متى تصير الفتيات نساءً؟ بمعنى أدق، كيف يتغير شكل الفتاة الجميلة الرقيقة فجأة عقب الإنجاب إلى امراة مرهقة؟ كيف يعرف الغرباء إذا كانت المرأة الواقفة أمامهم، عزباء أم متزوجة وفي خانة الأمهات، دون سؤال أو حتى اختلاس النظر إلى خاتم الزواج في اليد؟ يمكن القول إن كلمة السر الحقيقية خلف هذا التحول الحاسم يتعلق بشدة بـ«النوم»!
هبة إلهية.. كم ساعة نومٍ يجب أن نحصل عليها يوميًّا؟
«النوم هبة إلهية لولاها لاجتاح العالم الجنون» *يوسف زيدان، رواية «عزازيل»
يجب أن يحصل البالغون على عدد ساعات نوم تتراوح بين سبع إلى تسع ساعات في الليلة الواحدة، وذلك بحسب دراسة حول معدلات النوم الطبيعية للأفراد الأصحاء الذين يتمتعون بنوم طبيعي، بينما تتراوح المدة المناسبة لحديثي الولادة ما بين 14 إلى 17 ساعة وبين 12 و15 ساعة للرضع، ومن 10 إلى 13 ساعة في مرحلة ما قبل المدرسة، أما الأطفال في سن المدرسة فتتراوح عدد ساعات النوم الطبيعية التي يجب الحصول عليها، بين تسع و11 ساعة، ومن ثمانية حتى 10 ساعات للمراهقين، فيما قُدرت عدد ساعات النوم المناسبة لكبار السن بين سبع وثماني ساعات في اليوم.
ويمكن القول إن الأمر لا يتعلق بالكم ولكن بالكيف أيضًا، فبحسب دراسة أخرى تبين أن ساعات النوم المذكورة أعلاه، هي ساعات النوم المتصل، أما ذلك الذي تتخلله مرات استيقاظ عديدة، ويجد أصحابه صعوبة في العودة إلى النوم عقب كل مرة استيقاظ، كلٌّ حسب جنسه؛ فبينما يفقد الرجال ما معدله 13 دقيقة كل ليلة في الاستيقاظ المتكرر، تفقد السيدات أكثر من ساعة، وغالبًا لا يعود نوم الوالدين إلى المستويات نفسها التي كانت قبل الحمل حتى يبلغ الطفل عمر الست سنوات.
لماذا لا تنام الأمهات؟
«كيف يأتي النوم؟ ومن أين يأتي والأسئلة تتكاثر عليَّ وتطن في رأسي وتعذب كأنها ربات العقاب؟» *رضوى عاشور، رواية «خديجة وسوسن»
يعد الشعور بالنعاس والإرهاق أمرًا مشتركًا وشائعًا بين الأمهات، تلك الهالات وذلك الإنهاك المستمر، والبحث المضطرد حول السبب، ربما يرجع كل شيء إلى النوم، وانخفاض جودته، كانت تلك هي الإجابة التي عثرت عليها دراسة ربطت بين جودة النوم ومستويات الإرهاق والنعاس أثناء النهار لدى الأمهات.
لا يتوقف الأمر عند مجرد الأرق والإرهاق وعدم الارتياح، بل يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، نتحدث هنا عن الإصابة بالاكتئاب بحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأمريكية (CDC)، إذ يتطور الأمر مع الوقت إلى قلق واكتئاب، فيؤدي الحرمان من النوم إلى تفاقم أعراض اكتئاب ما بعد الولادة ليصيب واحدةً من كل ثماني أمهات!
في دراسة بعنوان «سوء نوعية النوم وزيادة أعراض الاكتئاب والقلق لدى النساء بعد الولادة»، وجد باحثون عام 2018 أن جودة النوم هي عامل خطر حقيقي يؤثر بشكلٍ سلبي في الأم في فترة ما بعد الولادة، ولأوقات طويلة لاحقة، إذ يتسبب في درجات من الاكتئاب والقلق، ما يجعل «النوم» أمرًا يستحق النظر إليه بوصفه عنصرًا من عناصر تحديد النساء المعرضات لخطر اكتئاب ما بعد الولادة والقلق.
نوم أقل = شيخوخة أسرع
«أفضل شيء في الحياة هو النوم، لأنه نصف موت» * د. عادل صادق، من كتاب «العشق»
فرحت خلود عطية كثيرًا بساعتها الذكية الجديدة، لكن ساعتها فاجأتها بحقائق مرعبة عن حياتها، كان في مقدمتها مقدار النوم الحقيقي الذي تنامه «كنت أظن أنني ممن ينامون جيدًا، فأنا ألتزم بالدخول إلى السرير في تمام التاسعة وأستيقظ في تمام السادسة، وتضرب بي عائلتي المثل في الالتزام وكم النوم الملائم، لكنني اكتشفت عبر ساعتي أنني الأقل نومًا في البيت تقريبًا، إذ أشارت ساعتي إلى أن نومي سيئ، ولا يزيد في الليلة الواحدة عن خمس ساعات تقريبًا، وأحيانًا أقل».
تستطرد خلود في الحديث إلى «ساسة بوست» قائلة: «في البداية ظننت أن بالساعة الذكية خللًا، لكن شعور التعب وعدم الراحة اللي اعتدت الشعور به خلال اليوم والرغبة العارمة في مزيد من النوم جعلتني أتأكد أن ساعتي الذكية على حق وأن ساعة الحائط هي المخطئة».
الأم الشابة التي تعاني مجموعة مشكلاتٍ صحية يرجعها طبيبها إلى الإرهاق، لم تكن تستوعب نصيحة طبيبها المستمرة «احصلي على قسط من الراحة»، حتى طالعت النتائج النهائية لنومها خلال الشهر الأول من شراء ساعتها الذكية، وربطها بتطبيق لمتابعة الصحة والمؤشرات الصحية عبر هاتفها المحمول، فتقول لـ«ساسة بوست»: «يخبرني التطبيق بأن نتائجي سيئة، وأن النوم العميق يكاد يكون منعدمًا وأنني أستيقظ كثيرًا، باختصار أنام ولا أنام».
تضيف خلود: «أنا أستيقظ مراتٍ عديدة خلال الليل لأجل أبنائي، رغم أنهم تخطوا مراحل الرضاعة، لكن مرات الاستيقاظ العديدة، تجعلني أفتقد النوم المتصل، في الواقع لم أنم ثماني ساعات متصلة منذ سنوات عديدة، وهو ما يضعني في مأزق حقيقي حيث أتساءل إلى متى سوف يستمر هذا كله؟ خاصةً وأنني ألمس أثر النوم المضطرب في مناعتي وصحتي وجودة حياتي عمومًا، بما في ذلك تركيزي وقدرتي على العمل».
في دراسة بعنوان «ليالي الأرق عند الأمهات وعلاقتها بتسارع الشيخوخة» وجد باحثون أن النوم المضطرب الذي تعانيه الأمهات خلال الشهور الستة الأولى فقط بعد الولادة، يمكن أن تضيف من ثلاثة إلى سبع سنوات للعمر البيولوجي للمرأة، نتحدث هنا عن الشهور الستة الأولى لكن ماذا عن السنوات التالية؟
تقول الدراسة التي أُجريت على 33 أمًّا، تم تحليل الحمض النووي لديهن أثناء وبعد الحمل، أن المسألة أكثر من مجرد إرهاق وتعب تشعر به الأم، فقد وجدت الباحثة الرئيسة في الدراسة، جوديث كارول، الأستاذة بجامعة كاليفورنيا، أن الأمهات اللواتي ينمن أقل، لديهن «تيلوميرات» (سلاسل DNA فارغة المضمون من حيث المعلومات الوراثيَّة، وتتمثَّل وظيفتها في حماية المعلومات الوراثيَّة عند انقسام الخلايا) أقصر في خلايا الدم البيضاء، وهو ما يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والموت المبكر.
وتضيف الباحثة الرئيسة في الدراسة أن «الحرمان من النوم في الشهور الأولى للولادة له تأثير دائم في الصحة البدنية، فالنوم أقل من سبع ساعات في الليل يضر الصحة، ويزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالعمر، لذلك يعد النوم الجيد ضروريًّا تمامًا مثل ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي».
وهذه حلول مقترحة لنوم أفضل
«لو يأتي النوم هكذا.. لو يأتي نوم طويل ونسيان» *بهاء طاهر، رواية «نقطة النور»
لأن تحديد المشكلة هو نصف حلها، إذا كنت تظنين أنك تعانين من مشكلات صحية تتعلق بانخفاض جودة النوم لديكِ كأم، إليك مجموعة من النصائح التي من شأنها تحسين جودة النوم لديك، وإيجاد عادات نوم جيدة من الآن فصاعدًا:
- اذهبي إلى الفراش واستيقظي في الوقت نفسه كل يوم.
- تجنبي الكافيين خاصةً في فترة ما بعد الظهر والمساء.
- تجنبي التدخين والنيكوتين.
- تمرني بانتظام ولا تهملي في ممارسة الرياضة، مع عدم ممارسة الرياضة في وقت متأخر جدًّا من اليوم.
- تجنبي الوجبات الكبيرة والمشروبات في وقتٍ متأخرٍ من الليل.
- لا تحصلي على قيلولة بعد الساعة الثالثة مساء.
- استرخي قبل النوم بواسطة شيء مناسب لك، كحمام دافئ، أو موسيقى هادئة أو القراءة.
- حافظي على درجة حرارة غرفتك.
- تخلصي من المشتتات والضوضاء كالتلفزيون أو الكمبيوتر أو الموبايل.
- إذا لم تتمكني من النوم خلال 20 دقيقة، لا تبقي مستلقية، وأنتِ مستيقظة في السرير، انهضي ومارسي شيئًا ما ثم عودي وحاولي مرة أخرى.
- إشراك الزوج ضروري، حتى إن هناك برامج للأسر والآباء من أجل إشراكهم في رعاية الطفل.
- احصلي على قليلٍ من النوم الإضافي مثل أخذ قيلولة أثناء النهار أثناء نوم طفلك، الأولوية لنومك وليس لتنظيف المنزل.
- اقبلي أي عروض للمساعدة من العائلة والأصدقاء فأنت بحاجة لها حقًّا.
- لا تتنازلي عن القيلولة فبحسب دراسة حول دور القيلولة في التعافي، وجد باحثون أن الحصول على قيلولة عقب نوم مضطرب له تأثيرات في التخلص من التوتر والتأثيرات المناعية السلبية للنوم السيئ.