تُعد الفوتوغرافيا الاجتماعية أحد فروع فن التصوير الفوتوغرافي التي تسلط الضوء على الظواهر الاجتماعية في مجتمع ما، والتفاعلات والأنشطة بين أفراده. وقد أتاح التطور التكنولوجي – الذي أسفر عن الكاميرات الرقمية، وشبكة الإنترنت، ومواقع مشاركة الصور، ومنصات التواصل الاجتماعي – العديد من الأدوات والأساليب الجديدة للمصورين، ويسر التواصل الخلاق بينهم. كذلك أدت النزعة الاستهلاكية نحو السفر والمغامرة إلى زيادة عدد المصورين في العالم، والذين تربطهم الشبكات الاجتماعية.
لكن فن الفوتوغرافيا الاجتماعي ليس حديث العهد، أو وليد النهضة التكنولوجية المعاصرة، بل يرجع ظهوره إلى عقود طويلة. وقد برع فيه العديد من المصورين العالميين الذين حركوا الرأي العام وقلبوا الموازين بعدسات كاميراتهم. ومن بين أشهر هؤلاء المصور الأمريكي لويس هاين، الذي رصد بعدسته مظاهر عمالة الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية خلال بدايات القرن العشرين، وأثمرت جهوده في قلب الرأي العام الأمريكي ضد تلك الظاهرة التي كان مؤيدًا لها في البداية، وأوقدت شرارة الثورة ضدها.
فما هي قصة هذا المصور؟ وكيف خاضت حركات الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي حربها ضد عمالة الأطفال في الولايات المتحدة؟ وكيف أسهمت عدسة هاين في إشعال شرار حركة الإصلاح وإبقاء حماسها متقدًا؟
عمالة الأطفال.. الوجه القبيح للفقر!
رغم أن عمالة الأطفال كانت رائجة في معظم تاريخ البشرية، إلا أنها بلغت ذروتها خلال الثورة الصناعية. ومع بزوغ فجر صعود الآلة ونشأة المصانع كان هناك الآلاف من الأطفال الذين يعملون في كثير من الأحيان لساعات طويلة في ظروف خطرة مقابل القليل من المال.
وفي أوائل القرن العشرين كانت أمريكا تواجه انخفاضًا في أعداد الأيدي العاملة، ويوجد نحو 18% من جميع العمال الأمريكيين دون سن 16. أيضًا يوجد واحد من كل خمسة أطفال يعمل في المصانع، والحقول، والمناجم، وغيرها من الوظائف. أما عن القوانين المتعلقة بتوظيف الأطفال فلم يوجد منها الكثير، وإن وجدت فنادرًا ما كان يجري تطبيقها.
والأدهى من ذلك أن غالبية الأمريكيين أنفسهم في ذلك الوقت كانوا يدعمون دور الأطفال العاملين في المزارع العائلية، ولم يكن هناك سوى القليل من الوعي بالأشكال الأخرى من الأعمال، التي تقوم بها تلك الأيادي الصغيرة. وكان من الطبيعي جدًا رؤية أطفال من الذكور والإناث يعملون في حقول ومصانع القطن والنسيج، والمطاحن، ومناجم الفحم، ولف السجائر، وإيصال الرسائل، وتوزيع الصحف، يجوبون الشوارع حفاة على أقدامهم، أو على الدراجات.
وتعدد الأسباب خلف انتشار عمالة الأطفال، ومنها على سبيل المثال استفادة أصحاب الأعمال والمصانع من عمالة الأطفال؛ لصغر حجمهم الذي يسمح لهم بالتحرك في مساحات صغيرة في المصانع أو المناجم، في المناطق التي لا يستطيع البالغون وصولها، إلى جانب كون الأطفال أسهل في إدارتهم والتحكم بهم. وربما الأهم من ذلك كله حصول الأطفال على أجر أقل من البالغين.
فضلًا عن ذلك كان أحد أكبر أسباب انتشار عمالة الأطفال في الولايات المتحدة منذ القرن 17 وحتى بدايات القرن 20 الاعتقاد البروتستانتي بفضيلة العمل وخطيئة الكسل؛ إذ كان يجري تشجيع الأهالي على شغل أطفالهم بالعمل، بدلًا عن اللعب في الشوارع أو إضاعة الوقت بلا طائل؛ حتى لا يفسد الأطفال ويصبحوا كسالى.
ولم يكن ذلك الإصرار الصارم على شغل أيادي الأطفال في العمل مسألة إيمان فقط، ولكنه كان أيضًا ضرورة حتمية لدى كثير من الأسر الفقيرة؛ فقد أجبرهم الوجه المريع للفقر على إشراك أطفالهم في زيادة دخل الأسرة. وغالبًا ما كان يضطر الأطفال – العاملون للمساعدة في إعالة أسرهم – إلى التخلف عن التعليم.
كيف ساهم الاستعمار الإنجليزي في تعزيز ثقافة عمالة الأطفال؟
إلى جانب الاعتقاد البروتستانتي بفضيلة العمل، الذي كان يجري تبشير الأطفال والكبار به على حد سواء، كان هناك أيضًا الموقف الاستعماري الذي ورثته أمريكا عن مستعمريها الإنجليز، والذين كانت قوانينهم تجبر الأطفال على العمل في الصناعة بالإكراه، إن لم يفلح معهم التبشير، أو يجبرهم الفقر.
في أمريكا المُستعمَرة لم يكن عمل الأطفال موضع جدل، بل كان جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد الزراعي والحرف اليدوية. ولم يكن يعمل الأطفال فقط في مزرعة الأسرة، بل كان يجري توظيفهم في كثير من الأحيان للعمل مع مزارعين آخرين. وعادة ما كان يجري تدريب الأطفال الذكور على العمل ما بين سن 10 و14 عامًا.
وقد كان إدخال عمالة الأطفال في المصانع الأمريكية الأولى نتيجة طبيعية للموقف الاستعماري من عمل الأطفال، والأحكام والقوانين التي يشرعها قضاته. وطوال القرنين 17 و18 أظهرت سجلات بعض المحاكم وقوانين المقاطعات الأمريكية محاولات جادة مبذولة لنشر ثقافة محاربة الكسل بين الأطفال. على سبيل المثال: صدر أمر من المحكمة الكبرى والعامة في ولاية ماساتشوستس عام 1640 يُلزم قضاة المدن المختلفة ببحث السبل التي يمكن اتخاذها من أجل تعليم الأولاد والبنات في جميع المدن الغزل.
وفي العام التالي صدرت أوامر أكثر صرامة تنص على أنه لا ينبغي اعتبار الأطفال الذين يرعون المواشي في المزارع بمفردهم كادحين أو مجتهدين بالمعنى البروتستانتي، وأنه يجب على هؤلاء الأطفال الانخراط في أعمال أخرى مثل الغزل، والنسيج، والحياكة، وما إلى ذلك. علاوة على ذلك فقد صدرت أوامر في بلايموث تسمح للبلدية – بموجب القانون – بأخذ أطفال الأسر التي لا توظف أطفالها، ويجعل لها الحق في وضع هؤلاء الأطفال في العمل بوظائف تتناسب مع قوتهم وقدراتهم.
وقد تأثرت المستعمرات في أمريكا كثيرًا بالممارسات الإنجليزية في البلد الأم؛ حيث كان ينص القانون الإليزابيثي للفقراء في إنجلترا على تعليم وتوظيف الطفل الفقير. ويظهر جليًا في الأحكام المبكرة لذلك القانون، الذي كان ينظم التعامل مع الأطفال الذين لا يعولهم أحد، ويوفر لهم فرصًا للعمل، الإيمان بضرورة وصحة إبقاء الأطفال الصغار مشغولين في العمل. ونتيجة لذلك جرت الموافقة على إنشاء «الجهاز الخيري لتوظيف عمالة الأطفال الرخيصة»، وإنشاء مدارس تعليم الغزل، ودور صناعات من أجل توفير فرص عمل للأطفال في الجزء الأخير من القرن 17 والقرن 18.
فوتوغرافيا لويس هاين تسلط الضوء على عمالة الأطفال
كان لويس هاين مصورًا أمريكيًا استخدم فنه لجذب انتباه العامة إلى العلل الاجتماعية في المجتمع من حوله، وأحد أوائل المصورين الذين استخدموا الصورة أداة توثيق. وقد ولد هاين في أوشكوش في 26 سبتمبر (أيلول) عام 1874، وتلقى تدريبًا للعمل معلمًا وعالمًا اجتماعيًا في كل من شيكاجو ونيويورك. وبدأ في تصوير المهاجرين الذين احتشدوا في جزيرة إليس في نيويورك عام 1905، وصوّر المساكن الصغيرة والمصانع الاستغلالية التي أُجبر المهاجرون على العيش والعمل فيها، بالتعاون مع طلاب من مدرسة الثقافة الأخلاقية في نيويورك.
لاحقًا نُشرت هذه الصور في عام 1908، ونال ذلك المشروع اعترافًا بقيمة التصوير الوثائقي في التعليم. وفي العام ذاته عينت «اللجنة الوطنية لعمالة الأطفال (NCLC)»، التي كانت قد تأسست حديثًا لويس هاين لتوثيق حالات عمالة الأطفال وأماكن عملهم في جميع أنحاء البلاد. وعلى مدى ما يقرب من 10 سنوات عمل هاين لدى اللجنة الوطنية لعمالة الأطفال، وشاركت صوره في المعارض ونُشرت في إصدارات منظمة «ذا سيرفي The Survey». وأوضح أنه أراد إظهار الأشياء التي يجب تصحيحها.
عبر التصوير الفوتوغرافي عمل هاين على توثيق ظروف العمل والمعيشة القاسية للأطفال بين عامي 1908 و1924. وقد قطع آلاف الأميال من أجل تصوير الأطفال في مختلف الولايات الأمريكية، بدءًا من كارولينا الشمالية إلى فلوريدا، تتبعت عدسته الأطفال الذين كان يعملون في مناجم الفحم، ومحال الحلويات، والمزارع، والمصانع، ومحالج القطن. وبدأ رحلته بزيارة مناجم الفحم، ومصانع النسيج، والمدن الصناعية. وخلال رحلاته العديدة، زار هاين جميع المؤسسات والمصانع يوثق من خلال التصوير الفتوغرافي أوضاع الأطفال العاملين، وظروفهم القاسية.
وكان هاين يُخفي كاميرته ويرتدي ملابس متنوعة من أجل السماح له بالدخول. بالإضافة إلى ذلك كان يلجأ إلى اختلاق حجج مختلفة من أجل الوصول إلى هدفه والتقاط الصور؛ فتارة يزعم أنه بائع للكتاب المقدس، يريد أن ينشر العظة بين العمال في الداخل، وتارة يدعي أنه مفتش مصانع.
وقد عززت الصور التي التقطها هاين للأطفال العاملين في المناجم، والمصانع، وجمع القطن، ولف بكرات السيجار، وتوزيع نشرات الأخبار، نشر الوعي بمفهوم قضية عمالة الأطفال، ووضع وجوه أولئك الأطفال في صدارتها. واستخدمها المصلحون في زيادة الوعي العام بمخاطر عمالة الأطفال وسن التشريعات التي من شأنها حماية الأطفال العاملين، أو حظر عملهم. وتحتفظ مكتبة الكونجرس بمجموعة تضم أكثر من 5 آلاف صورة فوتوجرافية من الصور التي التقطها هاين في تلك الفترة، خلال عمله مع اللجنة الوطنية لعمالة الأطفال.
معركة الإصلاح وتداعيات الكساد الكبير
تعد نتائج الحركة الإصلاحية المكافحة لعمل الأطفال في الولايات المتحدة، أحد التغييرات الأكثر بروزًا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد على مدار القرنين الماضيين، لكن تلك الحركة لم تؤت ثمارها إلا بعد معارك طويلة في ساحات القضاء، وشن حملات التوعية، والتحلي بالكثير من الحلم والصبر، وتقبل الفشل في بعض الأحيان، وتجاوز عديد من الإخفاقات، والتعلم من الأخطاء والنهوض من جديد.
كانت الجهود المتفانية في تنظيم عمل الأطفال أو القضاء عليه سمة من سمات الإصلاح الاجتماعي في الولايات المتحدة منذ عام 1900. وقد قادت اللجنة الوطنية لعمالة الأطفال التي نُظمت في عام 1904، تلك الجهود بالتعاون مع عدد من لجان عمالة الأطفال.
استخدمت تلك المنظمات أساليب مرنة، وتمكنت من الصمود أمام إحباط الهزائم والتقدم البطيء. واستفادت أيضًا من خبرة أصحابها في تقنيات العمل السياسي الشامل، بما في ذلك التحقيقات التي أجراها الخبراء، واستخدام التصوير الفوتوجرافي بشكل واسع؛ لتوضيح ظروف عمل الأطفال السيئة. بالإضافة إلى النشرات، والمنشورات، والمراسلات الجماعية للوصول إلى الجمهور، واستمالته وكسب تأييده.
وربما كان من أهم النقاط التي توجب تغييرها في الوعي المجتمعي السائد في تلك الفترة، أن الأطفال كان يجري استخدامهم لتحقيق مكاسب مادية؛ بحجة تربية الطفل منذ طفولته على الإنتاجية، وتحمل العمل الشاق، ومحاربة الكسل. ونشر الوعي بأن الهدف الأساسي لتلك المؤسسات كان زيادة إنتاجيتها، ودفع أجور منخفضة للأطفال العاملين لديها.
ورغم التفاني في بذل الجهد في جميع تلك الأنشطة، إلا أن نجاح حركات الإصلاح اعتمد اعتمادًا كبيرًا على المناخ السياسي في البلاد، والتطورات التي قللت من الحاجة إلى عمالة الأطفال، واستغرق الأمر انهيار السوق خلال فترة الكساد الكبير؛ للتأثير أخيرًا على الرأي العام.
في البداية شددت لجان عمالة الأطفال على الإصلاح من خلال المجالس التشريعية في الولايات، خلال الفترة من عام 1902 إلى عام 1915. وجرى تمرير العديد من القوانين التي تقيد عمل الأطفال، جزءًا من حركة الإصلاح التدريجي خلال تلك الفترة، لكن ظلت هناك بعض الفجوات في تلك القوانين، خاصة في قوانين الولايات الجنوبية؛ ما أدى إلى ظهور الحاجة إلى إقرار قانون فيدرالي ينظم عمالة الأطفال. وقد أقر الكونجرس مثل هذه القوانين في عامي 1916 و1918، لكن المحكمة العليا أعلنت أنها غير دستورية.
على الجانب الآخر فقط استفاد رواد حركة الإصلاح من الكساد الكبير في معركتهم ضد عمالة الأطفال؛ فقد غير الكساد الكبير المواقف السياسية في الولايات المتحدة تغيرًا كبيرًا. أراد الأمريكيون خلال فترة الكساد الكبير، أن تذهب جميع الوظائف المتاحة للبالغين بدلًا عن الأطفال. وعملت غالبية التشريعات التي وضعت بموجب قانون الانتعاش الصناعي الوطني على الحد من عمل الأطفال.
بالإضافة إلى ذلك، وُضع قانون معايير العمل العادل (FLSA) لعام 1938، والذي حدد لأول مرة معايير الحد الأدنى للأجور الوطنية، والحد الأقصى لساعات العمل للعاملين في التجارة بين الولايات، إلى جانب وضع قيود على عمالة الأطفال. وأقر القانون بحظر عمالة الأطفال دون سن 16 في مجالات التصنيع، والتعدين. أما بالنسبة للزراعة، فيسمح القانون للأطفال في عمر 12 عامًا بالعمل في الحقول خارج ساعات الدراسة، ولكنه لم يضع حدًا لعدد هذه الساعات. وأما بالنسبة لمن هم في 16 من عمرهم وما فوق، فيسمح لهم القانون بالعمل في أي صناعة.
منظمة حقوق الإنسان العالمية تنتقد عمالة الأطفال في حقول التبغ الأمريكية
مع أن عمالة الأطفال قد جرى القضاء عليه اليوم في الولايات المتحدة بدرجة كبيرة، إلا أنها لا تزال موجودة في بعض المناطق. ورغم وجود القوانين الحالية التي تحدد عدد ساعات العمل بالنسبة للأطفال الذين لا يزالون يذهبون إلى المدرسة، يواصل بعض الأطفال العمل لعدد مفرط من الساعات، أو يشغلون وظائف محظورة. وتستمر انتهاكات قوانين عمالة الأطفال بين المهاجرين الفقراء من المزارعين، ويلجأ أرباب العمل في بعض المدن الأمريكية إلى توظيف أطفال المهاجرين غير الشرعيين، في محاولة لاستغلال العمالة القادمة من الدول ذات الأجور المنخفضة.
وفي تقرير أعدته «بي بي سي»، يقول فرناندو رودريجيز، أحد الأطفال العاملين في حقول التبغ الأمريكية، والبالغ من العمر 13 عامًا: «نستيقظ عادة في الرابعة أو الخامسة صباحًا، ونصل إلى المزرعة في حوالي السادسة. وأمضي يومي كله أتنقل بين صفوف التبغ، أجمع الورق، وأقطف الزهور، وغيرها من المهام». ويضيف: «يضع أغلب الناس أكياس القمامة على أجسادهم لحماية أنفسهم من المواد الكيميائية. وعندما عملت في اليوم الأول تعرض وجهي للكيماويات كثيرًا، ولم أدرك أنه يحترق حتى وصلت إلى المنزل».
وقد اعتاد المزارعون على زراعة التبغ في مساحات ساحلية واسعة في ولاية نورث كارولاينا منذ أجيال طويلة، ويعمل الأطفال في تلك المزارع منذ عقود تحت ضغط الفقر المدقع والأوضاع الإقتصادية القاسية. وقد حلت الأغلبية اللاتينية الوافدة إلى الولايات المتحدة محل السود، الذين كانوا يشكلون أغلبية العاملين في الحقول.
وفي بعض الأحيان ينتقل الأطفال مع عائلاتهم للعمل في ولايات أخرى لفترة من العام؛ ما يستدعي ترك مدارسهم في منتصف الفصل الدراسي. وكشفت رابطة «فرصة لعمال المزارع» خارج واشنطن أن معدل تسرب الطلاب المهاجرين من المدارس بلغت 60%.
وقد أصدرت منظمة حقوق الإنسان العالمية تقريرًا في عام 2014 عن أوضاع الأطفال في صناعة التبغ، تقول فيه إن هناك أطفالًا يعملون بالقرب من آلات ثقيلة، ويستخدمون أدوات خطرة، ويصعدون إلى العوارض الخشبية العالية بدون حماية.
وقالت مارجريت وورث، الباحثة في منظمة حقوق الإنسان العالمية: «لقد رأيت أطفالًا يدخلون الحقول ونباتات التبغ تعلو رؤوسهم، بينما كانت أوراق التبغ رطبة. وكان جلد الأطفال يمتص النيكوتين، وكثير ممن أجرينا مقابلات معهم تحدثوا عن أعراض تتفق مع تسمم النيكوتين الحاد مثل: الغثيان، والقيء، والصداع، والدوار».
وتعد الولايات المتحدة واحدة من ثلاث دول في العالم، التي رفضت المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة حول حقوق الطفل. ومن الناحية القانونية، لا تشكل عمالة الأطفال في الزراعة بالولايات المتحدة أية إشكالية، إذ إن القانون الفيدرالي يسمح للأطفال في عمر الـ12 عامًا بالعمل في الحقول، ويسمح لأطفال مالكي المزارع الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عامًا بالعمل في الحقول مع عائلاتهم كون العلاقة شخصية، لكن الظاهر حاليًا أن الأطفال يعملون لدى أشخاص آخرين؛ ما يعد ثغرة في القانون.
وتوجد محاولات لتعديل القانون الخاص بعمالة الأطفال في الزراعة، إلا أن هذه الجهود تواجه معارضة لوبي المزارع. علاوة على أن جماعات الضغط الزراعية تنفق ما يقرب من 6 ملايين دولار سنويًا؛ للاحتفاظ بسياسات الحكومة بعيدة عن المزارع وشركات الصناعات الزراعية الكبرى.
وتأمل المجموعات الحقوقية في تغيير القوانين الأمريكية، وتشريع سياسات أكثر صراحة تحظر عمل الأطفال. ويرغب النشطاء أن تتخذ شركات السجائر – بل حتى المدخنين أنفسهم – موقفًا أخلاقيًا تجاه عمل الأطفال في مزارع التبغ. ويأملون أن تستثمر شركات التبغ في تنمية المجتمعات المحلية؛ حتى يصبح لدى العائلات الفقيرة خيارات بديلة، ولا تشعر أن عليها المخاطرة بأبنائها.
وأخيرًا فمن الواضح أن الولايات المتحدة لم تنجح بعد في القضاء على جميع الانتهاكات وسوء استغلال الأطفال، ولكنها حققت هدف رواد حركة الإصلاح المناهضة لعمالة الأطفال، وحظرت بموجب القانون والممارسة العامة عمالة الأطفال بدوام كامل، وإن اختلفت الفعالية في تطبيق القوانين من ولاية إلى أخرى.