المثقف يخاف من السجن لأنه ببساطة ليس مجرمًا

هكذا اعترف جمال خاشقجي بما لم يجرؤ الكثيرون على قوله، ولم يكن يعرف أنه بعد زمنٍ قصير سيصبح واحدًا من المثقفين الأحرار النادرين عبر التاريخ الذين قتلوا، فقط لأنهم عبَّروا عن رأيهم بحرية، لكن هذه المرة كانت الجريمة أبشع بتقطيع أوصاله أثناء الاستماع للموسيقى!

نعم المثقف يخاف؛ لأنه ببساطة لا يتخيَّل عالمًا منزوعًا من العقلانية يواجه الكلمات الحرة والأفكار الصادقة بيد القمع الحديدية، أو رصاصٍ غادر، أو حتَّى منشار!

في عالمٍ يشهد معدَّلاتٍ غير مسبوقة من الانتهاكات ضد الصحافيين والمفكّرين والمثقفين والمناضلين من أجل حياةٍ أكثر عدلًا وحرية، لم يعد لدى المثقف رفاهية الصمت، فإذا كانت أجهزة القمع تحمل رصاصها وأدوات تعذيبها القاسية، فعلى المثقّفين والصحافيين أن يحتشدوا بكلماتهم وعدساتهم وأقلامهم أكثر من أي وقتٍ مضى ليدافعوا عن حرية الرأي والتعبير، والكلمة.

الكلمة التي تواجه أخطارًا غير مسبوقة، في عالمٍ لم يعد يعترفُ إلا بقوة المصالح الاقتصادية والسياسية بين الأغنياء والنافذين، ويتغاضى بعد ذلك عن أي انتهاكٍ ويتواطأ عليه مهما كانت بشاعته ووحشيته.

إن الموقف النبيل الذي اتخذته وتتخذه الأقلام الحرة حول العالم، للدفاع عن قضيَّة خاشقجي حتى النهاية، وعدم قبول المهادنة مع الجريمة البشعة التي ارتكبت في حقه، ليست دفاعًا عن جمال بحد ذاته، ولا عن أفكاره بالضرورة، ولا التيار الذي يمثله؛ إنما هو الموقف الشريف الوحيد الذي يمكن اتخاذه إزاء الخطر الذي يتهدد حرية الفكر والتعبير والاختلاف على المستوى الدولي عامة، وفي العالم العربي خاصةً؛ ذلك الخطر الذي تجسَّد في أبشع صوره في حادثة قتل جمال خاشقجي بطريقة مروعة، داخل قنصلية بلاده، لمجرد أنه كان يعبر عن رأيه المعارض للدكتاتورية والوحشية برقّةٍ بالغة وصدق.

إذا صمتت الصحافة الحرة اليوم على هذه الحادثة البشعة، أو تخلَّت عن الدفاع عن قضية جمال خاشقجي في لحظة، فإنها تطبِّع وتتصالح مع عالمٍ صار يطارد المثقفين والصحافيين أكثر مما يطارد المجرمين، وغدًا سيأتي الدور على الجميع.

الصحافة الحرّة ليست جريمة.

جمال خاشقجي

 

عرض التعليقات
تحميل المزيد