يعد المجتمع الخليجي مجتمعًا قبليًا، تلعب فيه القبائل دورًا هامًا في تغيير الموازين السياسية، إثر عقد تحالفات تقررها   حسب مصالحها وما يفرضه الصراع عليها. في الأزمة الخليجية الحالية، دخلت القبائل الباب من أوسعه  للتأثير على مجريات الأمور، فكانت دول حصار  قطر هي أول من أدخل هذه القبائل حلقة الصراع، فتمخض عن ذلك العديد من التطورات الأخيرة.

كيف دخلت القبائل الصراع الخليجي الحالي؟

اجتهد كل من السعودية والإمارات لإخراج ما سمى بـ«مؤتمر المعارضة القطرية» في لندن، كتجربة ناجحة، فقد عقد المؤتمر في الرابع عشر من سبتمبر (أيلول) الجاري، بتنظيم ودعم مالي من أبو ظبي، لكن مؤتمر المعارضة القطرية لم يلق النجاح المنشود، فكثفت السعودية والدول الحليفة من استخدم القبائل؛ بغية إرباك الوضع في الداخل القطري، بداية تم إغراء عدد من شيوخ ورؤساء القبائل بقطر للضغط في الداخل، ثم انتقلت السعودية لاستخدام الشيخ القطري «عبد الله بن علي آل ثاني» في المعركة ضد قطر، فخرج الرجل ببيان يهاجم الأسرة الحاكمة بقطر، ليتبع ذلك بيان للشيخ «سلطان بن سحيم آل ثاني»، يدعو فيه – كما فعل الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني – إلى «الاجتماع الوطني» أو كما قال «التباحث في كل ما يخص الأزمة، وما نستطيع عمله لنعيد الأمور إلى نصابها، ولتقوية اللحمة الخليجية».

لم يكن ذاك الظهور الأول لـ«سلطان بن سحيم» الذي يحظى بعلاقات وثيقة مع أمراء سعوديين في الأزمة الخليجية؛ إذ سبق وخرج في أغسطس (آب) الماضي متبنيًا موقف السعودية والإمارات والبحرين في الأزمة الخليجية، وقيل إنه أُقنع بأنه سيصبح القائد بعد محاولة الانقلاب على الأمير «تميم».

وردًا على دعوة «عبد الله بن علي آل ثاني» لاجتماع شيوخ القبيلة، عجل شيوخ من قبيلة آل ثاني لمبايعة أمير قطر، وتتابع تجديد الولاء والبيعة من شيوخ من آل ثاني له، وكان من بين مجددي البيعة «علي بن عبد الله آل ثاني»، نجل الشيخ عبد الله بن علي.

في العاشر من سبتمبر (أيلول) الحالي، قالت وسائل الإعلام السعودية أن قطر سحبت جنسية شيخ آل مرة «طالب بن لاهوم بن شريم»، ومعه نحو 50 من أفراد أسرته وقبيلته، وصادرت حلاله وأمواله، كما سحبت الجنسية من شيخ قبيلة بني هاجر، بحسبها، فخرج الشيخ «طالب» في شريط فيديو نُـشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال: «الموضوع أكبر من جنسية فهو اعتداء كبير على السعودية ودول مجلس الخليج، مؤكدًا أن سلطات الدوحة طلبت من قبيلته «سب المملكة وقيادتها وملك البحرين وحكومته»، الأمر الذي حذا بقبيلة «آل مرة» في قطر لتأكيد «ولائها التام وتفانيها المطلق لأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني»، وجاء في البيان الذي نقلته وكالة الأنباء القطرية (قنا) أن «القبيلة ترفض الزج باسمها في الخلافات السياسية بقصد الضرب في النسيج الاجتماعي والترابط السياسي داخل دولة قطر»، على حد تعبيرها.

القبائل الخليجية.. تاريخ من التحالفات

منذ مهد التأسيس على الحدود القائمة الآن، حاولت السعودية والإمارات وأحيانًا البحرين ضم قطر، الأمر الذي كان يحبطه التحالف الخليجي مع الولايات المتحدة وبريطانيا.

صورة أرشيفية –السعودية (موقع نون بوست)

في التفاصيل، يمكننا القول إن جذور الخلافات بين قطر والسعودية تعود إلى بداية القرن العشرين الميلادي عندما طالبت السعودية بضم قطر لها باعتبارها جزءً من إقليم الأحساء، إذ لم يرضها توقيع اتفاق يقضي بترسيم الحدود بين السعودية وقطر في العام 1965، كما أنه وبمجرد أن أعلنت بريطانيا خروجها من شبه الجزيرة العربية في عام 1968، سارعت القبائل العربية بالعمل على تشكيل تحالفات لكسب حدود جديدة، إذ سعى شيخ إمارة دبي «راشد آل مكتوم» وشيخ إمارة أبو ظبي «زايد آل نهيان» إلى إقامة تحالف واسع من القبائل يضم الإمارات السبع الحالية، بالإضافة إلى قطر والبحرين، لكن الأخيرتين انفصلتا عن الاتحاد، وأعلنتا أنهما دولة مستقلة.

أما الحدث التاريخي الأبرز لتدخل القبائل في النزاع الخليجي، فيتمثل في تفجر حادثة مركز «الخفوس» الحدودي التي وقعت العام 1992، فقد تمخض عن هذا الصدام المسلح على الحدود مقتل ضابط سعودي وجنديين قطريين، وسيطرت السعودية على المنطقة، واتهمت قطر قبيلة آل مرة بمساندة القوات السعودية في تلك الحادثة ومواجهة القوة القطرية، وبعد مرور أربع سنوات اتهمت قطر السعودية باستغلال بعض أفراد القبيلة في محاولة الانقلاب عام 1996 ضد الحكومة القطرية، بالتعاون مع الأمير الأسبق «خليفة آل ثان».

الأمير القطري «حمد»

أما في عام 2005  عندما وقعت محاولة انقلاب ضد الأمير «حمد»، فأكدت الدوحة أنها  جاءت بدعم سعودي وبمساعدة من أبناء قبيلة «بني مرة»، الأمر الذي دفع قطر لتجريد 5 آلاف من أبناء القبيلة من الجنسية القطرية.

وفيما يتعلق بالبحرين، يعرف خلافها مع قطر الذي تسمية المصادر القطرية بـ«الحصار الثاني»، على قلعة «الزبارة» التي كانت تابعة للبحرين، وتقع الأراضي القطرية في الناحية الشمالية الغربية منها، فقد أعاد الشيخ عبد الله بن جاسم بناء القلعة عام 1937، وتصالح مع قبيلة نعيم في شمال قطر، لكن حاكم البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة أراد إبقاء «الزبارة» منطقة متنازع عليها، فأعلن حصارًا اقتصاديًا على قطر، ومنع تزويدها بالمواد الغذائية حتى 1943، إذ تمكن البريطانيون من فك الحصار للتودد لقطر لاستغلال النفط المكتشف بها آنذاك.

تمظهرات العقلية القبلية.. آل مرة نموذجًا

تظهر قبيلة «آل مرة» كجزء من أي خلاف قطري سعودي، فهي قبيلة عربية تعود أصولها إلى قبيلة «يام» وأحد أهم «المري» التي يقيم أفرادها في قطر والسعودية والإمارات والبحرين، والكويت.

وقد دخلت القبيلة في الأزمة الخليجية الحالية منذ البداية، ففي يونيو (حزيران) الماضي، كشف المعارض السعودي «غانم الدوسري»، أن السعودية تسعى لاستخدام شيوخ القبيلة لإحداث انقلاب في قطر، وكتب «الدوسري» في حسابه على «تويتر»: «معلومة مهمة: وصل إلى الصالة الخاصة في مطار الملك فهد، مشايخ آل مرة، بناء على طلب من الملك سلمان بن عبد العزيز وضم الوفد كل من ابن شريم وأبو ليلة وابن نديلة»، وأضاف: «يتوقع مصدر المعلومة أن الأمور قابلة للتصعيد، وأن آل سعود يسعون لإحداث انقلاب في قطر».

لم تقف السعودية التي عكفت على استمالة رجال قبيلة آل مرة في قطر عند ما سبق، بل أخرجت أفرادًا منها لهم فروع بقطر لمهاجمة الأسرة الحاكمة القطرية، على خلفية سحب الجنسية القطرية من شيخ القبيلة «طالب بن لاهوم بن شريم المري» مع 55 شخصًا آخرين من أسرته، وحينها أرجع «طالب» سبب سحب الجنسية لـ«اجتماعنا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أنا وشيوخ المرة وما تعهدنا به له»، وأضاف طالب، الذي اعتبر أن ما فعلته حكومة قطر «أمر لا يقره العقل»، أن «سوء العلاقات السعودية القطرية بدأ منذ تولي الشيخ حمد إمارة قطر، متهمًا السلطات القطرية بأنها تحاول الاستقواء بتركيا وإيران»، كما أعلنت القبيلة عن عقد اجتماع في محافظة الأحساء بالمنطقة الشرقية في السعودية، وقالت إنه لبحث الإجراءات التي اتخذتها حكومة قطر بحقهم.

اجتماع لقبيلة آل مرة (موقع مصر العربية)

ونظرًا لتورط  القبيلة في محاولتي انقلاب سابقتي الذكر، أقدمت قطر على سحب الجنسية عن عدد كبير منهم، فعدد كبير منهم بين الجنسيتين السعودية والقطرية، كما صدرت بحق 19 شخص منهم أحكام إعدام إثر محاولة الانقلاب العام 1996، إلا أن الشيخ «حمد بن خليفة آل ثاني» أصدر في العام 2010 قرار عفو عن عدد من المحكوم عليهم، استجابة لطلب الملك السعودي الراحل «عبدالله بن عبدالعزيز».

ولذلك يمكن تفسير استخدام القبائل في الصراع في إطار العقيلة القبيلة التي تحكم المنطقة الخليجية، فحسب تقرير نشره موقع «إضاءات» المصري أن الموقف السعودي والإماراتي من دولة قطر حاليًا، يعد «تمظهرًا من تمظهرات العقلية القبلية، وكأنه يستدعي للمخيلة حروب داحس والغبراء بين القبائل العربية الجاهلية، فيتم التعامل مع قطر باعتبارها فردًا شرد عن تيار القبيلة العام، ولها الحق في فرض وصايتها وتهديده لينتظم في صفوفها مرة أخرى، وليست دولة مستقلة ذات سيادة»، وحسب التقرير فإن «من أبرز ما يؤكد أن ميكانيزمات القبيلة تعلو على ميكانيزمات الدولة في هذا الموقف، هو قائمة المطالب المراد الموافقة عليها من قِبل قطر، والتي تخترق مبدأ الدولة السيادية، فتطالب بغلق منافذها الإعلامية وتحديد سياستها الخارجية وفقًا لرغبات الدول المُقاطعة لها، وطرد مواطنين من أراضيها، فيجعل مبدأ الدولة القومية المستقلة ذات السيادة في محك اختبار حقيقي أمام رهان منطق القبيلة».

يذكر أن أقوى العلاقات الاجتماعية على مستوى الخليج هي بين قطر والسعودية، بسبب أصول قبائل الدولتين التي تعود إلى نجد السعودية، فأسرة «آل ثاني» الحاكمة في قطر تعود أصولها إلى منطقة الوشم في نجد، كما أن أسرة العطية المقربة من مؤسسة الحكم في قطر هم أولاد عم آل سعود الأسرة الحاكمة في السعودية.

المصادر

تحميل المزيد