عُرف عن وسائل التعذيب المُستخدمة في القرون الوسطى سواء من أجل العقاب أو الاستجواب؛ مدى قسوتها ووحشيتها، ولكن تعتبر محاكم التفتيش الإسبانية من أهم الأماكن التي استخدمت تلك الوسائل وخاصة أدوات التعذيب الجنسي التي ملأت أرجاء المحكمة بالصراخ طلبًا للرحمة.
في العام 1478؛ أنشأ ملك إسبانيا فرديناند الثاني محاكم التفتيش الإسبانية هو وزوجته الملكة إيزابيلا الأولى؛ بغرض تعذيب اليهود والمسلمين تمهيدًا لطردهم من إسبانيا؛ وهذا لتخلفهم عن ركب الانضمام للديانة المسيحية، واحتفاظهم بإيمانهم الحقيقي في قلوبهم.
كل ممارسات تلك المحاكم المتطرفة في التعذيب كانت تحت أعين البابا وبموافقته، ولذلك كان الحكم يأتي من محاكم التفتيش دون إجراء تحقيقات؛ فرمي التهمة على أي شخص كان سهلًا للغاية وكأنها حملة تطهير ليس لها ضوابط أو مُراقب، وكل لم يعتنق المسيحية هو مُهرطق؛ والمُهرطق جزاؤه التعذيب حتى الموت؛ الأمر الذي راح ضحيته آلاف الضحايا من النساء والرجال.
وسائل التعذيب في محاكم التفتيش الإسبانية كانت متنوعة، فلم يكن هناك وقتها جمعيات لحقوق الإنسان، أو رقابة على تلك الممارسات؛ فظهرت آلات تعذيب تكحت الجلد من على العظم، وتملأ الجسد بالمياه، وتعلق الأجساد من الأذرع حتى تتمزق، ولكن ظلت وسائل التعذيب الجنسية هي الأكثرة قسوة من وجهة نظر البعض؛ نظرًا لاختيار تلك المحاكم لأكثر الأعضاء حساسية وإيلامًا في جسد الإنسان؛ بغرض الوصول به لأقوى مراحل التعذيب النفسي والجسدي في آن واحد. وأيًا كانت تهمة الضحية؛ بداية من تهمة السحر والشعوذة وصولًا بتهم الهرطقة والكُفر؛ فكل أدوات التعذيب مُتاحة للجميع وجاهزة لاستقباله.
مقعد يهوذا.. تألم ولا تتحرك
حينما دخل المتهم الأول؛ ونظر إلى هذا الجهاز المعدني الشبيه بالمقعد، والذي يزينه قمة هرمية خشبية؛ هل كان يتخيل ما ستفعله تلك الآلة بجسده؟
مقعد يهوذا أو مهد يهوذا هو واحد من أهم آلات التعذيب في محاكم التفتيش الإسبانية، وعلى الضحية الجلوس عاريًا على تلك القمة الهرمية؛ حتى تجد قمة الهرم طريقها بقسوة إلى فتحة المهبل أو فتحة الشرج، وتشق طريقها إلى داخل جسمه مصحوبة بصرخات الضحية المستجدية، والتي عادة لا تعرف ما ارتكبته من ذنب؛ لتمر بكل هذا العذاب الجسدي والنفسي.
لوحة تُجسد طقس التعذيب على مقعد يهوذا في محاكم التفتيش الإسبانية. مصدر الصورة موقع « cvltnation»
حين يجتاح الألم جسد الضحية؛ ليس عليه أن يتحرك، وعليه أن يصرخ بهدوء أو يكتم صرخته؛ وهذا لأن أي حركة تصدر عن جسده؛ تزيد من فعالية وقدرة كرسي يهوذا على التعذيب، ولكن حتى إذا التزم بعدم الحركة؛ لن يتركوه وشأنه؛ بل سيضعون بعضًا من الزيت على قمة الكرسي الهرمية حتى يمهدون لها الطريق داخل جسم الضحية.
في حالة استخدام هذا المقعد في أغراض الاستجواب وليس التعذيب فقط؛ قد يستمر التعذيب من عدة ساعات لعدة أيام وفقًا لقدرة الضحية على الصمود، وإذا كانت عزيمة الضحية قوية؛ فيأتي دور المُشرف على آلة التعذيب ليحرك ساقي الضحية بنفسه ليزيد من الألم، أو يرفعه لأعلى ويجعله يسقط مرة أخرى على قمة الهرم المُدببة.
وفي كل الحالات وبغض النظر عن غرض التعذيب؛ فنهاية الضحية المحتومة هي الموت، فإن لم يمت من الجروح وفقدان للدماء، فسيموت من العدوى الموجودة على آلة التعذيب والتي لم تلق محاكم التفتيش الإسبانية بالًا لتنظيفها بين الضحية والأخرى. وتلك الأداة في التعذيب تعتبر من أشهر أدوات التعذيب وأقساها على مر التاريخ؛ الأمر الذي أهلها للانضمام إلى متحف التعذيب الموجود بألمانيا.
الحِمار الإسباني.. امتطاء الألم
ركوب الخيل رياضة الفُرسان، ولكن من يجلس على الحِمار الإسباني أو الحصان الإسباني؛ فلن ينتهي به الأمر فارسًا أبدًا، تلك الأداة واحدة من أدوات التعذيب التي ابتكرتها محاكم التفتيش الإسبانية، والتي استخدمها من بعدها العديد من المحاكم في أوروبا بالعصور الوسطى.
إحدى قطع الحِمارالإسباني في متحف التعذيب. مصدر الصورة موقع «picssr»
على الضحية أن تتجرد من ملابسها تمامًا، سواء رجلًا أو امرأة، ومن ثم الجلوس على قمة الحمار، وعكس الحمار العادي الذي استضاف جسد الإنسان لسنوات بالراحة وحمله لمسافات بعيدة؛ فتلك الآلة ظهرها مُدبب مثل السكين، ولم تكتف محاكم التفتيش الإسبانية بجلوس الضحية على قمة تلك الآلة؛ بل كانوا يربطون في قدمه أوزان ثقيلة لضمان أكبر قدر من احتكاك الأعضاء الجنسية للضحية بالظهر المُدبب؛ حتى تبدأ الدماء في التدفق؛ فيطلب من الضحية الاعتراف، أو الرجوع عن الفعل المتهم به والذي يُعذب بسببه سواء كان الهرطقة أو السحر، وإن لم يستجب؛ يضعون المزيد من الأوزان الثقيلة على أقدامهم، ليزداد الألم وتنهمر الدماء؛ حتى تفقد الضحية وعيها، وينقسم جزؤها السفلي إلى نصفين؛ ليموت فوق تلك الأداة.
تلك الأداة موجودة الآن في متحف التعذيب بأمستردام، ومن فوقها دُمية لامرأة تُدعى مادلينا لازارس، والتي تُعتبر من أشهر النساء اللاتي تعذبن على هذا الحِمار الإسباني، حينما تعرضت للعديد من وسائل التعذيب التي لم تقتلها، حتى جاء دور تلك الأداة والتي أودت بحياتها، ويُذكر في التاريخ أنها ظلت فوق تلك الأداة حتى تهتكت أعضاؤها التناسلية وشق الحِمار طريقه إلى عظام الحوض حتى دوى صوت تحطم عظامها في قاعة محكمة التفتيش الإسبانية.
الكمثرى القاتلة.. فاكهة مُحرمة
الكُمثرى صديقة النساء، ودائمًا ما تجد صورها على دعايات منتجات الرشاقة التي تستهدف النساء، ولكن لتلك الفاكهة صاحبة الفوائد المتعددة ذكرى مؤلمة تحمل اسمها، فواحدة من أهم وسائل التعذيب الجنسي في محاكم التفتيش الإسبانية كان يُطلق عليها الكُمثرى القاتلة أو المُعذبة، والتي يبدو شكلها مثل هذه الفاكهة ولكنها قاتلة.
أداة التعذيب في مراحل فتحها الثلاث. مصدر الصورة موقع «thevintagenews»
تلك الأداة مؤلمة للغاية، وصُنعت خصيصًا لتعذيب المرأة جنسيًا؛ حينما تتهمها محكمة التفتيش الإسبانية بممارسة السحر والشعوذة، ولكن كانت تستخدم مع الرجال المتهمين بممارسة المثلية الجنسية أو الهرطقة أيضًا، وتعمل تلك الأداة عن طريق إدخالها ببطء في مهبل أو فتحة الشرج للضحية، وفي تلك الحالة تكون على شكلها الأول ومغلقة، وفي المرحلة الثانية من التعذيب تُفتح تلك الآلة والتي تتكون أضلاع تتمدد داخل الضحية، وتغرس به مجموعة من الأسنان الحادة والمؤلمة. والمرحلة الثالثة وهي الأكثر إيلامًا؛ إخراج تلك الأداة من داخل الضحية وأضلاعها مفتوحة؛ حتى يتمزق جلد الضحية وأعضاؤه الداخلية.