قبل أن تهنأ «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) بجني ثمار تقاربها مع الحكومة المصرية، نغّص عليها قرار تنظيم «ولاية سيناء» بإغلاق الأنفاق الحدودية أمام نقل أية بضائع للحركة في قطاع غزة المحاصر منذ ثلاثة أسابيع.

وفيما يبدو فقد قرر التنظيم معاقبة حماس؛ لعدة أسباب ناجمة ـ إلى حد كبير ـ عن هذا التقارب، كضبط الحدود، واعتقال عناصر التنظيم، ومنع علاجهم في مستشفيات القطاع، إضافة إلى تشدد حماس في منع ميل بعض عناصرها لفكر التنظيم أو التعاطف معه، و هو ما استُخدم من قبل «ولاية سيناء» كورقة ضغط لتخريب التقارب مع النظام المصري، عندما نشر قبل أيام صورًا لهؤلاء وهم قتلى تحت رايته.

«ولاية سيناء» يُعاقب حماس

حالة سكون تجارية تامة في المنطقة الحدودية بين مصر وقطاع غزة؛ بعد أن قضى قرار «ولاية سيناء» بمنع دخول أية بضائع للقطاع، بغلقه الأنفاق الحدودية التي استطاعت البقاء بعد حملة النظام المصري للقضاء عليها منذ 2013.

وبحسب مصادر تحدث لها «ساسة بوست»، هدد التنظيم أصحاب الأنفاق من الجانب المصري، حال استخدامها لتهريب أية بضائع للجانب الغزاوي؛ ليحكم بقوة الفعل سيطرته على حركة هذه الأنفاق، التي تعد حجرًا صغيرًا مُلقى في مياه القطاع المحاصر.

ويحتجز التنظيم وسائل قتالية وعسكرية، ومواد خام تستخدم في تصنيع الصواريخ والمتفجرات وغيرهما، ويمنع إدخال أية مواد تجارية، رابطًا عودة الأمور لسابقها بإطلاق حماس جميع عناصره من سجونها، وخاصةً من هم على علاقة مباشرة بالتنظيم في سيناء.

ويرى الباحث في معهد واشنطن «إهود يعاري»، أنه على مدار العامين الماضية ساعد التنظيم في سيناء حركة حماس على نقل الأسلحة من إيران وليبيا عن طريق الجزيرة العربية، مع حصوله على حصة كبيرة من كل شحنة، مُوضحًا أن حماس تعتمد بشكل كبير على توجيهات بدو سيناء؛ لتجنب اكتشاف هذه الشحنات من قبل القوات الأمنية المصرية؛ «لتتمكن من الوصول إلى الأنفاق القليلة التي نجت من الحملة الشرسة التي شنتها مصر لإغراق الأنفاق بالمياه وإغلاقها»، حسبما قال.

وقال يعاري: إن هذا التعاون السابق بين الحركة والتنظيم، كان يحدث تحت إدارة عدد قليل ممن أسماهم بـ«القادة رفيعي المستوى» من كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مُؤكدًا أنه كان يحدث بشكل شبه مُستقل، «دون الحصول على موافقة مسبقة من خالد مشعل في قطر، أو حتى إسماعيل هنية في غزة»، على حد قوله.

حقيقة تقارب حماس مع «ولاية سيناء»

تُعد العلاقات الاقتصادية، مربط الفرس، في العلاقة بين حماس و«ولاية سيناء»، التنظيم الذي أوجدته الجغرافية في منطقة حيوية لحركة حماس التي تمسك بزمام الحكم في قطاع غزة المحاصر منذ العام 2007.

ويؤرَّخ لهذه العلاقة الاقتصادية حتى قبل ظهور «ولاية سيناء»؛ كون أبناء القبائل في سيناء المكون الأساسي للتنظيم الآن، ومن بينهم «شادي المنيعي»، أحد قياديي التنظيم الآن، والذي ارتبط بعلاقات تجارية عبر الأنفاق مع حماس، قبل انضمامه للتنظيم، ثم بعد انضمامه له في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 كانت حماس مضطرة لاستمرار المنفعة المتبادلة.

القيادي في «ولاية سيناء» شادي المنيعي

وعن هذا تقول الباحثة في «معهد دراسات الأمن القومي» (INSS)«ينيديتا برتي»: إن حركة حماس «لا تحبّذ المجموعات الجهادية في سيناء، لا بل أكثر من ذلك، تنظر بعين الشك إلى احتمالات التعاون بين الخلايا الموالية لتنظيم داعش في غزة وتنظيم ولاية سيناء، إدراكًا منها للتهديد الذي يمثّله جهاديو غزة على الاستقرار في القطاع»، مُستدركةً «إلا أن تجنُّب الدخول في عداوة مع تنظيم ولاية سيناء الذي يملك إمكانات أكثر تطورًا إلى حد كبير، يمنح حماس قوة في مواجهة هذا التهديد. إن تأمين الحماية للقياديين في محافظة سيناء، أو على الأقل الموافقة على وجودهم في غزة، يسمح لأجهزة الاستخبارات التابعة لحركة حماس بأن تكون على علم بأماكن تواجدهم في حال حدوث متاعب».

وترى ينيديتا برتي، أن «المعسكر السلفي الجهادي، الذي يحارب مصر، وتحاربه حماس في غزة»، على حد وصفها، تسعى بعض القيادات العسكرية لحماس إلى ترسيخ العلاقات معه؛ بسبب القيود الاقتصادية المفروضة على القطاع المحاصر.

ويُشار إلى أنّه، بمجرد إغلاق «ولاية سيناء» الأنفاق، ظهرت أزمة تأخر صرف رواتب موظفي حكومة حماس في غزة؛ كونها تعتمد على ما تجمعه من ضرائب على البضائع المهربة عبر الأنفاق التجارية في شئون موظفيها المالية، كما تقلصت موازنات «كتائب القسام»، وحركة حماس نفسها.

قبضة التنظيم أم السلطات المصرية؟

شهدت الأشهر الأخيرة تقاربًا بين حركة حماس والسلطات المصرية، بوساطة من قيادي حركة فتح المفصول، «محمد دحلان». وعلى إثر ذلك، دفعت حماس برسائل إيجابية؛ بضبطها الحدود، ومنعها عناصر ولاية سيناء لغزة، كما رممت مقر القنصلية المصرية، فيما سمحت السلطات المصرية ـ في المقابل ـ بفتح معبر رفح الحدودي أكثر من مرة.

المحلل السياسي الفلسطيني «هاني البسوس»، ينظر إلى التقارب الحاصل بين حماس والسلطات المصرية، على أنه «تقارب المصلحة»، فمن جانب حماس، يكمن جزء كبير من المصلحة في فك أو تخفيف الحصار على القطاع، من جانب آخر تكمن مصلحة السلطات المصرية، في تحييد جانب حماس، أو كسبها، في معركته ضد تنظيم «ولاية سيناء»، لذا فإن البسوس يرى أنه على حماس، انطلاقًا من دافع المصلحة أيضًا، أن «تؤمن الحدود وتتعاون مع الجيش المصري، فالتوجه السياسي لدى النظام في مصر بالانفتاح على غزة تدفعه أسباب أمنية واقتصادية، ويدعم ذلك موقف بعينه، وهو تهيئة الأجواء للقيادي محمد دحلان«، كما قال.

وخلال حديثه لـ«ساسة بوست»، استبعد البسوس أن تكون قبضة التنظيم قوية على حركة حماس، مُوضحًا «يتنشط تنظيم ولاية سيناء في سيناء، بينما يتمركز نشاط حماس في غزة»، لذا فإنه يعتقد أن ثمة تضخيمًا لفكرة قبضة التنظيم على حركة حماس، بل يذهب إلى أن هناك تضخيمًا لفكرة سيطرة التنظيم على سيناء، مُدللًا على ذلك بتنقل وفود حماس إلى القاهرة، وتسهيلات فتح معبر رفح، وهي أيضًا بالنسبة إليه دلائل على أن «الجيش المصري يُسيطر».

واستدرك البسوس «صحيح أن سيناء ليست تحت سيطرة الجيش بشكل كامل، لكن، إعطاء التنظيم هذا الحجم قد يكون مبالغة«.

وفيما يتعلق بمسألة الضغط على حماس، يرى البسوس أن بإمكان «ولاية سيناء» أن يؤثر على عمل حماس، لكن ليس لدرجة الأذى، على حد تعبيره، مُوضحًا «تقليص العمل في الأنفاق هو سياسة الدولة في مصر، وأهل سيناء وقبائلها لهم مصلحة في عمل الأنفاق، والقبائل قوة لا يستهان بها في سيناء«.

خلاف أيديولوجي يطوق غزة

ولا ينفي التعاون بين حماس و«ولاية سيناء»، الهادف إلى تخفيف ضغوط الحصار المفروض على غزة؛ حقيقة الخلاف الأيديولوجي بين الحركة والتنظيم، أو العداء التقليدي بين جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين.

في هذا الصدد، يقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، «مصطفى زهران»، إن تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، وفروعه، ومنذ صعوده في 2914، وهو دائم السعي إلى إظهار التيارات الإسلامية، خاصة التي تتبنى خيار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، على أنّها «مهادنة»، ويعتبر أن ما تقوم به حماس ليس «جهادًا»، حسبما قال.

(مصدر الصورة: موقع المصريون)

وفي محاولة لرصد إشكالية العلاقة بين حماس والتنظيمات السلفية الجهادية في غزة، والتي انطلق منها تنظيم «ولاية سيناء» نحو عداء حركة حماس، يوضح زهران لـ«ساسة بوست»، أن هذه الإشكالية بدأت منذ قتلت حماس أمير الجماعة، «عبد اللطيف موسى»، خلال أحداث مسجد ابن تيمية عام ٢٠٠٩، ثم أخذت بمحاصرة الجهادية السلفية وتضييق الخناق عليها في غزة.

ويرى زهران أن هذه الأحداث، بمثابة «إرهاصات لما تكوّن بعد ذلك من عداء مباشر من قبل تنظيم الدولة الذي يمثل التطور لحالة الجهادية العالمية» على حد قوله، مُضيفًا «حالة العداء لها مرجعية وانطلاقة، فولاية سيناء هي أحد أفرع تنظيم الدولة، وبالتالي تحوي نفس الإيديولوجية، وذات الكره تجاه حركة حماس، هذا التنافس على شرعية الجهاد، من منهم يقوم بحركة الجهاد الحقيقي».

وعليه يرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أنه من الطبيعي أن تكون العلاقة شائكة بين حماس و«ولاية سيناء»، إذ يعتبر التنظيم أن حماس حركة «غير جهادية»، فيما تعتبر حماس أن التنظيم «تكفيري»، على حد تعبير زهران.

«يمكنا تفهم الآليات التي يستخدمها التنظيم فيما يمكن تسميته بمحاولة رسم طوق في خاصرة غزة، بما أنها تستطيع أن تتحرك في مساحات كبيرة داخل سيناء، خاصة في الناحية الجنوبية التي تسطير عليها في سيناء»، يقول مصطفى زهران، الذي أشار إلى أن «السلطات المصرية في البداية لم تتفهم حقيقة العداء بين حماس وتنظيم الدولة، ووضعت حماس مع الإخوان المسلمين في قالب واحد؛ وهو ما دفع تنظيم الدولة لأن يتمدد أكثر وأكثر»، لكنه يعتقد الآن أن السلطات المصرية، استطاعت أن تتفهم ضرورة «احتواء حماس» على حد تعبيره؛ كون أن للحركة «يد ضاربة في مواجهة التنظيمات المتطرفة في غزة»، كما قال، وربما يُؤكد على ذلك، إعلان التنظيم، مقتل أكثر من عضو ينتمي له، داخل غزة على يد حماس.

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد