البيت الأبيض وحده لا يكفي. لهذه الأسباب يتقاتل الحزبان الديمقراطي والجمهوري على انتخابات الإعادة لمقعدي مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا.
أعلنت ولاية جورجيا الأمريكية في السابع من ديسمبر (كانون الأول) الجاري؛ فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بأصواتها في الانتخابات الرئاسية الحالية بعد أن أعيد حصر الأصوات للمرة الثالثة، بناءً على طلب الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب.
وبعيدًا عن تشكيك دونالد ترامب في الانتخابات في أكثر من ولاية؛ فإن الحزب الجمهوري ذاق مرارة الهزيمة الانتخابية بسبب خسارته لولايتين، هما ولاية أريزونا وولاية جورجيا، اللتان كانا دائمًا ما يذهبان لمرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية.
فيُذكر أن آخر مرة فاز فيها مرشح ديمقراطي بولاية أريزونا كان بيل كلينتون عام 1996، وآخر مرة ذهبت جورجيا للديمقراطيين كانت أيضًا للمرشح نفسه لكن في انتخابات عام 1992، ثم خسرها لصالح مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات عام 1996.
وعلى الرغم من أنه منذ خمسة أيام، أعلن المجمع الانتخابي رسميًّا انتخاب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة؛ فإن المعركة الرئاسية بين الحزبين لم تنته بعد، فالجميع ينتظر انتخابات الإعادة لمقعدي مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا.
أغلى «انتخابات شيوخ» في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.. فلماذا؟
أعلن موقع «ماركت واتش (Market Watch)» المختص بالتحليلات المالية، أن تكلفة الدعاية الانتخابية التي أنفقها الحزبان كي يحصدا أصوات الناخبين في جورجيا، في انتخابات الإعادة على مقعدي الشيوخ قد تصل إلى مليار دولار أمريكي حتى موعد الانتخابات في الخامس من يناير (كانون الثاني) 2021، لتصبح أغلى انتخابات شيوخ في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
تكمن أهمية السباق الانتخابي في ولاية جورجيا في أهمية الحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ، والتي سوف تمنح للرئيس تمرير أكبر عدد ممكن من القرارات والقوانين، أو أن يحدث العكس وتسيطر المعارضة وتعرقل الكثير من القرارات التنفيذية التي يصدرها سيد البيت الأبيض؛ لأن الأمور الكبيرة والتي تتضمن: تعيين الوزراء، تمرير القوانين، الذهاب إلى الحرب، تنفيذ المشروعات القومية؛ تحتاج جميعها إلى موافقة أغلبية مجلس الشيوخ.
وبما أن الفائز في الانتخابات الرئاسية هو جو بايدن الديمقراطي؛ فهو يحتاج لأن تكون أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي، أو من المستقلين الذين تذهب أصواتهم للتيار الديمقراطي في أغلب الوقت.
وعلى الرغم من نجاح الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية؛ فإنهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من خسارة الأغلبية المستهدفة في الشيوخ، بسبب نجاح الجمهوريين في الفوز بـ50 مقعدًا (نصف عدد الأعضاء في المجلس)، بينما فاز الديمقراطيون بـ48 مقعدًا فقط.
لكن وقبل أن يفقد الجميع في الحزب الديمقراطي الأمل؛ جاءت نتائج انتخابات الشيوخ في جورجيا التي تجري انتخابات على مقعديها، والتي انتهت بقرار عقد إعادة للانتخابات في مطلع يناير 2021، بسبب عدم حصول أي من المرشحين على كل مقعد، على أكثر من 50% من الأصوات ضد المرشح الآخر، وهي الحالة التي تنص فيها قوانين ولاية جورجيا على إعادة الانتخابات.
وفي حال فاز الديمقراطيون بمقعدي الشيوخ في جورجيا؛ وأصبحت النتيجة تعادل في عدد المقاعد 50-50؛ فإن الدستور الأمريكي ينص على أنه في حالة عقد تصويت داخل مجلس الشيوخ وتكون النتيجة تعادل بنسبة 50-50؛ يصبح نائب رئيس الولايات المتحدة هو الصوت الحاسم في العملية؛ وبذلك فإن نائبة الرئيس المنتخب، كامالا هاريس، سوف تمنح الديمقراطيين الأغلبية في الشيوخ في حالة الفوز في انتخابات شيوخ جورجيا؛ مما يعني فوز الديمقراطيين بالمجلس.
من يتنافس على مقاعد مجلس الشيوخ في جورجيا؟
جون أوسوف يتحدى ديفيد بيرديو
جون أوسف الشاب البالغ من العمر 33 عامًا فقط، عمل في وقت سابقً لمدة خمس سنوات في الصحافة الاستقصائية، ثم انضم إلى فريق عمل عضو الكونجرس الديمقراطي، هانك جونسون، مستشار الأمن القومي، وفي عام 2017، ترشح على مقعد الكونجرس في الدائرة السابعة في ولاية جورجيا، لكنه خسر الانتخابات.
عاد أوسف ليعلن ترشحه لمقعد مجلس الشيوخ في انتخابات عام 2020 الحالية متلقيًا دعم الكثير من الشخصيات الديمقراطية البارزة، والتي كان من ضمنها جون لويس، الذي قضى مسيرته السياسية مناضلًا للحقوق الاجتماعية، وبالأخص حقوق الأقلية السوداء التي كان ينتمي لها قبل وفاته منذ شهور.
برز اسم جون أوسف بصفته معارضًا للكثير من سياسات الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، وبعض سياسات الحزب الديمقراطي كذلك، لكونه يميل إلى الاتجاه التقدمي الصاعد حديًّا في الحزب الديمقراطي؛ فهو على سبيل المثال يؤمن بضرورة وجود نظام صحي مجاني، وأحقية إقليم بورتوريكو بالتحول إلى ولاية أمريكية رسمية.
المرشح الديمقراطي جون أوسيف
لكن قبل السعي وراء تحقيق أهدافه التقدمية؛ عليه أولًا هزيمة عضو مجلس الشيوخ الحالي ديفيد بيرديو المُنتمي للحزب الجمهوري والمؤيد لدونالد ترامب منذ صعود نجمه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 التي فاز بها ترامب، فقد أصبح ديفيد بيرديو عضوًا في مجلس الشيوخ لأول مرة عندما انتُخب في عام 2015، وقبل ذلك كانت مسيرته العملية متركزة في قطاع الأعمال الخاص.
جدير بالذكر أنه في وقت سابق هذا العام، اتُّهِم باستخدام سلطته في مجلس الشيوخ لبيع أسهم في شركة يزعم أنها سوف تتضرر من جائحة كورونا، لكن لجنة الأخلاقيات في مجلس الشيوخ – التي هو نفسه عضوًا فيها – برأته من هذه التهمة.
في المرحلة الأولى من الانتخابات تفوق بيرديو بفارق حوالي 90 ألف صوت، وتشير الاستطلاعات الحالية إلى أنه بنسبة كبيرة سوف يفوز بالإعادة، لكن الانتخابات الأمريكية علمتنا أن ننتظر حتى إعلان النتيجة النهائية؛ لأن الاستطلاعات أحيانًا لا تشير إلى النتيجة الصحيحة.
رفائيل وارنوك يسعى لقلب الطاولة على كيلي لوفلر
عُينت كيلي لوفلر في مقعد مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا في يناير 2020؛ خلفًا للشيخ الجمهوري جوني إسكاسون بعد استقالته من منصبه لأسباب صحية تعوقه عن ممارسة عمله في مجلس الشيوخ. وخلال مسيرتها القصيرة في مجلس الشيوخ؛ انضمت كيلي إلى ديفيد بيرديو في قضية بيع أسهم الشركات، بزعم أنها معرضة للخطر بسبب جائحة كورونا.
المرشحة الجمهورية كيلي لوفلر
تركزت مسيرة لوفلر العملية قبل تعيينها في مجلس الشيوخ، على العمل في قطاع الخدمات المالية، بالتزامن مع بروزها مؤيدة وداعمة للحزب الجمهوري.
في الانتخابات الرئاسية التي انتهت بفوز جو بايدن، كانت لوفلر مؤيدة قوية لحملة دونالد ترامب، حتى إنها ظهرت معه في الكثير من المؤتمرات الانتخابية في عدة ولايات مختلفة، وفي أكثر من لقاء، أيدت لوفلر مزاعم دونالد ترامب بأن انتخابات 2020 «مزورة» لصالح الديمقراطيين.
خاضت لوفلر الانتخابات الخاصة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أمام المرشح الديمقراطي، رفائيل وارنوك، والتي تقدم فيها الأخير بفارق أكثر من 350 ألف صوت. لكن يجب أن نعلم أن لوفلر لم تكن المرشحة الجمهورية الوحيدة في هذه الانتخابات؛ بل كان هناك أيضًا الجمهوري دوج جولين، الذي حصد أكثر من 900 ألف صوت، وهذا يمنح الجمهوريين بعض التفاؤل؛ لأنه في حالة حصول لوفلر على أصوات جولين، سوف تظفر بمقعد الشيوخ.
على جانب آخر، إذا كانت أغلبية الرموز الدينية تتجه إلى تأييد الحزب الجمهوري بسبب سياسته المحافظة؛ فإن رفائيل وارنوك الذي يشغل منصب القس الرئيس لكنيسة «إبنيزر المعمدان» التي اكتسبت شهرتها التاريخية من مسيرة مارتن لوثر كينج، الذي كان يتخذ من الكنيسة منصة له للمناداة بحقوق أصحاب البشرة السوداء، هو مرشح الحزب الديمقراطي على المقعد الثاني من شيوخ جورجيا.
رفائيل وارنوك
وعلى غرار لوثر كينج الذي نادى بتوسيع حق التصويت ليشمل أصحاب البشرة السمراء؛ أطلق القس والمرشح الديمقراطي رفائيل وارنوك «مشروع جورجيا الجديدة» الذي يهدف إلى تسجيل كافة أعضاء الأقليات غير المسجلة في قاعدة المصوتين في الانتخابات الأمريكية، لكن تجدر الإشارة إلى أن المشروع الآن يخضع للتحقيق لاتهام القائمين عليه بتسجيل مواطنين من خارج ولاية جورجيا.
وكما ذكرنا سابقًا لا يمكن بأي شكل من الأشكال، أن نصدر حكمًا مسبقًا على نتيجة الانتخابات بناءً على الاستطلاعات والأخبار والتجارب السابقة، وكل ما يمكننا فعله هو أن ننتظر نتيجة أهم انتخابات مجلس شيوخ في تاريخ الولايات المتحدة، في الخامس من يناير 2021.