استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، خادم الحرمين الشريفين، في قصر الكريملين الرئاسي بروسيا في زيارة تاريخية، تعزز العلاقات بين الطرفين، ويمكنها أن تكون بداية لإيجاد حلول لمشكلات عدة كأسعار النفط العالمي، والأزمة السورية، والأزمة الخليجية، كما قد تؤدي إلى تحولات في السياسة الخارجية في منطقة الشرق الأوسط.
بدايةً.. ماذا عن تاريخ المملكة العربية السعودية وروسيا؟
روسيا والمملكة العربية السعودية تمثلان اثنين من كبرى القوى العظمى البترولية Petroleum Superpowers؛ حيث تملك الدولتان حوالي ربع إنتاج النفط الخام العالمي فيما بينهم. بدأت العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين البلدين في عام 1926؛ حيث أقيمت حينها تلك العلاقات بين الاتحاد السوفيتي (الاتحاد الذي ضم روسيا ودول أخرى من قبل)، ومملكة الحجاز ونجد (الاسم السابق للمملكة العربية السعودية، أي قبل تأسيس دولة عائلة آل سعود الحالية في عام 1932).
الجدير بالذكر أن محاولات تأسيس المملكة العربية السعودية استمرت لسنوات عديدة، منذ عام 1915 تقريبًا، وحتى 1932، وفي بادئ الأمر، وتحديدًا في عام 1926؛ حين لم يمض سوى شهر وعشرة أيام على تأسيس المملكة، بادر الاتحاد السوفيتي السابق برسالة بتاريخ 19 فبراير (شباط) 1926م أعلن فيها اعترافه رسميًا بالمملكة العربية السعودية، ليكون بذلك أول دولة في العالم تعترف بالمملكة، وفي رده على الاتحاد السوفيتي، أرسل الملك المؤسس، عبد العزيز آل سعود، رسالة أعرب فيها عن استعداد المملكة التام لإقامة علاقات مع حكومة الاتحاد السوفيتي ومواطنيها كما هو متبع مع الدول الصديقة.
لم تستمر العلاقات لأكثر من عقدين؛ ففي 1938، قطعت المملكة العربية السعودية علاقاتها مع موسكو تمامًا، كانت هذه القطيعة هي الأطول؛ حيث استمرت لما قارب نصف قرن، وذلك بعد أن أعلن الاتحاد السوفيتي إغلاق بعثته الدبلوماسية في جدة عام 1938.
52 عامًا مرت على القطيعة بين المملكة العربية السعودية، والاتحاد السوفيتي، حتى انهار الأخير، وهو ما شكل انفراجة في العلاقات بين الطرفين؛ وذلك اعتقادًا منهما أنهم في حاجة إلى بناء علاقات دبلوماسية قوية؛ خاصةً بسبب حاجة العديد من المواطنين الروس للحج، الذي تسيطر على إداراته المملكة العربية السعودية؛ فمنذ عام 1946؛ سُمح لـ 20 مواطنًا سوفيتيًا فقط بأداء فريضة الحج سنويًا بالمملكة العربية السعودية؛ حتى عام 1990، عندما سُمح للآلاف بأداء الحج.

توترت العلاقات بين الطرفين في مناسبتين رئيسيتين؛ المناسية الأولى هي الحرب السوفيتية في أفغانستان عام 1979؛ حيث دعمت المملكة العربية السعودية الجهاديين في أفغانستان بالتعاون مع الولايات المتحدة،وأمَّا المناسبة الثانية فكانت الحرب الأهلية الجارية في سوريا في الوقت الحالي؛ حيث تختلف رؤى المملكة العربية السعودية، وروسيا، حول حل الأزمة؛ بالإضافة إلى أن المملكة العربية السعودية تدعم المعارضين لنظام الأسد، كما تؤمن بأن حل الأزمة بدايته يكمن في غياب بشار الأسد، الرئيس السوري الحالي، عن مستقبل سوريا؛ بينما تدعم روسيا نظام الأسد نفسه، وجيشه، وتؤكد أن حل الأزمة يكمن في وجود بشَّار الأسد في مستقبل سوريا.
أول زيارة لملك سعودي إلى روسيا
الزيارات الرسمية بين البلدين معدودة، ومحدودة؛ حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بويتن بالملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود في الرياض في فبراير (شباط) 2007؛ وهي التي اعتبرت أول زيارة رسمية يقوم بها زعيم روسي إلى المملكة العربية السعودية؛ وكانت من أجل تحسين العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات؛ كالأمن الإقليمي، والطاقة، والتجارة، والنقل، والتعاون والتبادل العلمي.
ومن قبلها، وقبل أن يتولى الملك عبد الله ملك المملكة، جاءت زيارة ولي العهد السعودي، عبد الله بن عبد العزيز إلى روسيا عام 2003 باعتبارها بداية لعودة العلاقات رسميًا بين البلدين بعد رجوعها في عام 1990.

الزيارة الحالية التي جرت في خلال الأيام الماضية من شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2017، تعتبر أول زيارة لملك سعودي إلى روسيا في التاريخ، حيث بدأت الزيارة في يوم الرابع من أكتوبر (تشرين الثاني) إلى موسكو، واستمرت لمدة ثلاثة أيام، قبل أن تنتهي أمس.
وقاد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وفدًا سعوديًا لعقد صفقات استثمارية متعددة قدرت بمليارات الدولارات؛ مما كان خطوة مهمة بالنسبة لروسيا، وذلك لتوفير مصادر أموال من أجل الاقتصاد الروسي الذي يعاني من انخفاض أسعار النفط، ومن العقوبات الغربية المفروضة عليهم من الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من الدول الغربية الأخرى.
وفي حادث طريف، وربما يكون محرجًا للملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود؛ بعد أن وصل بطائرته الخاصة إلى روسيا، وعند نزوله من الطائرة؛ تعطل السلم الكهربائي أثناء نزوله من الطائرة، مما اضطر الملك إلى استكمال النزول على قدميه لعدة درجات.
ويُعرف الملك السعودي برحلاته الباهظة إلى الخارج؛ حيث يسافر بوفد يضم حوالي 1500 شخص من المساعدين والخدم؛ بالإضافة إلى عدد من سيارات مرسيدس بنز، و459 طنًا من الأمتعة معه، بالإضافة إلى مصعد من الذهب الخالص الخاص بطائرته الخاصة.
اقرأ أيضًا: كم ينفق الرؤساء والملوك من أموال شعوبهم على تدليل أنفسهم؟!
تعرف على الصفقات التي تضمنتها الزيارة
عقدت روسيا والمملكة العربية السعودية عددًا من الصفقات الرابحة التي وصلت قيمتها إلى مليارات الدولارات؛ حيث ذكرت المملكة العربية السعودية أنها وقعت مذكرة تفاهم حول شراء طائرات دفاعية من طراز S-400 من روسيا؛ وهو ما يعتبر اختلافًا واضحًا في سياسة المملكة العربية السعودية في شراء الأسلحة؛ التي تعتمد بشكل رئيسي فيها على الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
من جانبها، قالت هيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي، أن صفقات السلاح بين روسيا والمملكة العربية السعودية في هذه الزيارة وصلت قيمتها إلى 3 مليار دولار، وأمَّا صفقات الطاقة بينهما فوصلت قيمتها إلى مليار دولار أمريكي؛ حيث وافقت المملكة العربية السعودية على استثمارهم في مشروعات الطاقة الروسية؛ فستعمل شركة سيبور الروسية للبتروكيماويات العملاقة على بناء مصنع في المملكة العربية السعودية في اتفاق منفصل بقيمة 1.1 مليار دولار.
من جانبه، أكد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود أن المملكة وروسيا ستواصلات التعاون من أجل تحقيق الاستقرار في أسواق النفط؛ ذلك باعتبارهما أكبر مصدرين للنفط في العالم.

الزيارة لم تكن اقتصادية بحتة فقط، وإنما تطرقت إلى بعض الجوانب السياسية بين الطرفين، وعلى رأسها الأزمة السورية؛ فبرغم المناقشات بين الطرفين؛ إلا أنهما ما زالا عند وجهتي نظرهما حول الأزمة. ولكن في الوقت نفسه، وبحسب بي بي سي، فإن روسيا تعتبر الطرف الرابح في الجانب السياسي في هذا الأمر، وذلك باعتبارها هي الطرف الذي حقق مكاسب اقتصادية، وسياسية، عديدة في منطقة الشرق الأوسط، بل أنها على وشك الهيمنة شبه التامة على المنطقة.
الولايات المتحدة تكشر عن أنيابها
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تراقب زيارة الملك سلمان إلى موسكو عن كثب؛ مشيرة أنها لن تبعد المملكة العربية السعودية عن الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، هيذر ناورت، يوم الأربعاء الماضي، أي في أول يوم لزيارة الملك سلمان، إن الولايات المتحدة لا تعتقد أن زيارة عاهل المملكة العربية السعودية سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى روسيا ستبعد الرياض عن واشنطن؛ وذلك في مؤتمر صحفي مجيبة عن سؤال عما إذا كان التقاء قادة السعودية وروسيا يشير إلى أن حلفاء الولايات المتحدة يبتعدون عنها؛ وقالت: «لا أعتقد ذلك، لديهم حق الاجتماع مع نظرائهم في البلدان الأخرى، وهذا ما يسمى بالدبلوماسية».
يبدو أن رد الولايات المتحدة كان هادئًا في اليوم الأول لزيارة الملك السعودي؛ ولكنها بعد أن علمت أن هناك صفقات تُقدّر بالمليارات عُقدت بين المملكة العربية السعودية وروسيا، خاصة تلك الصفقات المتعلقة بالسلاح، والتي وصلت قيمتها إلى 3 مليارات دولارات، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف أي تدريبات عسكرية مع أي دولة خليجية لحين انتهاء الأزمة الخليجية وحصار قطر؛ حيث نقلت وكالة أسوشيتد برس، يوم الجمعة الماضي، عن مسؤولين بالقيادة العسكرية المركزية الأمريكية أنها أوقفت عددًا من تدريباتها مع دول خليجية بسبب الأزمة الدبلوماسية مع قطر.
ونقلت الوكالة عن العقيد جون توماس، المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، قوله إن القيادة سوف توقف بعض التدريبات مع دول بمجلس التعاون الخليجي.

وعلى الرغم من أن هذا القرار يبدو أنه رد فعل على الصفقات التي عقدتها المملكة العربية السعودية مع روسيا، ولكن الولايات المتحدة تحاول التخفي وراء الأزمة الخليجية باتخاذها قرارًا كهذا؛ حيث قال توماس في بيان: «رأينا عدم القيام ببعض التدريبات العسكرية احترامًا لمفهوم الشمولية والمصالح الإقليمية المشتركة».
من جانبه، قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في مؤتمر صحافي، إنه تم التطرق أثناء زيارة ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز آل سعود لموسكو إلى موضوع التعاون العسكري التقني بين البلدين، وأضاف أن تطوير التعاون العسكري ينبغي ألا يثير قلق دول أخرى، وذلك في إشارة خفية إلى قرار الولايات المتحدة الأمريكية بكلمة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية بمراقبتها لزيارة الملك سلمان، وأيضًا ردًا على قرار الولايات المتحدة الأمريكية بوقف أي تدريبات عسكرية مع دول خليجية لحين حل أزمة حصار قطر.
لماذا هذه الزيارة؟
تأتي مثل هذه الزيارة لعدة أسباب تهم الطرفين؛ الروسي والسعودي؛ فمن الجانب الروسي، هناك شق سياسي، وشق اقتصادي. الأهمية السياسية للجانب الروسي من هذه الزيارة تتعلق أولًا بالولايات المتحدة الأمريكية؛ فبعد التقارب الذي حدث بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية خلال عامي 2016، وبداية عام 2017، وذلك بعد أن فاز الرئيس الحالي، دونالد ترامب، برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية،لم تدم الأمور طويلًا وتوترت من جديد، بالطريقة التي أدت إلى فرض الرئيس الأمريكي ترامب عقوبات اقتصادية على روسيا، وذلك بسبب اتهامات للأخيرة باختراق عدة مواقع حكومية أمريكية، والتجسس على ترامب ونظامه، وبالتالي، فإن روسيا ترغب في توطيد علاقات قوية مع أحد الحلفاء الأبرز للولايات المتحدة في الوقت الحالي، المملكة العربية السعودية.

الدافع السياسي الثاني للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، والملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود تتمثل في رغبة السيطرة على منطقة الشرق الأوسط الموجودة لدى روسيا؛ حيث سعت روسيا في الآونة الأخيرة إلى تحسين علاقاتها، وتوطيدها بقوة، مع أبرز دول الشرق الأوسط؛ مثل قطر، وسوريا، ومصر، وتركيا، وإيران، وفلسطين، وإسرائيل، وحماس، وأخيرًا، المملكة العربية السعودية. هذه الدول تمثل أكبر وأهم الدول في منطقة الشرق الأوسط بأكملها؛ وفي حال وجود علاقات قوية بين روسيا وهذه الدول، فإن تواجد روسيا في الشرق الأوسط لن تكون له أي معارضة قوية.
أما السبب الاقتصادي الخاص بهذه الزيارة من الناحية الروسية هو رغبة روسيا في تحسين الأوضاع الاقتصادية في بلادها، بالإضافة إلى وجود اتفاق بينها وبين الدول الكبرى المصدرة للنفط، كالمملكة العربية السعودية، من أجل تحقيق الاستقرار في أسعار النفط. بالإضافة إلى عقد صفقات في مختلف المجالات، كالأسلحة والطاقة، وذلك من أجل ضخ استثمارات خارجية داخل روسيا من أجل تحسين اقتصادها، خاصةً في ظل مقاطعة عدد من الدول الغربية لروسيا، أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية.
وأمَّا هذه الزيارة فقد عادت على المملكة العربية السعودية بعدة فوائد أيضًا، فهي تمثل وجود نفوذ سعودي خارجي للمملكة العربية السعودية؛ بالإضافة إلى أنها رسالة قوية من المملكة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لترامب بأنها قادرة على توطيد علاقاتها مع دول أخرى لا تعتبر صديقة للولايات المتحدة الأمريكية.
اقرأ أيضًا: الرقص على التناقضات.. كيف تخطط روسيا بذكاء للسيطرة على الشرق الأوسط؟
وبالإضافة إلى ذلك، فإن خطوة كهذه اتخذتها المملكة العربية السعودية خوفًا من انقلاب دونالد ترامب عليهم؛ ومن المعروف عن دونالد ترامب بالنسبة لأغلب المحللين صفة التسرع؛ فدائمًا ما يتخذ القرارات دون التشاور مع غيره من المستشارين المختلفين، مثلما حدث في قرار حظر دخول المسلمين للولايات المتحدة الأمريكية.
صفة أخرى يوصف بها دونالد ترامب في موقعه الحالي وتعيبه في نظر بعض المراقبين، هو انعدم خبرته السياسية، فهو لم يتول أية مراكز سياسية من قبل، وإنما كانت رؤيته السياسية دائمًا نابعة من منظور المصلحة الشخصية، وذلك نظرًا لكونه رجل أعمال في المقام الأول.
ونتيجةً لذلك، فإن عددًا من المحللين يرون أن ترامب حاليًا في طور تكوين أفكاره السياسية الخالصة، الخاصة بالسياسة الخارجية وغيرها، والتي قد تختلف عن أفكاره وقت الحملة الرئاسية عامي 2015، و2016، ولذلك فهو متذبذب بشدة في الوقت الحالي، وقد يتخذ إجراءات متناقضة مع أفكاره وقت الحملة.
غياب الخبرة السياسية، والدبلوماسية عن دونالد ترامب يفسر انقلابه على كثير من حلفائه من وقت للآخر؛ فبالبداية كانت بانقلابه على حليفه، الرئيس السوري بشار الأسد، وبعد ذلك انقلب على حليفه الروسي، ومنذ بضعة أيام انقلب على حليفه المصري أيضًا، وبالتالي فإن ترامب غير مضمون، وقليل الخبرة، ولا بد للمملكة العربية السعودية من إيجاد بديل قوي لها، كروسيا، في حالة انقلب ترامب عليها.
اقرأ أيضًا: الرقص على التناقضات.. كيف تخطط روسيا بذكاء للسيطرة على الشرق الأوسط؟
علامات
أسلحة, أمريكا, الاتحاد السوفيتي, السعودية, الملك سلمان, المملكة, الولايات المتحدة, بوتين, ترامب, دولي, روسيا, سوريا, مصر