يقول العلماء، إن مستويات البحار ترتفع بمعدلات غير مسبوقة، فقد أظهرت دراسة جديدة أنه بحلول عام 2040، فإن أكثر من 90% من المناطق الساحلية في العالم، قد تشهد ارتفاع مستوى سطح البحر أكثر من ثماني بوصات (20 سنتيمتر تقريبًا).
ولكن بعض المناطق، مثل الولايات الشرقية في الولايات المتحدة الأمريكية، ستتأثر بصورة أكبر وأشد؛ إذا وصل ارتفاع مستوى مياه البحر فيها إلى 12 بوصة (30 سنتيمتر تقريبًا).
وأشارت الدراسة إلى أنه بحلول عام 2100، فإن مدينة، مثل نيويورك، قد نرى فيها ارتفاع مستوى المياه الساحلية بين 3.5 و7.3 قدم (106 – 223 سنتيمتر تقريبًا) أعلى مما هي عليه الآن. والعواقب المحتملة لحالة مثل هذه، قد تكون كارثية بمعنى الكلمة؛ لأنها قد تؤدي إلى تشريد ملايين الناس.
ارتفاع غير مسبوق
تتوقع بعض النماذج المناخية الحالية أنه بحلول عام 2040، فإن درجات الحرارة في العالم قد تزيد بمقدار درجتين مئويتين من درجات الحرارة التي كانت موجودة في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية.
وبحلول نهاية القرن 21، قد ترتفع درجات الحرارة العالمية، أكثر من خمس درجات مئوية، في الوقت الذي كان يسعى فيه اتفاق باريس المناخي، إلى أن تبقى درجات حرارة الكوكب، أقل بكثير، من درجتين مئويتين.
وفي بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الجاري، حذرت الأمم المتحدة من أنه -حتى في ظل هذا الاتفاق الدولي- فمن المحتمل أن نشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة بنحو ثلاث درجات مئوية بحلول عام 2030.
ويعني ارتفاع درجات الحرارة في العالم، أن هناك ارتفاعًا موازيًا في مستويات البحار؛ نتيجة لذوبان الأنهار الجليدية والغطاء الجليدي على كوكب الأرض. المخيف في الأمر، هو أنه وإن استطعنا وقف درجات حرارة الكوكب عن الارتفاع، فإن منسوب مياه البحر يمكن أن يستمر في الارتفاع لقرون بعد ذلك؛ لذلك فإن فكرة توقع «أين ومتى وكم سترتفع البحار؟»، يمثل تحديًا خاصًا للعلماء، ومفتاحًا هامًا للتعامل مع المخاطر المحتملة.
وفي هذه الدراسة الجديدة، التي نشرت في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم، توقع العلماء بقيادة «سفيتلانا يافرييفا»، من المركز الوطني لعلوم المحيطات في المملكة المتحدة، احتمالية ارتفاع مستوى مستوى سطح البحر والمواقع الممكنة، مع حدوث ارتفاع في درجات الحرارة بمقدار ثنتين أو أربع أو خمس درجات مئوية.
وقدر الباحثون أنه بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، فإن 136 من أكبر المدن الساحلية – بما في ذلك نيويورك ونيو أورلينز – قد تشهد ارتفاع منسوب المياه لمسافة ثلاثة أقدام (91 سنتيمتر) على الأقل، وربما أقرب إلى 6.5 قدم (مترين)؛ وهو ما يعني إمكانية تشريد أكثر من مليون شخص في نيويورك، ومليون آخرين في نيو أورليانز.
بالإضافة إلى احتمال تشريد نحو 2.5 مليون من مدينة ميامي الأمريكية، و2.1 مليون فى مدينة قوانجتشو الصينية، و1.8 مليون شخص في مدينة مومباي الهندية، فضلًا عن التضرر الشديد الذي ستشهده بعض الدول المنخفضة عن سطح البحر، مثل بنجلاديش وفيتنام.
وذكر مؤلفو الدراسة، أن السرعة التي يمكن أن يحدث بها ذلك، قد تصعب على الناس التكيف؛ ما يضع الدول الجزرية الصغيرة، والنُظم «الإيكولوجية» الساحلية، والمواقع الساحلية ذات الأهمية الثقافية والتاريخية في خطر.
وقالوا: إن «المجتمعات الساحلية من المدن سريعة النمو في العالم النامي، والنظم الإيكولوجية الساحلية الاستوائية الضعيفة، سوف يكون لها فترة محدودة جدًا بعد مرور منتصف القرن الحالي؛ للتكيف مع ارتفاع منسوب البحر بصورة لم يسبق له مثيل منذ فجر العصر البرونزي».

ذوبان في القطبين يهدد مدنًا كاملة بالغرق
غرق العالم
ويبدو أن نبوءة فيلم «the day after tomorrow» ستصبح حقيقةً في وقت أقصر مما كنا نتخيل. وتدور قصة الفيلم الأمريكي، حول عاصفة عالمية كُبرى ومفاجئة ستضرب العالم، في الوقت الذي كان العلماء يظنون أنها ستحدث بعد عدة قرون. هذه العاصفة التي ربما تضرب الأرض تأتي كرد فعل على ظاهرة الاحتباس الحراري وزيادة ذوبان الجليد القطبي.
عدد لا بأس به من الدراسات الحديثة، أصبح يتجه نحو تأكيد وقوع هذه النبوءة بالفعل؛ فالدراسة السابقة تؤكد على ما جاء في دراسة أُخرى، نُشرت في مارس (آذار) الماضي، قالت أيضًا: إن عاصفة عملاقة ستحدث خلال عقود، بدلًا من قرون كما كان مُتوقعًا.
ويحذر علماء المناخ حاليًا من أن تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية، قد تكون أكثر خطورة مما كنا نظن في السابق. هؤلاء العلماء يحذرون بالفعل من وقوع «عاصفة قاتلة»، وارتفاع مستوى البحار والمحيطات إلى حدٍّ كبير؛ ما قد يؤدي إلى ذوبان كميات كبيرة جدًّا من الجليد في القطبين خلال وقت أقل مما كان العلماء يعتقدون.
وفي ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا بعنوان «ذوبان الجليد، ارتفاع مستويات البحار والعواصف الكبرى»، أُشير إلى أنه، وبالوتيرة الحالية من حرق الوقود الأحفوري (النفط والغاز الطبيعي)، ومع استخدام الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنفس هذه المعدلات القائمة الآن، فإن البشر على موعد مع حدوث تغير مناخي حاد قد يكون بمثابة نقطة اللاعودة للإنسانية جمعاء، على حد وصف البحث.
وفي تصريحاته لصحيفة الإندبندنت البريطانية، قال «جيمس هانسن»، عالم المناخ المتقاعد في وكالة ناسا ومدير جامعة كولومبيا الأمريكية، وأحد المشاركين في وضع هذه الورقة المثيرة؛ إننا «على وشك أن نمنح جيل الشباب الصاعد موقفًا حرجًا خارجًا عن السيطرة، دون إمكانية أن يجدوا حلًّا له».
بصورةٍ عام، فإن العلماء المتخصصين في مجال المناخ متفقون على توقع ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات بمقدار من 20 إلى 30 قدمًا (من ستة إلى تسعة أمتار تقريبًا)؛ نتيجة ذوبان الجليد القطبي خلال عدة قرون من الآن، لكن الورقة البحثية التي نشرتها المجلة الأمريكية للفيزياء والكيمياء، قالت: إن البحار والمحيطات سترتفع إلى هذه المستويات بالفعل، لكن خلال 50 عامًا فقط.
شرح عالم المناخ، «هانسن»، هذه الورقة البحثية قائلًا: إن «هذا معناه فقدان معظم مدن العالم الكبرى بكامل تاريخها»؛ وهو ما سيكون شبيهًا بقصة قارة أطلانطس الغارقة الأسطورية.
ويؤمن فريق الباحثين الذي قاموا بنشر هذه الورقة المكونة من 19 عالمًا متخصصًا، بأن عملية ارتفاع مستويات البحار والمحيطات ستتسارع وتيرتها؛ بعد أن تُكوِّن المياه العذبة الذائبة من الجليد القطبي ما يشبه قبعةً تغطي قمة المحيطات (لاحظ أن المياه العذبة بشكلٍ عام أقل كثافة من المياه المالحة للبحار والمحيطات).
هذه الطبقة العلوية من المياه العذبة ستوقف التيارات المائية التي تنشر المياه الدفيئة، وستمنع أيضًا بعضًا من الدفء والحرارة من الهروب باتجاه الغلاف الجوي، سوف تقوم المياه الدفيئة ـ المركزة بالطبع ـ بإذابة كميات متزايدة من الجليد الموجود أسفل مستوى البحار.