لقد حرّموا كل شيء، فلا أكاد أتذكر شيئًا واحدًا من المباحات؛ فالمحرّمات شملت: الموسيقى وأجهزة التلفاز التي تعتبر وسيلة عيشهم الآن، ليس هذا فحسب، بل إن التصوير كذلك لم يكن مباحًا، ولهذا ضاعت طفولتي وذكرياتي حين أحرقها والدي عقب محاضرة لأحدهم تحدَّثَ فيها عن حرمة التصوير.

هكذا شرح منشئ حساب «هيئة مكافحة الصحوة» على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» الأسباب التي دعته لمواجهة مشائخ الصحوة في السعودية على هذا الحساب، «من خلال إظهار تناقضاتهم وتوظيفهم للدين من أجل خدمة مصالحهم»، حسب رأيه.

يبدو أن أعداء فكر الصحوة في السعودية كُثر في هذه الأيام؛ ففي إحدى اللقاءات التلفزيونية وصف الكاتب والقاص السعودي «أحمد أبو دهمان» الصحوة بأنها: «كانت انقضاضًا على كل الجماليات.. كانت انقضاضًا على الشعر.. على المرأة.. وعلى الإنسان بشكل عام».

بينما يرى الإعلامي السعودي «عقل الباهلي» أن الصحوة الإسلامية هي السبب في تأخر السعودية أكثر من 35 عامًا، ومن وجهة نظره، فإن برنامج التحول الوطني «السعودية 2030»، يعمل على تدارك هذا الأمر ببحثه عن طريق جديد يعيد للمملكة مكانتها الريادية.

المقصود بمفهوم الصحوة هنا ليس التيار السياسي الذي نشأ في الثمانينات، وكان له قادته الذين خاضوا عدة معارك مع الحكومة السعودية؛ انتهت ببعضهم إلى الاعتقال لسنوات، ولكنه ذلك التحول الذي حدث في المجتمع السعودي، متثملًا في انتشار مظاهر التشدد الديني بين أفراده على نطاق واسع، وارتبطت هذه المظاهر في أذهان السعوديين بتلك الفترة الزمنية، ولا زالت ذكرياتها تظهر بين الحين والآخر على مواقع التواصل الاجتماعي أحيانًا على سبيل الاستهجان والسخرية، وفي أحيان أخرى على سبيل الإشادة والفخر.

الأطباق الفضائية كانت مُستهدفة

«شاع في هذه الأيام بين الناس ما يُسمى بالدّش، الذي ينقل جميع ما يبث في العالم من أنواع الفتن والفساد والعقائد الباطلة والدعوة إلى أنواع الكفر والإلحاد، بالإضافة إلى الصور النسائية ومجالس الخمر والفساد، وسائر أنواع الشر الموجودة في الخارج بواسطة التلفاز، وثبت لدي أنه قد استعمله الكثير من الناس، وأن آلاته تباع وتصنع في البلاد، فلهذا وجب علي التنبيه على خطورته، ووجوب محاربته، والحذر منه، وتحريم استعماله في البيوت وغيرها، وتحريم بيعه وشرائه وصنعته أيضًا؛ لما في ذلك من الضرر العظيم والفساد الكبير والتعاون على الإثم والعدوان، ونشر الكفر والفساد بين المسلمين والدعوة إلى ذلك بالقول والعمل».

لقيت هذه الفتوى الصادرة عام 1995 للشيخ الراحل «عبد العزيز بن باز»، المفتي السابق للمملكة العربية السعودية، صدى لدى الكثير من السعوديين؛ فانتشر التحذير من تركيب «الدشوش» في خطب الجمعة، إلى جانب توزيع الكثير من المنشورات التي تحذر من خطر ذلك، وقد وصل الأمر إلى تأكيد شيخ آخر، وهو «ابن عثيمين»، أحد أشهر علماء الدين في السعودية، على أن «من مات وقد خلف في بيته شيئًا من الدشوش، فإنه قد مات وهو غاش لرعيته، وسوف يحرم من الجنة».

أطباق فضائية

كان الأمر في بعض الأحيان يتجاوز حدود الفتوى إلى خروج مجموعة من الأشخاص المتشددين دينيًا في مجموعات؛ بهدف تكسير الأطباق الفضائية الموجودة على أسطح المنازل، أو في بعض الأحيان كانوا يصعدون للأسطح المجاورة لها، ويقنصونها باستخدام «الشوزن»، وهو سلاح يُستخدم غالبًا في رحلات الصيد.

حكايات خيالية للموعظة الدينية

بعض الدعاة يُجيز تأليف القصص التي لم تقع لاستخدامها في الدعوة. *الشيخ عبد الله المطلق – عضو هيئة كبار العلماء.

من أهم الوسائل التي استخدمها مشائخ الصحوة في دعوتهم إلى الالتزام الديني نشرهم الكثير من القصص التي تتضمن أمورًا غير متوافقة مع المنطق، وتصل أحيانًا إلى الاستخفاف بعقول المستمعين، مثل الشاب الذي فتحوا قبره ووجدوا ثعبانًا في انتظارهم:

وكذلك الشاب الذي كان يؤخر الصلاة عن وقتها؛ فاسود وجه كالفحم بعد وفاته:

كما توجد قصة الشاب الذي توفي وهو يسمع الأغاني؛ فنزل الصديد من أذنيه عند تغسيله:

أناشيد زمان.. الدعوة للجهاد كان الهدف الأول

راح شبابنا ونحن نسمع أناشيد عمر المختار والخطاب وأفغانستان والشيشان.. الله لا يعيد الصحوة حرمتنا من كل شيء جميل.

كانت تلك تغريدة ضمن تغريدات كثيرة تضمنها هاشتاج #ذكريات_أناشيد_زمان، الذي ذكر فيه المتفاعلون أهم الأناشيد التي لا تزال حاضرة في ذاكرتهم، والتي انتشرت في أيام التسعينات بمواضوعاتها المتنوعة، وعلى رأسها الجهاد والأخوة في الله.

إحدى محال بيع الأشرطة الإسلامية

تباينت الآراء في الهاشتاج؛ فبين من يرى أن هذه الأناشيد أفادته؛ بتضمُّنها العديد من القيم التربوية الجميلة، وبين من ينتقدها لما كان لها من تأثير عليه بتفكيره طوال الوقت في نيل الشهادة والموت، بينما تذكرت إحدى المشاركات في الهاشتاج موقفًا طريفًا حدث لها عندما سجلت على إحدى شرائط الأناشيد أغنية «أخبارك إيه»، للمغنية اللبنانية «مايا نصري» فأصابها الخوف من عاقبة ذلك، وأنه سيقودها إلى النار.

ومن أبرز الأناشيد التي ذُكرت في الهاشتاج:

1- أنشودة «أفغانستان»- ألبوم «وجاهدوا»- للمنشد «أبو عابد»:

2- أنشودة «خندقي قبري»- ألبوم «نداء وحداء 2»- فرقة «نداء وحداء»:

3- أنشودة «القول قول الصوارم»- ألبوم «كلنا اليوم فداه»- للمنشد «أبو عابد»:

لكن جمهور تلك الأناشيد صُدم بشكل غير متوقع في مارس (آذار) عام 2012، عندما أعلن المنشد «أبو عبد الملك» والمُلقب بـ«منشد الجهاد الأول» عن تغيير توجهه المعتاد بأغانيه الجهادية والدينية عمومًا بإصدار ألبوم غنائي عاطفي موسيقي باسم «ثلاث كروت» شاركه فيه المغني السعودي «محمد القحطاني»، وأسس الثنائي فرقة غنائية باسم «مداوي»، وعبر الفنانان بأن الهدف من وراء الألبوم هو التغيير وكسر الرتابة، إلى جانب محاكاة المشاعر الراقية ومشاركة الجمهور لحظاتهم المختلفة.

«الدوسري» يسار الصورة و«القحطاني» على اليمين- المصدر «يوتيوب»

صاحب ذلك التحوُّل تغييرات طرأت على «أبو عبد الملك»؛ فقد ظهر اسمه الصريح لأول مرة وهو «محسن الدوسري»، كما أنه هذَّب لحيته التي كان يُطلقها قبل ذلك، وشارك في العديد من المهرجانات الغنائية المحلية والخليجية، مثل مهرجان «هلا فبراير» في الكويت.

وفي تعليق له على ما حدث، رفض «الدوسري» وصف ما حدث بأنه تحول، مؤكدًا بأنه نقلة فنية نوعية من الحسن للأحسن، وفق قوله، وأشار إلى أنه قبل أن يأخذ هذه الخطوة، درسها جيدًا، ووجد أنها متوافقة مع قناعاته.

بينما علق الداعية الكويتي «طارق السويدان» على اتجاه «أبو عبد الملك» للغناء قائلًا: «لا أتصور أمة بغير فن، وهذا اجتهاده، وللناس فيما يعشقون مذاهب، ونحن نحترم الاختلافات، ولا أحد مجبر على سماعه، ومن يريد سماعه فليسمعه، ومن لا يريد فليس مجبرًا».

لم تمر أشهر قليلة، حتى أعلن «محسن الدوسري» في يوليو (تموز) من نفس العام 2012، عن تركه للغناء وعودته للإنشاد، وذلك بإصداره أنشودة منفردة بعنوان «اعتزل ندمان» بالتزامن مع بداية شهر رمضان، وتحكي الأنشودة مشاعر ندمه على دخوله مجال الغناء، وفرحته برجوعه مرة أخرى للإنشاد الديني.

مؤلفات بعضها يدعو إلى تحذير المرأة من الهاتف

خلال الفترة التي راجت فيها أفكار الصحوة الإسلامية في السعودية، انتشر الكثير من المؤلفات التي تدعو للتشدد الديني، مثل هذا الكتاب الذي خُصص موضوعه عن المعاكسات، وتضمنت عناوينه الفرعية كلمات مثيرة للانتباه، مثل: «فقدت ساقها بسبب مغازلة سخيفة»، و«حريق الأسلاك تدفعه رياح التغريب».

المصدر:«تويتر»

ولاحقًا ظهرت كتب، مثل هذا الكتاب الذي يحذر الفتاة من خطر التليفون، وقد كتب مقدمته الداعية الشهير «عائض القرني»:

المصدر: «تويتر»

وأما قصص الجن المصورة فقد وصلت إلى الأطفال من خلال هذا الكتاب:

المصدر: «تويتر»

المصادر

تحميل المزيد