أثار قرار تأييد تركيا للعملية العسكرية التي تقودها السعودية ضد معاقل الحوثيين في اليمن، بمشاركة عشر دول عربية استهجان إيران، لا سيما عندما صرح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده تقديم الدعم اللوجستي لوقف هيمنة إيران على الشرق الأوسط.
حينها بدأ التراشق الإعلامي بين الدولتين، احتجاجًا على تدخل إيران في الشؤون العربية، ما أدى إلى فتح ملفات التوتر فيما بينهما، والمتفاقمة منذ سنوات قليلة.
سنتعرف في التقرير التالي على أبرز أسباب توتر العلاقة بينهما بسبب عملية “عاصفة الحزم”، وطبيعة الملفات المختلف عليها، إلى جانب سيناريوهات المرحلة المقبلة.
أولًا: لماذا انزعجت إيران من دعم تركيا لـ«عاصفة الحزم»؟

العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز والرئيس التركي رجب طيب أردوغان
لا بد من الإشارة في البداية، إلى أن انزعاج إيران من تركيا جراء دعمها لـ”عاصفة الحزم”، ليس للمرة الأولى، فالعلاقات طفت على السطح مؤخرًا، على الرغم من ثباتها فترة من الزمن، بسبب تغول إيران ومساندتها لما يجري في العراق وسوريا، وما نتج عن ذلك من دمار شامل في البلاد.
تفاقم الانزعاج أيضًا حينما دعت تركيا إيران إلى سحب قواتها من العراق وسوريا، فضلًا عن أن دعمها للحوثيين يزعجها هي والسعودية ودول الخليج العربي، فهي كما يرى أردوغان أنها تحاول الهيمنة على الرشق الأوسط.
ترى إيران أن وقوف تركيا لجانب السعودية تهديد لمصالحها، خاصة مع التقارب السعودي- التركي مؤخرًا،
فإيران لديها رؤية سياسية عقائدية ضيقة، في حين تركيا دخلت في الساحة الإقليمية بقوة بعد سقوط العراق في 2003.
وبالتالي، أعاد هذا التوتر البلدين إلى عام 2003م، أي بعد احتلال أمريكا للعراق، حيث دخلت العلاقات الإيرانية- التركية مفترقًا حاسمًا، وساهم الاحتلال في تبدل موازين القوى الإقليمية لمصلحة إيران، وبشكل جعل المصالح التركية عرضة للخطر من جراء طفور الطموحات القومية الكردية.
إلى جانب إعادة توزيع لموازين القوى الإقليمية عمومًا وبين إيران وتركيا خصوصًا، إذ إن انهيار النظام العراقي السابق وهيمنة الأحزاب السياسية الشيعية على الحكومة والبرلمان العراقيين، ودور الأكراد في شمال العراق والسلطة المركزية ببغداد، أدت كلها إلى تزايد النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين بالترافق مع نشوء تهديدات جديدة للأمن القومي التركي.
ثانيًا: ما السر في وقوف تركيا إلى جانب السعودية ودعم «عاصفة الحزم»؟

الرئيس التركي السابق عبد الله غول ونظيره الإيراني حسن روحاني
اعتبارات عدة لوح إليها المراقبون بشأن دعم تركيا للتحالف العربي ضد تمدد الحوثيين في اليمن، أبرزها أن الحوثيين انتهكوا الاتفاقيات الموقعة وقرارات مجلس الأمن الدولي، ولم يستجيبوا لدعوات الحوار، وأظهروا نوايا التوجه نحو السيطرة على اليمن، مما زاد من احتمالات اندلاع حرب أهلية.
إضافة إلى محاولة فرض إيران هيمنتها في كل من سوريا والعراق واليمن، فتركيا حريصة على التقارب الثنائي مع السعودية وتريد تطوير العلاقات للتعاون بشكل أكبر، وتطمح بقوة لانعكاسات هذه العملية على القضايا المشتركة والأكثر تأثيرًا عليها كما في كل من سوريا والعراق.
في المقابل، ثمة من يرى أن تركيا ترغب بتحسين العلاقات السياسية والأمنية مع السعودية، في محاولة منها لاستغلال السياسات الانفتاحية التي تتبناها القيادة السياسية بقيادة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز حيال بعض دول الإقليم، وعلى رأسها تركيا.
فضلًا عن مراهنة السعودية على تحالف عربي إقليمي (سني) لمواجهة التمدد الإيراني المساند للتحركات الميدانية لمليشيات الحوثي، سواء حيال مدينة عدن أو بالقرب من الحدود اليمنية مع الأراضي السعودية.
ثالثًا: على ماذا تختلف تركيا وإيران في ملفات المنطقة؟
1- صراع العراق:

أردوغان وزعيم حزب كردستان العراق مسعود البارزاني
أفرز الصراع الجاري في العراق – تحديدًا منذ سقوط العاصمة بغداد مارس عام 2003، وما يجري في سوريا، وامتداد أيدي إيران فيهما- توتر العلاقات بين البلدين، خاصة وأن إيران تنظر لتركيا على أنها “عدو محتمل” يهدد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
وبالتالي، تسعى الدولتان إلى أخذ “كعكة العراق” وحدها، دون أن تبقي لنظيرتها شيئًا، فحدة الصراع التركي– الإيراني، تكمن في أن كلًّا منهما أصبحت تنظر لنفسها على أنها إمبراطورية لها امتدادها الجغرافي والديمغرافي، وخارطة تحرك رسمت وفق مصالح ومعادلات حسابية دقيقة.
فتركيا التي تتخذ من المذهب السني والتاريخ العثماني، ركيزة لها في مشروعها الإمبراطوري، في حين ترتكز إيران على المذهب الشيعي والتاريخ الفارسي، لتحقيق مشروعها، وهو ما أدخل المنطقة في دوامة صراع مذهبي (السني– الشيعي)، تعددت ساحاته وميادينه في عدد من بلدان المنطقة.
ما زاد حدة التوتر بين البلدين، أن تركيا عقدت تحالفات مع أكراد العراق، من أجل ضمان نفوذها في شمال العراق وخلق نفوذ موازٍ للنفوذ الإيراني في العراق، فضلًا عن منع تمدد ذلك النفوذ إلى شمال العراق.
إضافة إلى استغلال ذلك في منع الأكراد من تشكيل دولة فيدرالية مستقلة، فضلًا عن إمكانية المساعدة التي يمكن أن تحصل عليها تركيا من أكراد العراق لمحاربة وطرد حزب العمال الكردستاني.
إضافة، إلى دعم إيران الميليشيات الشيعية ضد السنة في العراق، حيث دعت تركيا مرارًا إيران إلى سحب القوات من الأراضي العراقية.
2- الأزمة السورية:

زعيم المعارضة السورية معاذ الخطيب
تختلف بوادر الخلاف بين الدولتين في سوريا كثيرًا، حيث كان موقف تركيا حيال سوريا يعبّر عن الثقة بالنفس التي تبديها أنقرة مؤخرًا باعتبارها قوة إقليمية في غرب آسيا وشمال إفريقيا، ودعمها الحماسي لقوى المعارضة المناهضة لحكم بشار الأسد في سوريا قد فتح الباب أمام التنافس مع إيران.
حتى إن الصراع في سوريا والعراق، وضع الدولتين على شفير حرب باردة، تزداد حرارتها يومًا بعد آخر، في خضم التطورات الكبيرة والمتسارعة في الملف السوري، وظهور بوادر لتقهقر القيادة السورية بقيادة بشار الأسد أمام اتساع حجم ونوع المعارضة السورية على الأرض.
وفي السياق، ثمة من يرى أن إيران تشعر حقيقة بصعوبة الموقف الذي وضعها فيه نظام الأسد، فقد خسرت وخلال ما يقارب العام نفوذها المطلق في سوريا، وفشلت محاولاتها في البحرين، وتشهد توترًا قلقًا في لبنان، وقد تشهد في قادم الأيام ما لا يسرها في العراق، واليمن مؤخرًا.
3- التقارب السعودي التركي:

أردوغان في زيارته الأخيرة للسعودية
صد خطر الإرهاب والمد الشيعي وتزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، كان أبرز ما اتفق عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في زيارة الأول أوائل مارس الماضي، وهو ما أربك الساحة الإيرانية، وزاد التخوف من تداعياته.
لذلك، تتقاطع المصالح السعودية مع تركيا، في احتواء نفوذ إيران، والإمساك بطرفي اللعبة (النظام والمعارضة)؛ مما يعني تقوية الحكومات المركزية، وتحجيم اللاعب “غير الدولة”، إضافة إلى محاولة ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلّفته الإدارة الأمريكية في المنطقة.
ويتبنى هذا التقارب بين الطرفين، هدف تعزيز الحكومات المركزية والتخفيف من حدة صراع الهويات الفرعية؛ من أجل إضعاف اللاعب “غير الدولة”، الذي يعتبر بمثابة أداة المشروع التوسعي الإيراني، كفيلق بدر وحزب الله، ومصادر التهديد الرئيسية، كتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة.
ويرى مراقبون، أن التطور في العلاقة التركية السعودية هو مما يثير الارتياح، ويبشر بلجم غرور إيران، الأمر الذي سيصبُّ في مصلحتها أيضًا، لأن مغامراتها الراهنة لم تعد، ولن تعود عليها وعلى الأمة بغير الكوارث، وشعبها أولى بأموالها التي تبذرها على تلك المغامرات بلا حساب.
رابعًا: إلى أين تتجه تركيا وإيران؟

وزير خارجية تركيا داوود أوغلو ونظيره الإيراني جواد ظريف
مما لا شك فيه أن العلاقات بين البلدين اتسمت بالتنافس والتعاون تارة، والتوتر والخلاف تارة أخرى، كونهما تمثلان ثقلًا كبيرًا في منطقة الشرق الأوسط، حيث إن العلاقات بينهما لم ترتبط فقط بحقبة ما، بل بوجود الإرث الثقافي والتاريخي.
ويرى متابعون أن العلاقات بين البلدين منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران 1979 في أدنى مستوى حتى اليوم، بسبب الصراع السياسي التاريخي بينهما، فضلًا عن الإزعاج الذي سببه نجاح الثورة الإسلامية في إيران لدول المنطقة وعلى رأسها تركيا.
ويرون أيضًا أن تركيا لن تغير موقفها حيال القضية والصراع في سوريا، وسياساتها نحو العراق وسوريا، ولكن سيكون هناك تغيرات في الشرق الأوسط يتبعها اتفاقيات بين الدول على أساس المصالح بغض النظر عن اختلافهم على موضوع ما.
لكن، ومع استمرار عملية “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين في اليمن، فإن العلاقات بينهما في توتر مستمر، عقب تبادل التصريحات بين المسؤولين من الدولتين، حيث للمرة الأولى تُهاجم إيران وسياستها الإقليمية بشكل شرس وغير مسبوق، ويتم وصفها بأنها “تجاوزت كل حدود الصبر”.
لذلك، هذا التحول في الموقف التركي تجاه طهران ربما يكون باهظ التكاليف الاقتصادية على الأقل، كمرحلة أولى، ودون نفي في الوقت نفسه احتمال تطوره إلى مواجهات سياسية، وربما مناكفات لاحقًا، إذا لم يتم تطويقه بسرعة، وهذا احتمال ضعيف.
ويشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين إيران وتركيا يزيد عن ثلاثين مليار دولار سنويًّا، وكانت تركيا هي أحد أكبر المستفيدين من العقوبات المفروضة على إيران منذ ثلاثين عامًا.
لكن الخطورة أن إيران التي باتت على وشك توقيع اتفاق مع الدول الستة العظمى حول برنامجها النووي ينص على رفع هذه العقوبات عنها، قد تكون في موقف أقوى يسمح لها بالاستغناء عن تركيا كشريك تجاري كليًّا أو جزئيًّا، الأمر الذي قد يوجه ضربة قوية للاقتصاد التركي.
حتى إن الرئيس التركي يدرك أن الاتفاق الإيراني الأمريكي الوشيك سيقلل من اعتماد أمريكا على تركيا ودورها الإقليمي لصالح الدور الإيراني، وسيحول إيران إلى “قوة عظمى” اقتصاديًّا وعسكريًّا، وركيزة أساسية للسياسة الغربية في المنطقة، كما يرى مراقبون.
حيث إن أي فتور، أو تدهور في العلاقات التركية الإيرانية يجب أن يؤدي إلى “سخونة” في العلاقات التركية العربية، لتعويض الخسائر الاقتصادية المتوقعة أولًا، وتشكيل “تحالف سني” قوي في وجه التوسع الإيراني المتوقع بعد رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
والمعضلة الرئيسية التي ستواجه أي تحالف تركي عربي ستتمثل في دعم أردوغان المطلق لحركة “الإخوان المسلمين”، وعدائه مع مصر ودول خليجية مثل الإمارات والسعودية بسبب ذلك، وهذا يستند إلى استمرار الدعم أو تقليصه.