«وادي السيليكون» هو تلك المنطقة التقنية الأمريكية، التي تستضيف المقرات الرئيسية لـ«أثرياء التكنولوجيا»، وذلك في المنطقة الجنوبية من خليج سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا غربي الولايات المتحدة، نالت أهمية كبيرة في الاقتصاد العالمي بعد أن باتت قيمتها تنمو يوميًا بمليارات الدولارات، ولا أحد يعرف أين سيقف هذا النمو، ولا إلى أي مدى قد تصل أرباح هذه الشركات؟ ولكن التاريخ يقول إن هذا الأمر ليس إيجابيًا، ففقاعة «دوت كوم» التي انفجرت أول القرن الحالي ليست بعيدة، فهل يمكن أن تتكرر قريبًا؟

قفزات كبيرة في أرباح شركات التكنولوجيا

في الواقع باتت سيطرة قطاع التكنولوجيا على الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة طاغية جدًا، وذلك بعد القفزات المتتالية للشركات الخمس الكبرى (آبل، وألفابيت، ومايكروسوفت، وأمازون، وفيسبوك)، في ظل نتائج مذهلة بالربع الثالث من العام الجاري، إذ أعلنت فيسبوك عن قفزة قدرها 79% في أرباحها، بدعم من نمو قوي لإعلانات الفيديو، بينما قفزت الأرباح إلى 4.71 مليار دولار، (1.59 دولار للسهم)، من 2.63 مليار دولار (90 سنتًا للسهم)، وهو ما قاد سهم الشركة لتحقيق مكاسب بلغت حوالي 60% هذا العام، فيما زاد إجمالي الإيرادات 47.3% إلى 10.33 مليار دولار في الربع الثالث.

ومن جانبها كشفت شركة آبل عن تحقيق صافي دخل بحوالي 10.71 مليار دولار (2.07 دولار للسهم) في الربع المالي الرابع من 9 مليارات دولار (1.67 دولار للسهم) في نفس الفترة قبل عام، وعقب الإعلان عن هذه النتائج، ارتفعت القيمة السوقية للشركة إلى 900 مليار دولار – أي على مقربة من تريليون دولار – ليرتفع السهم بنسبة 45.2% خلال العام الجاري حتى إعلان النتائج.

فيما كانت شركة أمازون دوت كوم على الموعد هي الأخرى، إذ ارتفعت إيراداتها خلال الربع الثالث من العام الحالي بنحو 34% حيث وصلت أرباحها إلى 256 مليون دولار، بينما قفز صافي المبيعات خلال الربع الثالث من العام 2017 بنحو 33.7% مسجلًا 43.7 مليار دولار مقابل 32.71 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام السابق.

اقرأ أيضًا: «جيف بيزوس».. أغنى رجل في العالم

شركة «ألفابت» المالكة لمحرك البحث الإلكتروني «جوجل»، كشفت أيضًا عن ارتفاع صافي دخلها الفصلي بنسبة 33% إلى 6.73 مليار دولار أو 9.57 دولار للسهم خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر (أيلول) مقارنة بـ6.33 مليار دولار أو 7.25 دولار للسهم في نفس الفترة من العام الماضي، إذ ارتفعت إيرادات الشركة إلى 27.8 مليار دولار من 18.27 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2016، وحتى إعلان النتائج ارتفع سهم الشركة بنسبة 25.9%.

وبالرغم من أنها سجلت النسبة الأقل في الارتفاع، إلا أنه بإغلاق جلسة 20 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بلغت القيمة السوقية لمايكروسوفت 600 مليار دولار للمرة الأولى منذ عام 2000، إذ أعلنت الشركة ارتفاع أرباحها الفصلية في الربع السنوي المالي الأول المنتهي في سبتمبر الماضي إلى 6.58 مليار دولار (84 سنتًا للسهم) من 5.67 مليار دولار (72 سنتًا للسهم) في نفس الفترة من عام 2016، فيما ارتفعت إيرادات الشركة 12% إلى 24.5 مليار دولار.

هل يوجد تشابه بين الفترة الحالية وما قبل فقاعة «دوت كوم»؟

وبالنظر إلى هذه النتائج ومعدل الارتفاعات التي سجلتها الشركات الخمس، يبدو أن الاقتصاد العالمي في هذه الفترة يشبه كثيرًا أواخر التسعينيات، قبل فقاعة «دوت كوم» التي انفجرت عام 2000، إذ اتسمت الفترة السابقة على الفقاعة بالارتفاع السريع لسوق الأسهم في استثمارات شركات الإنترنت، حيث بدأت وسائل الإعلام تروج لمصطلح «الاقتصاد الجديد»، وكان المستثمرون متحمسين لضخ أموالهم في أي شركة تندرج تحت صناعة الـ«دوت كوم» على أمل جني الربح السريع.

لم تكن هذه الارتفاعات لأيام بل استمرت شهورًا حتى تكونت فقاعة ضخمة وصلت لأعلى مستوياتها في مارس (آذار) عام 2000، عندما بلغت قيمة مؤشر ناسداك 5048 نقطة، وهي أقصى قيمة بلغها خلال الأزمة، ولكن بدأ الوضع يتغير حينها إذ باتت شركات الـ«دوت كوم» تعاني من ضائقة مالية، وفقدت سوق الأسهم 10% من قيمتها، في غضون أسابيع قليلة، وبحلول عام 2001 انهارت معظم شركات التكنولوجيا، وخسر المتعاملون في السوق نحو تريليون دولار، وقبل حدوث الانهيار، كانت القيمة السوقية لأسهم شركات التكنولوجيا تتجاوز 1.4 تريليون دولار، وعند انتهاء الانهيار تراجعت إلى نحو 400 مليار دولار.

الآن، وبالرغم من أن هناك اختلافًا كبيرًا بين عام 2000 واليوم، إلا أن ما يحدث الآن، وخاصة فيما يخص نتائج الربع الثالث، يشير إلى أنه ربما هناك فقاعة جديدة تتكون وربما يكون انفجارها ليس ببعيد، فبعيدًا عن الشركات العملاقة هناك شركات ناشئة جديدة تحقق قيمًا مرتفعة للغاية، إذ حققت الشركات الناشئة بقطاع التكنولوجيا المالية في الولايات المتحدة نحو 18 مليار دولار منذ عام 2015.

وتكمن المشكلة في الوقت الحالي في أنّ انفجار الفقاعة لن يضر قطاع التكنولوجيا فقط، ولكن سيكون التأثير على النظام المالي العالمي بأكمله، وهو ما يهدد الاقتصاد العالمي، فقيم شركات التكنولوجيا تضاعفت خلال الفترة الماضية واستحوذت على النسبة الأكبر من التداولات اليومية بالنظام المالي.

كيف يمكن أن تنفجر الفقاعة الجديدة؟

في سبتمبر (أيلول) الماضي، تحدّث تقرير لوكالة «بلومبرج» الاقتصادية، عن أنّ وادي السيليكون سيكون السبب في أزمة الاقتصاد العالمي المالية المقبلة، فبعد أن استعرض التقرير الثورة التكنولوجية الضخمة الحاصلة خلال السنوات الأخيرة في وادي السيليكون، قال إن الثورات غالبًا ما تخلِّفُ دمارًا، إذ إن القطاع وخاصة شركات التكنولوجيا المالية تسببت في بيئة مواتية لعدم الاستقرار والتعطيل، إذ إن هذه الشركات أكثر عرضة للصدمات السلبية السريعة مقارنة بالبنوك التقليدية، بينما تعتمد الشركات على خوارزميات حاسوبية معقدة في كثير من وظائفها الأساسية، فأصبح من الصعب على الغرباء الحصول على صورة واضحة حول المخاطر والمنافع.

لكن على الجانب الآخر، لا يهتم الكثيرون بتقرير بلومبرج، في ظل هذه الأرباح الخيالية لشركات التكنولوجيا، إذ أشار خبراء في مصرف «كريديه سويس» السويسري الشهير، إلى أن أكثر من 2500 مليونير من الأثرياء حول العالم، ينظرون بشغف إلى ما يدور من أفكار حول تقديم كبريات شركات التكنولوجيا الأمريكية، لخدمات مالية خاصة بإدارة الثروات.

وبحسب الخبراء، فإنه في حال تفعيل عمالقة التقنية لمثل هذه الخدمات، فإن نحو 57% من أصحاب الثروات العالية القادرين على ضخ ما لا يقل عن مليون دولار أمريكي على شكل استثمارات، مستعدون للاشتراك بها، وبالرغم من أن هذا يعني أن هناك انفتاحًا عالميًا على الأفكار التي قد تشكل تغيرًا في مسار الصناعة الدولية المنوطة بأعمال الصيرفة الخاصة في العالم، إلا أنه أيضًا قد يشكل خطرًا كبيرًا يقود هذه الفقاعة للانفجار في وقت قصير، مما يهدد الاقتصاد العالمي.

وبالرغم من أن أغلب أثرياء العالم لم ينسوا «الصفعة المؤلمة» التي تلقوها من مصرف «ليمان براذرز»، التي خسروا من ورائها ملايين الدولارات، يرى أغلبهم أيضًا أن العالم اليوم أمام موعد مستقبلي مهم مع تحركات عمالقة التكنولوجيا في وادي السيليكون، إذ أثبتت تلك الشركات براعتها في إدارة الأصول المالية بصورة إبداعية وعقلانية، في الوقت ذاته، لكن يبقى السؤال: إلى متى سيستمر الأمر؟

على كلٍّ، قد تتساءل لماذا قد يحدث كل هذا؟ في الواقع يمكن معرفة ذلك بالعودة إلى المعنى الأساسي للفقاعة، فعندما لا تتسق تقييمات الأسهم مع الأداء الأساسي للاقتصاد سواء الأمريكي أو العالمي، فعاجلًا أم آجلًا سيعيد السوق تقييمات هذه الأسهم، وهذا لا يحدث في الغالب إلا من خلال انفجار الفقاعة، ومن هنا تنشأ مخاوف الاقتصاديين من أن الأسواق قد تتجه إلى انعكاس مدمر في مسارها، من شأنه أن يلقي بظلال قاتمة على النمو الاقتصادي العالمي.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد