أطاح محتجون في مظاهرة مناهضة للعنصرية أمس الأحد، السابع من يونيو (حزيران) 2020، في مدينة بريستول الإنجليزية، تمثال تاجر الرقيق إدوارد كولستون وألقوه في المياه. الآلاف من الأشخاص شاركوا في هذه المظاهرة، التي تعد واحدة من تظاهرات عديدة اندلعت في المملكة المتحدة، بعد وفاة الأمريكي الأسود جورج فلويد، أثناء اعتقاله في مينيابوليس بالولايات المتحدة الشهر الماضي.
علَّق المتظاهرون حبلًا على التمثال الموجود في شارع كولستون وسحبوه على الأرض وسط سعادة الحشود، ثم قفز المتظاهرون عليه ودحرجوه في الشارع ودفعوه باتجاه الماء.
في هذا التقرير نحاول التعرف إلى تاجر الرقيق إدوارد كولستون، وكيف كوَّن ثروته؟ ولماذا وضع اسمه على العديد من المنشآت؟ ولماذا لم تتدخل الشرطة لمنع إسقاط تمثاله؟ وكيف اختلفت تجارة الرقيق الأوروبية عن بقية العبودية في العالم؟
لماذا لم تمنع الشرطة البريطانية إسقاط التمثال؟
بعد انتشار مقاطع الفيديو التي حملت مشهد إسقاط تمثال إدوارد كولستون، على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حثَّت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل، الشرطة على الرد، قائلة: «أعتقد أنه أمر مشين للغاية، إن أفعال الفوضى العامة تشتت الانتباه عن السبب الذي يحتج من أجله الناس».
This happened a few moments ago.
The Edward Colston statue has been pulled down. pic.twitter.com/E0BUxVHonc— BBC Radio Bristol (@bbcrb) June 7, 2020
وأعلن سوبت أندي بينيت، من شرطة سومرست وأفون، أن قواته تجري تحقيقًا في الأضرار الجنائية، لكنه عاد وأوضح أنه: «يفهم أن إدوارد كولستون كان شخصية تسببت في الكثير من القلق لدى المجتمع الأسود، وأفهم لماذا حدث هذا، إنه حدث رمزي للغاية، لكني أشعر بخيبة أمل لأن الناس أضروا بأحد تماثيلنا».
وعلَّق بينيت على عدم تدخل الشرطة والسماح للناس برمي التمثال في الماء، قائلًا: «لقد كان قرارًا تكتيكيًّا للغاية، وقد يتسبب منع الناس من فعل ذلك في المزيد من الاضطراب، وقررنا أن أكثر شيء آمن يمكن فعله فيما يتعلق بتكتيكاتنا الشرطية، السماح بحدوث ذلك».
وعلَّق عمدة مدينة بريستول مارفن ريس، قائلًا: «أعرف أن إزالة تمثال إدوارد كولستون سيقسم الآراء، كما فعل التمثال لسنوات عديدة، ومع ذلك، من المهم الاستماع إلى الذين وجدوا أن التمثال يمثل إهانة للإنسانية».
لكن.. من هو إدوارد كولستون؟
ولد إدوارد كولستون عام 1636، في عائلة تجارية ثرية في بريستول، وبعد أن ذهب إلى المدرسة في لندن، أصبح تاجرًا ناجحًا في صناعة المنسوجات والصوف. في عام 1680 أصبح مسئولًا في الشركة الملكية الأفريقية (RAC)، التي كانت تحتكر تجارة الرقيق في غرب أفريقيا، وكان يرأسها رسميًّا شقيق الملك تشارلز الثاني، الذي تولى العرش في وقت لاحق باسم جيمس الثاني. ومن الجدير بالذكر أن هذه الشركة وسَمت العبيد بالحروف الأولى من «RAC» بمن فيهم النساء والأطفال، بالنار على صدورهم.
وقد باعت شركة كولستون حوالي 100 ألف إنسان في منطقة البحر الكاريبي والأمريكتين، بين 1672 و1689، بعد أخذهم قسرًا من غرب أفريقيا، وأسفرت الظروف غير الصحية، عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص أثناء الرحلات وأُلقيت جثثهم في البحر، ومن خلال هذه الأعمال صنع إدوارد كولستون الجزء الأكبر من ثروته، عبر استخدام أرباحه هذه في الإقراض المالي.
الأعمال الخيرية VS تجارة الرقيق
بعد ذلك بدأ إدوارد كولستون في تحسين سمعته كفاعل خير بالتبرع لأعمال خيرية، مثل المدارس والمستشفيات في كلٍ من بريستول ولندن، وخدم لفترة وجيزة كنائب عن حزب المحافظين لبريستول، قبل أن يموت في مورتليك، ساري، عام 1721. بعد وفاته دُفن كولستون في بريستول، وترك جُل ثروته للجمعيات الخيرية، لذلك ما يزال يمكن رؤية إرثه والنصب التذكارية الخاصة به في شوارع بريستول.
أعمال إدوارد كولستون الخيرية جعلت اسمه يتغلغل في مدينة بريستول؛ فإلى جانب التمثال مركز حادث الأمس، هناك مدرسة كولستون المستقلة، وقاعة الحفلات الموسيقية، كولستون هول، ومبنى المكاتب الشاهق، وبرج كولستون، وشارع كولستون أيضًا.
ولسنوات عديدة، طالب نشطاء بإعادة تقييم مساهمات إدوارد كولستون في المدينة؛ بسبب علاقاته بالرق، وقالت عريضة لإزالة التمثال، حصلت على أكثر من 11 ألف توقيع في الأسبوع الماضي: «لا ينبغي نسيان التاريخ، فهؤلاء الأشخاص الذين استفادوا من استعباد الناس لا يستحقون شرف التمثال. يجب أن يكون هذا الشرف لأولئك الذين يحدثون تغييرًا إيجابيًّا، والذين يناضلون من أجل السلام والمساواة والوحدة الاجتماعية».
مشيرة إلى أنه: «بموجب هذا نشجع مجلس مدينة بريستول على إزالة تمثال إدوارد كولستون. إنه لا يمثل مدينتنا المتنوعة والمتعددة الثقافات».
وبالفعل كانت إجراءات قد اتُّخذت لمحو اسم إدوارد كولستون من أجزاء أخرى من المدينة. فقد أعلنت «كولستون هول»، أكبر قاعة للحفلات الموسيقية في بريستول، عن خطط لتغيير اسمها في عام 2017، وقرر مجلس مدينة بريستول في يناير (كانون الثاني) 2018، أنه يجب وضع لوحة ثانية على تمثال كولستون لتسليط الضوء على دوره في تجارة الرقيق، ولكن المشاحنات حول الصياغة أخَّرت ذلك. كذلك أُزيلت أيضًا صورة كولستون من مكتب رئيس البلدية في وقت لاحق من العام نفسه.
فيم اختلفت تجارة الرقيق الأوروبية عن بقية العبودية في العالم؟
قد يظن البعض أن تجارة الرقيق الأوروبية عبر المحيط الأطلسي مثلها كأي تجارة رقيق في العالم، مجرد ركن اقتصادي منتشر في كثير من الدول والتعاملات الاقتصادية، ولكن هذا الوضع مختلف تمامًا. فقد كان لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي أثر مدمر في أفريقيا. على عكس العبودية في بعض المجتمعات الأفريقية التقليدية؛ إذ كان العبيد في كثير من الأحيان أسرى حرب، يجري احتجازهم لبضع سنوات ثم إطلاق سراحهم، وحتى أولئك الذين ولدوا في العبودية عوملوا معاملة جيدة نسبيًّا، لكن للتهجير الجديد وضعًا آخر تمامًا.
أثَّرت هذه التجارة في المجتمعات الأفريقية تأثيرًا بالغ السوء؛ إذ تقاتلت القبائل معًا على الناس لبيعهم لتجار الرقيق، وشجع هذا الوضع اندلاع الحروب بين القبائل، وولَّد مناخًا من عدم الثقة والخوف، وكان يجرى أخذ أقوى أفراد المجتمع وأكثرهم قدرة، ويقتل أو يترك كبار السن، والصغار، والعجزة، وغير الصالحين، ولم يأخذوا سوى القادرين على المشي لمئات الأميال إلى الساحل، مع احتفاظهم بجاذبيتهم لتجار الرقيق.
أدَّت التجارة إلى الإبعاد القسري لملايين الأفارقة من غرب ووسط أفريقيا إلى الساحل الغربي، ومن هناك إلى المستعمرات الأوروبية في أمريكا الشمالية والجنوبية وجزر الهند الغربية.
يعترف المؤرخون اليوم بأن تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي أبطأت تطور الاقتصاد الأفريقي وغيَّرته، بالإضافة إلى توفير جزء كبير من رأس المال الاستثماري للثورات الصناعية لبريطانيا وأوروبا والمستعمرات الأمريكية. وأُثيرت مناقشات حول ما إذا كان يجب على الحكومات الغربية والأمريكية إصدار اعتذار عام عن تجارة الرقيق، وعرض دفع تعويضات لدول أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي؛ لما يعدُّه البعض مكافئًا لجرائم الحرب.