لوحظ خلال الأشهر القليلة الماضية كثرة التسريبات الإعلامية حول تفاهمات واتصالات جارية بين السعودية وإيران لاستعادة ” لُحمة” العلاقات المتأرجحة أصلا بينهما، بعد موجات من الإخفاق، والهبوط، والخصام، بدأت منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، واستمرت حتى الآن ، خاصة بعد جملة التغيرات في الخارطة السياسية العربية والدولية.
ويشار إلى أن نجاح الثورة الإسلامية عام 1979 انقلابا في مفهوم العلاقات السعودية الإيرانية التي تحولت من التحالف مع شاه إيران محمد رضا بهلوي إلى الصدام مع مرشد الثورة روح الله الموسوي الخميني، حيث وقفت الرياض إلى جانب العراق في حربه إيران، وكان لهذا الموقف ثمنه السياسي في إثارة بعض عمليات القلاقل والاضطرابات التي كانت السعودية تتهم إيران دائما بالوقوف وراءها.
كما شكلت مواسم الحج قنابل موقوتة داخل جسم تلك العلاقة المتوترة, وتعتبر أحداث مكة في موسم الحج في أغسطس/آب 1987 -التي خرج الحجاج الإيرانيون فيها بمظاهرات مؤيدة للثورة الإسلامية- منعطفا مهما في العلاقة بين البلدين ترتب عليه قطع العلاقات بينهما واستمر ذلك الانقطاع حتى عام 1991.
اليوم، يركز الخطاب الرسمي في السعودية وإيران على عموميات العلاقة والتعاون لما فيه مصلحة الأمة الإسلامية دون أن يخفي التطورات الميدانية والتحركات الدبلوماسية المتعلقة بالعديد من نقاط الاختلاف على أرض الواقع.
صراعات سياسية
وأكثر الملفات المختلف عليها بين البلدين، والتي كانت سببًا في توتر العلاقات، بعد أن طفت على السطح مؤخرا، هي الصراع الدائر في سوريا واليمن والعراق، وأخرى متعلقة بالتنافس على القيادة والصدارة في العالم الإسلامي، و العلاقة مع الغرب وتحديًدا مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب ملف النفط ضمن منظمة أوبك، لاسيما السياسات المتعلقة بالتسعير وكميات الإنتاج.
باتت السعودية تخشى منذ وقت طويل وحتى الآن من تصدير الثورة الإيرانية إلى الدول العربيّة والإسلاميّة، وفقدان دورها الإقليمي والعالمي في زعامة العالم، خاصة وأن الجدال الجاري بين البلدين” مذهبي”، حيث تتبع إيران الشيعي، بينما السعودية السني.
ثمة عوامل أخرى، دفعت البلدين إلى توتير العلاقات بينهما، حينما اعتمدت إيران الثورة شعارات ذات عناوين إسلامية كي تبعد الثورة عن المذهبيّة، والتعصّب، والتطرّف الديني، مثل الخليج العربي والخليج الفارسي، والمنافسة التجاريّة على بيع البترول، والتجاذب للحصول على أسواق أخرى مثل الصين والهند، إضافة إلى النفوذ الإيراني المتزايد في العراق وسوريا ولبنان.
التوتر الجاري في العلاقات بين الدولتين تم ترجمته من خلال خلق تحالفات يشرف عليها كل طرف في المنطقة حسب مصالحه، عن طريق دعم حزب على حساب آخر، وهذا ما اتضح في فلسطين، والعراق، والبحرين، وسوريا، وغيرها من الدول التي تشهد صراعات سياسية ومذهبية معقدة.
سوريا، الدولة الحاضرة والأبرز على أجندة العلاقات بين البلدين في الوقت الراهن، حيث ترى إيران أنّ سقوط نظام بشار الأسد سيرتدّ سلبًا عليها وعلى نفوذها في المنطقة، وسيؤدي إلى إضعاف العراق والمقاومة في لبنان، وبالتالي المشروع الاستراتيجي لإيران في العالم.
البقاء للأقوى!
في المقابل، فإنّ السعوديّة تحاول تأكيد نفوذها من جديد في المنطقة مقابل النفوذ الإيراني عبر التحالفات العربيّة من جديد، وخاصة عبر دعم النظام الحالي في مصر، ومن خلال البوابة السوريّة بوصفها رأس حربة في إسقاط النظام السوري من خلال دعم المعارضة بالمال والسلاح.
وما زاد حدة العداء، هو تعليق عضوية سوريا في تشرين الثاني ٢٠١٢ في جامعة الدول العربية التي تهيمن عليها قطر والسعودية الأثر الكبير في زيادة حالة التوتّر بين المملكة وإيران وإعلان الحرب الباردة بينهما.
أما في مصر، فدعمت إيران في البداية نظام الإخوان المسلمين، وحصل تقارب بين الدولتين باسم “الأخوة الإسلامية”، وبالتالي رأت الأخيرة أن ذلك يخفّف حدّة الاحتقان، و”التمذهب” الحاصل بين إيران والعالم الإسلامي والعربي، واتخذت السعودية منحىً مقاربا لذلك أيضا.
ورأت السعودية فرصة سانحة بعد ما تم الإطاحة بنظام الرئيس المصري المعزول محمد مرسي في الثالث من تموز الماضي بقيادة اللواء عبد الفتاح السيسي، وقدمت دعمها المالي والسياسي الكبير للنظام الحاكم، حيث منحت مصر١٢ مليار دولار مع بعض دول الخليج الأخرى.
وفي المواضيع الأخرى، فالمملكة السعودية تَعدّ إيران منافسًا كبيرًا لها، بل عدوّاً لدودًا على الصعيد السياسيّ، والاقتصاديّ، والاستراتيجيّ، والإيديولوجيّ، حتى أن السعودية أعدت استراتيجية واضحة وهي مقارعة إيران في كل بلد لها فيه نفوذ، خاصة مع وقوفها في وجه التقارب الأمريكي الإيراني في موضوع الملفّ النوويّ الإيراني لأنها ترى أنّ هذا الملفّ يعطي إيران نفوذًا وهيمنة كبيرين إقليميًا ودوليًا.
أما الملف العراقي فقد وجهت السعودية تحذيرًا غير مباشر إلى إيران للتخلي عما وصفته بجهود إيرانية لنشر المذهب الشيعي في العالم العربي الذي تسوده الغالبية السنية، واحتضنت لقاءً جمع علماء السنة في العراق. كما أنها ترصد بعيون مفتوحة تطورات ذلك الملف وانعكاساته الداخلية على الشيعة في السعودية.
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فقد وجهت السعودية رسالة تحذير قوية على لسان الملك عبد الله بأن “قضية فلسطين المفروض أن يحلها العرب وليس سواهم” ولعل احتضان السعودية لحوار فتح وحماس في مكة يوم 7 فبراير/شباط 2007 هو خطوة استباقية في هذا الإطار لقطع الطريق أمام الضغوط الإيرانية في هذه القضية.
فيما لبنان الذي يشهد حالة من التوتر السياسي، فإن السعودية تتجه إلى الحوار مع إيران لحل الأزمة هناك خصوصًا بعدما كثر الحديث عن أن الصراع المذهبي هو سبب الأزمة، وأفرزت فريقين رئيسيين أحدهما يطلق عليه قوى الرابع عشر من آذار والآخر قوى الثامن من آذار.
وفقا لمصالحها
يتجاوز الاشتباك السياسي بين الرياض وطهران منطقة الخليج العربي إلى أفغانستان التي ستنسحب منها القوات الأمريكية في العام 2014، حيث تستند السعودية في علاقاتها مع أفغانستان إلى علاقة قوية مع باكستان وبعض القيادات القبلية الأفغانية التي ترى في السعودية الدولة الأولى في العالم الإسلامي، ما يعني أنه من الصعب أن تنافسها عليه إيران.
وبالتالي، فإن أمريكا ستترك أفغانستان وقد خلفت شبكة من العلاقات ستبقى مؤثرة في المشهد الأفغاني، مما سيحد من دور إيراني قوي في أفغانستان. الأمر الثالث الذي لا يقل أهمية هو مدى قدرة إيران على تأمين حضور سياسي محقق لمصالحها في كل هذه الملفات ابتداءً من أفغانستان ومروراً بالبرنامج النووي وانتهاءً بتطورات الثورة السورية.
وحسب توقعات المراقبين، فإن إيران تتجه إلى تهدئة المواجهة مع السعودية على كل الجبهات بما في ذلك أفغانستان، وهي آخذة بعين الاعتبار أن الأزمة السورية ليست قريبة الحل، واحتمال أن تحل بالشكل الذي يكون في صالح إيران، يتراجع يوما بعد يوم.