ما الذي يأتي على خاطرنا عندما نتحدث عن محاولة فقدان الوزن؟ عادة ما نركز بالطبع على اختيار النظام الغذائي وممارسة التمارين الرياضية؛ كونهما العاملين الرئيسيين اللذين سيحققان النتائج المرجوة لنا. لكن هناك بعض العوامل الأخرى التي لا نعطيها الكثير من الاهتمام ونتجاهلها عن عمد، أو لعدم المعرفة المسبقة بأهميتها، وتؤدي دورًا مهمًّا في فقدان الوزن.
النوم هو أحد هذه العوامل، قد يبدو الأمر مفاجئًا أو غير متوقع بالفعل، لكن عند النظر بشكل أعمق إلى طبيعة النوم وما يحدث في جسم الإنسان خلاله، سنتمكن من معرفة أهمية النوم في المساعدة على فقدان الوزن. نحن لا نقول هنا إن النوم سيتسبب مباشرة في فقدان الوزن، وقلة النوم قد لا تساعدك على فقدان الوزن.
النوم وفقدان الوزن
مدة النوم الموصى بها للبالغين هي من سبع إلى تسع ساعات في الليلة، لكن غالبًا ما ينام الكثير من الناس أقل من ذلك، خصوصًا في المدن؛ بسبب نمط الحياة السريع والقاسي هناك. أظهرت الأبحاث أن النوم أقل من الكمية الموصى بها يرتبط بزيادة الدهون في الجسم ويزيد خطر الإصابة بالسمنة، ويمكن أن يؤثر أيضًا في مدى سهولة فقدان الوزن عند اتباع نظام غذائي يتحكم في السعرات الحرارية.
عادةً ما يكون الهدف من فقدان الوزن هو تقليل الدهون في الجسم مع الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من كتلة العضلات. وفي حالة عدم الحصول على القدر الصحيح من النوم فيمكن أن يحدد هذا مقدار الدهون المفقودة، وكذلك مقدار كتلة العضلات التي تحتفظ بها أثناء اتباع نظام غذائي مرتبط بتقليل السعرات الحرارية.
وجدت إحدى الدراسات أن النوم 5.5 ساعات كل ليلة على مدار أسبوعين أثناء اتباع نظام غذائي مرتبط بتقليل السعرات الحرارية، أدى إلى فقدان دهون أقل مقارنة بالنوم 8.5 ساعات كل ليلة. بالإضافة إلى أنه أدى أيضًا إلى فقدان أكبر للكتلة غير المرتبطة بالدهون؛ أي تسبب في فقدان بعض الوزن نتيجة فقدان جزء من العضلات نفسها، بدلًا من الدهون.
أظهرت دراسة أخرى نتائج مماثلة على مدى ثمانية أسابيع، عندما ينخفض النوم بمقدار ساعة واحدة فقط كل ليلة لمدة خمس ليالٍ من الأسبوع. أظهرت هذه النتائج أنه حتى النوم لساعات أطول في عطلة نهاية الأسبوع قد لا يكون كافيًا لعكس الآثار السلبية للحرمان من النوم أثناء اتباع نظام غذائي يتحكم في السعرات الحرارية.
لماذا يؤثر النوم في فقدان الوزن؟
هذا ما تقوله وتكشف عنه الدراسات، لكن لماذا يؤثر النوم سلبًا في فقدان الوزن؟ ما الذي يحدث في أجسامنا بالضبط عند النوم ويرتبط بعملية فقدان الوزن؟ حسنًا، هناك عدة أسباب وراء ارتباط النوم الأقصر بزيادة وزن الجسم والتأثير في فقدان الوزن. وتشمل هذه الأسباب التغييرات في التمثيل الغذائي، والشهية، واختيار الطعام.
1- التمثيل الغذائي
تؤثر مدة النوم في عملية التمثيل الغذائي، وخاصة استقلاب الجلوكوز (السكر). عندما نأكل الطعام، تفرز أجسامنا هرمون الإنسولين، الذي يساعد على حرق الجلوكوز في الدم. يمكن أن يضعف قلة النوم استجابة أجسامنا للإنسولين؛ مما يقلل من قدرته على حرق الجلوكوز. قد نكون قادرين على التعافي من قلة النوم التي تحدث عرضًا في هذه الحالة، ولكن على المدى الطويل، قد يؤدي ذلك إلى حالات صحية مثل السمنة ومرض السكري من النوع الثاني.
يمكن تحويل الفائض من الجلوكوز نتيجة نقص الحرق بالإنسولين إلى دهون. يمكن أن يتراكم هذا على المدى الطويل؛ مما يؤدي إلى زيادة الوزن.
2- زيادة الشهية
يؤثر النوم في نوعين من الهرمونات المهمة في أجسامنا؛ هما اللبتين والجريلين، وكلاهما مرتبط بالشهية. هرمون اللبتين يقلل الشهية، لذلك عندما تكون مستوياته مرتفعة نشعر عادة بالشبع، بينما هرمون الجريلين يمكن أن يحفز الشهية، وغالبًا ما يشار إليه باسم «هرمون الجوع»؛ لأنه يُعتقد أنه مسؤول عن الشعور بالجوع.
وجدت دراسات أن تقليل عدد ساعات النوم يزيد من مستويات هرمون الجريلين ويقلل من هرمون اللبتين. يمكن أن يؤدي هذا المزيج إلى زيادة شهية الشخص، مما يجعل تقييد كمية السعرات الحرارية أكثر صعوبة، وقد يجعل الشخص أكثر عرضة للإفراط في تناول الطعام. وبالتالي، فإن زيادة تناول الطعام بسبب التغيرات في هرمونات الشهية قد يؤدي إلى زيادة الوزن. هذا يعني أن الحرمان من النوم على المدى الطويل قد يؤدي إلى زيادة الوزن بسبب هذه التغيرات في الشهية.
3- اختيار الطعام
إلى جانب التغيرات في هرمونات الشهية، تبين أيضًا أن قلة النوم تؤثر في اختيار الطعام والطريقة التي ينظر بها الدماغ إلى الطعام. وجد الباحثون أن مناطق الدماغ المسؤولة عن المكافأة (مسؤولة عن الشعور بالحافز والرغبة) تكون أكثر نشاطًا من ناحية الاستجابة للطعام بعد قلة النوم (أربع ساعات نوم على مدار ست ليال فقط) مقارنةً بالأشخاص الذين حصلوا على نوم جيد (تسع ساعات نوم على مدار ست ليالٍ).
ربما يقدم هذا الأمر تفسيرًا لدوافع الأشخاص المحرومين من النوم لتناول وجبة خفيفة في كثير من الأحيان، وميلهم إلى اختيار الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات والوجبات الخفيفة ذات المذاق الحلو، مقارنة بأولئك الذين يحصلون على قسط كافٍ من النوم.
الرياضة تساعد
قد يبدو النشاط البدني واعدًا بصفته إجراءً مضادًا ضد هذا التأثير الضار لقلة النوم. ممارسة الرياضة لها تأثير إيجابي في الشهية، من خلال تقليل مستويات هرمون الجريلين وزيادة مستويات الببتيد «YY»، وهو هرمون يُطلق من القناة الهضمية، ويرتبط بالشعور بالرضا والامتلاء.
بعد التمرين، يميل الناس إلى تناول كميات أقل من الطعام، وأظهرت الأبحاث أيضًا أن التمارين الرياضية قد تحمي من ضعف التمثيل الغذائي الناتج من قلة النوم، وذلك من خلال تحسين استجابة الجسم للإنسولين؛ مما يؤدي إلى تحسين التحكم في الجلوكوز. كل هذا يوضح أهمية النوم الجيد إلى جانب النظام الغذائي والتمارين الرياضية من أجل فقدان الوزن.