غالبًا ما يجري التعرف إلى مشكلات أو اضطراب المعالجة الحسية لأول مرة، خلال سنوات الطفولة المبكرة من عمر سنتين إلى خمس سنوات، عندما يلاحظ بعض الآباء أن ردود أفعال أبنائهم غير عادية، تجاه أشياء قد تبدو عادية جدًّا، كنوبات الغضب عند ارتداء ملابسهم، أو الصراخ بشكل هستيري إذا تبللت وجوههم بالماء، أو الحساسية لسماع أصوات معينة.

وعلى النقيض قد يلاحظ بعض الآباء ردود أفعال عادية تجاه أمور قد تحتاج إلى ردود أفعال مختلفة، مثل انعدام الحساسية للألم، أو عدم الشعور بالمخاطر، أو تناول أشياء غير صالحة للأكل كالصخور والمعادن.

تعكس هذه السلوكيات غير النمطية خللًا في المعالجة الحسية للطفل أو ما يمكن تشخيصه باسم «اضطراب المعالجة الحسية»، والذي يشير إلى صعوبة ترجمة أدمغة الأطفال للرسائل الحسية التي يتلقونها من خلال أجسادهم بالطريقة نفسها مثل الأطفال الطبيعيين، فتُربك الطفل وتؤدي إلى سلوك غير متوقع.

ما هي المعلومات الحسية؟

تعرف المعلومات الحسية بأنها المعلومات التي يختبرها الطفل بحواسه المختلفة، ويرسل بها إشارات إلى المخ لكي يترجمها إلى ردود أفعال تخرج على شكل سلوك مناسب للموقف الذي يتعرض له الطفل.

الشائع أن الحواس التي نختبر بها العالم هي خمس حواس، لكن الحقيقة هي أننا نختبر العالم بأكثر من خمس حواس، تنقسم المعالجة الحسية إلى سبعة أنواع رئيسية بجانب السمع والتذوق واللمس، والشم، والبصر، يوجد «الإحساس العميق» و«الإحساس الدهليزي».

الإحساس العميق.. أو الحاسة السادسة المخفية

يساعد الحس العميق على تلقي الرسائل الحسية من العضلات والمفاصل؛ مما يساعد الطفل على تحديد مكانه في الفضاء وكيف تتحرك أطرافه، بالإضافة إلى تحديد مقدار القوة التي يستخدمها.

الإحساس الدهليزي

غالبًا ما يُطلق على الإحساس الدهليزي إحساس التوازن، وهو يتلقى الرسائل الحسية من جزء من الأذن الداخلية يسمى الدهليز. يساعد الإحساس الدهليزي في توازن الحركة وتنسيقها. كما أنه يساعد في إعطاء إحساس اليقظة. ويلعب الإحساس الدهليزي دورًا مهمًّا في أنشطة مثل التأرجح، وركوب الخيل، والقفز.

لماذا تعد المعالجة الحسية مهمة؟

تُشكل المعلومات الحسية التي يتلقاها جسد الطفل الأساس لاتخاذ القرارات المناسبة. إذا كان دماغه لا يعالج هذه المعلومات بدقة، فسيكون من الصعب عليه إنتاج استجابة مناسبة السلوك.

يمكنك مقارنة الأمر بجهاز كمبيوتر. الإدخال يأتي من الفأرة ولوحة المفاتيح يعالج نظام التشغيل المدخلات ثم يجري إنتاج شيء ما، إذا كان نظام التشغيل لا يعمل بشكل صحيح، فقد لا تكون النتيجة كما نتوقع.

ماذا يحدث عند وجود مشكلات أو اضطراب المعالجة الحسية؟

في المعالجة الحسية، يشبه الدماغ نظام تشغيل الكمبيوتر. يجب أن يولي الدماغ اهتمامًا كافيًا للرسالة الصحيحة وتنظيمها بطريقة يمكن استخدامها. إذا لم يكن يرسل الرسائل الحسية إلى المكان الصحيح، فقد لا تكون الاستجابة «السلوك» مناسبة.

قد تكون غير آمنه كالركض عبر طريق مزدحم، إذا كان هناك ضوضاء عالية. قد تؤدي الاستجابة أيضًا إلى حدوث أخطاء وردود أفعال غير مناسبة، فعند حدوث مشكلات في المعالجة الحسية، لا تصل الرسائل الحسية بسلاسة؛ مما يؤدي إلى استجابات غير متوقعة.

تفسير بعض المشكلات السلوكية التي يسببها اضطراب المعالجة الحسية

 1. «فرط الاستجابة».. الجسم يحمي نفسه

تظهر الحساسية الحسية أو «فرط الاستجابة» عادة على شكل رفض مبالغ فيه لأنشطة عادية، مثل رفض طفلك تذوق طعام معين، أو رفضه تمشيط شعره أو قص أظافره، أو خوفه المبالغ فيه من الاستحمام، أو رفض ارتداء الأحذية والجوارب.

يمكن تفسير ذلك في ضوء اضطراب المعالجة الحسية بأن الطفل يعاني من فرط استجابة يتبعها ردود أفعال وقائية لأشياء مثل (اللمس أو التذوق أو الضوء أو الصوت).

فمثلًا في حالة فرط الحساسية اللمسية مثل رفض ارتداء الاحذية تحذر المدخلات الحسية الدماغ من أن شيئًا ما قد لمس الجلد، ويولي  الدماغ الكثير من الاهتمام إلى اللمسة الخفيفة والأحاسيس التي يشعر بها الجلد.

تُنبه هذه الأحاسيس الجسم إلى وجود مشكلة أو تهديد. ويستعد الدماغ لحماية الجسم، فيعطى رد فعل يسمى «استجابة الهروب» ويرفض الطفل ارتداء الحذاء بشكل عنيف.

Embed from Getty Images

صورة لطفل يعاني من فرط الحساسية اللمسية

2. «فرط الحركة».. أن تكتشف أكثر

الأطفال الذين يعانون من حساسية شديدة للمعلومات الحسية أو اضطراب المعالجة الحسية، يجدون صعوبة في فهم مكان أجسادهم بالنسبة للأشياء الأخرى، وقد يصطدمون بالأشياء المحيطة بهم ويظهرون سلوكيات غير لائقة.

بالإضافة إلى أنهم يجدون صعوبة في استشعار القوة التي يستخدمونها، فقد يمزقون الورق عند الكتابة عليه، أو يكسرون ألعابهم عند اللعب.

يفسَّر ذلك بأن الحواس الدهليزية والحواس التحسسية لهؤلاء الأطفال تحتاج إلى مزيد من المدخلات الحسية لفهم ما يحدث بأجسادهم. ولذلك يتجهون إلى أنشطة القفز والحركة والاصطدام، والتي تظهر على شكل فرط حركة، بالإضافة إلى الضغط العميق على الأشياء والألعاب، والذي قد يؤدي إلى كسرها وإتلافها.

Embed from Getty Images

صورة لطفل يعاني من فرط حركة

3. قلة الاستجابة.. هذا ما ينتج من صعوبة التعديل الحسي

يظهر أيضًا اضطراب المعالجة الحسية على شكل رد فعل بطيء وعدم ملاحظة أشياء عادية وواضحة جدًّا فيما يعرف باسم «قلة الاستجابة»  أو بطء الملاحظة وإغفال المعلومات الحسية، ويكون ذلك واضحًا في حالات تجاهل الطفل الألم الذي يشعر به واستكماله اللعب حتى وإن جرح نفسه، دون أن يُعير انتباهًا للألم.

يعاني الطفل هنا من صعوبة في التعديل الحسي، ولا يستطيع ضبط وتنظيم استجابته المناسبة للمدخل الحسي «الألم» ويعالج المعلومات الحسية بشكل مختلف عن الآخرين.

4. «عسر القراءة».. صعوبة في تمييز المدخلات!

قد يظهر اضطراب المعالجة الحسية في بعض الأحيان على شكل صعوبة في تعلم واكتساب المهارات الجديدة، خاصة في الأمور التي تتعلق بالتحكم في الحركة والتوازن والاستقرار، وهذا ما يفسر معاناة بعض الأطفال من «عسر القراءة».

يرجع ذلك إلى أن الطفل يواجه صعوبة في التمييز بين المدخلات الحسية التي يتعرض لها عند تعلم القراءة بسبب أن حواس الطفل الدهليزية والاستقبال الحسي لديه لا يستجيبان بشكلٍ كافٍ.

إذن.. كيف يمكنني الحصول على المساعدة إذا كان طفلي مصابًا باضطراب المعالجة الحسية؟

تعاني العديد من العائلات التي لديها طفل مصاب باضطراب المعالجة الحسية، من صعوبة في الحصول على المساعدة. ذلك لأن اضطراب المعالجة الحسية ليس تشخيصًا طبيًّا معترفًا به في الوقت الحالي، كما أنه عادةً ما يكون مصاحبًا لاضطرابات أخرى مثل اضطراب التوحد وفرط الحركة، وعلى الرغم من عدم وجود معايير تشخيص مقبولة على نطاق واسع، فإن المعالجين المهنيين عادةً ما يعالجون الأطفال الذين يعانون من اضطراب المعالجة الحسية وفقًا لاحتياجاتهم الفردية.

التكامل الحسي

يسمى علاج اضطراب المعالجة الحسية بالتكامل الحسي. والهدف منه هو مساعدة الطفل حتى يتمكن من تعلم الاستجابة بشكل مناسب وطبيعي. أثناء جلسات التكامل الحسي، يُطلب من الآباء أولًا اتباع تعليمات الطفل، حتى لو لم يكن سلوك اللعب نموذجيًّا.

Embed from Getty Images

صورة لطفل في غرفة التكامل الحسي

على سبيل المثال، إذا كان الطفل يفرك المكان نفسه على الأرض مرارًا وتكرارًا ، فإن الأب يفعل الشيء نفسه؛ إذ تسمح هذه الإجراءات للآباء «بالدخول» إلى عالم الطفل.

يتبع ذلك مرحلة ثانية، إذ يستخدم الآباء جلسات اللعب لخلق تحديات للطفل. تساعد التحديات على جذب الطفل إلى ما يسمى بالعالم «المشترك» مع الآباء. وتخلق التحديات فرصًا للطفل لإتقان المهارات وتحسين مهارات الحياة اليومية وفقًا لاحتياجات الطفل.

هذه الجلسات العلاجية مصممة وفقًا لاحتياجات الطفل. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يميل إلى عدم الاستجابة للمس والصوت، يحتاج مقدم الرعاية إلى أن يكون نشيطًا للغاية خلال المرحلة الثانية من جلسات اللعب. أما إذا كان الطفل يميل إلى المبالغة في رد فعله اللمس والصوت، فسيحتاج مقدم الرعاية إلى أن يكون أكثر تهدئة.

التنظيم الحسي

هو نظام مصمم لتحديد احتياجات الطفل وخلق بيئة تزيد من نقاط قوته، وتقلل من التحديات التي تواجهه. ويمكن القول بأنه روتين للمهام التي يقوم بها في خطوات قصيرة وبسيطة، ومن بين الإستراتيجيات التي تساعد على التنظيم الحسي وعلاج اضطراب المعالجة الحسية:

  1. ارتداء سماعات الرأس التي تحجب الصوت أثناء انتشار الضوضاء والأصوات العالية.
  2. ارتداء وشاح لتغطية الأنف لتجنب الروائح النفاذة.
  3. ارتداء النظارات الشمسية تحت الأضواء الساطعة.
  4. بالنسبة للأطفال الذين يبحثون عن مدخلات حسية إضافية، يمكن إنشاء منطقة حسية بها كتل من القماش لتحطيمها، فتساعدهم على التركيز والعودة إلى التعلم.
  5. نطلب من الطفل شديد النشاط بعض المهام مثل حمل سلة الغسيل، أو دفع عربة التسوق، أو أن يحضر أكياس البقالة من السيارة.
  6. الطفل الحساس للمس يمكن أن يشارك في أنشطة مثل الرسم.
  7. الطفل الذي يعاني من ضعف الإحساس بالمساحة والتوازن، من الأفضل أن يشارك في أنشطة كالسباحة، وركوب الخيل، والقفز على الترامبولين.

تربية

منذ سنتين
«ابن خالته ليس أفضل منه».. لهذه الأسباب يجب أن تتوقفي عن مقارنة طفلك بالآخرين

المصادر

تحميل المزيد