لو انقطعت خدمة الإنترنت عنك وأنت تقرأ هذا التقرير ستشعر بأن الحياة خاوية من حولك، وبأنك معزول عن العالم، وكل مصالحك مُعطلة، فقد أصبحت التكنولوجيا جزءًا أساسيًّا في حياتنا، ووجدت طريقها لكل تفاصيل يومنا، لكن هل يمكن أن تصل إيضًا إلى الملابس التي نرتديها؟ وهل يمكن في يوم من الأيام أن تنقر على ملابسك عدة مرات لتدفع ثمن الأشياء التي اشتريتها إلكترونيًّا وفي الحال؟ هذه الفكرة لم تعد أمرًا مستحيلًا بعد الأبحاث والمحاولات التي يسعى إليها العلماء لتطوير «الملابس الذكية».
و«الملابس الذكية» أو «حوسبة الملابس» مصطلح يطلق على الملابس المجهزة بالقدرات نفسها التي تملكها الأجهزة الذكية، وفي هذا التقرير نخبرك عن آخر ما توصل إليه العلم في حوسبة الملابس وإدماج التكنولوجيا بملابسنا.
تقرأ أفكارك وتقيس نبضك.. ماذا تفعله «الملابس الذكية»؟
إدماج التكنولوجيا بالملابس أمر يشغل العلماء منذ عدة سنوات، ويقول هوشينج بينج أستاذ علوم البوليمرات (علوم الجزيئات الكبيرة) والهندسة الكيميائية في جامعة فودان؛ إن إدماج الذكاء الاصطناعي بالملابس كان يعد تحديًا للعلماء بسبب عدم توافق المواد الصلبة التقليدية الخاصة بالتكنولوجيا الذكية بسهولة مع المنسوجات، فمن الصعب تطوير أنظمة تكنولوجية تُطوى وتُغسل وتتحمل الارتداء والأتربة والعرق.
وفي منتصف عام 2021 نشر مجموعة من الباحثين في الصين بمجلة «نيتشر» العلمية دراسة بعنوان «Large-area display textiles integrated with functional systems» أو «مساحات كبيرة من العرض على المنسوجات مزودة بأنظمة تشغيل»، وكان هدف هذه الدراسة هو دراسة كيفية إتاحة وإدراج شاشات العرض في الملابس بغرض ابتكار ملابس ذكية متاحة للجميع، وتوقعت الدراسة أن تكون المنسوجات هي الجيل التالي من الإلكترونيات من بعد المواد الصلبة.
الباحثون في هذه الدراسة، والذين نجحوا بالفعل في تطوير تلك التقنية بـ«الملابس الذكية» وضحوا في دراستهم أنها ستعمل بالطاقة الشمسية، مؤكدين أنها ستكون عملية وتصلح للحياة اليومية العادية وليست للرياضة فقط، وسيكون في أكمام الملابس شاشات تعمل باللمس، ولفتوا إلى أن تلك التقنية قد تتحول مع التطوير إلى أداة لقراءة الأفكار لأولئك الذين فقدوا القدرة على الكلام من خلال قراءة الإشارات العصبية للمخ.
ومن الصين لأمريكا؛ نجد جهودًا مشابهة في السنوات الأخيرة لتطوير «الملابس الذكية» إذ أعلنت كل من شركات «Nextiles» و«Apple» و«Samsung» و«Google» عن دراسة أفكار حول ما أطلقت عليه «حوسبة الملابس».
وفي هذا السياق صرح جورج صن الرئيس التنفيذي لشركة «Nextiles» والمدير التنفيذي السابق لمصمم الملابس الرياضية «Puma» بأن تلك الخطوة ستكون مهمة جدًّا للملابس الرياضية لأنها توفر قياس ضربات القلب والنبض للرياضيين بشكل أفضل من الساعات التي يرتديها الرياضيون في أيديهم.
هل «الملابس الذكية» متاحة في الأسواق؟
على الرغم من أن حوسبة الملابس ما زالت تحت الدراسة والتطوير، فإن هذا لم يمنع ظهور بعض أشكال الملابس الذكية في الأسواق، إلا أن الغرض من معظمها رياضي أو صحي، وكان شعار «طريقة أذكى للركض» وسيلة فعالة لشركة «سينسوريا» التي أصدرت «الجوارب الذكية»، وهي مخصصة لممارسي رياضة الركض والتي تتيح معلومات دقيقة عن الأجزاء التي تعاني من أكبر كمية ضغط أثناء الجري في قدم من يرتديها، وبعد توصيل تلك الجوارب بالهاتف الذكي، ترسل تلك المعلومات إليه، لتكون تلك الجوارب عاملًا مساعدًا للرياضيين أثناء ممارستهم الركض.
إعلان تلك الجوارب الصادرة من شركة «سينسوريا»
وفي عام 2017 حاولت «بيتزا هت» استغلال تقنية «الملابس الذكية» في الدعاية لأطعمتها من خلال إصدار أعداد محدودة من الأحذية المزودة بأزرار يمكن من خلال ضغطة واحدة بقدم من يرتديها، أن يطلب البيتزا للعنوان المسجل لبيته على هاتفه، بعد أن يوصل الحذاء بهاتفه الذكي.
ولكن لم يكن لتلك الأحذية أي استخدام آخر سوى طلب البيتزا من فروع «بيتزا هت» فقط، ولذلك لم تكن تقنية تكنولوجية كبيرة من وجهة نظر الباحثين، ولكنها كانت طريقة غريبة ومميزة للدعاية استطاعت استغلال فكرة الملابس الذكية.
الإعلانات التي انتشرت عن الأحذية التي تطلب البيتزا
ومنذ العام 2016 خطت شركة «سامسونج» الخطوات الأولى في اتجاه إنتاج الملابس الذكية، مستهدفة في منتجاتها رجال الأعمال، وقدمت ما يعرف الآن باسم «بدلة العمل الذكية»؛ وهي بدلة مجهزة بأكثر من زر يمكنها أن تتحكم بشكل كامل في الهاتف الذكي الموصلة إليه، كما يمكنها التفاعل مع الأجهزة الأخرى المحيطة بها.
وقدمت «سامسونج» في العام نفسه أحزمة من شأنها مراقبة العادات الغذائية ووزن من يرتديها وترسل للهاتف بيانات وتحذيرات بهذا، ويمكنه أن يرسل لك رسالة على الهاتف يخبرك بأن ما تأكله الآن يضغط عليه! كما أطلقت حقيبة تعمل بالطاقة الشمسية من شأنها شحن جميع هواتف «سامسونج» وهي داخل هذه الحقائب.
«البيجامات».. ملابس نوم ذكية
في عام 2019 نشرت دراسة بعنوان «mart sleepwear: Introducing ‘phyjama,’ a physiological-sensing pajama» أو «ملابس نوم ذكية: نقدم لكم بيجاما»، وفيها أكد العلماء أن التقنية التي عملوا على تطويرها يمكن إلحاقها بالملابس المخصصة للنوم، والتي من شأنها امتصاص حرارة الجسم وإطلاق أشعة تحت الحمراء وفقًا لدرجة حرارة جسم من يرتديها بغرض زيادة جودة النوم وتحسين استشفاء الجسم والعضلات، وإخبار من يرتديها بعدد ساعات نومه، وما هو الوضع الأفضل صحيًّا له في النوم.
وتوقع الباحثون الرئيسيون في الدراسة أن المستقبل يحمل المزيد من الوعود فيما يخص تطوير الملابس الذكية المخصصة للنوم، عندما تثبَّت الملابس النشطة إلكترونيًّا على أجهزة المحمول لمراقبة معدلات ضربات القلب وإيقاع التنفس أثناء النوم.
وتعتمد تلك الملابس على أن منسوجاتها تكون حساسة فيسيولوجيًّا وقادرة على قياس العمليات الحيوية في جسم الإنسان، ولذلك أطلق العلماء عليها اسم «الفيجامات» بدلًا من «البيجامات»، ووضح الباحثون أن تلك النوعية من الملابس قد تُحدث طفرة في مجال الرعاية الصحية خاصة فيما يخص مراقبة المرضى المسنين، الذين يعاني الكثير منهم من اضطرابات النوم.
ملابس تكافئك عندما ترتديها
في عام 2018 قدمت ماركة «تومي» للملابس «الكاجوال» نوعًا من «الملابس الذكية» من شأنها تدوين عدد مرات ارتدائها من طرف المستخدم، ومنحه في المقابل نقاطًا على حاسبه الشخصي يمكنه من خلالها شراء سلع أخرى أو شراء تذاكر حفلات موسيقية، ما يجعل قميصك المفضل الذي ترتديه دائمًا إذا كان من نوعية تلك الملابس الذكية؛ مصدرًا للمال والنقاط لك.
وتستطيع تلك الملابس تحديد الوقت والمسافات التي استخدمها فيها الشخص الذي يرتديها، وهي متاحة في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وصنفها موقع «Techcrunch» للمراجعات الإلكترونية بأنها تقنية سخيفة.
إذ تخلتف تلك التقنية في الملابس الذكية عن «الفيجاما» على سبيل المثال، فالأخيرة صنعت بغرض خدمة المستخدم وتقديم رعاية صحية له، ولكن ملابس «تومي» الذكية صنعت بغرض تقديم معلومات للشركة عن عملائها بغرض تحسين قدرتهم على البيع والشراء والتجارة في ملابسهم بشكل عام، وفي المقابل تمنح المستخدم نقاطًا يشتري بها أشياء أخرى من منتجاتهم.
وفي هذا السياق قدمت شركة «رالف لورين» للملابس؛ قميصًا ذكيًّا تابعًا لخط الإنتاج الخاص بها، والذي يطلق عليه «بولو تيك»، نهاية عام 2015، وهو قميص رياضي ذكي مخصص للرياضيين يمكنه استشعار وتتبع العلامات الحيوية لجسم الإنسان مثل التنفس، ومعدلات ضربات القلب، ومستويات التوتر، والسعرات الحرارية المحروقة أثناء التدريب.
لكن بالإضافة إلى الملابس الذكية المستغلة في الدعاية أو في الخدمات الصحية للمرضى والرياضيين، يسعى العلماء الآن إلى إتاحة الملابس الذكية لكل فرد لتكون مثل الهواتف الذكية أو لتعمل بدلًا من الهواتف الذكية، ومن المتوقع أنه في السنوات القادمة ستكون الأقمشة هي الحقل الجديد الذي ستغزوه التكنولوجيا.