ارتبط نمو بناء المستوطنات الإسرائيلية بنمو هائل للمصالح التجارية لكبرى الشركات المسؤولة عن بنائها، فضلًا عن مصالح للشركات المسؤولة عن توفير الخدمات للمستوطنين، والشركات التي تستثمر في هذه الأراضي التي تمنحها لهم الحكومة بمزايا متعددة.

ويُقدر عدد الشركات بحوالي 1000 شركة تعمل في 16 إلى 20 منطقة صناعية، وتشغل 9300 هكتار من أراضي المستوطنات الزراعية. يمثل هذا جزءًا من اقتصاد المستوطنات، الذي يشمل أيضًا شركات تخدم الاستيطان وتموله، حيث يوجد أكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي يعيشون في 237 مستوطنة في الضفة الغربية تحتلها إسرائيل، بما في ذلك القدس الشرقية.

«نفط فلسطين الأبيض» تحت سيطرة الاحتلال!

تخضع المنطقة (ج) التي تغطي مساحة 60% من الضفة الغربية، للإدارة الإسرائيلية، والتي قامت خلال الأعوام الأخيرة ببناء مستوطنات إسرائيلية تغطي 26% من مساحة المنطقة، فضلًا عن تخصيصها لـ 70% من المنطقة نفسها لمجالس المستوطنات الإقليمية.

خضوع هذه المنطقة، التي تضم أغلب الموارد الطبيعية بالضفة الغربية، للإدارة الإسرائيلية الحصرية، انتهت إلى منح الشركات الإسرائيلية كافة الامتيازات التجارية بهذه المناطق، فضلًا عن عدم صدور تصاريح جديدة لأعمال تجارية فلسطينية معنية بصناعة المحاجر بهذه المنطقة منذ 1994، وكذلك رفض 94% من طلبات تصريح البناء الفلسطينية بالمنطقة (ج).

وتنتج مقالع الحجر، التي تديرها إسرائيل في الضفة الغربية، من عشرة إلى 12 مليون طن من الأحجار سنويًا، حيث يتم نقل 94% من هذه الكمية إلي أسواق إسرائيلية واستيطانية.

يُذكر أن صناعة الحجر والرخام كانت أكبر وأهم مصدّر في فلسطين، إذ شكلت 17 بالمئة من جملة الصادرات في 2011، ووصلت إلى 60 بلدًا، فضلًا عن توفيرها 15-20 ألف وظيفة، و250 مليون دولار للناتج القومي الفلسطيني.

ويُقدر البنك الدولي أن القيود الإسرائيلية في المنطقة (ج) تُكلف الاقتصاد الفلسطيني 3.4 مليار دولار سنويًا، هذا بدون النظر للأرباح الإضافية من وراء الأنشطة التجارية التي تصل لـ 800 مليون دولار، وهي تُعادل نصف ديون السلطة الفلسطينية.

وتبيع الشركات الإسرائيلية، أو متعددة الجنسيات، التي تخضع لدولة الاحتلال جميع الأحجار المستخرجة من المقالع تقريبًا في أسواق إسرائيلية أو استيطانية، بالمخالفة لنصوص القانون الدولي التي تُلزم بألا يستخدم الموارد الطبيعية غير السكان (الفلسطينيين) في الأراضي المحتلة.

والهيئة المخولة بمنح التصاريح للشركات التي تعمل في المحاجر، هي الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي، التي تمنح مزايا كُبرى للشركات الإسرائيلية.

وفي الواقع، تنتهي مصائر أغلب الفلسطينيين، من أصحاب المحاجر، في هذه المنطقة إلى مصادرة معدات المقالع العاملة، من جانب الإدارة الإسرائيلية، فضلًا عن دفع غرامات مالية تصل قيمتها لـ6000 آلاف دولار، وترحيلهم بالقوة، بينما يضطر عدد منهم للعمل في المحاجر الإسرائيلية نتيجة غياب فرص التوظيف، وصعوبة العمل بشكل مستقل.

البنوك وشركات العقار الإسرائيلية الرابح الأكبر

تلعب الشركات العقارية دورًا مهمًا في تسويق وبيع العقارات في المستوطنات، التي تقفز فيها أسعار المنازل قفزات كُبرى، تجعل بنوكًا وشركات التطوير العقارية التي تتبع إسرائيل تحقق من وراء ذلك أرباحًا خيالية.

وتمنح البنوك الإسرائيلية قروضًا كبرى، بامتيازات واسعة، لشركات التطوير العقارية متعددة الجنسيات، لجذبها للاستثمار في بناء العقارات والوحدات السكنية.

هذه الشركات تستولي على هذه الأراضي بالمجان، أو بعقود بيع وهمية، فضلًا عن الامتيازات الممنوحة لها في عملية البناء من تشييد للوحدات السكنية بالمستوطنات بدون تراخيص، وبالتالي بدون تحقيق رسمي في وضع الأراضي، والموافقة عليها بأثر رجعي.

«ريماكس»، هي سلسلة للسمسرة العقارية الدولية، وتُعد أكبر شبكة سمسرة عقارية في إسرائيل عبر أكثر من 100 فرع، ويقع واحد من تلك الفروع في مستوطنة معاليه أدوميم، بينما توفر عدة فروع أخرى عقارات للبيع أو الإيجار في مستوطنات، وتبلغ القيمة الإجمالية للعقارات المعروضة للبيع في المستوطنات (36.25 مليون دولار).

وكانت أكثر من حكومة أوروبية، واتحادات ونقابات بأكثر من دولة أوربية، من أبرزها بريطانيا، وأيرلندا، قد طالبت مواطنيها والشركات العقارية في بلادها، بعدم شراء عقارات في المستوطنات القائمة بالأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، وذلك على خلفية عروض العقارات التي انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية في أكثر من عاصمة أوروبية، لشراء وحدات سكنية بامتيازات كُبرى بالمستوطنات على الأراضي المحتلة.

ازدهار لـ«صنع في إسرائيل»!

تؤوي مناطق الاستيطان الصناعية ما يقرب من ألف مصنع، كما تزرع مزارع المستوطنات 9300 هكتارًا من الأرض، والتي تُصدر المنتجات والبضائع إلى الخارج.

يوضح الموقع الإلكتروني لمستوطنة بركان، أن 80% من السلع المنتجة يذهب إلى الخارج، خصوصًا إلى أوروبا والولايات المتحدة، ويصدر مزارعو المستوطنات في غور الأردن 66% من محاصيلهم التي ينتجونها خارج إسرائيل، وهي أعلى نسبة من الصادرات الزراعية مقارنة بالمناطق الواقعة داخل إسرائيل، بحسب اتحاد منتجي الخضر الإسرائيلي.

وتوفر شركات المستوطنات فرص توظيف حيوية لبقاء المستوطنات وتوسعها. فرص التوظيف التي تمنحها للآلاف من الإسرائيليين تكون بأجور مالية مرتفعة، فضلًا عن الامتيازات المالية والتأمين الصحي والاجتماعي، وذلك في مسعى منها لجذبهم للاستقرار داخل هذه المستوطنات.

هذه الامتيازات تقابلها سياسة متبعة من جانب نصف أصحاب الأعمال في المستوطنات، تعتمد على تسخير عمالة فلسطينية، حيث يدفعون للفلسطينيين أجورًا تقل عن الحد الأدنى في إسرائيل، ويحرمونهم من المزايا الاجتماعية مثل التأمين الصحي والأجازات المرضية التي يقدمونها للموظفين الإسرائيليين.

ويعمل 6000 فلسطيني على الأقل في الزراعة الاستيطانية في غور الأردن، ويتضاعف هذا العدد في موسم الحصاد.

وتدير إسرائيل ما يتراوح بين 16 و20 منطقة صناعية في الضفة الغربية، تضم نحو ألف مصنع لإنتاج طيف عريض من السلع، تشمل المعادن والمنسوجات والأغذية، وتتمتع هذه المصانع بالمزايا الممنوحة لها، والتي تشمل انخفاض الإيجارات والضرائب.

وبحسب منظمة الحقوق العمالية «كاف لأوفيد»، فإن ما لا يقل عن نصف شركات المستوطنات تدفع للعمال الفلسطينيين أجورًا دون الحد الأدنى للأجور في إسرائيل، والذي يبلغ 5.75 دولار أمريكي في الساعة، ويحصل معظم هؤلاء العمال في المستوطنات على (2-4 دولار أمريكي) في الساعة، بدون أيام راحة ولا أجازات مرضية ولا غيرها من المزايا الاجتماعية.

عرض التعليقات
تحميل المزيد