إذا أردت أن تبنى بيتًا جديدًا فاعتنِ بالأساسات لأنها تحدد صلابة هذا البيت وعمره، وإذا أردت أن تُنشأ إنسانًا سويًّا قادرًا على مواجه الحياة بشكل متوازن عليك أن تعتنى بمراحل طفولته المختلفة (الطفولة المبكرة والطفولة المتوسطة والطفولة المتأخرة) والتي تبدأ من سن سنتين وتمتد إلى بداية مرحلة البلوغ .
تُعد السنوات الأولى من حياة الطفل مهمة جدًّا للصحة والنمو، فهي تشهد استمرار نمو الدماغ وتطوره حتى يصل الطفل إلى مرحلة البلوغ، الأمر الذي يمكن القول معه أن السنوات الثماني الأولى من حياة الطفل هي الأساس للصحة النفسية والعقلية على مدار سنوات عمره اللاحقة. 

خبرات الطفولة المبكرة تؤثر في نمو الدماغ!

تنمو أدمغة الأطفال وتتطور بشكل أفضل في البيئات الآمنة التي توفر الدعم والحماية لهم، وتشكل التجارب الإيجابية و السلبية على حدٍّ سواء طريقة نمو الأطفال والتي تمتد تأثيراتها مدى الحياة، ويشير تقرير منشور على موقع جامعة هارفرد أن الإجهاد المستمر الذي يتعرض له الأطفال خلال سنوات الطفولة الأولى يؤثر سلبًا في النمو الصحي للدماغ والسلوك والصحة طوال العمر.

فما هو الإجهاد إذن؟

الإجهاد هو الطريقة الفطرية التي يستجيب بها الجسم للأحداث  والتجارب الإيجابية والسلبية اليومية طوال حياة الإنسان، وهي دلالة على النمو الصحي للطفل، يُعرف موقع مركز علاج القلق واضطرابات المزاج الإجهاد بأنه الاستجابة البيولوجية  للجسم عندما يتعرض لبعض الضغوط الجسدية والنفسية والعاطفية فتزيد معدلات التوتر والقلق ويرتفع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب فتبدأ استجابة الهروب أو القتال، أو ما يعرف بمتلازمة التكيف.

ما الضغوط التي يتعرض لها الأطفال؟

يساعد وجود بيئة داعمة من قبل الآباء ومقدمي الرعاية على تخفيف التأثيرات الحادة للإجهاد التي يتعرض لها الأطفال، وتطوير أنظمة استجابة صحية للضغوط، ويشير تقرير منشور على موقع «بيرينتج فور برين» التربوي أن المجلس العلمي الوطني الأمريكي حدد ثلاث أنواع من الضغوط النفسية التي تشكل تأثيرًا في نمو وتطور الأطفال وهي:

الإجهاد الإيجابي: يُشير إلى الضغوط اليومية العادية التي قد يمر بها الأطفال، مثل يومهم الأول في المدرسة، أو عند مقابلتهم أشخاص غرباء، وهي ضغوط لا تدوم لوقت طويل وتساعد الأطفال على تعلم مهارات التأقلم وإدارة التوتر، وتنعكس قدرتهم على التعامل مع هذه الضغوط على نموهم وتطورهم بشكل إيجابي.

الإجهاد المحتمل: يُشير إلى التجارب السلبية في بداية حدوثها مثل الطلاق أو الانفصال عن أحد الوالدين، أو وفاة أحد أفراد العائلة، والتي يساعد وجود دوائر آمنة من العائلة أو الأقارب في التغلب عليها واحتوائها، ومساعدة الطفل على التعامل معها بشكل صحي.

الإجهاد المزمن السام»: يحدث الإجهاد المزمن أو السام عندما يختبر الطفل مشاعر حادة ومتكررة أو مستمرة لفترات طويلة مثل التعرض للاعتداء الجنسي، أو الإساءة العاطفية و الجسدية، أو الإهمال المزمن، أو فقد أحد الآباء، وتؤثر هذه الأحداث في درجة استجابة الطفل للتوتر والضغط وتتركه في حالة تنشيط مستمر لمحاولة الهروب داخليًّا من هذه البنية، خاصة إذا ترك الطفل دون تلقي الدعم الكافي من الآباء ومقدمي الرعاية.

الإجهاد السام يغير بنية الدماغ

تساعد استجابة الهروب الجسم على تخفيف آثار الإجهاد، إلا أنه وفقًا لدراسة منشورة على موقع المكتبة الأمريكية للطب، فإن التنشيط طويل المدى لأنظمة الاستجابة للضغط يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالإجهاد والضعف الإدراكي، وضعف التنظيم العاطفي ويزيد من أمراض القلب والأوعية الدموية، والمشكلات المرتبطة بالتمثيل الغذائي، والجهاز المناعي كما أنه يعطل تطور بنية الدماغ نتيجة لتقلص حجم المادة الرمادية في الفص الجبهي والحد من نمو منطقة الحصين المسؤولة عن التعلم والعمليات المعرفية المختلفة من انتباه أو إدراك وتذكر.

تغيرات في كيمياء الجسم وراء ذلك

يُعزي تقرير منشور على موقع «نيشن وايد تشيلدرن» السبب وراء التغيرات في بنية الدماغ عند الأطفال الذين يعانون من  الإجهاد المزمن إلى بعض التغيرات الكيميائية الحيوية في الجسم، والتي تحفز تنشيط هرمونات الغدة الكظرية والغدة النخامية؛ فترتفع مستويات هرمون الكورتيزول والأدرينالين مما قد يؤدي إلى تغيرات طويلة الأمد في الجهاز العصبي والغدد الصماء والجهاز المناعي.

الإجهاد المزمن يُضعف استجابة طفلك الطبيعية للتوتر

يتعرض الطفل العالق في مضمار الإجهاد المزمن لمستويات عالية من هرمونات التوتر «الكورتيزول» ويصاب بأعراض القلق التي قد ترافقه لسنوات لاحقة، إلا أنه في بعض الحالات ووفقًا لتقرير منشور على موقع «ساينس بيرينتج» المعني بالتربية، فإن الجسم يتكيف مع حالة الإجهاد المزمن التي يعيشها و بدلًا من ضخ هرمونات التوتر «الكورتيزول»، يصبح أقل تفاعلًا مع الضغوط اليومية، ويفقد قدرته على فرز الحد الطبيعي من الكورتيزول عندما يحدث شيء مثير للقلق، ويصاب بمجموعة متنوعة من المشكلات السلوكية، مثل ضعف التنظيم العاطفي، والاندفاع، واضطرابات السلوك المعادية للمجتمع.

الإجهاد المزمن يهدد طفلك بالشيخوخة المبكرة

يُشير التقرير السابق الذي حررته دكتور جوين ديور المتخصصة في مجال علم النفس التنموي والأنثروبولوجيا التطورية، أن الأطفال الذين يعانون من الإجهاد المزمن يمتلكون تيلوميرات أقصر من الأطفال الذين لا يعانون من ضغوط مزمنة وتوضح ديور أن التيلوميرات هي جزيئات تشكل أغطية واقية في نهايات الكروموسومات، الهدف منها الحفاظ على الحمض النووي من التلف، إلا أنها تتآكل مع التقدم في العمر فتظهر علامات الشيخوخة، وتشير ديور إلى أن الاجهاد المزمن يسرع من عملية تآكل التيلوميرات، فيصاب الأطفال الذين يعانون منه من شيخوخة مبكرة.

كيف تحمي طفلك من الإجهاد المزمن إذن؟

يوضح دكتور بروس س. ماكوين، المؤلف الرئيسي لدراسة عن «تأثير الإجهاد المزمن  في الدماغ النامية» إن  الدماغ النامي للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة يتمتع بحساسية ومرونة قد تساعد بشكل كبير في التعافي من آثار الإجهاد إذا تم توفير بيئة داعمة للطفل. نستعرض فيما يلي بعض الإستراتيجيات التي تتضمن طرق إدارة الإجهاد وتساعد في تقليل مستويات التوتر:

راقب سلوك طفلك 

تُعد مراقبة سلوكيات الأطفال خاصة عند اختبارهم مواقف حياتية جديدة أمر شديد الأهمية ويساعدك على التنبؤ برد فعل طفلك واستجابته في مواجهة الضغوط المختلف، و تحديد ما إذا كان يحتاج مساعدة أم لا.

كن معه في مواجهة الإجهاد

التعرض للتوتر والإجهاد هو أمر طبيعي وظاهرة صحية تساعد طفلك على التكيف، إلا أن مشاعر الإجهاد المزمن التي قد يعانيها طفلك بسبب بعض التجارب المؤلمة لن تمر دون وجود شبكة دعم قوية من المحيطين به، تشجعه وتساعده على التغلب على قلقه ومشاعره السلبية.

العقل السليم في الجسم السليم

تُعد مساعدة الطفل على ممارسة الرياضة  من الأمور التي تساعد في الحد من الشعور بالإجهاد المزمن، ويشير موقع «مديكال نيوز» الطبي إلى أن ممارسة الرياضة تساعد في إنتاج الجسم لهرمون الإندورفين، وهو هرمون يساعد على التقليل من الشعور بالإجهاد ويعزز الحالة المزاجية، ويقلل من التوتر.

الموسيقى غذاء الروح ليس شعارًا

تساعد الموسيقى على التقليل من حدة استجابة الجسد للضغوط المختلفة التي يمر بها الأطفال، وقد كشفت دراسة أجريت عام 2013،  عن أن الموسيقى تؤثر في طريقة استجابة الأطفال للإجهاد وتساعد على التعافي من الاجهاد المزمن بشكل أسرع وأشارت الدراسة إلى أن العزف والموسيقى يساعدان بشكل كبير في خفض ضغط الدم وتقليل معدل ضربات القلب لتقليل التوتر والاكتئاب والقلق. 

المساعدة المتخصصة

الإجهاد هو جزء لا يمكن تجاهله من الحياة اليومية، لكن أحيانًا قد يتطور الأمر إلى شعور مزمن يضر بصحة طفلك النفسية والعقلية والجسدية، لذلك من الضروري طلب المساعدة المتخصصة من الطبيب النفسي لإيجاد آليات تكيف صحية تساعد طفلك في التعامل مع الضغوط التي يتعرض لها.

تربية

منذ سنة واحدة
العصبية ليست الحل.. 6 طرق سحرية للتعامل مع كوارث طفلك دون إيذائه

 

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد