بعض الطلبة يتمنون إغلاق مدارسهم في أوقات الدراسة حتى لا يضطرون للاستيقاظ مبكرًا والالتزام باليوم الدراسي الشاق والمُرهق للذهن، وعندما تمر أحد المدارس بخلل يضطرها لإغلاق أبوابها؛ يسعد الطلبة لهذا القرار ويعتبرونه إجازة من السماء، قد يكون الإغلاق لأسباب معمارية بعد زيارة أحد الزلازل للمنطقة التي تقع بها المدرسة، أو لأي أسباب إصلاحية أو أمنية أخرى، أو أي أمور معتادة، ولكن أن يكون سبب إغلاق المدرسة هو «طرد الأرواح الشريرة»؛ فتلك قصة نحكيها بالتفصيل لكم في هذا التقرير.
هل شاهدت «Bird box»؟ ليس خيالًا فحالات الـ«هيستيريا الجماعية» حدثت بالفعل من قبل!
«كيان شرير» يطارد الطلاب
تقترب اختبارات نهاية العام الدراسي، والقدرة على التحصيل لم تعد تطاوع الطالبة الماليزية سيتي نورانيسا وكأن عقلها يرفض السماح بدخول أي معلومات جديدة، تحاول سيتي التركيز فيما يقوله المُعلم ولكن خلايا مخها لا تستجيب.
وبعد قليل من الوقت -بحسب قصتها- تنهمك في مشكلة أكبر من مشكلة التحصيل الدراسي، وهو الدوار والاختناق الذي سيطر على جسدها، وشعورها بالنعاس الذي هاجمها وظلت تقاومه حتى شعرت بضربة من الخلف على كتفها أفقدتها الوعي وأظلمت الدنيا أمام عينيها؛ وأغمى عليها.
سيتي أو «المريض صفر» كما يُطلق على المريض الأول في حالات الهستيريا الجماعية؛ أشعلت فتيل الجنون في مدرسة كيتيريه في ولاية كيلانتان بماليزيا، بعد أن فاقت وأخبرتهم أنها رأت مشاهد وصفتها بكونها «من عالم آخر شيطاني، مليئة بالدماء والشر»، وأنها شعرت بكيان ما شرير يطاردها ولكنها لا تستطيع الهرب.
وفي نفس اليوم، ظهرت حالات جديدة تعاني الأعراض التي مرت بها سيتي من فزع وهستيريا وادعت واحدة من الطالبات أنها نظرت إلى وجه «الكيان الشرير» مباشرة وشعرت أنها على وشك الموت.
ومن بعد هذا اليوم بدأت البلاغات تتراكم من الطالبات عن رؤيتهن لـ«كيان أسود» شرير يتربص بالمدرسة ويختفي بمجرد أن يلاحظه أحد، ومن الطالبات إلى المعلمين؛ انتقلت العدوى التي فسرها الخبراء بكونها «عدوى نفسية».
ما مرت به الطالبات كان له تأثير فعال على نفسية المعلمين، وبدلًا من محاولة تهدئة الطالبات أو السيطرة على الحالة الهستيرية التي اجتاحت المدرسة، صرحت واحدة من المعلمات أن هذا الكيان الأسود الشيطاني «حاول دخول جسدها» لتلبسها والسيطرة عليها.
بينما صرح معلم آخر أن هؤلاء الأطفال قد يكونون «أشقياء» أو «عصاة»؛ فهم يهملون نظافة المدرسة ويلقون بالقمامة على أرض المدرسة، وربما -بحسب تصريح المعلم- تعدت واحدة من الطالبات على واحد من الجن وضربته أو أهانته، وهو ما أكد عليه مدير المدرسة سيت هوا، موضحًا أن كل طالبة تعرضت لتلك الحالة العصبية كانت ترى كيانًا أسود؛ فربما هو قادم للانتقام أو التحذير من المعاملة السيئة.
وبسبب إيمان القائمين على تلك المدرسة والمسئولين عن القرارات فيها؛ بأن ما يحدث هو عمل شيطاني، وهذا العمل قد تفشى بين ما يزيد عن 39 طالبة في اليوم الأول فقط؛ فقد قرر مدير المدرسة إغلاقها، واستدعاء المتخصصين الروحيين والدينيين لحل الموقف، ويمكنك تخيل تلك اللافتة الموضوعة على باب المدرسة والمكتوب عليها «مغلق لطرد الأرواح الشريرة».
«عاصمة الهستيريا الجماعية في العالم»
أستاذ الطب النفسي في مستشفى كينجز كوليدج في لندن سيمون ويسلي يشرح الهستيريا الجماعية على كونها حالة جماعية تصيب بعض التجمعات الداخلية مثل المدارس والمصانع، والأعراض الجسدية التي تظهر على المصاب هي الخفقان، والصداع، والأرق والارتجاف لا يكون لها أي أساس عضوي وليس بها أي تفسير لدى الأطباء.
والأهم في تلك الأعراض الجسدية هي التشنجات والهستيريا التي تنتاب المصاب بها والتي تضيف على الحالة النفسية بعض الأبعاد الغامضة والتي تراها بعض المجتمعات «أعراض مس شيطاني».
وعلى الرغم من أن الطب النفسي لم يتوصل حتى الآن إلى الحقائق الكاملة والمؤكدة فيما يخص ظاهرة الهيستيريا الجماعية، وهي -حتى الآن- ليست مُدرجة بدليل «الاضطرابات العقلية الخاص بالجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين»؛ إلا أنها حالة جماعية شهدها تاريخ البشر أكثر من مرة.
وتعتبر ماليزيا من أكثر البلدان التي تفشت فيها تلك النوعية من الهستيريا الجماعية حتى أطلق عليها أستاذ علم الاجتماع روبرت بارثولوميو بكونها «عاصمة الهستيريا الجماعية في العالم»، خاصة وأن ماليزيا وسنغافورة لهم تاريخ طويل مع تلك الحالات الجماعية منذ السبعينيات.
خبر صحفي ينفي الشائعة الخاصة بلحوم الخنازير
وتعتبر أقدم وأشهر هستيريا جماعية ظهرت هناك، كانت في العام 1967 حينما انتشرت شائعة تشخيص طبي خاطئ، يحذر من تناول لحم الخنزير لأنه يتسبب في تصغير حجم العضو الذكري للرجال.
وفي خلال أسبوع واحد من انتشار تلك الشائعة؛ سجلت المستشفيات ما يزيد عن 80 حالة يهرعون إليها مؤكدين إصابتهم بهذا المرض، وبعد زيادة الحالات المؤمنة بتلك الشائعة واجهت تجارة لحوم الخنازير أزمة كبيرة، ما دفع وزارة الصحة لعقد مؤتمر موسع لتبديد تلك الشائعات، شارحين للعامة أن ما يمرون به هو مجرد حالة نفسية، وسعى الإعلام في سنغافورة إلى التأكيد على تلك المعلومة حتى تعود الأوضاع إلى طبيعتها مرة أخرى.
صحفي ماليزي ينشر هذه الصورة التي ادعى أحد الطلاب أنه سجل فيها ظهور الكيان الأسود في المدرسة
وفي أبريل (نيسان) من العام 2016؛ أغلقت مدرسة في مدينة كوتا بهارو بماليزيا أبوابها لنفس الأسباب، بعد أن شاهد أحد الطلاب ما وصفه بالشبح أو الكيان الأسود، فاندلعت الهستيريا بين الطلاب والمعلمين في حالة تتطابق مع وقائع إغلاق مدرسة كيتيريه في وقتنا الحالي، وغيرها من الحالات الأخرى منحت ماليزيا هذا اللقب.
«العلم مهم.. لكنه ليس كل شيء»
في شرحه لأعراض الهستيريا الجماعية للإعلام؛ وضح روبرت بارثولوميو أن تلك الأعراض خاصة النفسي منها، يكون انعكاسًا واضحًا لمعتقدات المجتمع التي انتشرت فيه تلك الظاهرة، ولذلك في المجتمع المحيط بالمدارس التي أغلقت في ماليزيا لوجود أرواح شريرة فيها؛ تجد أن هذا المجتمع الإسلامي مؤمن إيمانًا عميقًا بتواجد الجن وتأثيره على البشر خاصة التأثيرات السلبية منها، ويتعاملون مع تواجدهم وكأنه أمر واقع منتشر، وليست حالات فريدة تحدث من الحين للآخر مثل معظم المجتمعات الإسلامية الأخرى.
ويؤكد على ذلك انتشار مراكز العلاج الروحانية المعنية بعلاج المس الشيطاني وإيذاء الجن للبشر، وجاء على لسان أحد مديري تلك المراكز أنهم مؤمنون بتواجد تلك الأرواح والجن بين البشر على هيئات وأشكال مختلفة، وأننا نتشارك هذا العالم مع تلك الكائنات سواء كانت شريرة أم طيبة. موضحًا قدرته على علاج تلك النوعية من حالات المس بالقرآن.
ويؤكد مدير المركز للإعلام أنه يمارس تلك المهنة منذ أكثر من 20 عامًا وتلك الخبرة هي ما أهلته لعلاج الطالبة سيتي والتي كانت الفتيل الذي أشعل الهستيريا الجماعية في المدرسة، شارحًا أن النساء أضعف جسديًا من الرجال ما يجعلهن أكثر عرضة للمس الشيطاني وإيذاء الجن، وأضاف: «العلم مهم ولكنه أيضًا ليس كل شيء، ولا يستطيع تفسير الكثير من الظواهر الخارقة».
وبعد أن شرح له المتخصصون معنى الهيستيريا الجماعية، جاء رأي والد الطالبة سيتي داعمًا لرأي المعالج الروحاني، مؤكدًا للإعلام أن ابنته لا تعاني من حالات هسيتريا أو نفسية من التي شُرحت له، ولهذا كان اختياره هو اللجوء إلى مركز العلاج الروحاني.
ومنذ العام 2016 وتلك الحالة تنتشر تدريجيًا في العديد من المدارس في ماليزيا، وقناعة المعلمين والقائمين على إدارة المدارس والتي تتشابه مع معتقدات المجتمع؛ هي ما تدفعهم للجوء إلى هذا الحل؛ خوفًا من سيطرة الجن عليهم أيضًا، وضمان لطرد الأرواح الشريرة من المدرسة.