رشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي في رومانيا امرأة مسلمة لتكون رئيس الوزراء المقبل للبلاد. وصفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية هذه الخطوة بأنها «مفاجأة»، لتكون – في حالة إتمام الترشيح – هي أول امرأة مسلمة تشغل هذا المنصب في تاريخ البلاد، التي لم يسبق أن تولت فيها امرأة هذا المنصب من جهة، وأي شخص مسلم الديانة من جهة أخرى.
يذكر أنه يتبقى أن تنال هذه المرأة موافقة كل من الرئيس والبرلمان كي تتولى مهام منصبها رسميًا، لتكون أول مسلمة تتولى رئاسة حكومة من بين دول الاتحاد الأوروبي في خطوة تمثل مفاجأة لكثير من المتابعين، في وقت تنمو فيه سطوة اليمين في عدة دول من دول الاتحاد.
قصة الترشيح
الحزب الاشتراكي الديمقراطي هو أكبر حزب سياسي في رومانيا، والذي أعلن يوم 21 ديسمبر (كانون الأول) 2016، عن ترشيحه سيفيل شايداه، وهي امرأة من أقلية التتار المسلمة الموجودة في رومانيا.
وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي حقق نصرًا مدويًا في الانتخابات العامة التي عقدت يوم 11 ديسمبر (كانون الأول)، ليحصد أكثر من 45% من إجمالي الأصوات. جنبًا إلى جنب مع حليفه الأصغر، ليشكلوا تحالف الليبراليين والديمقراطيين، ويصبح لهذا التحالف الهيمنة على غالبية مقاعد البرلمان.
وذكرت وسائل إعلام أنه عادة ما يتم تعيين زعيم أكبر حزب فائز بالانتخابات من قبل رئيس الجمهورية ليصبح رئيسًا للوزراء. لكن زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي، ليفيو دراجنيا، كان يمكن أن يكون خيارًا إشكاليًا مثيرًا للجدل، فقد أدين بتزوير الانتخابات وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين مع وقف التنفيذ في أبريل (نيسان) 2016.
وكان الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس قد ذكر سابقًا أن رئيس الوزراء القادم للبلاد يجب ألا يلوثه إدانات جنائية أو تحقيقات لا تزال جارية. من هنا، قال دراجنيا إن سيفيل شايداه ستكون هي مرشح حزبه لرئاسة الحكومة الرومانية.

رسم توضيحي 1 رئيس الوزراء الرومانية المرتقبة
من هي؟
سيفيل شايداه البالغة من العمر 52 عامًا، هي شخصية غير معروفة نسبيًا، شغلت منصب وزير التنمية الإقليمية لمدة ستة أشهر فقط في الحكومة السابقة بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وتوصف بأنها اقتصادية وسياسية وموظفة مدنية.
ولدت شايداه في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) 1964، في كونستانتا في رومانيا. والدتها مويزل جامبيك تنتمي من حيث المنشأ إلى تتار القرم، ووالدها هو سيدين جامبيك من أصل تركي. في عام 1987 تخرجت في أكاديمية العلوم الاقتصادية في بوخارست، وتحديدًا من كلية التخطيط الاقتصادي وعلم التحكم الآلي. ثم عملت في الإدارة العامة في مقاطعة كونستانتا، لتصبح رئيس المديرية العامة للمشاريع.
في نفس الفترة، كانت تتولى منصب منسقة الاتحاد الوطني لمجالس المقاطعات الرومانية. منذ عام 2012 عملت سكرتيرة للخارجية في وزارة التنمية الإقليمية، وبين شهري مايو (أيار) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2015، كانت في منصب وزير التنمية الإقليمية والإدارة العامة في الحكومة التي كان يرأسها فيكتور بونتا.
عائلة شايداه تعتنق الدين الإسلامي، وتنتمي إلى الأقليات التركية والتترية العريقة في رومانيا. والدتها هي حفيدة المؤرخ التركي كمال كاربات، وسيفيل متزوجة من رجل الأعمال السوري أكرم شايداه.
يذكر أن رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي ليفيو دراجنيا كان شاهدًا على حفل زفافها عام 2011. ووفقًا لبيان المصالح المالية الخاص بها بتاريخ يوليو (تموز) 2015، يملك الزوجان ثلاثة عقارات في سوريا، واحد في مدينة اللاذقية واثنان في العاصمة دمشق.
خيار مفاجئ
وقال سيرجيو ميسويو، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بابس – بولياي في مدينة كلوج الرومانية، «إنه خيار مفاجئ». موضحًا أن الناس كانوا يتوقعون بالفعل شخصًا يمكن أن يسيطر عليه رئيس الحزب دراجنيا، لكنهم كانوا يتوقعون أن يكون من المستويات العليا للحزب، وليس شخصًا حديث العهد نسبيًا.
وأضاف أن اختيار رئيس الحزب لشايداه يعني أن دراجنيا سيسيطر على الحكومة من دون أخذ المسؤولية المباشرة، وذكر أن شايداه هي شخصية ليست ملطخة بطريقة مباشرة بأي فساد، لذلك لن يكون هناك سبب رسمي للرئيس الروماني لرفضها.
وقال ميسويو في تصريحاته لصحيفة نيويورك تايمز، إن هذا الاختيار جرى أيضًا بهدف مواجهة الاتهامات الموجهة للحزب بالأرثوذكسية والقومية خلال الحملة الانتخابية، وقال في إشارة إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي «الحزب الاشتراكي الديمقراطي يقول ضمنيًا مع هذا الترشيح: أنت توجه لنا الاتهامات بأننا حزب قومي أو حزب أرثوذكسي، انظروا إذًا إلى ما نقوم به، ألا تحبون هذا؟».
هذا الترشيح أصاب الكثير من المراقبين بالدهشة وجعلهم مستغربين جدًا، فقال بول إيفان، وهو محلل سياسي بارز في مركز السياسة الأوروبية في بروكسل ودبلوماسي روماني سابق، «لقد رأينا العديد من الأسماء التي طرحت في الأيام الأخيرة، ولكن اسمها لم يكن من بينها».
وقال إيفان إنه يعتقد أن شايداه ينظر إليها على أنها مديرة أكثر من كونها سياسية، وينظر إليها على أنها شخص تكنوقراط. وأضاف «إنها خبيرة اقتصادية عملت في الإدارة المحلية والإقليمية سنوات عديدة». وقد أمضت شايداه معظم حياتها المهنية في كونستانتا، وهي ميناء على البحر الأسود، وليس في بوخارست العاصمة. لكن مع ذلك فقد كانت مقربة من رئيس الحزب دراجنيا. فكانت سكرتيرة الخارجية في وزارة التنمية عندما كان دراجنيا وزيرًا لها، ثم خلفته في المنصب بعد أن قدم استقالته عام 2015. كما أنه حضر زفافها على رجل الأعمال السوري سالف الذكر.
ونادرًا جدًا ما تخدم المرأة المسلمة في مناصب رؤساء الدول والحكومات في أوروبا. كانت هناك بعض الأمثلة السابقة في البلدان ذات الأغلبية المسلمة خارج الاتحاد الأوروبي مثل تانسو تشيلر رئيس وزراء تركيا في تسعينيات القرن الماضي، وعاطفة يحيى آغا رئيس كوسوفو بين عامي 2011 و2016.
على النقيض من ذلك، فإن أكثر من 80% من الرومانيين هم من المسيحيين الأرثوذكس، في حين أن أقل من %1 هم من المسلمين، وهو ما يضيف المزيد من الدهشة إلى هذا الاختيار من إحدى أصغر الأقليات في رومانيا.
وبالعودة إلى إيفان، فقد ذكر أنه سيكون هناك بشكل واضح جزء من أصوات الناخبين التي لن ترغب في ذلك الترشيح. وأضاف أنهم أيضًا لا يحبون أن يكون أكبر منصبين سياسيين في رومانيا في قبضة بعض الأقليات العرقية والدينية، فالرئيس الروماني هو بروتستانتي ومن أصل ألماني.
وحتى مع ذلك، فقد ذكر أنه لا يعتقد أن معتقدات شايداه الدينية تجعلها تبدو غريبة على زملائها الرومانيين. بشكل عام، المجتمع المسلم في رومانيا من الأتراك والتتار، يمارسون تعاليم الإسلام المعتدلة بحسب إيفان، وقد عاشوا أكثر من 100 سنة في بلد غير مسلم، خلال نظام اشتراكي. و«إذا نظرتم إلى شايداه، فهي لا تغطي رأسها بالحجاب مثلًا».