مؤخرًا؛ ظهرت كثير من الحلول التكنولوجية التي تحاول تعويض البشر عن أطرافهم المفقودة، والتي بدأت بالأطراف الصناعية البدائية المصنوعة من الأخشاب، وحتى الأطراف الصناعية التي تحتوي على بعض التقنيات التكنولوجية، التي من شأنها تسهيل الحركة لمن يستخدمونها مكان أطرافهم المبتورة، خاصةً التي تصنَّع بتقنية الطابعة ثلاثية الأبعاد؛ والتي تكون متطورة في حركتها وسهولة تحكم من يرتديها بجانب أسعارها الرخيصة مقارنةً بالأطراف الصناعية المتطورة الأخرى.
لكن مع تطور الأطراف الصناعية؛ هل تكون كافية لتعويض الإنسان عن طرف مبتور في جسمه؟ ما زالت الدراسات العلمية تحاول فهم كيفية إعادة بناء الخلايا في جسم الكائنات الحية، سواءً من خلال دراسة الكائنات الحية القادرة على ذلك، أو إجراء التجارب على الكائنات التي ليس لديها قدرة على إعادة نمو أطرافها المفقودة؛ وهذا ما سنتحدث عنه في هذا التقرير.
التجربة العلمية الأولى من نوعها
قد نتذكر من طفولتنا، حينما رأينا أول «برص (وزغ)» في حياتنا وشهدنا محاولات قتله؛ وما قاله أحد الكِبار عن وجوب ضربه على جسده لا الذيل، لقدرته على إعادة نمو ذيله تلقائيًّا، لأن قطع ذيل البرص خلال محاولة المطاردة؛ لن تكون خسارة كبيرة بالنسبة له، وفي خلال وقتٍ قصيرٍ سينمو ذيل جديد للبرص.
البرص أو الوزغ
بعض الكائنات تتمتع بقدرات طبيعية على تجديد أطرافها وخلاياها، على سبيل المثال تغلق الأجسام البشرية الجروح المفتوحة، ويمكنها استخدام الخلايا الجذعية لإعادة نمو أجزاء من الكبد، ويمكن أن تحدث لحيوانات مثل السمندل، ونجم البحر وسرطان البحر والسحالي إعادة نمو أطراف كاملة وأجزاء أخرى مفقودة، و يمكن تقطيع الديدان المفلطحة إلى قطع، فتعيد كل قطعة بناء كائن حي كامل مستقل.
ربما تلك الفكرة تبدو غريبة على ذهن البشر حتى الآن؛ ولكن ما لا يلاحظه البعض أن كل الكائنات الحية تقريبًا بما فيهم البشر، لديهم القدرة على إعادة بناء خلايا الجسم تلقائيًّا بدرجات متفاوتة، وأبسط مثال على ذلك، والذي يختبره الإنسان مرةً على الاقل خلال حياته؛ هو التئام الجروح تلقائيًّا؛ حين يقوم جسم الإنسان ببناء خلايا جلدية جديدة ويغلق الجرح بنفسه، لكن قدرات البشر في إعادة نمو الخلايا تتوقف عند هذا الحد، على عكس بعض الكائنات الحية الأخرى التي تستطيع أن تفعل ما هو أكثر.
في دراسة نشرت في شهر يناير (كانون الثاني) من هذا العام 2022 تحت عنوان «Scientists regrow frog’s lost leg» أو «علماء يساعدون ضفدعًا على إعادة بناء رجله المبتورة»؛ وثق الباحثون تجربة فريدة، وتعد الأولى من نوعها في العلوم.
فقد ابتكر فريق من الباحثين «كوكتيل عقاقير» – على حد وصف العلماء الذين أجروا التجربة – مكونًا من خمسة أدوية، وجرى تغليفها بالسليكون وإعطاؤها لضفدع مبتور القدم، كان غرضهم أن يحقق كل دواء غرضًا مختلفًا، مثل الحد من الالتهاب الناتج من البتر، وتثبيط إنتاج الكولاجين الذي قد يؤدي إلى الندوب، وتشجيع النمو الجديد للألياف العصبية والأوعية الدموية والعضلات.
وقد ساعد هذا الكوكتيل بالفعل الضفدع في إعادة نمو رجله المبتورة، وكان لطرفه الجديد بنية عظمية ممتدة بسمات مشابهة لبنية عظام الأطراف الطبيعية، وكانت الأنسجة بها أكثر ثراءً من الأنسجة الداخلية بما في ذلك الخلايا العصبية، ونمت عدة «أصابع» في نهاية الرجل، على الرغم من عدم وجود دعم من العظام الأساسية، وتحرك الطرف الذي نما مجددًا، واستجاب للمنبهات مثل لمسة من ألياف صلبة، وتمكن الضفدع الخاضع للتجربة من الاستفادة برجله الجديدة في السباحة في الماء في حركة مشابهة للضفدع العادي، الذي لم يفقد طرفًا.
وأكد الباحثون في هذه الدراسة أن تلك العقاقير تعمل على تحفيز «قدرات التجديد الخاملة» في أجساد الكائنات الحية، مؤكدين أن الأبحاث في هذا الأمر ستستمر لاكتشاف إمكانية تطبيق التجربة نفسها على أكثر من كائن حي.
هل يستطيع البشر فعلها في يومٍ من الأيام؟
الآليات الكامنة وراء تجديد الأطراف ليست مفهومة تمامًا – بحسب ما ورد في الدراسة – لكن واقع الأمر أنه لا البشر ولا الضفادع البالغة قادرة على إعادة نمو الساقين والذراعين، ربما لأن هذه الأطراف معقدة للغاية، ومع ذلك ما أثبتته تلك الدراسة أنه مع تحفيز جسد الضفدع استطاع أن يتخطى تلك العقبة، وتمكن الضفدع بمساعدة كوكتيل العقاقير من إعادة نمو أرجل قادرة على الحركة والإحساس، فهل ينجح هذا مع البشر في يومٍ من الأيام؟
كما ذكرنا سابقًا؛ بعض الزواحف مثل «البرص» يستطيع إعادة نمو ذيله بنفسه ودون مساعدة، لكن الضفادع مثلها مثل البشر في التكوين الحيوي؛ فليس لديها القدرة على إعادة نمو أطرافها المفقودة بشكلٍ طبيعي، وفي تلك الدراسة استطاع الباحثون بهذه العقاقير مساعدة الضفدع على إعادة بناء أطرافه خلال 18 شهرًا، بعد أن تناول العقاقير لمدة 24 ساعة فقط، وقد أكدت هذه الدراسة أن هذا يفتح الباب في المستقبل لإمكانية صناعة عقاقير تساعد البشر في إعادة نمو الأطراف المفقودة.
وضحت الدراسة أيضًا أن الحيوانات القادرة بشكلٍ طبيعي على التجدد في الأغلب تعيش في بيئة مائية، وتعد المرحلة الأولى من إعادة النمو الذاتي هي تكوين كتلة من الخلايا الجذعية، يستخدم الجسم تلك الكتلة لإعادة بناء الجزء المفقود تدريجيًّا، في حين يعمل على تغطية الجرح بسرعة بواسطة خلايا الجلد في غضون الـ24 ساعة الأولى بعد البتر، مما يحمي الأنسجة المعاد بناؤها تحتها.
ولكن بالنسبة للثدييات التي تعيش على البر ومن ضمنها البشر؛ فعادة ما تتعرض الإصابات التي تتجدد خلاياها للهواء أو تتلامس مع الأرض، ويمكن أن تستغرق أيامًا إلى أسابيع حتى تغلق الأنسجة بندبة، وما فعله العلماء للضفدع هو تغطية الجرح الناتج من البتر بغطاء يهيئ أجواء مماثلة تحاكي البيئة المائية، التي يعيش فيها الجنين في رحم أمه، والتي تساعده في النمو، ومع كوكتيل العقاقير الذي مُنح للضفدع، نجحت عملية إعادة البناء، وتجنب العلماء التكوين التلقائي للندبة التي تغلق الجرح، وتمنع نمو الطرف مرة أخرى.
يقول مايكل ليفين أستاذ علم الأحياء وأحد المشاركين في التجربة أن الخطوة القادمة هي اختبار إمكانية تطبيق هذا العلاج على الثدييات، عن طريق تغطية الجرح المفتوح ببيئة سائلة مع إعطائها كوكتيل العقاقير المستخدم في التجربة ومراقبة الإشارات التي قد تظهر على الكائن الحي المشارك في التجربة؛ والتي تخبر العلماء عن العوامل التي تحتاج إلى المزيد من تحفيز الجسم على إعادة بناء نفسه.
مؤكدًا – ليفين – أن هذه التجارب تتبع إستراتيجية تركز على إطلاق برامج النمذجة التشريحية الكامنة المتأصلة في الكائنات الحية، لأن الحيوانات البالغة ما تزال لديها المعلومات الجينية اللازمة لتكوين هياكل أجسامها، وإن نجحت تلك التجارب ستكون بمثابة بوابة جديدة نحو إمكانية تحفيز جسم الإنسان لإعادة بناء أطرافه المبتورة.