في شهر أبريل (نيسان) من العام الجاري، أطلق الأمير الشاب «محمد بن سلمان» ما أسماه «رؤية 2030»، والتي يهدف من ورائها لتحويل المملكة من خلال تنويع مصادر اقتصادها بعيدًا عن النفط، وزيادة فرص العمل السعودية، وتطوير التعليم والصحة وغيرها من الخدمات الحكومية، بجوار خطة تتضمن أهدافًا لتطوير وزارات الدولة.
الخطة التي أعلن عنها الأمير الشاب، والذي يُنظر إليه في الدوائر البحثية والغربية باعتبارهِ الملك القادم خلفًا لوالده، تفتح الباب واسعًا أمام عددٍ من القضايا الجدلية داخل المملكة، وأبعاد هذه الرؤية على المجتمع السعودي، والتزاماتها المالية حيال عددٍ من الدول العربية، وأوجه التغيير المحتملة على المملكة في المرحلة المُقبلة.
هل تؤثر «رؤية 2030» على التزامات المملكة المالية؟
يُشكل الجانب الاقتصادي من الرؤية المُعلنة للسعودية لخطة التحول الوطني، أحد أبعاد التغير الملموس والسريع، الذي سرعان ما انتقلت آثاره للمواطن السعودي، أو الدول التي ارتبطت بدعمٍ سخيٍّ من المملكة العربية السعودية طيلة السنوات الأخيرة.
أحد أبعاد هذا الجانب، يتمثل في تضافر عوامل داخلية كانخفاض أسعار النفط العالمية أقل من نصف ما كانت عليه عام 2014، ودخول مئات الآلاف من الشباب السعودي سوق العمل سنويًا، وهو ما ظهرت تجلياته في تغييرات تتعلق بزيادة في أسعار الوقود والمياه والكهرباء، وخفض رواتب بعض موظفي القطاع العام، وإطلاق خطة تحول كامل في الاقتصاد السعودي نحو الخصخصة.
من جانبه، يقول أنور عشقي، المستشار السابق لمملكة العربية السعودية، في اتصال هاتفي مع «ساسة بوست» أن المملكة لن تتخلى عن التزاماتها المالية حيال أشقائها العرب، لكنه يستدرك: «تسعى المملكة للتوازن بين التزاماتها تجاه مصر، التي تعهدت بها، والتزامها على الجانب الآخر بتنفيذ إستراتيجية 2030 التي تهدف لبناء الاقتصاد السعودي».
كانت شركة أرامكو السعودية الحكومية قد أبلغت وزارة البترول المصرية بشكلٍ رسمىّ بأنَّ شُحنة الشهر الحالي من البترول لن تُرسل إلى مصر، دون أي توضيحٍ لهذا القرار، يعلق «عشقي»: «لن نتخلى عن التزامنا تجاه مصر باعتبارها شقيقة عربية، نقف معها في محنتها المالية، ولكن عليها إدراك أن المملكة في مرحلة انتقالية، ولديها التزامات مع دول أخرى، وخطة تحول وطني أطلقتها المملكة بداية العام الجاري».
أحد أوجه التغير المحتملة للاقتصاد السعودي، هو إطلاق خطة خصخصة كاملة لكبرى الشركات السعودية الحكومية من خلال طرح حصصٍ منها في البورصة كشركة أرامكو، وذلك في مسعى منها لفتح المجال للمستثمرين الأجانب للدخول إلى أرامكو عبر إحدى شركاتها أو مشاريعها، بعد التقارب الأمريكي– الإيراني، وتخوف المملكة من تخلي أمريكا عنها بعد تكثيف إنتاجها من النفط الصخري.
«بن زايد» الداعم الأول للأمير الشاب في دوائر واشنطن.. والنفط السعودي لم يعد مهمًا للإدارة الأمريكية
جمعت السعودية وأمريكا مصالح مُشتركة لأكثر من نصف قرن، أسست لتحالف إستراتيجي، مثَّل بدوره أحد أركان السياسة الأمريكية في المنطقة. هذا التحالف يعيش مرحلة خفوت على خلفية مرحلة التغيير التي تكتنف جنبات المملكة، وتغيّر أولويات السياسة الخارجية لكلا البلدين في المرحلة الحالية، ما يضع تساؤلًا مُلحًا عن آفاق هذه العلاقة الدرامية على مدى السنوات المُقبلة في ظل خطة المملكة الجديدة.
«هل تنهار العلاقات السعودية الأمريكية خلال السنوات المُقبلة؟» يجيب عن ذلك ستيفين كليمنز، رئيس تحرير دورية «ذي أتلانتك» الأمريكية، عبر البريد الإلكتروني لـ «ساسة بوست»: «مسألة انهيار العلاقة بين المملكة والولايات المُتحدة الأمريكية أمرٌ غير وارد في أي وقت قريب، لكن العلاقة بين البلدين تمر بتقلبات، واختبارات ترغب الإدارة الأمريكية في التأكد من حقيقة تداعيات اختيارات المملكة على مستقبلها، وبالتبعية على العلاقة بين البلدين».
يضيف « كليمنز»، المعروف بقربه من دوائر صنع القرار في البيت الأبيض: «المملكة مُطالبة بتحسين صورتها لدى الإدارة الأمريكية بشكلٍ أفضل مما هو عليه في المرحلة الحالية، وهو أمرٌ مُقلق للإدارة الأمريكية في ظل التغييرات داخل البيت الحاكم، الذي تزامن بصعود كبير للأمير محمد بن سلمان، وارتفاع حظوظه في خلافة والده».
يُتابع :«الأمير الشاب لم يدرس بالولايات المتحدة الأمريكة خلاف أشقائه، ومعظم أبناء عمومته، وإنجليزيته ليست مُتقنة، وليس قريبًا من دوائر النخبة الأمريكية، أو المجتمع الأمريكي» موضحًا أنَّهُ يحتاج لوقتٍ أكبر لكسب وترسيخ صورته للإدارة الأمريكية، ومحو الشكوك التي تتعلق بسياسته العسكرية المتهورة.
في تقرير حديث منشور «لنيويورك تايمز»، ألمح التقرير لاضطلاع مهمة تسويق الأمير الشاب السعودي في أوساط الحكم والنخبة المالية الأمريكية إلى ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي سعى للترويج للأمير بن سلمان في كلّ من الشرق الأوسط وواشنطن.
وأضاف التقرير أن «محمد بن زايد»، وهو الحاكم الفعلي لدولة الإمارات، هو الشخصية النموذجية للأمير الشاب الذي يسعى لتتبع خطاه في تغيير وجوه المملكة كافة، موضحًا كذلك أن خلافات بن زايد مع الأمير محمد بن نايف تجعل دور بن زايد لدعم الأمير الشاب خلال المرحلة المُقبلة فريضة واجبة.
يتزامن ذلك مع إعلان محمد بن راشد، حاكم دبي، دعمه بشكلٍ مُباشر للأمير محمد بن سلمان عبر تويتر: «تابعت باهتمام مثل غيري إطلاق رؤية السعودية 2030 اليوم.. رؤية مليئة بالطموح والأمل للمملكة وللمنطقة.. وقيادة شابة ستفاجئ العالم بإنجازاتها».
أحد وجوه التغيير المُحتملة في التحالف التاريخي بين البلدين، هو الاحتمالات الكُبرى التي تتعلق باستغناء الولايات المتحدة الأمريكية عن النفط السعودي في السنوات المقبلة، وما يتبع ذلك من تغييرٍ مُحتمل في أولويات المصالح الإستراتيجية بين البلدين.
تُظهر تقارير وكالة الطاقة الدولية، أن الولايات المتحدة تخطَّت السعودية وروسيا لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم العام الماضي، فيما غادرت الأسبوع الماضي شاحنة نفط أمريكية، في يناير (كانون الثاني) العام الجاري، ميناء بولاية تكساس قاصدة أحد الموانئ الإيطالية، في أول عملية تصدير نفط أمريكي منذ أربعة عقود.
«كليمنز» معلِّقًا على هذا الأمر: «هي أحد وجوه التغيير المحتملة بين البلدين، فالولايات المُتحدة الأمريكية صارت قادرة على الاستغناء عن النفط السعودي».
هل يتحرر المجتمع السعودي من التقاليد المُحافظة؟
أحد مظاهر التغيير المحتملة داخل جدران البيت السعودي، المرتبطة برؤية 2030، هي التخفيف من وطأة القيود الاجتماعية التي كانت تُحيط بالمجتمع السعودي على مدار السنوات الماضية.
أحد مظاهر هذا التحرر من القيود، هو القرار الذي أصدره العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، بإنشاء «هيئة الترفيه» بالسعودية باعتبارها جزءًا من إعادة الهيكلة الحكومية لتناسب «رؤية 2030».
يندرج ضمن مظاهر التحرر من هذه القيود، عدم إيلاء الأسرة الحاكمة اهتمامًا بحظر مواقع التواصل الاجتماعي كـ«فيس بوك» و«تويتر» ، خصوصًا مع انتشار مستخدميها من الفئة الشبابية داخل المملكة، وهي المسألة التي يراها الباحثون خطوة مهمة لتخفيف هذه القيود على الحياة الاجتماعية للمجتمع السعودي، وفتح الباب أمام الشباب السعودي للتعرف على مظاهرة حياتية كانت غائبة عنهم.