تحصيل الضرائب من المواطنين ليس حديث العهد، فلقد لجأ الحكام منذ القدم إلى جمع الأموال من الشعب في أغلب الأحيان لتحسين حالة الجيوش وتسليحها، ولذا كانت تزداد قيمتها في أوقات الحرب. ومن المألوف أن نسمع عن فرض ضريبة على الأموال، وأخرى على الممتلكات، وضريبة تجارية، ولكن اسمح لنا أن نصحبك في رحلة عبر الزمن للوصول إلى العصور الوسطى للتعرف على أغرب الضرائب التي فرضت آنذاك.
1- ضريبة على التبول.. للبول استخدامات عديدة فادفعوا!
لا يهم كيفية الحصول على الأموال، ففي النهاية قيمتها لا تتغير. هذا ما قصده الإمبراطور الروماني فسبازيان حينما قال: «Pecunia non olet» أو (الأموال لا تُنتن) موجهًا كلماته لابنه الكبير تيتوس الذي أعرب عن اشمئزازه من فرض الإمبراطور ضريبة على التبول.

تمثال للإمبراطور فسبازيان
كانت الخزانة في عهد فسبازيان الذي جلس على العرش في أواخر عام 69 ميلاديا مستنزفة تقريبًا؛ بسبب الحروب الأهلية ونفقات الأباطرة السابقين، فقد تتابع على الحكم ثلاثة أباطرة خلال عام واحد بعد انتحار الإمبراطور الروماني نيرون في عام 68م. حاول فسبازيان تأمين أكبر قدر من الأموال، وكانت ضريبة البول التي فرضها في عام 70 من أغرب الطرق التي لجأ إليها، وقد سبقه إلى فرضها الإمبراطور نيرون، إلا أنه ألغاها بعد فترة قصيرة.
كان للبول البشري استخدامات متعددة في روما القديمة، مثل استخدامه في العديد من المغاسل لإزالة الدهون والأوساخ من الملابس لاحتوائه على اليوريا التي تتحول إلى مادة الأمونيا المبيضة بعد عدد قليل من الساعات. استخدم البول كذلك في دباغة الجلود، وصناعة النسيج، وتبييض الأسنان، مما جعله سلعة ذات قيمة، تُجمع من نظام المجاري الكبيرة في الإمبراطورية.
المؤرخون ليسوا متأكدين تمامًا مما إذا كان الأشخاص الذين يستخدمون البول في عملهم هم فقط الذين اضطروا لدفع ضريبة البول، أو أنها كانت ضريبة عامة. ولكن ما تؤكده السجلات التاريخية أن فسبازيان قد ترك الخزانة الرومانية مليئة بالمال لورثته مما قد يكون مؤشرًا على نجاح ضريبة التبول في تحقيق هدفها.
2- ضريبة شعر الوجه.. تريد إبقاء لحيتك؟ إذًا ادفع
فرض هنري الثامن ملك إنجلترا ضريبة على اللحية في عام 1535، وزادت الرسوم مقارنة بمكان صاحب اللحية في المجتمع. كما فرضت إليزابيث الأولى ابنة هنري الثامن ضريبة اللحية والشوارب على كل من مر أكثر من أسبوعين على حلاقة شعر وجهه. شكك بعض المؤرخين في فرض هنري الثامن لضريبة اللحية، إلا أن هناك دعمًا تاريخيًا موثقًا يؤكد فرض بطرس الأكبر لتلك الضريبة.

القيصر الروسي بطرس الأكبر
ففي عام 1698 فرض القيصر الروسي بطرس الأكبر ضريبة على اللحية سعيًا منه إلى التخلص من اللحى من أجل تحديث روسيا حتى تتمكن من منافسة القوى الأوروبية بعد اعتقاده أن اللحية الروسية تعد رمزًا لركود أمته.
كان على الملتحين دفع ضرائب كبيرة وكانوا مطالبين بحمل عملة معدنية فريدة لإثبات أنهم اشتروا الحق في البقاء ملتحين، وقد عثر علماء الآثار في روسيا على عملة ضريبة اللحية من إصدار عام 1699.
3- ضريبة العزاب.. هل كانت هذه الضرائب عقوبة أم تشجيعًا؟
قد ترى أن فرض ضريبة على الرجال لمجرد أنهم لم يتزوجوا شيء غريب، ولكن كان للحكام رأي آخر. ربما كانت دوافعهم التشجيع على الزواج وزيادة النمو السكاني، أو زيادة إيرادات الحكومات، أو مجرد تبني وجهة النظر التي عبر عنها الشاعر والروائي الأيرلندي أوسكار وايلد حين قال: «يجب أن يخضع العزاب الأغنياء للضرائب المرهقة، فليس من العدل أن يكون بعض الرجال أسعد من غيرهم».
بدأ الإمبراطور الروماني أغسطس عام 9 بعد الميلاد فرض الضرائب على العزاب لتشجيعهم على الزواج، كما فرض ضرائب على من ليس لديهم أولاد. ومن أجل تحصيل الأموال اللازمة للحرب ضد فرنسا، لجأت إنجلترا في عام 1695 إلى فرض ضرائب على العزاب الذين تخطت أعمارهم 25 عامًا، وأُلغيت في عام 1706.
4- ضريبة بطاقات اللعب.. ادفع أو مُت دون طقوس دينية!
في القرن السابع عشر، أصدر الملك جيمس ملك إنجلترا واسكتلندا قانونًا يطالب بحمل بطاقة اللعب آس البستوني في كل حزمة بطاقات لشارة دار الطباعة الخاصة بها، لإثبات دفع الضرائب على تصنيعها.
وبموجب قانون الطوابع الذي سنه البرلمان البريطاني عام 1765، يُحاكم المتهربون من هذه الضريبة والمزورون للشارات كمرتكبي الجرائم، ويُحكم عليهم بالموت دون وجود رجال الدين أي دون طقوس أخيرة؛ وهو ما يوضح عظم الإثم الذي ارتكبوه. كما تعرض بائعو ومشترو البطاقات المزورة إلى غرامات مالية. استمرت ورقة آس البستوني في حمل شارة المطبعة دليلًا على دفع الضرائب حتى عام 1960.
5- ضريبة على الملح.. الأغنياء مُستثنون!
قبل اندلاع الثورة الفرنسية 1789، وُضعت قوائم للمظالم لمناقشتها أثناء انعقاد مجلس طبقات الأمة لإدارة الوضع المتدهور الذي وصلت إليه البلاد، وكان من ضمن المظالم المدرجة في القوائم ضريبة الملح أو كما تدعى بالفرنسية «Gabelle».

ضريبة الملح
بدأ فرض ضريبة غابيل في القرن الرابع عشر، وكانت في البداية ضريبة لكل السلع الاستهلاكية، وفي القرن الخامس عشر أصبح المقصود بها ضريبة للملح على وجه الخصوص. لم تحظ الضريبة بشعبية لدى الجماهير، خاصة وقد استُثني النبلاء، ورجال الدين، وكبار رجال الدولة من دفعها.
ألغيت ضريبة الملح في مارس (آذار) عام 1790، ولكن أعادها نابليون بعد 16 عامًا فقط، ولم تُلغ إلا في عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية.