مثل:

  • قرن آمون: المسئول عن التعلم والذاكرة، ومن هنا يصير كل شيء ثقيلًا وغير ممكن.
  • القشرة الجبهية: المسئولة عن التفكير والتخطيط علي المستوى، ربما يقف هذا وراء سوء التصرف والعجز عن الاختيارات الصائبة.
  • ثالاموس (المهاد) والنواة المذنبة وإنسولا (القشرة الجزيرية): فعندما لا تعمل هذه المناطق بطريقة صحيحة يصير هناك مشكلات بالجملة من بينها:
  1. مشكلات في الذاكرة.
  2. مشكلة في التفكير بوضوح.
  3. الشعور بالذنب واليأس.
  4. فقدان الدافع.
  5. مشكلات في النوم والشهية.
  6. شعور بالقلق.
  7. التحرك والتحدث ببطء.
  8. المبالغة في رد الفعل تجاه المشاعر السلبية.
  • التهاب الدماغ: يحدث هذا لمن عانوا من اضطراب اكتئابي كبير لمدة 10 سنوات دون علاج، ما يترتب عليه مزيد من النتائج مثل: موت خلايا الدماغ، ومنع خلايا الدماغ الجديدة من النمو، ومشكلات في التفكير، بالإضافة إلى تسارع شيخوخة الدماغ.

وباء اسمه الحزن!

«الحزن كالوباء يوجب العزلة!» *نجيب محفوظ، «الحرافيش» 

 بالرغم من أنها تبدو أسعد سنوات العمر، فإن سنوات المراهقة صارت محملة بقدر مرعب من الحزن، حتى إن البعض يصفه بـ«الوباء». ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال ارتفعت نسبة طلاب المدارس الثانوية الذين يقولون إنهم يشعرون بـ«مشاعر مستمرة من الحزن واليأس» من 26% إلى 44%، وفقًا لدراسة أعدتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وهو أعلى مستوى للحزن جرى تسجيله على الإطلاق. المسح الحكومي الذي شمل قرابة 8 آلاف طالب، وأُجري في الشهور الستة الاولى من عام 2021، أظهر أن واحدة من كل أربع فتيات فكرن في الانتحار خلال فترة وباء كورونا!

وهذه طرق للتعامل مع الحزن الشديد:

«الحزن عنصر ضروري لنكون بشرًا، أما السعادة فشيء استثنائي، وجوده أو عدمه لا يؤثر في إنسانيتنا» *محمد حسن علوان، «سقف الكفاية»

الحزن شعور صحي، يجب السماح له والتعامل معه بعقلانية وقبول، بوصفه شكلًا من أشكال إثراء الحياة، كما يمكن التعامل معه عبر عدة طرق لاستيعابه بشكل صحي وقبوله بشكل فعال، بحسب الموقع الطبي «فيري ويل مايند»:

  • السماح للنفس بالحزن: إنكار المشاعر ودفنها يلحق الأذى بالمرء، خاصة مع تكرار الأمر، البكاء أمر جيد إذا كنا نرغب في ذلك حقًّا.
  • استمتع بالحزن وخطط له جيدًا: يشمل التخطيط قضاء نهار أو أمسية مع نفسك مع الاستماع إلى أغانٍ حزينة، ومراقبة كل الأفكار والمشاعر. فالتخطيط لوقت غير سعيد يمنح شعورًا بالرضا عن الواقع، ويساعد على تجاوز الحزن إلى مزاج أكثر سعادة، لكن احذر من الانخراط في «الرثاء للنفس». فهو حقد معلب يجب أن تتوقف عنه فورًا!

  • عبِّر بكل الطرق: فكر واكتب عما تشعر به، هل الحزن بسبب خسارة أو موقف سخيف؟ عادة يكون فهم سبب الحزن واستكشافه بداية للشعور بتحسن، يمكنك أيضًا الاتصال بصديق أو بأحد أفراد الأسرة، إذ يعد هذا واحدًا من مظاهر التنفيس عن المشاعر.
  • المشي والاستحمام: في بعض الأحيان يمكن لبعض الهواء النقي والوقت الهادئ أن يمتصوا حالة الغضب ويغيروا من منظور المرء للموقف بأكمله، من بين الحلول أيضًا الحصول على حمام ساخن أو الاستمتاع بقيلولة أو قطعة شيكولاتة.
  • اضحك من قلبك: مشاهدة فيلم كوميدي، أو البحث عن مقاطع مضحكة عبر «يوتيوب»، يعد أحد أشكال التنفيس عن الغضب.
  • فكر جيدًا: للمواقف المحزنة جوانب مثيرة للامتنان وإيجابية، فمن الجيد أن نتذكر أيضًا أن بعض المواقف المحزنة ربما تكون إشارة إلى تغيير ضروري يجب أن يحدث في حياتنا كي نتحاشى المواقف المحزنة المتكررة، أو ربما خطوات بعينها بحاجة إلى التغيير كي تصير الحياة أكثر بهجة.

المصادر

تحميل المزيد