دائما ما يثير “إدوارد سنودن” غضب الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية والغربية، بتسريب معلومات  دائما ما تصنف على أنها “سرية للغاية” وفقا لأجهزة الاستخبارات الأمريكية، معلومات من شأنها أن تكدر صفو العلاقة بين الدول الغربية “الكبرى” وقد تشكل تهديدا “على الأمن القومي” لأمريكا، فسنودن – المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية والمقيم في روسيا حاليا – تصدر اسمه مجددا في منتصف الشهر الجاري الأخبار الأولى لوسائل الإعلام الغربية.

ونرصد في هذا التقرير أسباب ذلك، وردود الأفعال الأمريكية البريطانية على ما حدث، ونسلط الضوء على بدايات سنودن، وأبرز القضايا الشائكة التي أثارتها تسريباته:

بداية ما الذي حدث؟

نشرت الصحيفة الإنجليزية “ذي صنداي تايمز” تقرير يفيد بتمكن روسيا والصين من فك تشفير معلومات سرقها سنودن وتقدر بمليون ملف، كشفوا تقنيات جمع المعلومات الاستخبارية ، والتي يمكن عن طريقها تحديد جواسيس وعملاء بريطانيا وأمريكا، وهو التقرير الذي حاز اهتماما بالغا في وسائل الإعلام العالمية التي تسارعت في نقله.

كيف تصرفت بريطانيا؟

 

“الوضع الآن ، أن الروس والصينيين لديهم معلومات ، وهذا يعني أنه كان يجب نقل العملاء ، وأن معرفة كيف نعمل أوقفنا من الحصول على معلومات حيوية” مصدر – بمجلس الوزراء البريطاني

وعليه نقلت المخابرات البريطانية (MI6) عملاءها من أماكنهم خوفا من أن تعرف روسيا أو الصين أماكنهم بعد اطلاعهم على الملفات التي سربها موظف الاستخبارات الأمريكي إدوارد سنودن، وذلك حسب ما قاله مصدر في مكتب رئيس الوزراء للصنداي تايمز.
وبالرغم من ذكر المصدر أن “يد سنودن ملطخة بالدماء”، أكد (مجلس الوزراء البريطاني) على أنه لا يوجد أي دليل على الإضرار بأي شخص نتيجة الكشف عن هذه المعلومات.

وكان مسؤولو المخابرات قد حذروا منذ فترة طويلة من الخطر الذي تمثله المعلومات التي سربها سنودن – منذ قرابة عامين – وتأثيرها المحتمل على أمن البريطانيين، وهو قلق عبر عنه كذلك رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.

وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند إن سنودن ألحق ضررا كبيرا بقدرة الغرب على حماية مواطنيه.

وأضاف لتلفزيون سكاي نيوز “فيما يتعلق بالمزاعم المحددة التي ظهرت هذا الصباح، لا يمكننا التعليق على أمور تخص العمليات المخابراتية ومن ثم لن أتحدث عما قمنا به أو لم نقم به حتى نخفف من آثار ما كشف عنه سنودن ولكن يجب ألا يشك أحد في أن إدوارد سنودن تسبب في ضرر كبير.”
وحذرت قيادة الأجهزة الأمنية في المملكة المتحدة من أن تصرفات سنودن أضرت بنشاط مكافحة الإرهاب، بالرغم من تأكيد سنودن أن البيانات الحاسمة لا يمكن الوصول إليها من قبل قوى أجنبية.

 وماذا عن أمريكا؟

كارثة ضخمة

هكذا وصف روبرت بير، الضابط السابق للمخابرات الأمريكية ((CIA، حصول الصين وروسيا على معلومات سرية من الوثائق التي سربها سنودن.
واعتبر “بير”  ما حدث على أنه “أسوأ كارثة تجسس عانى منها الغرب على الإطلاق”، وحذر “بير” من أن الدول الأجنبية من الممكن أن تحصل على رموز تشفير لمعلومات الأمريكا والبريطانية المخترقة، وهو ما يعني أن تلك الدول تستطيع الوصول لمكالمات سرية استخباراتية وعسكرية.
وتعليقا على تأثير  سحب عملاء المخابرات، قال بير: “يزداد عداء روسيا يوما بعد يوم، وإذا كنا سنغلق المحطات ونسحب العملاء، فلا أستطيع أن أحدد ما الذي سيجري ..  لا أستطيع تحديد مدى سوء ذلك”

وانتقد بير ، وكالة الأمن القومي الأمريكية ((NSA، للسماح لسنودن لتسريب الوثائق في بداية الأمر: “مافعله سنودن مستحيل، فعندما كنت أعمل مع الحكومة كان من المستحيل الإفصاح عن تلك المعلومات، وأنا لا أعرف مدى تفهمه للضرر الذي تسبب فيه”.

ما تم تسريبه يعبر عن عجز هائل لوكالة الأمن القومي الأمريكي، ولا أستطيع التصديق بأنه لم يقتل أحد بعد ذلك التسريب”.

عمل “بير” 21 عاما مع المخابرات الأمريكة (CIA)، وكان مكلفا بشأن الشرق الأوسط، والبعض يعتبره أفضل ضابط مخابرات عمل في المنطقة خلال فترة نشاطه، وبعدما ترك المخابرات الأمريكية أصبح كاتبا ومحللا، يكتب كتبا يتحدث فيها عن خبراته في العمل بالمخابرات الحربية.

 

ولم تظهر ردود أفعال رسمية أمريكية إزاء التسريب الأخير.

من هو سنودن؟

ملأ إدوارد سنودن الدنيا وشغل الناس منذ كشفه – منذ قرابة عامين – برنامجا تجسسيا سريا للحكومة الأمريكية لمراقبة اتصالات الهواتف والإنترنت، أو ما يعرف “بيريزم”. وبات المحلل الأمني السابق المطلوب الأول لواشنطن بعدما وضعته على لائحة “فاضحي أسرار أميركا”، حيث زعزعت الوثائق التي سربها لوسائل الإعلام ثقة الشعب الأمريكي بإدارة الرئيس باراك أوباما.

ولد سنودن في 21 يونيو 1983 وترعرع في منطقة “إليزابيث سيتي” التابعة لولاية كارولاينا الشمالية، وانتقل مع عائلته في وقت لاحق إلى منطقة ماريلاند قرب المقر الرئيسي لوكالة الاسخبارات المركزية  (سي آي أي)، ويقول إنه لم يشعر خلال نشأته بأن “الحكومة الأمريكية يمكنها أن تشكل تهديدًا لقيمه السياسية”.

وأقر المحلل السابق للمعلومات لدى “سي آي أي” ومسؤول النظم بمنشأة تتبع وكالة الأمن القومي الأمريكية، بأنه لم يكن من الطلبة المتميزين خلال مرحلته الدراسية، ولكي يحصل على علامات تؤهله للحصول على شهادة الثانوية العامة قام بالالتحاق بكلية مجتمع في منطقة ماريلاند ليدرس علم الكمبيوتر، لكنه تركها وحصل على شهادته في وقت لاحق.

التحق سنودن بالجيش الأمريكي عام 2003 وخاض برنامجا تدريبيا للالتحاق بالقوات الخاصة، لكن تم تسريحه من البرنامج عندما كُسرت كلتا رجليه خلال التدريب.

 


كشف الأسرار

وبعدها حصل سنودن على أول وظيفة له في مكتب وكالة الأمن القومي، وعمل في البداية حارس أمن لإحدى المنشآت التابعة للوكالة في جامعة ماريلاند، ومن هذه الوظيفة انتقل للعمل في وكالة الاستخبارات المركزية في قسم الأمن الإلكتروني، وبمعرفته الموسعة بالإنترنت وببرمجة الكمبيوتر تمكن من التقدم بسرعة في وظيفته بالنسبة لشخص لم يحصل على شهادة ثانوية.

وانتقل سنودن بعدها للعمل مع بعثة دبلوماسية في العاصمة السويسرية جنيف، حيث تولى مسؤولية الحفاظ على أمن شبكة الكمبيوتر، مما أتاح له الوصول إلى مجموعة كبيرة من الوثائق السرية.

ومع الكم الهائل من المعلومات التي وصل إليها، واختلاطه بعملاء وكالة الاستخبارات، بدأ سنودن بالتفكير بعد ثلاثة أعوام بمدى صحة ما يقوم به وما رآه، وفكر في الكشف عن أسرار الحكومة حينها.

لكنه توقف لأمرين، أولهما أنه لم يرد أن يكشف معلومات عن أشخاص ممن كانت الاستخبارات تراقبهم، ولم يرد أن يورطهم بالموضوع، والثاني بأن فوز أوباما بالرئاسة الأمريكية عام 2008 منحه الأمل في تحقيق إصلاحات في المستقبل.

غادر سنودن وكالة الاستخبارات عام 2009، ليعمل مع متعاقد من القطاع الخاص للتعاون مع وكالة الأمن القومي في قاعدة عسكرية باليابان، وفي الوقت الذي رأى فيه عدم وجود “تغييرات” في حكومة أوباما، قرر بأنه “لا فائدة من الانتظار ليقوم الغير بدور القيادة”، وخلال الأعوام الثلاثة التي تلتها أدرك سنودن بأنها كانت مسألة وقت قبل أن يعمد إلى كشف كل شيء.


صراع دولي

وأشار الشاب إلى أنه كان يعمل براتب جيد يصل إلى مائتي ألف دولار سنويًا، وكان لديه منزله الخاص في جزيرة هاواي الأمريكية، ولكنه “مستعد للتضحية بكل ما أملك لأن هذا التجسس يشكل تهديدًا حقيقيًا للديمقراطية التي ننادي بها في بلادنا”. وعند سؤاله عما إذا كان خائفًا، قال “أنا لا أخاف من شيء لأن هذا كان قراري”، ولكنه يخاف “أن تتعرض عائلتي للأذى”.

وفي مايو 2013 تقدم سنودن بإجازة من عمله بزعم أنه بحاجة لعلاج من مرض الصرع، وفي العشرين من الشهر نفسه هرب سنودن الذي يواجه اتهامات بالتجسس في بلاده من أمريكا إلى هونغ كونغ بعدما سرب تفاصيل برامج المراقبة السرية لصحيفتي الغارديان البريطانية وواشنطن بوست الأمريكية، ثم سافر بعدها إلى موسكو.

وأصبح مصير سنودن بؤرة صراع دولي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا التي لجأ إليها بعدما نقل إلى الصحافة كمية هائلة من الوثائق السرية لكشف مدى برامج المراقبة الإلكترونية الأمريكية وحماية الحريات الفردية. وتمكن سنودن في سياق عمله من تنزيل 1,7 مليون وثيقة سرية تظهر كيفية مراقبة السلطات مئات ملايين الأشخاص.

ولم تقتصر تداعيات الوثائق التي سربها سنودن على علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها وخصومها الخارجيين، بل أثارت عاصفة من ردود الفعل الداخلية، واستغل نواب جمهوريون في واشنطن قصة سنودن لتصوير أوباما على أنه زعيم غير كفء على صعيد السياسة الخارجية. وقال جمهوريون ينتقدون الرئيس إن الضجة بشأن سنودن علامة على ضعف أوباما والمكانة الدولية المتراجعة، وأن روسيا تستغل الولايات المتحدة.

 

أبرز القضايا المثيرة للجدل التي سربها سنودن

1- مراقبة المكالمات الهاتفية لـ35 قائدًا حول العالم

كشفت وثائق سربها “سنودن” – في نهاية عام 2013 – أن وكالة الأمن القومي الأمريكية، راقبت المكالمات الهاتفية لـ35 قائدا حول العالم بعدما حصلت على أرقامهم من خلال مسؤول “مجهول” بالحكومة الأمريكية.

ميركل: هل تتنصت على هاتفي يا أوباما؟ – الجارديان

هكذا عنونت جريدة الجارديان عقب تسريب تلك المعلومات، وأفاد تحقيق أجرته صحيفة ديرشبيجل الألمانية، بأن ألمانيا إحدى الدول المستهدفة من المراقبة الأمريكية، وهو ما أدى إلى توتر العلاقة بين البلدين.
واتهمت ميركل أمريكا بمخالفة الصداقة بين البلدين: “نحن نحتاج بأن نثق في حلفائنا وشركائنا، وهو ما يتطلب إعادة بناء لتلك التحالفات، لقد كررت أن التجسس بين الأصدقاء أمر غير مسموح به”.
وقال المتحدث الإعلامي باسم البيت الأبيض “جاي كارني” أن الولايات المتحدة “لم ولن تراقب” محادثات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهو ما انتقده مسؤلون في برلين مشيرين إلى أن أمريكا لم تنتقد (التنصت على) المحادثات في الماضي.

2-استخدام «داعش» للمواقع الإباحية

تفيد الوثيقة المسربة من الاستخبارات الأمريكية بأن المخابرات تسعى لمراقبة المتطرفين وتشويه سمعتهم من خلال إظهار التناقض بين السلوكيات الظاهرة وبين السلوكيات الخفية.
واستعرض التقرير بعض الأشياء التي يمكن استخدامها لتشويه سمعتهم منها “استعراض مواد جنسية صريحة” و”استخدام ألفاظ جنسية صريحة عند التواصل مع الفتيات الشابة قليلة الخبرة”.

ووجهت انتقادات لسنودن بأن تسريباته عن عمليات الاستخبارات الأمريكية «لعبت دورًا في صعود داعش». هذا هو الادعاء الخطير الجديد الذي كشفه النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، مايكل موريل، والذي كان أحد أبرز المسؤولين الاستخباريين الأمريكيين عندما بدأ سنودن بتسريب وثائق شديدة السرية إلى الصحفيين في العام 2013.
يذكر موريل في كتابه: «في غضون أسابيع من التسريبات، بدأت التنظيمات الإرهابية في تعديل تحركاتها في ضوء ما كشف عنه سنودن. فاختفت مصادر مراقبة المعلومات، وتغيرت التكتيكات». ويضيف أن من بين أكثر التسريبات التي أحدثت ضررًا، كانت تلك التي وصفت برنامجًا يجمع بيانات من البريد الإلكتروني للأشخاص داخل الولايات المتحدة.

تكريم سنودن

في نهاية عام 2014 منحت مؤسسة ستوكهولم  إدوارد سنودن جائزة نوبل البديلة لـ “شجاعته وموهبته في كشف الحجم غير المسبوق لمراقبة تقوم بها دولة مخالفة العملية الديمقراطية والحقوق الدستورية الأساسية”.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد