بعد ست سنوات من الحرب الدائرة بين الحركات المُسلحة في جنوب السودان، أعلن قادة هذه المجموعات المُسلحة في اتفاق تاريخي إطلاق مرحلة انتقالية ستستمر لمدة ثلاث سنوات، يتم خلالها وضع الدستور الدائم، وتجري بعدها انتخابات على كل المستويات، بعد التزام كُل طرف الهدنة بعد نزاع مُسلح دام لسنوات طويلة.
بتنفيذ أولى بنود هذا الاتفاق حول تقاسم المناصب والسلطة، الذي حضره ممثلون دوليون وقادة دول أفريقية، ينتهي الخلاف بين قبيلتي الدينكا، واسعة الانتشار، والنوير، خصمها اللدود، والذي تسبب في اندلاع حرب مُسلحة في ديسمبر (كانون الأول) 2013 بعد عامين من استقلال البلاد. حولت هذه الحرب البلاد إلى ساحة للنزاع، وأفقدته كثيرًا من ثرواته، لتنعكس على أحوال مواطنييه من تعرضهم لظروف معيشية صعبة، إذ أصبح الفقر و«التجويع المتعمد» هما الشعار الرئيس لحياتهم.
في التقرير التالي نستعرض احتمالات اندلاع الحرب من جديد، والفرص الممكنة لصمود هذا الاتفاق أمام أي خرق محتمل من الأطراف المتنازعة، ونسأل عما إذا كان سينعكس على تحسين الأوضاع المعيشية لمواطني جنوب السودان أم لا.
اتفاق تاريخي في جنوب السودان.. من هُم أطراف الاتفاق وهل سيصمد؟
بعد حرب دامت ستة أعوام في جنوب السودان بين رجلين، مثل كُل واحد منهم قبيلته في النزاع، وخلفت ما يقرب من 400 ألف قتيل، وصل المتنازعان في الدولة، التي انفصلت عن السودان في عام 2011، للمحطة الختامية لتوقيع اتفاق تهدئة يشمل جميع الخصوم، وتوزيع الصلاحيات والسلطات من جديد، تجنبًا لعودة العنف المُسلح من جديد.
والرجلان المتنازعان اللذان أدخلا بلادهم في حرب مُسلحة طويلة هما الرئيس سلفاكير ميارديت، ونائبه السابق ريك مشار، وزعيم المتمردين المُسلحين. وبدأت وقائع الصراع بين الرجلين، عام 2011، حين تولي كير منصب الرئاسة ومشار منصب نائب الرئيس؛ قبل أن يُقيل الأول مشار عام 2013، بعد اتهامه بمحاولة الانقلاب ضده؛ ليثار غضب الأخير، وتنشب حرب أهلية، وصراعًا عرقيًا بين قبائل الدينكا واسعة الانتشار التي ينتمي إليها كير وقبائل النوير التي ينتمي إليها مشار.
وكان العامل الحاسم للإعلان عن تشكيل الحكومة وتقسيم هياكل السلطة، هذه المرة، عقب إرجائه مرتين، هي العقوبات الأمريكية التي لوحت بها واشنطن حيال كُل شخص يخرق الاتفاق، أو يتحايل عليه، لتدفع الخصوم لتقديم تنازلات على مستوى سلطات كُل واحد والتعيينات الحكومية التي تقاسماها، فالرئيس الجنوب سوداني سيلفا كير وافق على العودة الى تقسيم الـ10 ولايات بعد أن كانت 32، متخليًا عن خطته لإنشاء ثلاث مناطق إدارية تحيط بحقول النفط الرئيس، بينما تنازل الطرف الآخر مشار عن قيام قوات كير بتأمين الحماية له بانتظار تشكيل قوة موحدة لحماية الشخصيات كما هو مقرر.
وفشلت الوساطات أو اتفاقات التهدئة خلال السنوات الماضية في الصمود أمام الحرب المستعرة، والتي كان أبرزها اتفاق عام 2015، حين عاد مشار إلى منصبه نائبًا للرئيس مع ميليشياته الخاصة، لكن سرعان ما تجدد النزاع بين الخصمين، حتى تنفيذ أولى مراحل الاتفاق الحالي، قبل أيام، والذي أُبرم في سبتمبر (أيلول) 2018.
هل سينعكس اتفاق السلام على على أوضاع الشعب الذي يعيش «تحت خط الفقر»؟
يُشكل انعكاس توقيع اتفاق السلام، بين الخصوم المتنازعة، على تحسن أوضاع سكان جنوب السودان، أحد المحددات الرئيسة للحكم على نجاح الاتفاق من عدمه، في ظل الأهوال التي عاشها هؤلاء السكان تحت الحرب الدائرة لسنوات طويلة. وأسفر النزاع طوال نحو ست سنوات عن مقتل أكثر من 380 ألف شخص وسط تفاقم أزمة إنسانية مأساوية. وتشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنّ أكثر من 4 ملايين شخص فروا من منازلهم، بينهم نحو 2.2 مليون نزحوا إلى الدول المجاورة أو طلبوا اللجوء فيها.
وأظهرت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة تعرض شعب جنوب السودان لـ«تجويع متعمد» في أنحاء عديدة من البلاد لـ«أسباب عرقية وسياسية» خلال سنوات الحرب، في ظل «انتهاكات رهيبة» لحقوق الإنسان، ومنها استمرار استخدام العنف الجنسي ضد النساء والرجال كسلاح من جانب القبائل المتنازعة. من بين الوسائل التي كشفت عنها الأمم المتحدة أن «طرفي النزاع» عملا على «تدمير المحاصيل أو منع سبل الوصول إلى مياه الآبار واتباع سياسة تجويع السكان و«الحرمان من الوصول للمساعدات الإنسانية والتشريد» لإجبارهم على الاستسلام.
وكشفت الأمم المتحدة بأنه لا يزال هناك أكثر من 1.4 مليون مدني مشردين داخليًا في البلاد، وأن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء من جنوب السودان يصل إلى نحو 2.2 مليوني شخص، بينما يُقدر التقرير بأن زهاء 6.5 ملايين شخص في جنوب السودان «سيعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد في ذروة موسم الجوع» بين مايو (أيار) ويوليو (تموز)، ويعيش نحو 82% من 11 مليون مواطن تحت خط الفقر بحسب مجموعة البنك الدولي في 2018. وتحل الدولة في المرتبة 186 من أصل 189 في ترتيب مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
يختتم موسيس تصريحاته لـ«ساسة بوست» بالتأكيد على أن دخول أطراف دولية للاستثمار في المناطق الغنية بالنفط في جنوب السودان، بعد توقيع الاتفاقية، سيكون عاملًا مساعدًا في تنمية موارد البلد، وإشارة دالة على استقرار الأوضاع، مؤكدًا أنه في كُل الأحوال ستكون أفضل للجنوبيين.