كشفت منظمة «هيومان رايتس ووتش» المعنية بقضايا الحقوق والحريات النقاب عن عمليات تعذيب وانتهاكات جرت بحق نساء في السجون السعودية، وأشارت في تقريرها الصادر أمس الخميس 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، إلى ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات بحق الناشطات السعوديات في مجال حقوق المرأة.

«سلخانات» تعذيب سعودية

وبحسب مصادر مطلعة قام محققون سعوديون بتعذيب ثلاثة ناشطات سعوديات على الأقل منذ احتجازهم في بداية مايو (أيار) الماضي، بحسب ما أفادت منظمة «هيومان رايتس ووتش». وتشير التقارير إلى أن التعذيب الذي ارتكبته السلطات السعودية تضمن صدمات كهربية، وجلد بالسياط على الفخذين، واحتضان وتقبيل قسري للناشطات. وتتخوف المصادر من أن الكشف عن هوية الفتيات للعلن سيعرضهن لعمليات انتقامية.

وطالبت «هيومان رايتس ووتش» السلطات السعودية بالتحقيق الجدي والفوري في مزاعم الإساءة خلال الاحتجاز. ودعت السلطات إلى إعلان ضمانها سلامة كل الناشطات السعوديات المحتجزات، والسماح للمعتقلات بالوصول إلى المحامين وأفراد عائلاتهم بغير قيود، فضلًا عن تقديم تأكيدات على سلامتهن، مع إطلاق سراح كل من لم يرتكب جريمة حقيقية سوى الدعوات السلمية من أجل الإصلاح.

وبحسب المنظمة، فينبغي على حلفاء المملكة، وشركات السيارات الكبرى أن يوجهوا السلطات السعودية إلى إطلاق سراح غير مشروط للنساء اللاتي اعتقلن بسبب دورهن في حملة الدفاع عن حق المرأة في قيادة السيارة، أو بسبب مطالبتهن بالمزيد من الحريات الأخرى.

احتجاجات حقوقية ضد السعودية- المصدر

ويقول مايكل بيج، نائب مدير «هيومان رايتس ووتش» في منطقة الشرق الأوسط: «أي تعذيب وحشي لناشطات سعوديات لن يكون له حدود في حملة السلطات السعودية الوحشية ضد المنتقدين ونشطاء حقوق الإنسان»، ويضيف: «كل حكومة تعذب النساء لأجل مطالبتهن بالحقوق الأساسية يجب أن تواجه انتقادات دولية، لا أن تتلقى دعمًا غير مباشر من قبل الولايات المتحدة أو بريطانيا».

وبحسب المصادر، فإن المحققين السعوديين «المقنعين» قاموا بتعذيب النساء خلال المراحل الأولى من الاستجواب، وليس من الواضح ما إذا كانوا يسعون لإجبارهم على توقيع اعترافات معينة، أو أنهم سعوا ببساطة إلى معاقبتهن بسبب نشاطهن السلمي، وبعد الاستجواب، تضيف المصادر، ظهرت علامات التعذيب البدني على أجسادهن، بما في ذلك عدم القدرة على المشي، أو رعشات عصبية في اليد، أو علامات وخدوش حمراء على الوجه والعنق. وتضيف المصادر أن امرأة واحدة على الأقل قد حاولت الانتحار عدة مرات.

«إصلاحات» لم تكتمل

وبحسب المنظمة، فقد بدأت الحملة ضد نشطاء حقوق المرأة قبل أسابيع من الرفع المنتظر للحظر على قيادة المرأة للسيارات في المملكة في 24 يونيو (حزيران) الماضي، وهو السبب الذي دفع كثيرًا من الناشطات السعوديات للاحتجاج أصلًا. وفيما تم إطلاق سراح البعض سريعًا، بقي آخرون قيد الاحتجاز من بينهم لجين الهذلول، وعزيزة اليوسف، وإيمان النفجان، ونوف عبد العزيز، ومايا الزهراني، وسمر بدوي، ونسيمة السعادة، وهتون الفاسي، وجميعهن من الناشطات في مجال حقوق المرأة، هذا بالإضافة إلى بعض الرجال الداعمين للحركة منهم المحامي إبراهيم المضيمعي؛ والناشط في المجال الخيري عبد العزيز مشعل ، ومحمد ربيع وهو ناشط اجتماعي.

وقد اتهمت السلطات العديد من المحتجزين بجرائم خطيرة، من بينها «التواصل المشبوه مع جهات أجنبية»، وشنت الصحافة الموالية للحكومة حملات تشهير ضدهم واصفة إياهن بالـ«خونة»، وذكرت صحيفة «عكاظ» أن تسعة من المحتجزين سوف يحالون إلى المحكمة الجنائية المتخصصة، التي أنشئت بالأساس لمحاكمة المتهمين في هجمات إرهابية، وإذا ما تمت إدانة هؤلاء، فقد يقضوا ما يصل إلى 20 عامًا داخل السجون.

وتتعارض حملة التشهير الإعلامية تلك مع السياسة التقليدية للمملكة بعدم نشر أسماء المتهمين في قضايا جنائية قبل محاكمتهم. وفي حين أن النشطاء السلميين قد ظهروا بوجوههم وأسمائهم، وتم تشويههم والتشهير بهم، فإن الإعلام المؤيد للحكومة مثلًا لم يُعرّف الأشخاص الذين تم اعتقالهم بسبب تورطهم المحتمل في جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول.

الناشطة السعودية المعتقلة هتون الفاسي

كانت الدكتورة هتون الفاسي، وهي عالمة ذائعة الصيت وأستاذ مساعد في تاريخ المرأة في جامعة الملك سعود، من أوائل النساء السعوديات اللاتي حصلن على رخصة قيادة سعودية، وقد تم اعتقالها من قل السلطات السعودية قبل أيام قليلة من رفع الحظر، كما تم وضع العديد من الناشطات في مجال حقوق المرأة تحت قوائم حظر  السفر، وفي 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، منحت جمعية أمريكا الشمالية لدراسات الشرق الأوسط الفاسي جائزة الحريات الأكاديمية لعام 2018.

وقد سبق لهؤلاء الناشطات أن طالبن الحكومة السعودية بإصلاح القوانين والسياسات التمييزية بحق المرأة، كما سعوا لتغيير موقف المجتمع تجاه العديد من القضايا، وفي حين أن الحكومة السعودية قد أدخلت مؤخرًا بعض الإصلاحات المحدودة، بما في ذلك السماح للمرأة باشتغال بعض الوظائف التي كانت محظورة عليها سابقًا، ورفع الحظر على قيادة السيارات، فإن نظام ولاية الرجل – الذي يمثل العائق الرئيس ضد الكثير من حقوق المرأة – لا يزال قائمًا.

وبسبب هذا النظام (ولاية الرجل)، يجب على النساء الحصول على إذن من «وليّها» (الأب، الأخ، الزوج أو حتى الابن) من أجل السفر إلى الخارج أو الحصول على جواز سفر أو التسجيل في برامج التعليم العالي، أو إجراء عملية إجهاض بغرض إنقاذ الحياة، أو إطلاق سراحها من السجن أو المأوى، أو الزواج.

هل تتحرك حكومات العالم لإنقاذ الناشطات السعوديات؟

وتأتي الادعاءات الجديدة، تضيف المنظمة، في الوقت الذي تواجه في المملكة العربية السعودية المزيد من التدقيق على خلفية مقتل  خاشقجي، وفي نوفمبر الجاري، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على 17 سعوديًا متهمين بالتورط في مقتل خاشقجي، بما في ذلك سعود القحطاني، مستشار ولي العهد السعودي (جرى إعفاؤه مؤخرًا)، الذي تشير تقارير إعلامية إلى أنه كان يدير حملات إلكترونية تستهدف كل من يوجه الانتقادات ضد السلطات السعودية، وهو معروف في الدوائر الدبلوماسية باسم «أمير الظلام».

ويختتم التقرير بقول نائب مدير «هيومان رايتس ووتش» في الشرق الأوسط مايكل بيج: «في الوقت الذي لا زال يبحث فيه العالم عن إجابات بشأن القتل الوحشي لجمال خاشقجي، فإن مصير نشطاء حقوق الإنسان في السعودية (سيما النشطاء في مجال حقوق المرأة) لا يزال عالقًا»، ويضيف: «يجب على قادة العالم أن تدعو محمد بن سلمان إلى إنهاء الحملة (القمعية) ضد منتقديه في الداخل، ويجب على الدول الأخرى أن توقف دعم الرياض طالما لم تتوقف هجماتها غير القانونية في اليمن».

المصادر

تحميل المزيد